عفرين بوست- تقارير
لم تمضي أيام على الهجمات التركية العنيفة ضد مناطق متفرقة من شمال وشرق سوريا وريف حلب الشمالي، حيث يقطن مهجرو عفرين، حتى باشرت مؤسسات حقوقية وكردية عدة في ألمانية بالتحرك لرفع دعوى قضائية ضد رأس الدولة التركية، مستفيدة من القانون الأوربي الذي يمنح المؤسسات والأفراد حق المقاضات عن الجرائم التي تنتهك القانون الدولي، لكن هل سيكون لهذه الشكاوي نتائج ملموسمة أم أنّ المصالح السياسية ستكون أقوى من حقوق الإنسان؟!
“دعوى قضائية لدى النيابة العامة في ألمانية ضد سياسيين وضباط مسؤولين في تركيا، لارتكابهم جرائم حرب ضد المدنيين في شمال وشرق سوريا والاستهداف المباشر للمرافق الحيوية في المنطقة”
خطوة جريئة
في 31 من شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، تقدمت منظمة الأكاديميين الكُرد (KURD-AKAD) وتجمع الحقوقيين والديمقراطيين العالمية (MAF-DED) بالتعاون مع مركز كوباني الطبي المسجل ضمن الأندية الألمانية، برفع دعوى قضائية لدى النيابة العامة في ألمانية ضد سياسيين وضباط مسؤولين في تركيا، لارتكابهم جرائم حرب ضد المدنيين في شمال وشرقي سوريا والاستهداف المباشر للمرافق الحيوية في المنطقة.
وتم الإعلان عن هذه الخطوة خلال مؤتمر صحفي يوم الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في ألمانية، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع كوباني، وحسب القائمين على المؤتمر، هذه الدعوى القضائية ليست الأولى، لكنهم يأملون أن تكون نتائجها ملموسة، وتعمل الحكومة الألمانية في التحقيق فيها بشكلٍ جدي.
الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا تساند هذه الخطوة التي أقدمت عليها مؤسسات مدنية مرخصة في ألمانية، ويساندها أيضاً الأستاذ الدكتور كريستيان هاسن من رابطة الأطباء الديمقراطيين، والبروفيسور جيرهارد ترابرت رئيس جمعية الفقر والصحة في ألمانيا.
فحوى الدعوى
وحول فحوى الموضوع قالت الدكتورة “ديرسم داغ ديفرين” الرئيسة المشتركة لمنظمة الأكاديميين الكُرد، أنهم قدموا دعوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي في كارلسروه، استناداً إلى القانون الألماني الذي يسمح للمؤسسات بالدفاع عن حقوق الإنسان وفضح الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ومن هذا المبدأ رفعت منظمتهم بالتعاون مع منظمات أخرى “ماف داد” ومركز كوباني الطبي دعوى ركّزت على تدمير تركيا المتقصد لمرافق الرعاية الطبية والمستشفيات، وتابعت حديثها لـ عفرين بوست “في 25 ديسمبر 2023 هاجمت تركيا مركز كوباني الطبي في كوباني ومركز غسيل الكلى في قامشلو كجزء من موجة الهجمات على شمال وشرق سوريا”.
على مدار السنوات الثلاثة الماضية تعرّضت مناطق شمال وشرقي سوريا لهجمات عدة من قبل الجيش التركي، مستخدماً فيها الطائرات الحربية والمسيّرة والمدفعية الثقيلة؛ لم تقتصر الهجمات على استهداف المدنيين، بل شملت أماكن خدمية متفرقة ومراكز صحية ومصادر للطاقة من حقول النفط ومراكز تجميع الوقود ومحطات تحويل الكهرباء، وآخر هذه الهجمات كانت قبل أيام في الفترة الممتدة من 24-28 تشرين الأول المنصرم، إذ تعرّضت مناطق عدة من الشهباء شمال حلب مروراً بمنبج وكوباني وحتى ديرك لـ 1031 استهداف، راح ضحيتها 17 شهيداً مدنياً وجرح العشرات.
المتهمون
تضمنت الشكوى القضائية هذه أسماء بارزة في الحكومة التركية الحالية، على رأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويشار جولر وزير الدفاع، والجنرال متين جوراك رئيس الأركان العامة التركي، و ضياء جمال قاضي أوغلو قائد القوات الجوية التركية، ومتين توكيل قائد الجيش الثاني والفريق ليفنت إرغون، إضافة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين.
“إنّ التهم الجنائية الموجّهة ضد أردوغان وأزلامه مبررة تماماً وضرورية بشكلٍ عاجل”
التوثيق
وتستند الشكوى هذه، وفق حديث الدكتورة ديرسم، إلى وثائق عدة صادرة عن مؤسسات دولية، مثل منظمة العفو الدولية وتقارير من خدمة الأبحاث في البوندستاغ، ومنظمة هيومن رايتس واتش، وتقارير خاصة للجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بسوريا، إضافة لوثائق من الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا وإفادات بعض الشهود من المتضررين والمرضى والأطباء.
