عفرين بوست-خاص
شهد العام 1990 ولادتها، إنها “أمينة العمر”، المقاتلة الكُردية التي تنحدر من قرية “قعر كلبين” بريف منطقة الباب شمال سوريا، والتي انتقلت مع عائلتها الى عفرين في نهايات عام 2012، نتيجة الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها العائلة من قبل مسلحي مليشيات “الجيش الحر” و”داعش”، العاملان معاً حينها.
قبل انتقالهم الى عفرين، خطفت مليشيا “لواء التوحيد” والدها، وتقاضوا مبلغ 60 الف دولار للإفراج عنه، والتهمة كانت أنه “كُردي”، فقررت بارين كغيرها من الكرديات التمرد على الظلم والإنكار الذي يطال شعبها تحت يافطات الدين والثورة، رافضة قوانين داعش المفروضة عليهم، وتوجهت لتحدي ذلك خاصة فيما يتعلق بالممارسات الوحشية ضد النساء.
عاشت بارين في ظل عائلة تعاطت الشأن العام قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية العام 2011، حيث تعرض افرادها قبل اندلاع الحراك الشعب السوري الى الاعتقال من قبل النظام السوري.
ربما أنها مشيئة القدر، أن بارين كانت على خلاف أسرتها ذات ميول دينية، حيث كانت تصوم وتصلي بخلاف بقية افراد العائلة، ومع انتقالها الى عفرين، بدأت تتأثر بدور المرأة كونها في عفرين التي تتوفر فيها مساحة واسعة لبلورة حقوق المرأة ورأيها.
قررت بارين أن تثور على ذاتها، فالتحقت بدورة للغة الكردية وكانت مصرة على ان تتعلم، باحثة عن كينونتها، حتى اتخذت ذاك القرار المصيري بالانضمام الى “وحدات حماية المرأة”.
يقول أحمد العمر شقيق بارين لـ “عفرين بوست”: “قالت كلمة ما زلت اتذكرها، اريد أن اثبت ذاتي، لن اكون مجرد اسم عابر، وانضمت في نهايات 2013 الى وحدات حماية المرأة، وأطلق رفقاها عليها اسم روكان كونها كانت دائمة الابتسامة، بعكس ما كانت عليها في حياتها المدنية، حيث كانت تعيش في تناقضات بين طموحاتها والقيود المفروضة عليها (من المجتمع الذكوري)، بعد ذلك غيرت اسمها من روكان الى بارين”.
وخلال فترة انضمامها إلى وحدات حماية المرأة انقطعت عن عائلتها، حيث لا يرى المقاتلون والمقاتلات ذويهم إلا ما ندر، منهمكين في الإعداد للدفاع عن عفرين، ويضيف أحمد: “لم نرها إلا مُصادفة، او في زيارتنا لها في مقرها”.
مردفاً: “شاركت بارين في معارك تحرير الشهباء، ومعركة الرقة، آخر مرة رأيتها فيها قالت لي سأحارب حتى تحرير قريتنا وكل الأراضي المحتلة، قلت لها الا تفكرين بالعودة الى البيت وتتركي العمل العسكري، فكانت اجابتها: (هنا وجدت نفسي، وأصبح لدي رأي، ويخافون علي، هنا عرفت قيمة المرأة).
تبدو ملامح الحزن بادية على محياه في ذكرى استشهادها الأولى، فيقول “أحمد” لـ “عفرين بوست”: “بارين كانت متعلقة جدا بأمي، وزاد تعلقها بعد ان انضمت الى وحدات حماية المرأة، وفي كل مرة كانت ترانا فيها، كانت توصي بأمي، لكن حبها للوطن وعملها كان من الأوليات بالنسبة لها، حيث كانت تعتقد أن تحرر المرأة هو وفاءٌ لدين أمها عليها”.
متابعاً: “في حياتها المدنية، كانت تعشق الطبيعة والورد، ولا تكاد تخلو ذرة تراب من بيتنا المحتل من قبل الفصائل الإرهابية من عرقها وتعبها، فهي التي كانت تزرع وتهتم الى جانب أخواتها”، مردفاً: “أعتقد أنها كانت مصدر الحنان والتضحية في عائلتنا، حيث كانت تضحي براحتها في سبيل راحة الأخرين”.
ولا يخفي أحمد تعقله بأخته الشهيدة فيصفها بأمه الثانية، ويقول: “لا أبالغ ان قلت إنها كانت الأم الثانية في عائلتنا، لم تكن تشبه البنات قريناتها حتى أخواتها، ورغم أنها لم تكمل تحصيلها العلمي، الا انها اجتهدت على نفسها، وكانت دائمة البحث عن كل ما هو جديد، حيث كانت تقرأ الروايات وتطور نفسها بالاعتماد على ذاتها”.
كيف استشهدت؟
حول استشهاد أخته، يقول أحمد لـ “عفرين بوست”: “حسب رواية رفاقها، كانت ضمن المعركة منذ الصباح، واثناء دخول المرتزقة الى قرية قرنيه، كانت فترة الاستراحة الخاصة بها، الا انه وبعد اشتداد المعركة واستنجاد رفاقها بها، اصرت على الذهاب، رغم مُعارضة المسؤول عنها”.
مضيفاً: “قال الهفال أمين إنه طلب منها ألا تذهب، لأن المقاتلين (الكُرد) قد وقعوا في الحصار، وإن ذهابها يعني أنها لن تعود”، مستطرداً: “قالت لـ أمين أنها لن تترك رفاقها وستذهب، وبالفعل ذهبت مع مجموعتها، واشتدت المعركة أكثر، واصيب عكيد فأمرت بارين اثنين من رفاقها بحمل عكيد، ما تسبب بتشتت المجموعة”.
مختتماً بالقول: “قالت لهم بارين اذهبوا، وسأبقى أنا”، ونقل أحمد عن عكيد (اسم حركي لمُقاتل عربي من دير الزور من قوات سوريا الديمقراطية، تعرض للإصابة برفقة بارين) قوله: “كان بيدها سلاح بيكسي (رشاش)، وحتى مسافة 500 متر، كنت اسمع صوت الرصاص، ولكنه فجأة توقف، انا على قيد الحياة بفضل بارين”، أما قائدها “امين” فقال لـــ أحمد: “سمعتها على القبضة اللاسلكية تقول: اصبت، سوف أطلق على نفسي الطلقة الأخيرة”.
ويذكر أن مسلحين من المليشيات الإسلامية الغازية، نشروا فيديو لعملية التنكيل بجثمانها، مرافقاً بعبارات غير أخلاقية تسمع في الفيديو عقب استشهادها، في مشهد صادم أثار استهجاناً كبيراً ، ما دفع قادة الميليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي إلى إطلاق وعود بإجراء تحقيق حول ذاك التصرف اللاأخلاقي المُشين…دون أي نتيجة حتى الآن.. .بالطبع!