بقلم: عبد العزيز حمدوش
شكّل العدوان على عفرين انتقالاُ واضحاً من محاربةِ الإرهابِ إلى استثماره، وكشفَ ازدواجيّةَ المعايير الدوليّة، فقد تابع العالمُ بصمتٍ مشاهدَ العدوانِ الهمجيّ على عفرين من قبل مرتزقة إرهابيّين زجّت بهم أنقرة بالحرب، وأطلق الجيشُ التركيّ الدعاية الجهاديّة وروّج للنزعات العنصريّة تمهيداً لحملةِ الإبادة ضدَّ عفرين.
تمّت تغطية هويةِ الجماعاتِ المحليّةِ باسمِ “الجيش الحرّ” بصورةٍ ممنهجةٍ، وهي واقعاً تُصنّفُ فصائلَ جهاديّةُ متطرفةً، ومنها “أحرار الشام، الجبهة الشاميّة، فرقة الحمزات، لواء سمرقند، لواء المعتصم، جيش الفتح، لواء السلطان مراد، سليمان شاه وأحرار الشرقيّة والعشرات سواها، وكان أغلبُ أفرادها من مرتزقةِ داعش والنصرةِ ارتكبوا جرائمَ حربٍ وعملياتِ نهبٍ وسطوٍ على ممتلكاتِ المدنيين، ونهبوا المعاملَ والبنية التحتيّة ونقلوها إلى تركيا.
من جهة أخرى زُجَّ بتشكيلاتٍ خاصّةٍ تركيّة متطرّفة تعملُ خارج إطارِ القانونِ التركيّ والدوليّ وتُصنّفُ إرهابيّة أيضاً، ومنها شركة تسمّى “سداد”، التي تجنّدُ مرتزقةً مأجورين لارتكابِ الجرائم الجنائيّة وتضمُّ عسكريين متقاعدين ومجموعاتٍ مغامرةٍ، واُستثمر اسمُ المؤسسة العسكريّة التركيّة الرسميّة لتنفيذِ أجندةِ والتطهيرِ العرقيّ والتغيير الديمغرافيّ بعفرين.
زجّت أنقرة أيضاً بمقاتلين من الذئابِ الرماديّة وهي منظمةٌ قوميّةٌ تركيّة تشكّلت عام 1960 استناداً إلى أسطورةِ مرتبطة بالأصولِ العرقيّة التركيّة في سهول آسيا الوسطى، وتمثّلُ القوميّةَ المتطرفةَ والفاشية الجديدة وتعتبرُ ذراعَ المتشددين أو الجناحَ شبه العسكريّ لحزبِ الحركة القوميّة المتطرّف، وتركّز في أفكارها على تفوقِ العنصرِ التركيّ واستعادة تاريخه والسعي لتوحيد الشعوب التركيّة في دولة واحدة من البلقان إلى آسيا الوسطى استلهاماً من تاريخِ الدولة العثمانيّة ومعاداة القوميات الأخرى كالكرد واليونان والأرمن وباقي المجموعات الدينيّة وتعمل على دمج الهوية التركيّة والدين الإسلاميّ بهوية واحدة، ومعارضة القضية الكرديّة في تركيا بشتّى الوسائل. وكانتِ الذئاب الرماديّة القوة الرئيسيّة التي نفّذت أعمال العنف السياسيّ وأصبحت بمثابةِ فرق الموتِ واغتالت شخصيات من اليساريين والنشطاء الليبراليين والمثقفين من الكرد والعلويين والمعارضين.
في سوريا تقوم هذه المنظمة بدعم التركمان بالمساعدات العسكريّة والمقاتلين من أعضاء الحركة القوميّة وقد قُتل العديد منهم في سوريا، وقد قامت فصائل تعملُ بإمرة ألب أرسلان جيليك وهو عضو في الذئاب الرماديّة بقتل الطيار الروسيّ 24/11/2016.
وبذلك فإنّ أيّ تعاونٍ أو توافقٍ مع سياسةِ أنقرة ستكونُ له نتائج مدمّرة، فهو إقرارٌ بشرعيّةِ احتلالِ عفرين وجرائم الإبادةِ والتطهير العرقيّ وانحيازٌ مع المشروع الجهاديّ العنصريّ، والانتهاكات ضد الانسانيّة وتهديدٌ مباشرٌ للأمن والسلم الدوليين، وبالمجملِ دعمٌ للإرهاب الذي استخدم غاز الكلور ومثّل بجثامين الشهداء وارتكب المجازر المروّعة ولم يستثنِ القصفُ المشافي والمرافقَ العامة ودور العبادة وحتى المقابر، وليشهدَ العالمَ أسوأ مشاهدَ للتهجير القسريّ… والدول الكبرى كانت شاهدة ومؤكد أنّها راضية فالرفض لا يُعجِزها.