وفي خضم تعليقه الخاص لـ”عفرين بوست” على الحدث، يقول الدكتور كمال سيدو عضو منظمة الدفاع عن الشعوب المهددة والمقيم في ألمانيا، إنّ التهم الجنائية الموجّهة ضد أردوغان وأزلامه مبررة تماماً وضرورية بشكلٍ عاجل، وتطرق سيدو إلى حجم الهجمات الهائل الذي تعرضت لها المنطقة الممتدة من ريف حلب وصولاً إلى أقصى شمال شرقي سوريا في ديرك، والتي تمتد على 600 كيلومتر من القصف والضرر وسقوط الضحايا المدنيين.
ويشير سيدو الذي يتابع الأوضاع عن كثب في شمال وشرقي سوريا، إلى أنّ مرافق عدة تعرّضت للقصف المتقصد من قبل تركيا ،من خدمية ومحطات مياه وكهرباء، ومصانع ومخابز ومستشفيات، وأيضاً مراكز لقوى الأمن الداخلي المعنية بحماية الناس من إرهاب داعش، في إشارة إلى أن خطر عودة إرهاب داعش قائم في ظلّ الهجمات التركية المتواصلة.
وتستند تركيا في هجماتها هذه إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وتستغل بعض الهجمات التي تحدث في الداخل التركي، مثل التي وقعت مؤخراً في أنقرة وتبنتها حزب العمال الكردستاني، فيما نفت قوات سوريا الديمقرايطة على لسان قائدها العام مظلوم عبدي أي صلة لها بها، أو تتحجج تركيا وتفتري بأن المهاجمين جاؤوا من الأراضي السورية؛ ووفقٍ للمنظمات التي رفعت الدعوى القضائية هذه، تركيا فشلت وتفشل في إبراز وثائق تثبت صحة إدعاءاتها فيما إذا مرّ المهاجمون من سوريا أو استخدموا مناطق الإدارة الذاتية لشن هجمات أو لتسهيل العبور، وهو ما يعطي هذه الدعوى قوة أكثر وفقٍ رأيهم.
“حقوق الإنسان والسياسة ليست منفصلة عن بعض، جرائم الحرب هي انتهاكات لحقوق الإنسان وترتكب بأوامر من السياسيين وعندما يتعلق الأمر بالقضايا الكردية فإن التفاعل بين حقوق الإنسان والسياسة يكون واضحاً”
منْ الأقوى.. المصالح أم حقوق الإنسان
رغم توفر الشروط القانونية لتقديم الدعوى الجنائية وتوفر المستندات والشهود والوثائق، إلا أنّ العلاقات السياسية التي تربط بين ألمانيا الاتحادية وتركيا هي علاقات متطورة ومتينة، ومن هذا المنطلق، تُشير الدكتورة ديرسم إلى أنّ العلاقة بين البلدين مهمة لكليهما، ويبلغ عمر هذه العلاقة أكثر من 100 عام، وتضيف ديرسم “يضاف لها المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية، واعتماد ألمانيا على تركيا في موضوع اللاجئين”.
وتطرقت ديرسم إلى أنه في عام 2016 قدمت منظمات مماثلة دعوى قضائية جنائية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في باكور كردستان، إلا انه لم توجه أي تهم له على الإطلاق، وتأسف ديرسم إلى أنه في بعض الأحيان المصالح بين الدول تكون أكثر أهمية من حقوق الإنسان، وتقول “حقوق الإنسان والسياسة ليست منفصلة عن بعض، جرائم الحرب هي انتهاكات لحقوق الإنسان وترتكب بأوامر من السياسيين وعندما يتعلق الأمر بالقضايا الكردية فإن التفاعل بين حقوق الإنسان والسياسة يكون واضحاً بشكلٍ خاص، وما يحدث في كردستان وسوريا من جرائم ضد الإنسانية من الجانب التركي هي سياسية بطبيعة الحال”.
ويتفق السيد كمال سيدو مع ديرسم في أن المصالح الجيوسياسية لألمانيا مع تركيا ستدفع الحكومة الألمانية للضغط على المدعي العام لعدم قبول الدعوى أو عدم إصدار الحكم فيها وتوجيه تهم مباشر لأردوغان، رغم أن غالبية الشعب الألماني يرفض سياسة الحكومة الحالية في التساهل مع أردوغان والإسلاميين عموماً.
ويتوقع سيدو في ختام تعليقه هذا، أنه إن مارست الحكومة الاتحادية أي نوع من الضغط على القضاء سيسئ ذلك لسمعة ألمانيا وليس فقط عند الكُرد، بل في كل أنحاء العالم، وتؤكد الدكتورة ديرسم إلى أنّ الترويج الإعلامي لهذه الدعوى ستزيد من احتمالات نجاحهم في هذه الخطوة، وهو المسار الأهم الذي يعملون عليه في الوقت الحالي.
دعوى عفرين مستمرة
تضاف هذه الدعوى إلى دعوى مشابهة رفعتها منظمات سورية ضد الفصائل والميليشيات الإرهابية الموالية لتركيا والتي ارتكبت جرائم حرب في عفرين المحتلة، ولكن لم توجه الاتهامات في تلك الدعوى إلى رأس الحكومة التركية ورموزها واقتصرت الدعوى على قادة وشخصيات قيادية في الميليشيات المدعومة والممولة من قبل تركيا وتم النظر إلى تلك الدعوى أمام المدعي العام في مطلع العام الحالي ومازال التحقيقات جارية، ولكن لم تفصح الجهات المرتبطة بالدعوى عن أي مستجدات إلى الآن.