نوفمبر 15. 2024

أخبار

تدني أسعار الزيت والزيتون في الشمال السوري… استحكام تركيا وأعوانها

عفرين بوست- تقارير

لم تستقر أسعار زيت الزيتون في عفرين المحتلة، في ظل تحكم عدة عوامل بها، تارة تنخفض وأخرى ترتفع، لكنها تبقى دون المستوى المأمول من قبل المزارعين؛ تشير حقائق عدة مترابطة في الشمال السوري الذي يدار بشكل مباشر من قبل تركيا إلى وجود سياسة خاصة للتحكم بأسعار الزيت، لاسيّما ذو الجودة العالية والمخصصة للتصدير إلى الخارج.

مع البدء المبكر للموسم في المناطق المشهورة بزراعة الزيتون، عفرين وإدلب، تأمّل المزارعون خيراً في موسم هذا العام بزيادة الإنتاج أولاً وتحسّن أسعار بيع الزيت والزيتون عن السنة الماضية ثانياً، إلا أنّ الرياح سارت بما لا تشتهيها سفن المزارعين، حيث تفشت السرقات وتضاعف حجم الإتاوات المفروضة على المزارعين في عفرين، وصولاً إلى انخفاض أسعار الزيت لأسباب يجهلها المزارعون.

انخفاض الأسعار

وصل سعر صفيحة (16كغ صافي) من الزيت البكر الإكسترا (ذو الأسيد 0.5) أو ما هو معروف بـ 5 شخطات بداية موسم هذا العام إلى 84 دولار أمريكي، لينخفض إلى ما دون الـ60 دولار قبل أسبوع من الآن، واليوم ارتفع السعر قليلاً نتيجة إحجام المزارعين عن البيع.

أما الزيت ذو الأسيد “10 شخطات” وما فوق، لم يعد مرغوباً للتصدير وفق عدة روايات، إذ بات سعره متدنياً، قيمة الصفيحة الواحدة ما دون الـ55 دولار أمريكي، وغالباً بات استهلاك هذا النوع من الزيت محلياً، وهنا يلجأ التجار لخلط نوعين من الزيت، متدني وعالي الأسيد، للحصول على نوع موحد معتدل.

ترتبط المناطق المحتلة في الشمال السوري بدءًا من جرابلس إلى إدلب بعدة معابر مع تركيا، إضافة لمعبر وحيد مع منبج التي تقع في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومعبر أبو الزندين – الباب الذي افتتح مع مناطق سيطرة النظام إلّا أنه أغلق بعد أيام، ويسعى الجانب التركي لفتحه رغم معارضة بعض ميليشيات.

” سياسة الاحتلال التركي الاقتصادية بخصوص المناطق السورية الواقعة تحت سيطرتها ونفوذها هي استغلال الموارد الاقتصادية وبيع المنتجات التركية؛ علاوةً عل ذلك، منطقة عفرين تتعرّض لأكبر عمليات السلب والنهب”

التصدير بيد منْ؟

ينحصر تصدير زيت الزيتون من عفرين وإدلب إلى خارج سوريا عبر البوابات الحدودية مع تركيا، بينما كميات محدودة منه تصل إلى حلب، وكانت سلطات الاحتلال التركي وسلطات أمر الواقع المرتبطة بها في الشمال المحتل قد نظمت حركة السلع الزراعية من الداخل السوري إلى تركيا وبالعكس وفق آلية محددة، يكون اليد العليا فيها للجانب التركي، من حيث تحديد الكميات وأنواع المنتجات، والسماح بها أو لا، إضافة لوجود شركات تركية مباشرة وأخرى مشتركة تتحكم بحركة البيع والشراء.

سياسة الاحتلال التركي الاقتصادية بخصوص المناطق السورية الواقعة تحت سيطرتها ونفوذها هي استغلال الموارد الاقتصادية وبيع المنتجات التركية؛ علاوةً عل ذلك، منطقة عفرين تتعرّض لأكبر عمليات السلب والنهب، بالاستيلاء على الممتلكات والإتاوات والضرائب والسرقات الواسعة من قبل الميليشيات وقسم كبير من المستوطنين أيضاً، فالعديد من النشطاء والمنظمات وغيرها في عفرين وخارجها يوثقون هذه الانتهاكات والجرائم التي تدرّ الأموال لمتزعمي الميليشيات، حيث أطلق الاحتلال التركي أيادي أمراء الحرب ليفرضوا سطوتهم بقوة السلاح ضمن ما يشبه قطاعات عسكرية مقسمة لأراضي المنطقة.

خسائر المزارعين

يقول “أبو جوان” الذي يعمل في تجارة الزيت منذ عقود إنّ الأسعار في الغالب تخضع لقانون الطلب والعرض، لكن هذا القانون يكون ضمن حدود تضمن الربح المعقول للمزارع، ويُشير وفقٍ لخبرته على مرّ السنوات وتعاقب المواسم إلى أن أسعار الزيت الحالية تضمن ربحاً معقولاً للمزارع مقارنة بزيادة الإنتاج هذا العام، لكن في عفرين الواقعة تحت ظلم الميليشيات المزارع يخسر بكل تأكيد.

يسند “ابو جوان” تقديراته هذه إلى حجم الإتاوات والسرقات، ويتابع حديثه “بشكل متوسط بلغت نسبة الإتاوات والسرقات المفروضة على مزارع الزيتون بين الـ 13-25 % من الإنتاج، في حين يبلغ متوسط المصاريف الخاصة بكل شجرة زيتون 20% من الإنتاج وهذه النسبة يجب أن نضاعفها كون الإنتاج في العام القادم سيكون منخفض، وبهذا يكون المزارع قد خصص ما يزيد عن 45 % من الإنتاج كمصاريف وإتاوات، وما يبقى له من الإنتاج لا يكفيه لتدبر أمور معيشته مدة سنتين”.

“عدم قدرة أهالي عفرين على متابعة حياتهم الطبيعية، اضطرار لبيع الممتلكات”

سياسات عنصرية

يؤكد محمد حنان من قرية “قورنه” بناحية بلبل أن موسم هذا العام كان جيداً مقارنة بالسنة الماضية، إلا أن المزارع سيخسر بكل تأكيد في ظل السرقات والإتاوات وتدني أسعار الزيت، ويربط حنان ما يمارس من ضغوط وانتهاكات في عفرين بسياسات الدولة التركية ضد الكُرد في عفرين.

يتخوف حنان وغيره من أبناء عفرين من أن يؤدي هذه الانتهاكات واستمرارها إلى عدم قدرة الأهالي على متابعة حياتهم الطبيعية، وقد يضطرّون لبيع ممتلكاتهم، لاسيّما المهجرين قسراً، وهذا بطبيعة الحال سيدفع لترسيخ التغيير الديمغرافي في عفرين، وأن السياسات الاقتصادية هذه تدفع لإفقار الكُرد في عفرين، فيما يتم دعم التجمعات السكنية الهجينة في المنطقة ودفعها للتملك والبقاء طويل الأمد.

“زيت عفرين يباع كمنتج تركي في الخارج”

أسباب مباشرة

بالعودة إلى الأسباب الحقيقية التي تؤثر على أسعار الزيت في عفرين، يقول أحد التجار المطلعين على عمليات التسويق والبيع والذي فضل عدم كشف اسمه، إنّ بعض أبناء عفرين المتعاونين مع الاحتلال التركي والذين عقدوا صفقات مع بعض متزعمي الميليشيات، قاموا منذ سنوات بتشييد شركات متخصصة بتسويق زيت الزيتون في الداخل التركي وبالتحديد في منطقة “قره خان” المحاذية لناحيتي “شيه/شيخ الحديد وجنديرس”، وهذه الشركات التي تشتري زيت عفرين، تقوم بتصفيته وتعبئته وبيع الجزء الأكبر منه تحت مسمى الزيت التركي، وهنا مربط الفرس، إذ يرتبط أصحاب هذه الشركات مع تجار صغار في عفرين، وتعمل الميليشيات والمجالس المحلية بتسهيل عملية نقل الزيت إلى الداخل التركي عبر معبر حمام “الغير الشرعي” الذي افتتحه الاحتلال التركي بعيد سيطرته على عفرين بهدف نقل المعدات العسكرية والتجارة.

في إدلب أيضاً

“أبو مناف” تاجر زيت من ريف إدلب يقول لـ”عفرين بوست” إنّ “الشركة التركية في إدلب هي التي تحدد الأسعار ولا يمكننا رفع أو خفض السعر في السوق المحلية دون الرجوع إليها”.

ووفق البورصة العالمية لزيت الزيتون فإن سعر تنكة الزيت في الداخل التركي يزيد بنسبة 35% عن سعر الشركة التي تحدده في إدلب، بطبيعة الحال هناك تكاليف التصفية والنقل والجمارك لكنها لا تتجاوز الـ3% كتكاليف تسويقها إلى الداخل التركي.

