ديسمبر 23. 2024

القاضي محمد زيدان مسيرة من الفساد والرشوة… انتهت بالقتل على حاجز مسلح في قريته

عفرين بوست ــ تقارير

طرح مقتل القاضي محمد زيدان، يوم أمس، السؤال فيما إذا كان ذلك جريمة قتل أم عملية تصفية وإزاحة من المشهد أم انتقام، ذلك لأنّ مسيرته المهنيّة وعلاقاته كانت محل الشبهات، فقد تورط في كثير من قضايا الرشوة، واستغل منصبه للإساءة إلى أهل قريته وكذلك إلى زملائه القضاة، فيما كانت قصة زوجته شائكة يكتنفها الضباب.

 أقدم عناصر من حاجز لميليشيا “فرقة السلطان مراد” في قرية دلحة بريف حلب الشمال شرقي، يوم أمس الأحد 3 تشرين الثاني/نوفمبر، على قتل القاضي محمد زيدان أثناء مروره عبر الحاجز، وذلك عقب ملاسنة نشبت بينه وبين العناصر، ما أدى لمقتله وإصابة شقيقه “حسن”.

إثر الحادث تدفقت بيانات إدانة الجريمة والتعزية من مختلف الجهات المحسوبة على المعارضة ووصفوه بالشهيد كما وصفوا الحادث بالفاجعة، وكان لافتاً توصيف القتلة بيد الغدر، وجاءتِ التعزية مما تسمى بـ”الحكومة السورية المؤقتة” وجاء فيها “كان الفقيد رمزاً للعدالة والنزاهة وعمل بكل أمانة وإخلاص لخدمة قضايا شعبنا”. وأصدر الائتلاف السوري المعارض بياناً حول مقتل “زيدان” ووصف الحادث بأنه “جريمة رعناء”، و زيدان بـ”الشهيد”.

كما صدرت بيانات من عدة كيانات، مث  “نقابة المحامين الأحرار”، كما استأثر مقتل “زيدان” باهتمام لافت في أوساط التركمان، ونعته العديد من الصفحات التركمانيّة.

“زيدان” الذي لطالما وُصف لدى أوساط معارضة أخرى، علاوة على مجتمع عفرين، بأنّه قاضٍ فاسد ومرتشي وعرف بسوء السمعة، الذي كان يصدر الأحكام مقابل المال، حيث قوبل نبأ مقتله بترحيب بعض الأهالي في المناطق المحتلة، الذين وصفوه بالطاغوت والقاضي المرتشي، الذي كان يحوّل الحق إلى باطل، والباطل إلى حق، لقاء مبالغ مالية كبيرة، وفق بعض المصادر. وهو متُّهم بتلقي مبالغ كبيرة لفرض اتهامات باطلة على بعض أبناء عفرين.

من سيرته المهنية

ينحدر القاضي محمد أيوب زيدان من قرية دلحة ذات الأغلبية التركمانيّة، وشغل منصب النائب العام في محكمة عفرين فور احتلالها عام 2018، وثم أصبح مستشاراً في محكمة الاستئناف، وبقي في عفرين ثلاث سنوات، تم خلالها تداول الكثير من القصص حول استغلاله لمنصبه وتلقيه مبالغ مالية كرشوة، وفي تلك الفترة تم الزج بالمئات من أهالي عفرين في السجون بتهم كيديّة. وبذلك تم كف يده عن العمل نهاية 2021.

عاد زيدان للعمل في جدول قضائيّ صدر في حزيران 2022، وتم تعيينه في الراعي، وخلال زيارته إلى وزارة العدل في أنقرة أواسط كانون الأول 2022، ضمِن الحصول على ترقية إدارية كبيرة وتم تعيينه في منصب “رئيس هيئة التفتيش القضائيّ” في محكمة الراعي.

“حصل على منصب رئيس “هيئة التفتيش القضائي” مقابل مبلغ مائة ألف دولار أمريكي”

بعض معرّفات المعارضة كانت تتداول أخباره بتوصيفه بالمرتشي والفاسد، وتناقلت خبر حصوله على منصب رئيس “هيئة التفتيش القضائي” مقابل مبلغ مائة ألف دولار أمريكي، الذي كان موضع التساؤل مراراً، وعن مصدره. وقالت إنّ محكمة الراعي تحوّلت من مؤسسة قضائية إلى بازار لإخراج المجرمين والفاسدين والمقربين من متزعمي الميليشيات المسلحة من السجون مقابل مبالغ ماليّة.   

تنمر على القضاة

ومع تسنمه منصب رئاسة “هيئة التفتيش القضائي” بات الآمر الناهي في المنظومة القضائيّة والمتحكم بها، وتم تداول الكثير من القصص حول سعيه بالإيقاع بقضاة آخرين وإجبارهم على إصدار أحكامٍ قضائيّة مخالفة للقوانين. وفي 12/10/2023 وتحت تهديد “زيدان” استقال عدد من القضاة: حسين الحسن قاضي تحقيق في مدينة الباب، وأحمد حقي قاضي محكمة الصلح المدني في أعزاز، وتوفيق العلي قاضي في محكمة جنايات الأحداث في الراعي.

