أحمد قطمة
المصدر: موقع رصيف 22 – الأحد 11 أغسطس 2024
لا بدّ لأي شخص ينحدر من عفرين في شمال غرب سوريا، المنطقة ذات الخصوصية الكردية التي كانت آمنةً حتى ربيع العام 2018، قبل أن تستولي عليها تركيا نتيجة تفوّقها العسكري، إلا وأن يكون قد استمع في يوم من الأيام إلى نصائح الفنان الشعبي الراحل محمد علي تجو، المعروف اختصاراً بـ”علي تجو”، والملقّب بـ”أبي علي”، والذي وافته المنية في العام 2012، عن عمر ناهز الـ82 عاماً.
هي نصائح لطالما لخّص فيها فحوى تجاربه الحياتية، كرجل “حكيم” أراد أن يختصر على الشباب، عناء الخوض في تجارب الحياة القاسية، مرشداً إياهم إلى الصواب الذي تعلّمه من “كيسه”.
خلال رحلة بحثه عمن تعوّضه عن حبّه الأول، بعد أن تلوّع بأتون ناره وحُرم من حبيبته (وفق ما أكد في أحد لقاءاته الصحافية)، انبرى ليدافع عن حق النساء في الحب والزواج ممن يرغبن، دون إكراه من العائلة والأب والأم، بحكم العادات والتقاليد التي كانت سائدةً حتى ستينيات القرن الماضي وسبعينياته مروراً بتسعينياته، امتداداً إلى بداية الألفية الجديدة في منطقته عفرين، التي كانت تُعدّ ريفيةً وقرويةً إلى حد بعيد، قبل أن ينتشر فيها العلم لاحقاً.
ومن أغنياته التي تحدثت عن حق الفتيات في اختيار شريك حياتهنّ، أغنية “آني أز ناخاشم“، التي تحدث فيها الراحل بلسان حال فتاة تُخاطب والدتها حول مرضها (مرض الفتاة)، وعجز الأطباء عن معالجتها لأنها مريضة بالعشق، في ظل امتناع أهلها عن تزويجها ممن تحب، حيث تقمص الراحل في الأغنية، دور المدافع عن حق الفتيات في الزواج ممن يرغبن، وهي أغنية لاقت رواجاً وصدّاً مجتمعيين وفق ما أفادت به مصادر لرصيف22، خلال إعداد هذا التقرير.
“بالإضافة إلى إمكانياته الفنية كالصوت الرائع، والعزف المتمكن على الطنبور/ البزق، كان محمد علي تجو شاعراً ارتجالياً من الطراز الرفيع، كل جلسة فنية له يلتمس فيها المستمع إلى روحه الجميلة الصادقة، أهدافه النبيلة لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، ومحاربة الخيانة والفتن المجتمعية، وحثّ الأجيال على حب الوطن”
واجه تجو، في تلك الأغنية المظالم في حق النساء، بما استطاع إليه سبيلاً، عبر الكلمات المرتجَلة والنُصح، وكانت مقرونةً دوماً بعزفه الأخّاذ على آلة البزق، مُعيداً إلى الروح سكينتها، وإلى العقل توازنه، الذي قد يختلّ في مواجهة مصاعب الحب والحياة.
غناؤه للثورات والمجتمع
وُلد محمد علي تجو، في العام 1930، في قرية “حسن ديرا/ حسن ديرلي”، التابعة لناحية “بلبل/ بلبلة” في ريف منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال غرب سوريا، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، التحق اثنان من إخوته بالجيش الإنكليزي للقتال في شمال إفريقيا وفلسطين، وكان حينها صبياً، تصحبه والدته إلى الكروم، وهناك تغني أغاني حزينةً بصوتها العذب الجميل على فراق أبنائها، وغالباً ما كانت كلمات أغانيها وليدة اللحظة، وهو ما أثّر كثيراً في تكوين محمد علي تجو العاطفي وحبّه للغناء.
وعلى الرغم من أنه لم يكن يعرف الكتابة، إلا أن فطرته السليمة قادته إلى اختيار الصواب، فسعى كذلك في كثير من أغانيه، إلى مواجهة الفتن المجتمعية التي كانت سائدةً إلى حدٍ ما آنذاك في عفرين، وهو ما شدد عليه مثلاً في أغنية “أوسبه شر/ يوسف الحرب“، التي يمكن تلخيصها في تمكّن مُختلقي الفتن من إشعال نارها بين أبناء العمومة، مستغلّين حب السلطة لدى أحدهم لتحريضه على قتل الآخر.