بالربط بين آلية التجارة في عفرين والشركة التركية المتواجدة في إدلب، فإن المتحكم بأسعار الزيت في عفرين وإدلب هي تركيا، لكن الواجهة هم التجار الذين يعملون لصالح هذه الشركات، وهنا امتنع المصدر عن كشف أسماء التجار لأسباب وصفها بالخاصة.

بعيد احتلال تركيا لعفرين، قال وزير الزراعة التركي بكير بكديرلي في البرلمان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018: “نريد عائدات عفرين، بطريقة أو بأخرى، في أيدينا، هذه منطقة تحت هيمنتنا، نحن، كحكومة، لا نريد أن تقع مقدرات هذه المنطقة تحت أيد الغير”، التصريح التركي هذا تم تنفيذه بخطوات عدة ومدروسة، واليوم تظهر نتائجها الفعلية على أرض الواقع.

في تقرير سابق أظهرنا أن التجار وتركيا استغلوا التصريحات التي صدرت عن مدير معهد البحوث العلمية السوري بأن الزيت السوري خرج من التصنيف العالمي للتصدير، وتبين أنها لا تمت للحقيقة بصلة، وهنا يقول “أبو مناف” إنه بالفعل نسبة الاسيد في الزيت السوري ارتفع لأسباب تتعلق بالقطاف المبكر، وفي سنوات الإنتاج الغزير تكثر الآفات، لاسيما ذبابة الزيتون التي تؤدي لزيادة الأكسدة والاسيد.

لكن رغم اتفاق المهندسين الزراعيين مع المعلومات التي اردفها أبو مناف، إلا أنّ أسعار زيت الزيتون السوري ذو الأسيد المنخفض “الاكسترا” لا يخضع لما قاله أبو مناف، إذ تعتبر جودة زيت عفرين هي الأفضل عالمياً، وهنا نعود للضوابط العالمية بمنع بيع الزيت السوري تحت مسمى الزيت التركي، وهذا الأمر لا يمكن ضبطه دون وجود رقابة غربية على الصادرات التركية من زيت الزيتون.

فروقات في الأسعار

وفي مقارنة بسيطة بين أسعار الزيت في عفرين والداخل السوري، نجد ان سعر صفيحة الزيت في القامشلي تباع بنحو 90-110 دولار أمريكي، في حين سعرها في مدينة حلب ودمشق بين 85-95 دولار.

في دول الجوار السوري، يتراوح سعر صفيحة زيت الزيتون بين 100-140 دولار، بطبيعة الحال أجور الشحن والنقل مرتفعة في سوريا، بسبب كثرة المعابر وصعوبة الطرقات وفرض الإتاوات من قبل عدة جهات، وتزايدت تكاليف التصدير مؤخراً نتيجة زيادة الجمارك والأجور، وهذا يؤثر على كميات الزيت التي قد تصدر عبر مناطق الإدارة الذاتية إلى العراق أو كردستان، ومع عدم وجود فروق كبيرة في الأسعار لن يتجرأ العديد من التجار للمخاطرة وتصدير الزيت من عفرين إلى العراق إلا القلة منهم.

تحايل على القوانين

كنتيجة حتمية للحقائق الموجودة على الأرض، تتحكم سلطات الاحتلال وسلطات الأمر الواقع في كل مفاصل الحياة في الشمال السوري المحتل، إذ أن طرق التجارة والنقل تحت سيطرتها، ولا تسمح بتصدير كميات زيت الزيتون إلا وفق متطلبات تركية معينة، وهنا يستخدم الزيت المصدر لهدفين الأول للاستهلاك المحلي التركي والذي يراعي فيه شروط الأسيد المنخفض، أما المخصص للتصدير تحت مسمى زيت تركي يجب أن يكون من النوع الممتاز، وهنا تكمن الفائدة للجانب التركي والتجار معاً، وهي الاستفادة من فروق الأسعار المتدنية في منابع الإنتاج (الشمال السوري) وبين البيع في أمريكا أو الدول الأجنبية والخليج العربي والتي تصل نسبة الربح فيها إلى 70%، وهنا بإمكان المطلّع تقدير حجم السرقات التي يتعرض لها أبناء عفرين، إن كان بشكل مباشر أو من بيع زيتهم المسروق في الخارج، وكانت تقارير أجنبية عدة فضحت هذه السرقات في أعوام 2018-2019، إلا أن الحكومات الغربية أغفلت عينها عنها واليوم تعود هذه السرقات بأساليب عديدة.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons