في حادثين منفصلين حضرت صورةُ الرئيسِ العراقيّ السابق صدام حسين في عفرين، وقد سبق أن رفعت الصورة بعد احتلال المدينة على زجاج السياراتِ، والموضوع المطروح يدور حول رمزيّة اسم صدام وإثارةِ الحساسيّة الكرديّة، لارتباطه مباشرة بعملياتِ الإبادةِ الجماعيّة بحقِّ الكردِ، وبالتالي فالمرادُ من الصورةِ استفزازُ الكردِ، وتحريض ذاكرتهم حول المجازر، لتكون بذلك رسالةً مبطنةً.
صورة صدام في عفرين
على واجهة منزلٍ في حي عفرين القديمة قريباً من شارع راجو رُفعت لوحة عليها صورتان لزهران علوش وصدام حسين وكُتب على اللوحة “جيش الإسلام باقي الله أكبر”، وكان فصيل جيش الإسلام قد استولى على المنزل وجعله مقراً له، فيما نفى ياسر دلوان رئيس المكتب السياسيّ لجيش الإسلام علاقة تنظيمه بالمبنى، وقال: أنزلنا الصورة التي وُضعت على أحدِ المنازلِ بالمدينةِ على الفور”، وأشار إلى أنَّ المنزلَ يقطنه شخصٌ من ديرالزور محبٌّ لجيشِ الإسلامِ وغير منتسبٍ إليه. والحادثُ يطرحُ أسئلةً حول الغاية ووفقَ الثغراتِ الواضحةِ بالتبرير.
الحادث الثاني هو ظهورٌ مفاجئ لفصيلٍ عسكريّ بعفرين باسم “كتيبة صدام حسين”، وتقولُ مصادرٌ بأنَّ أفرادِ الفصيلِ هم مرتزقة سابقون في داعش ومع انهيارِ داعش فرّوا إلى مناطق النفوذِ التركيّ، وتجمّعوا في جبل الزاويةِ ونظّموا أنفسهم برعاية الاستخباراتِ التركيّة. ومؤخراً تم في عفرين سحبُ بعض عناصر “أحرار الشرقية” واستبدالهم بكتيبةِ ما يُعرف بكتيبة “صدام الحسين”.
يتخذ الفصيل مقره قرب السوقِ الرئيسيّ بعفرين القديمة، ويُقدر قوامه بـ400 عنصر، أغلبهم عراقيون كانوا أمراء ومسؤولين أمنيين لدى داعش سابقاً، ويرتدي بعضهم الزي الأفغاني والآخر الزيَ العسكريّ المموّه. والأعضاء القياديين كانوا عناصر استخبارات عراقيّة سابقين، وقد قاتل بعضهم مع القوات التركيّة ضمن فصائل “درع الفرات”، إذ يملكون خبرة قتاليّة عالية، وقد زوّدتهم الاستخبارات التركيّة بأسلحة متطورة، وأما عقائديّاً فيتصفون بالتشدد.
الأنفال وحلبجة
خلال الحربِ الإيرانيّةِ شنّ الجيشِ العراقيّ حربِ الأنفالِ ضد الكرد وشملت ثماني مراحل وفق التوزّعِ الجغرافيّ، بدأت المرحلة الأولى في 22/2/1988 وانتهت المرحلة الثامنة في 9/9/1988 واُستشهد أكثر من 182 ألف كرديّ رجالاً ونساءً وأطفالاً، ومن قادة العمليات والمجازر وزير الدفاع عدنان خير الله وعلي حسن المجيد الملقب “علي الكيماويّ” ونزار الخزرجي.
المرحلة الثالثة كانتِ الأسوأ ويسميها الكردُ بالأنفال الأسود، لفظاعةِ العملياتِ والمجازر، وبدأت في 7/4/1988 أي باليوم الموافق لميلاد حزب البعث، ودُمّر نحو 500 قرية بالكامل. وفي 14/4/1988 قامتِ القواتُ العراقيّةُ بدفنِ عائلاتٍ وأفراداً في مقابر جماعيّة وهم أحياءٌ. واُعتمد هذا اليوم ذكرى سنويّة لمجازرِ الأنفال.
وأما مجزرة حلبجة فقد وقعت في 16/3/1988، واُستخدم فيها السلاحُ الكيميائيّ (غاز الخردل والسيانيد) واُستشهد فيها 5500 شخص من مختلف الفئات العمريّة. ولم يبدِ علي حسن المجيد الذي أمر بالقصفِ أيّ ندم على المجزرة وقال إنّه تصرف بدافعٍ من حرصه على أمن العراق. مجلة فورين بوليسي الأمريكيّة (2013) قالت إنّ بغداد استندت لمعلوماتٍ استخباراتيةٍ أمريكيّةٍ عن استعدادٍ إيرانيّ للهجوم، بعد انسحابها من المنطقةِ.
الشيعة الكرد والعرب
في ملفِ الكردِ الفيليين (الكرد الشيعة) وقعت مآسٍ عدة، ففي 4/4/1980 دُفع بآلاف عوائلِ الفيليين إلى الحدود الإيرانيّة، وقضى كثيرون بالعراء، وتمّ اعتقال الشباب، وخلال الحربِ مع إيران أُّخد الشباب الفيليون إلى “الأراضي المحرّمة” وهي حقولُ الألغام على الحدود لتنفجر بهم فتفتحَ الطريق أمام الجيش العراقي. وفي 7/4/1980 تمّت دعوة 900 من التجارِ الكردِ الفيليين، لاجتماع ببغداد افتتحه طه ياسين رمضان بخطابٍ عنصريّ، وبعد الاجتماعِ مباشرة تمَّ ترحيلُ التجارِ إلى الحدودِ الإيرانيّة، وفي 7/5/1980 صدر القرار 666 القاضي بإسقاط الجنسية العراقيّة عن حوالي نصف مليون كرديّ فيلي، وتجريدهم من ممتلكاتهم وبيوتهم وزُج الآلاف بالسجون، ونُقل مئاتُ الآلافِ للحجزِ في عدة محافظات، وما بين عامي 1983-1986 تم إجراء تجارب كيميّائيّة الغازيّة في عدد من السجون التي تحتجز نحو 15 ألف سجين من الفيليين،
من المشاهد التي لا تُنسى كتابة شعار “لا شيعة بعد اليوم” على الدبابات العراقيّة التي اقتحمتِ المدن الشيعيّة لقمع الانتفاضة الشعبانيّة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت وانهيار الوضع الاقتصاديّ وتدمير البنية التحتيّة، وبدأت الانتفاضة في 2/3/1991، بإطلاقِ ضابط عراقيّ منسحبٍ من الكويتِ النارَ على صورةِ صدام بمدينة البصرة، وتظاهرِ الأهالي على إثرها منادين بشعاراتِ معارضة لصدام والحرب. واستمرت الأحداث نحو أسبوعين، أودت بحياةِ 300 ألف شخص وتشريد مليونين، ونفّذت إعدامات جماعيّة دفن الناس أحياءً، وقاد العملية الفريق حسين كامل وطه ياسين رمضان.
حروب العراق والتناقض العربيّ حيالها
تاريخ صدام ليس ببعيد، ولا دلائل فيه على إجماعٍ عربيّ حول كونِه شخصيّة شكّلت رمزيّة عربيّة جامعة، والمعروف أنّ الواقع العربيّ منذ عقود اتصافه بالانقسام ويسوده الاختلاف، والحديث عن شخصية الرئيس العراقيّ السابقِ يكتنفه جدلٌ كثير والعرب أنفسهم مختلفون حوله.
العراق حتى سقوط النظام فيه كان محكوماً من حزب البعث المعروف بشعاراته القوميّة، ولكنه عندما يتعاطى مع التاريخ والدين يمجّد الدولتين الأمويّة والأمويّة وبالتالي يتبنّى التوجّه السنيّ. ووصلتِ العلاقاتُ السوريّة-العراقيّة خلال حكم صدام أسوأ حالاتها حفلت بحملات التشهير الإعلاميّ، وكان العراق ملاذ معارضين سوريين كثر.
الحديث عن رمزيّة شخصيّة صدام حسين تستدعي العودة إلى التاريخ، وكيف وصل إلى السلطة، فقد تولى رئاسة العراق بعج الانقلاب على الرئيس العراقيّ السابق أحمد حسن البكر في 16/7/1979 في توقيت بغاية الحساسيّة، فقد كانت المحادثات السوريّة-العراقيّة قد وصلت إلى مرحلة متقدمة لإعلان الوحدة بين البلدين، والإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلويّ في إيران وإعلان انتصار ثورة الخمينيّ في إيران وتبني النظام الإسلاميّ في 11/2/1979. وخلال سنوات حكم صدام حسين عانى العراق ويلات ثلاث حروبٍ كبرى، وحصاراً اقتصاديّاً قاسياً.
جاءت حرب الخليج الأولى (الحربُ على إيران) بإعلانِ بغداد إلغاء اتفاقية الجزائر 1975. وبدأت الحرب في 22/9/1980، وكانت ضد إيران ودعمتِ الدول العربيّة العراقَ طيلة سنوات الحرب وتعددت مستويات الدعم بالتمويل والتسليح وكذلك بالمقاتلين، وانتهت الحربُ 20/8/1988 مخلّفةً أكثر من مليون قتيلٍ ونحو مليوني جريح. وغطت عناوين القوميّة والمذهبيّةُ، وطيلة سنوات الحرب كانت الشعارات الأبرز أنها حرب العرب ضد الفرس المجوس، وهي قادسية العرب، وحماية للبوابة الشرقيّة للوطن العربيّ ويُذكرُ أنّ علاقاتِ العراق مع إيران بعهدِ الشاه محمّد رضا بهلويّ لم ترتقِ للصداقة المثاليّة ولكنها لم تتسم بالعداء.
شنّ الجيش العراقيّ على الكويت في 2/8/1990، وانضمت معظم الدول العربيّة إلى التحالفِ الدوليّ لتحريرِ الكويتِ (عملية درع الصحراء) التي بدأت في 17/1/1991 حتى 28/2/1991 وكانت تلك حرب الخليج الثانية وأسفرت عن 100 ألف قتيل و75 ألف جريح، وفي ثاني يوم للحرب استهدفت الصواريخ العراقية إسرائيل بـ 39 صاروخ وحصلت إسرائيل بعد القصف على مساعدات أمريكيّة للدفاع بقيمة 10 مليار دولار.
الحرب الثالثة بدأت عندما شنّت التحالفُ الدوليّ الحربَ على العراق في 20/3/2003 ولم تساندِ الدول العربيّة العراقَ حكومةً وشعباً، واستمرَ احتلال العراق حتى 18/12/2011.
في بداية عهد صدام بدأ العراق بإنشاءِ مفاعل “تموز” النوويّ وقامت إسرائيل بتنفيذ عملية “أوبرا” في 7/6/1981 ودمّرت مشروع المفاعل، كما طوّر العراق نماذج من صواريخ سكود، وزاد مداها على حساب الحشوة المدمرة، ولكن المشروع لم يكن في مستوى التهديدِ، إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد 11/9/2001 كانت قد وضعت العراق وأفغانستان على رأس لائحة الدول المستهدفة بتهم الإرهاب، ثم عدلت لتعطي الأولوية لحرب أفغانستان، ومن بعدها العراق.
حُوكم صدام حسين بالإعدامِ على ذمةِ قضية الدُّجيل البلدة الشيعيّة التي قُتل فيها 148 شخص، ونُفّذ الحكم في 30/12/2006 صبيحة عيد الأضحى.
يمكن فهم الرمزيّة والرسالة المقصودة برفع صورة صدام الذي قتل من الكرد والشيعة وظلم السنة وحكم العراق بالحديد والنار، وتم التعاطي مع شخصيّة صدام كنموذج للعربيّ القبليّ وبنفس الوقتِ كمشروعٍ مذهبيّ سنيّ مناهض للحالة الشيعيّة الإيرانيّة، واعتمد في بقائه على رأس الحكم على دور المؤسسات الأمنيّة والعسكريّة وبخاصة الحرس الجمهوريّ.
ووفق مجمل المعطيات التاريخيّة، يمكن فهم جانب الرمزيّة المقصودة من استحضار شخصيّة صدام في منطقة تحتلاه تركيا، وتعتمد على عناصر ذوي خلفيات متعصبة مذهبيّاً بصرف النظر عن التزامهم الدينيّ، فالمسألة تتعلق باستثمار عوامل الاختلافِ والمبالغة فيها لتحرّض مزيداً من الفتنة وتذكيها، وبكلّ الأحوال فإنّ دور التركيّ غير مستبعدٍ في ذلك، وبخاصة أنها مع تدخلها منذ بداية الأزمة لعبت دوراً مهماً في تحويل إلى اختلافٍ مذهبيّ ليسهل عليها قيادتها.
ولات عفريني-عفرين بوست
المقالة تُعبّر عن رأي كاتبها