كان “أوسبي شر/ يوسف الحرب”، يتمتع بشعبية كبيرة بين أبناء قومه بصفته شخصيةً اعتباريةً، وهو ابن حجي مامد، وكان الطرف الثاني ابن عمه ويُدعى بكراً. اختلق بينهما مثيرو الفتن، الضغائن، وجرّوا بكراً لمحاربة ابن عمه رغبةً منه في الاستحواذ على أملاك يوسف وسمعته المرموقة، وبرغم تعقّل يوسف وسعيه إلى استرضاء ابن عمه باللين والكلمة الطيبة، إلا أن بكراً أبى ذلك، متمسكاً بمواقفه الرافضة للتوافق، والتي انتهت بقتله ابن عمّه (أبا ذر/ شقيق يوسف).
دارت أحداث هذه القصة في سهل بيزاكيه، الواقعة بين منطقتي عينتاب وكلس، وهي منطقة تقع حالياً داخل تركيا، لكن سابقاً كانت كل المناطق مفتوحةً على بعضها، إذ لم تكن توجد حدود بين سوريا وتركيا خلال العهد العثماني.
ويقول محمد علي تجو، في إحدى فقرات تلك الأغنية: “Herin bipirsin ji dewleta Benî Osman li ser derbê mêran“، وتعني بالعربية: “اذهبوا واسالوا دولة بني عثمان عن ضربات الرجال”، وفيها يتحدث الراحل تجو، موجّهاً حديثه إلى زمرة “بكر” الذي كان يريد النيل من ابن عمه للاستحواذ على مكانته، مذكّراً إياه بدور “يوسف الحرب”، في مواجهة مظالم الدولة العثمانية في حق أبناء بلده، علماً بأنه ووفقاً لما أفادت به مصادر لرصيف22، فإن الأغنية تراثية، لكن الراحل علي تجو كان يضيف إليها بعض الفقرات من شعره الارتجالي.
في الفقرة التالية، يردّ على نفسه، بلسان “بكر”، فيقول بنبرة المتعنت المصرّ على محاربة أبناء عمه برغم إدراكه خطأه، فيقول: “Ez Bekirim ,tewrî dînim, siwarê hespê kap şînim, û dev bi xwîn em“، وتعني بالعربية: “أنا اسمي بكر، الأكثر جنوناً، فارس الحصان ذو الأقدام الزرقاء، والفم الملطخ بالدماء”.
منبر الشجعان والشجاعات
تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.
في هذا الصدد، يشير فرهاد عمر فوزي، المختصّ بأرشفة الأغاني الكردية الفلكورية-التراثية، وهو تقليد ورثه عن والده الراحل عمر فوزي، مالك إستديو “الشرق الأوسط للإنتاج الفني”، والذي كان يقوم بإنتاج أشرطة الكاسيت للفنانين الكُرد، خاصةً أبناء عفرين، خلال الفترة الممتدة من سبعينيات القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الحالي في مدينة حلب، لرصيف22، إلى أن الراحل علي تجو، “ما من قضية مهمة من شأنها تغيير المفاهيم السلبية لدى الشعوب، إلا وتناولها خلال مسيرته الفنية، كالمواطَنة، والعنف ضد المرأة، والتسامح وقبول الآخر، ومكافحة الفساد، ومحو الأمية”، وذلك برغم افتقاره في تلك الحقبة التي مرّ بها إلى الدعم المالي والمعنوي والإعلامي، إذ كانت تتم بإمكانيات فردية بسيطة منه، ومن بعض محبّيه آنذاك.
وتعود معرفة فرهاد، بالراحل محمد علي تجو، إلى ما نقله له والده عمر فوزي، على اعتبار أن الأب قام بتسجيل الكثير من أشرطة الكاسيت للراحل محمد علي تجو، فمن مجموع 103 أغنيات من تأليفه وغنائه، سجل الراحل عدداً من الأغاني في إستديو الشرق الأوسط الذي كان يملكه والد فرهاد.
ويردف فرهاد: “كان الراحل محمد علي تجو، بالإضافة إلى إمكانياته الفنية كالصوت الرائع، والعزف المتمكن على الطنبور/ البزق، شاعراً ارتجالياً من الطراز الرفيع، كل جلسة فنية له يلتمس فيها المستمع إلى روحه الجميلة الصادقة، أهدافه النبيلة لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، ومحاربة الخيانة والفتن المجتمعية، وحثّ الأجيال على حب الوطن، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ‘أوسبه شر’، ‘شيخ سعيد’، ‘ليلى قاسم’، ‘سيده مامش’، ‘مصطفى جولاق’ وأمثلة كثيرة غيرها لا تُعدّ ولا تُحصى”.
ووفقاً لفرهاد، لعب الراحل دور المُخلّص لقضيته وقضية شعبه العادلة، وكان مثالاً للإخلاص على جميع الأصعدة، ما جعله أيقونةً للفن، ومرجعاً أساسياً لكل محبّي التراث والأصالة والوطن.
محمد حج ولو، (73 عاماً)، عازف بزق مُحترف، رافق الراحل علي تجو، في الكثير من الحفلات والسهرات الفنية خلال فترات كثيرة من حياته، وعرفه منذ صغره، يتحدث عن لقائه الأول مع الراحل لـرصيف22، بقوله: “عرفت محمد علي تجو منذ صغري، فعندما كان عمري لا يتجاوز العشر سنوات، جاء أولاد خالتي وهم من قرية حسن ديرا (قرية علي تجو)، وطلبوا أختي، وسابقاً كانوا يحنّون العروس في بيت العريس، لكن أبي رفض ذلك وأصرّ على أن تتم تحنئتها في بيته، ومن ثم إخراجها إلى منزل العريس في اليوم التالي، وعندما قدم أقرباؤنا من قرية حسن ديرا، كان معهم علي تجو وجميل هورو وعازف اسمه جامو زينيه، وقد جلسوا لدينا على سطح المنزل ليلاً، وسهروا حتى الصباح، وفي اليوم التالي قاموا بزفّ العريس والعروس”.
وأردف: “بعد أن أنهيت الخدمة العسكرية الإلزامية، كنت أحضر مع الراحل كعازف بزق في السهرات العائلية والحفلات، خاصةً أن الكُرد في حلب كانوا ينظّمون حفلاتهم في دور الأفراح، وكنا نحضرها معاً، أو عندما كان يريد أن يسجل شريطاً، وقد واظبت على زيارته حتى وفاته في عفرين”.
ويتابع: “غالبية الناس في عفرين، كانت تتمنى أن تجلس معه في سهراته، حيث كان يحظى بتقدير الجميع، وكانت لديه القدرة على تأليف أغنية خلال جلسة واحدة من جلساته”، مستذكراً في هذا الصدد أكثر أغنية ألّفها الراحل، وصنعت تأثيراً كبيراً في عفرين، وهي أغنية “ليلى قاسم“، عندما تم إعدامها في العراق، خلال سبعينيات القرن الماضي، “وقد اشتهر بها كثيراً، ولا يزال لها تأثيرها حتى الوقت الراهن، كونه أبدع فيها، أما الأغنية الثانية فكانت أغنية “الشيخ سعيد” في كُردستان تركيا، وهي أغنية كانت موجودةً سابقاً، لكن الراحل علي تجو، أبدع فيها، وأضاف إليها الكثير من الكلمات”.
“وضع محمد علي تجو قضايا المجتمع نصب عينيه، وكان سبّاقاً في الدفاع عن حقوق المرأة منذ ستينيات القرن الماضي، ما قوبل بالرفض من فئات اجتماعية عدة في عفرين آنذاك، وجدت في ما يطرحه كسراً للعادات المتعارفة والموروثات الاجتماعية، بالإضافة إلى محاربته من قبل الطبقة الأرستقراطية في عفرين لانحيازه للفلاحين”
وفي الأغنيتين حاول الراحل محمد علي تجو، أن يكون لسان حال المدافع عن القضية الكردية.
رفضه مجتمعياً وهجرته إلى حلب
يُجمع أصدقاء الراحل علي تجو، وأقاربه والمتابعون لفنه، على أنه وضع قضايا المجتمع نصب عينيه، حيث بدأ بإصدار الأغاني التي تطرقت إلى تلك المواضيع منذ ستينيات القرن الماضي، ما قوبل بالرفض من فئات اجتماعية عدة في عفرين، وجدت في ما يطرحه كسراً للعادات المتعارفة والموروثات الاجتماعية، بالإضافة إلى محاربته من قبل الطبقة الأرستقراطية في عفرين، والمُتمثلة في بقايا الأغوات والبكوات، الذين كانوا يرفضون دعوات الفنان إلى تعليم أبناء الفلاحين، وعدم حصره في أبناء الأغنياء، مع رغبتهم في بقاء الفلاحين أسرى لديهم، بحكم الجهل الذي كان يُسيطر عليهم، وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم.
حيال ذلك، يقول محمد (66 عاماً)، وهو أحد أبناء الراحل محمد علي تجو، في حديثه إلى رصيف22: “كان والدي يُحارب الأغوات الذين كانوا في عفرين، وأصدر في هذا الصدد عدداً من الأغاني، ركّزت على منع الأغوات أبناء الفلاحين من التعلم حتى يبقوا أسرى لديهم، مقابل سعيهم إلى تعليم أبنائهم، حيث كان الأغوات مُعترضين على انتشار الثقافة في المنطقة، وذلك في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته”، ويُضيف: “كانت أغاني والدي تُوزَّع في الأجزاء الأربعة من كُردستان، حيث كان المُستمعون في كل المواقع ينصتون إلى نصائحه”.
وحول ذلك، يقول عارف حسن، وهو مؤرشف للأغاني الكردية، خاصةً التراثية منها، ومدير قناة “جنديرس” على منصة يوتيوب، لرصيف22: “لم يكن علي تجو يهاجم عموماً، بل كان يمدح بعض من يقفون بجانب حقوق الناس ويساندون أهالي المنطقة، ومنهم فائق آغا، النائب عن منطقة عفرين ومالك قرية دير صوان، وفي المقابل كان هناك بعض الأغوات الإقطاعيين الذين لا يزالون على الطراز الاستبدادي، خاصةً في منطقة ولادة علي تجو، في جبال هاوار وراجو، وهو أمر استمر حتى نهاية السبعينيات، وكان علي تجو معروفاً بوقوفه الحازم في وجه ممارساتهم تلك”.
لكن ووفقاً لعارف، فإن قسماً كبيراً من أغاني الراحل علي تجو، قد تعرّض للتلف والدمار خلال الهجوم التركي على عفرين عام 2018، حيث كان لا يزال محفوظاً على أشرطة خام لدى بعض الأشخاص المحبين له، ولم يجرِ تحويلها إلى نسخ رقمية، ولذلك نفتقد الكثير من تسجيلات علي تجو، ومنها بعض الأغاني التي كان ينتقد فيها الأغوات.
فيما يوضح بستين محمد علي، وهو ابن ثانٍ للفنان الراحل لرصيف22: “عندما هاجر والدي من عفرين إلى حلب، لم يُهاجر هجرة الباحث عن رزقه، بل هاجر بسبب أفكاره ورفضه التعاطي المجتمعي مع الأحداث، وخضوع الناس البسيطة للأغوات وغيرهم، وكذلك بسبب أفكاره حيال المرأة، لكن قلةً كانت تستوعب دعواته وتُسانده، حتى ضمن العائلة وقريتنا حسن ديرا، حيث تعرّض والدي لمُعارضتهم، ليتوجه معها في بداية ستينيات القرن الماضي ويستقر في حلب، مواصلاً رسالته حتى اليوم الأخير من حياته”.
استقر الراحل في حلب، بدايةً في حي يُدعى المعادي، لكنه اضطر خلال حياته إلى استبدال مكان سكنه مرات كثيرة، فانتقل في ما بعد إلى دوار القمر، بالقرب من منطقة باب الحديد في حلب، ثم إلى منطقة كرم الجبل، وهي مناطق لا تضم أياً من السكان الكرد، وذلك للتواري عن أجهزة الأمن السوري.
علي تجو والاعتقالات المتكررة
وبسبب نشاطه الاجتماعي والسياسي، تعرّض الراحل للكثير من المُعاناة والاعتقال والتعذيب، اضطر معها إلى التخفي وإمضاء فترات طويلة من حياته رهيناً للتعقب والتخفّي والتنقل مع عائلته من سكن إلى سكن، درءاً للعيون التي كانت تتصيّده، وتُحاول الإيقاع به في مصيدة الأجهزة الأمنية السورية.
وخلال حياته، تعرّض الراحل علي تجو، لثلاث فترات اعتقال طويلة، كانت الأبرز والأخطر عليه، غير تلك التي كانت تتم على شكل استجوابات أو أيام قليلة من الاعتقال، أولاها في ستينيات القرن الماضي، عندما تغنّى في أغانيه بالقادة الكُرد، وهم الراحلون: الشيخ سعيد بيران في تركيا، والقاضي محمد في إيران، والملا مصطفى بارزاني في العراق. أما الثانية، فكانت في السبعينيات بسبب أغنية “ليلى قاسم”، فيما كانت فترة الاعتقال الثالثة في ثمانينيات القرن الماضي، بسبب حزب العمال الكردستاني.
وحول هذا التنوع السياسي الذي أدى إلى اعتقال الفنان الشعبي علي تجو، أكثر من مرة، يوضح ولده بستين، لرصيف22: “لم يكن والدي يُراضي حزباً أو تياراً على حساب الآخر، وأي حركة كُردية كانت تصدر في أي بقعة من البقاع، كان والدي من أوائل المُناصرين لها والمؤيدين”.
بسبب نشاطه الاجتماعي والسياسي، تعرّض الراحل للكثير من المُعاناة والاعتقال والتعذيب، اضطر معها إلى التخفي وإمضاء فترات طويلة من حياته. علماً أنه تعرّض لثلاث فترات اعتقال طويلة. وعن ذلك يقول نجله لرصيف22: “كان أبي يُعتقل من قبل الأمن السياسي السوري، ويتعرض للتعذيب، لكنه لطالما تجنّب الخوض في أساليب التعذيب تلك وما مورس في حقه، بسبب كبريائه”
ويكمل: “كان أبي يُعتقل من قبل الأمن السياسي السوري، ويتعرض للتعذيب، لكنه لطالما تجنّب خلال حياته الخوض في أحاديث عن أساليب التعذيب تلك وما مورس في حقه، بسبب كبريائه”.
ونتيجةً لكثرة التقارير المُخابراتية التي كانت تطال الراحل علي تجو، وتُرفع إلى أجهزة المخابرات السورية، وُجّهت إلى الراحل نصائح عدة من شخصيات أمنية سورية، كانت مطّلعةً على خطورة ملفه، ليبحث معها الراحل عن حلّ قد يُنجيه من مغبة التعرض للمزيد من عمليات الاعتقال، بالأخص مع تقدّمه في السنّ.
وقد وجد الراحل علي تجو، الحل في طريقة التفافية، سردها ولده بستين، لـرصيف22، بقوله: “فكّر والدي في حلّ، ووجده في التفافة تمثلت في توجيهه خلال بعض أغانيه، التحية للرئيس السابق حافظ الأسد، وكانت تلك حيلة يحتمي بها من الأجهزة الأمنية، ويوجّه من بعدها ما يريد من الرسائل إلى الكرد، من دون التعرض لمضايقات الأجهزة الأمنية، وهو أمر ساعد والدي كثيراً، حيث بدأت الأجهزة الأمنية السورية بالتغاضي عنه لاحقاً، وربما جاء قرار التغاضي خلال السنوات الأخيرة للراحل، بسبب الخشية من عواقب اعتقاله إن تحول إلى قضية رأي عام”.
لكن لا يبدو أن ذلك قد نجّى الراحل إلى ما لا نهاية، إذ يوضح عارف حسن: “كنت حاضراً حفلاً في سنوات التسعينيات، وتحديداً في العام 1994، خلال فترة الصراع الكردي مع تركيا، حيث وقف الراحل على المسرح وبدأ بتلاوة خطاب حماسي، ذكر خلاله أيضاً الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، ضمن جهوده للتغطية على خطابه السياسي. وقتها كانت الأمور بين سوريا وتركيا تتجه إلى اتفاقات تمهيدية بين الطرفين، توّجت باتفاقية أضنة في تشرين الأول/ أكتوبر 1998، فعمد عناصر الأمن السوري إلى إنزال الراحل عن المسرح، وقالوا له بما معناه، إن الوقت الذي كنا نتغاضى فيه عن خطاباتك قد مضى، والآن عليك ألا تُدخل السياسة في الفن”.
ويختم ولده بستين: “كان والدي ينتقد الأخطاء منذ الستينيات وحتى العام 2010. لم يكن همّه إرضاء الناس، بل كان يرمي إلى أن يصل إلى هدفه بطريقة دبلوماسية، لكونه قد مرّ بالكثير من المصاعب في حياته، إذ تمت محاربته من الدولة، ومن المجتمع، ومن الجهل. أما إن كانت قد وصلت رسالته أم لا، فأعتقد أن الإجابة تحتاج إلى المزيد من الزمن، حتى نستطيع الاعتبار من الرسائل التي قالها، بينما بالنسبة له، فقد قال كل ما كان يريد أن يقوله”.