نوفمبر 15. 2024

أخبار

تدخل “هيئة تحرير الشام” إلى عفرين المحتلة… بين التأديب والاحتمالات الممكنة

عفرين بوست ــ خاص

جاء تدخلُ تنظيم “هيئة تحرير الشام” في عفرين المحتلة على وقع التهديد التركيّ بشن عملية عسكريّة جديدة في شمالي سوريا، واستعدادات ميليشيات “الجيش الوطني” للمعارك على أن تكون رأس الحربة في العدوان، واستغلت “الهيئة” الفراغ الزمنيّ لحصول أنقرة على ضوءٍ أخضر، ودفعت بأرتالها إلى عفرين المحتلة، بالتوازي مع اندلاع اشتباكات في منطقة الباب بين مسلحي ميليشيات “القطاع الشرقي لحركة أحرار الشام” و”الجبهة الشامية”.

جذور الخلاف

تعود جذور المسألة إلى حالة اضطراب في ميليشيا “حركة أحرار الشام” وانشقاقاتها السابقة في إدلب، وكذلك إلى جولات عديدة سابقة من الصراعِ المسلحِ مع “هيئة تحرير الشام” في يوليو 2017، ومارس 2018، ويناير 2019، واستطاعت “الهيئة” إقصاءها وبسط نفوذها على إدلب وجزءٍ من ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي، وفي 21/7/2017 انتزعت منها معبر باب الهوى المورد الاقتصاديّ بالمنطقة، الأمر الذي أدى إلى تحجيم قدرة “الحركة”. لتعلن عجزها عن تقديم الدعم للقطاع الشرقي في منطقة الباب. وفي 27/11/2017 انضمت القطاع الشرقي إلى ميليشيا “الجبهة الشامية” باسم “الفرقة 32”.

في نهاية مارس الماضي وقع التوتر واندلعت الاشتباكات بين مسلحي “أحرار الشام” و”الجبهة الشامية”، وعلى إثرها قرر “القطاع” تعليق عمله، وكانت بصدد الانشقاقِ، فكان الاحتكام إلى ما يسمى “اللجنة الوطنيّة للإصلاح” وقبل دخول اللجنة برئاسة شرعي ميليشيا “فيلق الشام” عمر حذيفة، الذي قال إنه عمل بالتشاور مع الشيخ “أسامة الرفاعي” رئيس مجلس الإسلاميّ السوريّ.

وقال “حذيفة” في تسجيل صوتيّ: إن “ما توصلت إليه اللجنة من قرارات تم رفعه إلى جيراننا (تركيا) وهم يقررون”. وطالبت اللجنة في بيانٍ لاحقٍ مسلحي “أحرار الشام”، بتسليم سلاحهم ومقراتهم العسكرية إلى “الجبهة الشامية”. وعزلت “الحركة” متزعمها السابق سيف الأمين أبو بدر – العضو في “مجلس الشورى” الفيلق – وعيّنت المدعو “أبو حيدر مسكنه” بدلاً عنه والمدعو “أبو عدي البوغاز” قائداً عسكريّاً. واعتبر مسلحو “الحركة” القرار “مجحفاً”. وبرفض القرار هاجم مسلحو “الفيلق الثالث”، مقار “الفرقة 32”.

 في 24/5/2022 أعلن “القطاع الشرقيّ لحركة أحرار الشام” في منطقة الباب انضمامه إلى “هيئة ثائرون للتحرير”، التي يتزعمها “فهيم عيسى” وتضم “فرقة السلطان مراد”، “فيلق الشام” (قطاع الشمال) ميليشيات أخرى.

في 27/5/2022 تم رفع الجاهزية لدى مختلف الميليشيات على خلفية التوتر بين مسلحي “الجبهة الشامية” و”أحرار الشام” وتم تداول دخول مسلحين “هيئة تحرير الشام” بزي مسلحي الميليشيات، وبقي الخبر قيد الجدل بين تأكيد ونفي.

يوم السبت 18/6/2022، هاجم مسلحو الفيلق الثالث/ الجبهة الشامية” مقار “أحرار الشام” في مناطق: تل بطال شرقي أخترين وعبلة وعولان شمالي مدينة الباب. واندلعت الاشتباكات بين الطرفين. وعلى خلفية الاشتباكات دخلت أرتالٌ من مسلحي “هيئة تحرير الشام” عبر محوري تل بلوط وغزاوية إلى عفرين المحتلة وسيطرت على العديد من القرى وبوصولها إلى قرية كرزيليه أضحت على مشارف مدينة عفرين، ولم تواجه في طريقها أيّ مقاومة تذكر.

حياد الميليشيات التركمانية

من المؤكد أنّ سلطات الاحتلال التركيّ تقف خلف تمدد “هيئة تحرير الشام”، وأنّ التوتر كان بين توجهات مختلفة للميليشيات، التيار السلفيّ والإخوانيّ، فيما تم تحييد الميليشيات التي تضم في مكوناتها مسلحي التركمان عن دائرة الصراع، وفي مقدمها ميليشيا “السلطان مراد”، إذ تنضوي الفرقة 32” في صفوف “هيئة ثائرون للتحرير” التي يتزعمها المدعو “فهيم عيسى”.

لم تنفرد ميليشيا “السلطان مراد” بموقفها، إذ لم يصدر أي موقف من ميليشيا “سليمان شاه/ العمشات” التي تتبادل الزيارة مع “هيئة تحرير الشام” علناً، بل نفى المدعو العميد “زياد حج عبيد” رئيس ما يسمى العلاقات العامة في ميليشيا “سليمان شاه”، دخول أي مسلحين من “هيئة تحرير الشام” إلى ناحية جنديرس، وفيما تم تداول خروج رتل من ميليشيا “المعتصم” من مارع لفض الاشتباك في الباب، إلا أن الأمر يتجاوز حدود الإعلان! وأما ميليشيات “محمد الفاتح وملكشاه وسمرقند” فلم يصدر منها أيّ موقف، وما قامت به ميليشيا “الحمزات” بقي في إطار الاستعراض، ليبدو أنها قد أحيطت بأبعاد الأحداث وأهدافها.  

التأديب هو الهدف

كان لافتاً انكفاء كل قوات الاحتلال التركي خلال أحداث اليومين، وإذ لا يمكن أن يطرأ أيّ تغيير في المناطق المحتلة دون أوامر من سلطات الاحتلال التركي، التي تعتبر الجهة الوحيدة التي يمكنها التدخل لوقف أي نزاع فصائليّ، وهو ما حصل باليوم التالي، ولكنها انتظرت حتى أسفرت الاشتباكات عن مقتل 25 شخصاً وإصابة العشرات، وهذا ما يؤكد نظرية التأديب. فالسؤال المطروح ما الذي أرادته السلطات التركية من التلويح بعصا “القاعدة في وجه الميليشيات الإخوانية؟

يرجّح مراقبون أنَّ سلطات الاحتلال أرادت تأديب الميليشيات بصورة عامة، وأنّ الميليشيات المستهدفة هي التي لم ترسل مسلحيها إلى ميادين ليبيا وأذربيجان، وفي التأديب أيضاً فقد وقعتِ الأحداث بعد أيام قليلة من اجتياح المظاهرات العديدَ من المدن والبلدات المحتلة، على خلفية قضايا الكهرباء والخدمات، وهو أمر يتناقض مع خطة ترحيل مليون لاجئ سوريّ من الأراضي التركية، وكذلك الصورة الإعلاميّة عن المنطقة الآمنة.

كان المطلوب بالضغط على مسلحي الميليشيات لزجّها في أي معارك قادمة، بالنظر إلى أن الاحداث وقعت مع تصعيد أنقرة وتهديدها بشنِّ عمليّة عسكريّة جديدة، لتقود المسلحين إلى خيار اللاخيار.

احتمالات إضافية

يقدم الإعلام التركيّ “الجولاني” على أنّه يقود حكومة إداريّة تقدم الخدمات للناس، وتتجاهل الطابع الجهاديّ والعسكريّ، وتنشط شركة وتد في القطاع النفطي ولها علاقات مباشرة مع أنقرة والدوحة، وبذلك تحولت إدلب إلى إمارة إسلاميّة مغلقة.   

وبالمطلق تقف أنقرة خلف خطوات الهيئة براغماتية سياسيّة وخروجاً عن المسار القاعديّ المعروف، ونزع “الجولانيّ” العمامة عن رأسه وظهر بلباسٍ مدني في لقاءات مع وسائل إعلام غربيّة. وثمة توافقاً أمريكياً ــ روسياً حول “النصرة”، على أنّه بات “أهون الشرور”، مقابل خيارات أخرى مثل تنظيم “حراس الدين”. كما أنّها الملف الذي يمكن عبره إحراج الروسيّ، الذي يتطلع إلى عملية عسكرية في إدلب التي تضم جهاديين من جنسيات روسية (شيشان، أنغوش، طاجيك، داغستان)، إضافة جنسيات عربية وإيغور وألبان.  

إلا أنّ احتمالاً آخر يبرز وفق مراقبين، بأنَّ ما يجري قد يكون محلَّ توافقٍ روسيّ ــ تركيّ، وهو مقدمة لاستدراجِ “النصرة” إلى مناطق عفرين وأعزاز والباب، وبذلك تُتاح الفرصة لبدء عملية عسكريّة موسّعة في إدلب! إلا أن ذلك لن يكون بالمجان، وإنما بالاستجابة لمطلب أنقرة بالموافقة الضمنية لتنفيذ عملية عسكريّة جديدة! ذلك لأنّ أنقرة تعتبر محاربة الكرد أولوية أساسيّة، ومستعدة أن تتصالح مع “داعش” والنصرة” مقابل استهداف الكرد.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons