عفرين بوست- حميت روشجاني
في مرحلة ما توجّسنا من أن الكارثة التي محقت عفرين على وشك التكرار في شرق الفرات أو شمال شرق سوريا – مع تحفظي الشديد على هكذا مصطلحات – حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – منذ أشهر على تويتر كعادته – عزم واشنطن سحب قواتها من سوريا على وقع التهديدات والاستعدادات العسكرية التركية خلف الحدود لاجتياح مناطق الإدارة الذاتية بشرق الفرات.
ورأينا حينها الصدمة التي زلزلت مسؤولي الإدارة الذاتية وقادة (قسد) الذين عبّروا عن ذهولهم بوصف قرار ترامب بطعنة في الظهر.
وتبيَّن لاحقاً أنّ القرار الأمريكي ما كان إلا بهدف جولة جديدة من حلب (مباقر الخليج) التي أبدت استعدادها – مرغمةً – لدفع ما يلزم لبقاء الجيش الأمريكي في سوريا نكاية بتركيا نتيجة التوتر بين الرياض وأنقرة على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في أنقرة بطريقة وحشية.
ولكن من يضمن ألا تُقدم واشنطن على تنفيذ قرارها مستقبلاً؟ أَليس متوقعاً – مثلاً – أن يتفرّج ترامب على ابتلاع أردوغان لشرق الفرات كما تفرّج هو مع قيصر الكرملين على ذبح عفرين؟ هل من المستبعد – مثلاً – أن يعطِّل أردوغان تفاهماته مع موسكو ولاسيما صفقة إس٤٠٠ ومخرجات أستانا ويعود مجدداً إلى حضن ترامب؟! وكلاهما – أردوغان وترامب – متقلّب في مواقفه وعلاقاته وسياساته بين عشيّة وضُحاها.
ونعلم أنّ أردوغان أجاد اللعب – على مدى سنوات – على حبل الخلافات الروسية – الأمريكية وجيَّرها لتنفيذ أجندته، فقد احتلَّ عفرين وقبلها جرابلس والباب بعد ضوء أخضر أمريكي روسي، كما أقام نقاطاً عسكرية في إدلب ومازال يدعم جبهة النصرة هناك رغم أنها مصنفة في قوائم الإرهاب الأممية والروسية والأمريكية.
ونعلم أنّ الإدارة الأمريكية الحالية تعدُّ أردوغان حليفاً إستراتيجياً لكنه عدوّ تكتيكي محتمل، كما أنه عدو تاريخي إستراتيجي لموسكو لكنه حليف تكتيكي في هذه الأيام.
وسواء ارتمى أردوغان في أحضان ترامب أو فُتحت له أبواب الكرملين – وهو يطرقها منذ سنين – فإن (شرق الفرات) هو الخاسر المؤكّد والأكبر، وسيغدو نعجة بلا قرون بين أنياب الذئب الطوراني المتربَّص به على الدوام والمترقَّب أي إشارة من الكرملين أو البيت الأبيض للانقضاض والالتهام بوحشية.
آنئذٍ سنشهد (مقاومة عصر) أخرى، وقد تدوم أكثر من ٥٨ يوماً ولكن النتيجة الحتمية ستكون كارثية لا محالة، وستُودي بأيّ حزب أو حركة كردية إلى الهاوية.
وما لا نفهمه هو أن مسؤولي الإدارة الذاتية وقادة (قسد) يخطبون ودّ أنقرة في بياناتهم مؤخَّراً، ويعلنون جاهزيتهم للتفاوض معها وإقامة علاقات حسن جوار بين (شرق الفرات) وتركيا مع إغفال أي ذكر لعفرين المحتلة وكذلك جرائم تركيا ومرتزقتها هناك، وفي الوقت عينه نرى جفاءً غريباً من قبل الإدارة الذاتية تجاه دمشق رغم التفاهات الأمنية والعسكرية غير المعلنة بين الطرفين.
ومبعث (مالا نفهمه) هو التصريحات المشجِّعة من هؤلاء المسؤولين أنفسهم بصدد رغبتهم في التفاوض مع دمشق بُعيد القرار الأمريكي بالانسحاب، وقد زار حينها وفد من الإدارة الذاتية دمشق وأجرى لقاءات دون الإعلان عن فحواها.
ومع أننا رحَّبنا مرغمين – خوفاً من البعبع التركي- بتأجيل الانسحاب، ولكن لا ندري إن كان مؤجَّلاً لغاية في نفس ترامب أم ملغياً من الأجندة الأمريكية؟ وهذا ما نستبعده
فمن فكَّر مرة قد يعيدها مستقبلاً ولاسيما إن كانت تقوده المصالح والمطامع لا المبادئ الإنسانية.
لا ننكر أن الإدارة الذاتية ومسؤوليها على قدر كبير من البراجماتية السياسية، ولكن ما نخشاه هو أن تنحدر تلك البراجماتية إلى (الزئبقية) الخاوية من أية ملامح أو مطامح للشعب السوري بمختلف مكوناته وللشعب الكردي في روج آفا بشكل خاص.
وقد رأينا مؤشرات تثبت هذه الزئبقية الممجوجة.
فالإدارة الذاتية أعلنت في بداية الأزمة على أنها (مؤقتة) ثم أصبحت (ديمقراطية) لا مؤقتة، وبقدرة قادر تحولت إلى فيدرالية لشمال سوريا بثلاثة أقاليم وست مقاطعات، وبعد الكارثة العفرينية شطبت (الفيدرالية) وعدنا إلى (الإدارة الذاتية) ولكن لشمال وشرق سوريا فحسب، وباتت عفرين نسياً منسياً حتى لم نعد نلمحها على خرائط إدارة شرق الفرات، ولو من باب مراعاة مشاعر أهالي عفرين، سواء المشردين في مخيمات النزوح والبراري أم الصامدين في قراهم رغم همجية الاحتلال البربري التركي وإرهاب مرتزقته.
فالزئبقية هذه ستفقد الإدارة الذاتية مصداقيتها حتى لدى المؤيدين – ونحن منهم – والمصفقين لها وستزيد المتربصين بها شراسة، ليتهموها بالانفصالية تارة، وتارة بالتعاون مع الأميركي (تعاون الأمة الديمقراطية مع الحداثة الرأسمالية…!!!) والتودد للمحتل التركي على حساب مصالح الشعب السوري عموماً والكردي خصوصاً.
ملاحظة: مقالات الرأي تعبر عن آراء كتابها، ولا تعني تبني الموقع للآراء المطروحة