وتسبب “زيدان” بوقف القاضي محي الدين القاضي ومن بعده سليمان سليمان، وهدد القضاة زاعماً بأنّه على علاقة شخصية مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي التركيّ. 

القاضي نصر سليمان كان أحد أذرع “زيدان”، وعرف من خلال قضية شخص من آل العجيل من أعزاز يدعى “محمد البرهو” تم احتجازه لمدة ستة أشهر وأخلي سبيله أواسط تشرين الأول 2023. كما أصدر نصر كتاب إخلاء سبيل بحق تاجر المخدرات أحمد الموس، إلا أنّ إدارة السجن بالتنسيق مع الجانب التركيّ أوقفت تنفيذه، وتم طي القضية. 

  القاضي نصر سليمان

ومن أذرعه أيضاً القاضي مصطفى سلطان الذي قام بالتنسيق مع “زيدان” بفرض الحجز على أموال مستورد للبطاطا من أهالي قرية أشراف، وقيل إنّ العملية انطوت على تزوير سندات ماليّة بمبالغ ضخمة قام بها “زيدان” و”سلطان”. وذلك في تشرين الأول 2023. وكانت الدعوى منظورة في المحكمة الجزائية في عفرين.

ومارس “زيدان” الكثير من الضغط على رئيس محكمه النقض القاضي خير الله غنوم وهدده ليرفع يده عن دعوى بقيمة 600 ألف دولار أمريكيّ، والمصادقة على قرار يتعلق بحجز أملاك تاجر من مدينة الباب والصناعي لمادة الحلاوة، والذي أصدره القاضيان مصطفى سلطان وعامر البكري. كما هدد القاضي علي النعسان لتبرئة تجار مخدرات، وهدد قاضي التحقيق باتهام أبناء عمه بأنهم خلايا نائمة للنظام السوريّ.

لم يسلم منه أبناء عمومته

في 10/10/2023 هجم عددٌ من أهالي قريته دلحة على منزل القاضي “محمد زيدان” غاضبين وطالبوه برفع “الظلم” عن أبنائهم الذين سُجنوا ظلماً، فبادر لابتزازهم بصفقات تضمنت الحصول على أراضٍ مقابل إخلاء سبيل أبنائهم. وتم تداول أن مساحة الأرض تبلغ عشرة هكتارات في قريته دلحة. وادعى حينها “زيدان” بمحاولة اغتياله للتغطية على قضايا الفساد. وكان قد أمر باعتقال عدد من أبناء عمومته لمدة أربعة أشهر ورفض إخلاء سبيلهم.

وعلى خلفية زيادة الاحتقان الشعبيّ من سلوكيات “زيدان” واستغلال صلاحيات منصبه، ارتفعت الأصوات مناشدة السلطات التركيّة ومطالبة بإقالته وطرده من السلك القضائيّ.

استثمارات ومشاريع

 عُرف زيدان بأنّه شريك معلن للعديد من تجار ومروجي المخدرات في الراعي وعفرين وتهريب البشر مثل عيسى بدلو وأولاد بدلو والجميلي وشريك في عقد تجارة الإسمنت الحصريّ مع المدعو محمد جركس “أبوجركس” الذي اعتقل وأخلى سبيله.

وكان “زيدان” قد أنشأ مؤخرًا مزرعة دواجن في قرية دلحة مستثمراً فيها الأموال التي حصل عليها باستغلال منصبه ومنها ما جمعه من أهالي عفرين.

من قتل زيدان؟

اغتيال محمد زيدان طرح الكثير من الأسئلة حول الجهة التي تقف وراءه، وتردد أنّ خصومه كثر ولهم مصلحة بإزاحته، فالبعض قال إنّ المسألة تتعلق بوظيفته والأحكام الجائرة التي أصدرها وقيل أنّ تجاراً منافسين يقفون خلف مقتله، فيما طرحت نظرية ثالثة أنّ يكون لأشقاء زوجته علاقة بمقتله نظراً للعلاقة الضبابيّة والخلافات معها، وتم تداول أنها تقيم في تركيا ولم يعرف فيما إذا كانا قد انفصلا. 

كلّ هذه الفرضيات لا تتعارض مباشرة مع سرديّة الملاسنة الكلاميّة على الحاجز، وأن العناصر المسلّحة على الحاجز استفزوه عمداً، ليبادر “زيدان” بالشتم” بكلمات نابية، وما أن همّ بالانطلاق بسيارته حتى تلقى على إثرها الرصاص، فأصابت رصاصة قاتلة في رقبته.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons