عفرين بوست-خاص
استهدفت العملية العسكرية المسماة “غصن الزيتون” احتلالَ الأرضِ، ومن بعدها كان التتريك الذي لم ينحصر بمجرد فرض اللغة، بل مجمل الإجراءات التي تطالُ تفاصيلَ الحياةِ واللغة والثقافة والتعليم والاقتصاد والربط الإداري بالدولة التركية، وهي ذات آثارٍ طويلة الأمد، وتكمن خطورتها بتزامنها مع التغييرِ الديمغرافيّ والانتهاكات والتضييق على السكانِ الأصليين الكرد لدفعهم للخروج من المنطقة.
أولى ملامح التتريك
تواصل أنقرة إجراءات ترسيخ بقائها في المناطق التي احتلتها، ولا يبدو أنها بصدد انسحاب طوعي منها، واستذكر مسؤولين أتراك الميثاق الملي وقالوا إن الأراضي المحتلة تقع ضمنها، وأن العملية العسكرية مجرد استعادة لأملاك “عثمانية”، قال ذلك وزير الدفاع التركي خلوصي آكار ووزير الداخليّة التركيّ سليمان صويلو. ويناقض طرحُ الميثاق المليّ إعلان أنقرة الأولي بعدم الرغبة بالبقاء بالأراضي السوريّة، وأن عملياتها العسكرية مقتصرة على تأمين الأمن القومي.
والتتريك عملية احتلال لأدق تفاصيل الحياة، بدت أولى ملامحه مع العملية المسماة “غصن الزيتون”، برفع العلم التركي على القرى المحتلة تباعاً، وصولاً ليوم إعلان احتلال مدينة عفرين في 18/3/2018 ورفع العلم التركي على مبنى السرايا القديم، فكان تاريخاً مفصلياً، بدأت بعدها حملة تغيير شاملة بالمدينة وتغيير أسماء الساحات والشوارع برفع العلم التركي بكل مكان، وإلغاء دلالات الهوية الكردية في كامل الإقليم الكردي اعتباراً من تدمير تمثال كاوا الحداد.
تسارعت وتيرة التغيير الديمغرافيّ باستقدامِ مستوطنين من مناطق أخرى لإسكانهم في بيوت الأهالي المهجرين العفرينيين بفعل العمليات العسكريّة، ويستكملُ الاحتلالُ فصولَ التتريك ببناءِ جدار عازل لعزلِ المنطقةِ عن العمق السوري ورسم حدود جديدة.
تتبع أنقرة في إقليم عفرين المحتل، سياسة التتريك دقيقة، وبات مألوفاً انتشارُ الرموز والأعلام التركيّة بما يكرّسُ واقعَ الانفصالِ الذي تسعى أنقرة لفرضه بمرورِ الوقت، في محاكاةٍ لتجربةِ ضم لواء إسكندرون. لكنّ ما تقوم ميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين من انتهاكات وجرائم أخطر وأشمل بكثير مما جرى أثناء سلخ اللواء.
تتريكُ الحياةِ العامةِ
اعتمدت سلطات الاحتلال خطة متكاملة لإجراءاتِ التتريك ستؤدي بالنتيجة لربطِ الاقتصاد والتعليم والخدمات العامة بالحكومة التركيّة، وتعمل على نشر الفكر الديني المتطرف وتشجيعِ الولاءِ للهويةِ التركيّةِ.
في تقرير نشرته شبكة “ميدل إيست اونلاين” اللندنيّة في تموز 2019 يلخّصُ الواقعَ قالت: “أن تزورَ مدن جرابلس، إعزاز، الباب، وعفرين في شمال سوريا في ظلِّ السيطرة التركيّة يعني أنّه من الممكنِ أن تكونَ بحاجةٍ لمترجمٍ تركيّ-عربيّ عند تحويل النقود أو زيارة المشفى أو الدخول إلى المدارس وما تسمّى المجالس المحليّة التي أمست مخافرَ مدنيّةً وأوكاراً استخباراتيّة للدولة التركية على الأراضي السوريّة”.
“من الممكن أن تعتقدَ وللوهلةِ الأولى بأنّك في تركيا وليس في مدن سوريّة قاومت العثمانيين في زمنٍ ما وهويتها الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة متميزة عمّا هو سائد في إزمير وميرسين حيث معقلُ الشوفينيّةِ التركيةِ. والتأكيد على أنّك سوريّ في تلك المناطق قد يُعتبر إقحاماً وقحاً وغير منطقيّاً للهوية السوريّة، وذلك بعد ثلاثة أعوام فقط من تدنيسِ الجنودِ الأتراك للأراضي السوريّة”.
ينبئ ما تشهده مدينة عفرين وقراها بحجم التغيير الحاصل بمجرد ملاحظة ظاهر الحياة العامة، وانحسار المواطنين الكرد المميزين بأزيائهم، فيما يجوب الشوارع أشخاص غرباء، فمن جهة الحضور المسلح لميليشيات الإخوان المسلمين والنساء المنقبات وصولاً إلى اللوحات التي تدعو لارتداء النقاب والأعلام التركية وصور أردوغان.
تتريكُ الثقافةِ
أخذت سياساتُ التتريكِ والتغييرِ الديمغرافيّ منحى تصاعدياً واتضحت أولى معالمها بتهجير ثلاثمائة ألف من سكان إقليم عفرين الأصليين الكرد من بيوتهم وتدمير البنى التحتيّةِ والمرافق العامة لطمس هويتها ومحو ذاكرتها وتزوير تاريخها، ويؤكّدُ أهالي المنطقة استمرار عمليات التوطين المنظمة لعناصر الميليشيات وعوائلهم وتتمّ بخطط تركية في منازل الأهالي المهجّرين بالقوة بهدفِ التغيير ديمغرافيّ. وأخطر ما في التتريك أنّها نسفت مبادئ العيش المشترك.
وسعت أنقرة لنشر اللغة والثقافة التركيّة في إقليم عفرين المحتل، وغيّرت أسماء بعض القرى والأحياء والمعالم من اللغتين العربيّة والكرديّة إلى التركيّة، فأصبحت ساحة آزادي بعفرين أصبحت “ساحة كمال أتاتورك”، ودوّار “كاوا الحداد” أصبح “دوّار غصن الزيتون”، وسمّي دوار آخر باسم أردوغان، وقرية قسطل مقداد أصبحت “سلجوقى أوباصي”، وقرية كوتانا إلى “ظافر أوباسي” وقرية كرزيلة إلى “جعفر أوباسي”. وكُتبت اليافطات بالتركية إلى جانب العربية في المؤسسات والمستشفيات والمدارس.
وفي ميدان الثقافة العامة أيضاً يروّج لفكر الإخوان المسلمين بالتحكم بخطاب المنابر الدينية وتوحيدها لتبرر الاحتلال، وتم تغيير أئمة المساجد الكرد، فيما يُبنى مزيد من المساجد. وطال التغيير الأوابد التاريخية ذات الدلالات الكردية. وفي 15/5/2020 أعلنت مديرية أوقاف ولاية “هاتاي” التركيّة، ترميم مقام “النبي هوري” الأثريّ، ومسجد عمر بن الخطاب بمنطقة عفرين. وقال مدير أوقاف هاتاي، أوميت غوكهان جيجك، في مؤتمر صحفيّ: “المديرية العامة للأوقاف تولي أهمية كبيرة لترميم وإحياء الآثار التي خلفها الأجداد في سوريا”، والحقيقة أن الترميم يتضمن إضفاء ملامح عثمانية على الموقع وإمحاء أي صلة بالثقافة الكردية. وفيما جرى تخريب وحرق ونهب كثير من المزارات الإسلامية والإيزيدية بفتوى التكفير، تم الترويج لفكر التطرف ورفض الآخر على أساس مذهبي وعنصري.
وبمرور الوقت باتت المدارس والمؤسسات الأخرى تستخدم اللغة التركية لغة رسمية في تعاملاتها، وبدأت اللوحاتُ الطرقيّة تظهرُ باللغة التركيّة، كما يتم جمع أموال الضرائب المحلية والإيجارات والرسوم البلدية لتمويل السلطات المحليّة، وفي مدينة جندريسه تمّ تثيبت لوحة كبيرةً تشير إلى هاتاي ومدينة ريحانلي.
وخلال أيام العدوان على عفرين روّجت الإعلام التركي لخبر اكتشاف منزل قالت إن مصطفى كمال أتاتورك مؤسس أقام فيه، والصحيح أنّ نزل فيه مجرد ضيف لدى انسحابه من فلسطين، وفي 7/7/2018 قال والي هاتاي أردال أطا، إنه أصدر تعليمات بترميم المنزل وتحويله إلى متحف.
تتريكُ التعليمِ
ويعتبر التعليمُ أخطر حلقات عملية التتريك، إذ يستهدف عقول الأطفال والناشئة، ولا يقتصرُ أثرُه على الحاضر بل المستقبل أيضاً، وتحرص سلطات الاحتلال التركيّ على الإدارة المطلقةِ لعملية التعليم وتمويلها لأهميتها. وتعملُ على تكريسِ اللغةِ التركيّةِ وفرضِ التاريخِ التركيّ على التلاميذ بما يتضمنه من تزويرٍ للحقائقِ والوقائعِ التاريخيّة والثقافية والعلميّة وتعتمدُ وجهة النظرِ التركيّة وتلميعَ صورةِ الاحتلالِ العثمانيّ، واستبدلت عبارةَ الاحتلالِ العثمانيّ بالحكم العثمانيّ، ومجّدتِ السلاطين العثمانيين واعتبرتهم رموزاً مقدّسةً، وتضمنت المناهجَ إشارات إلى تركيا كدولةٍ عظمى، واعتمدت خرائط سوريّة لا تشير إلى المناطق التي تعتبر محتلة، أي بدون لواء إسكندرون الذي ضمّته تركيا عام 1939.
ويُشرف مُدرسّون أتراك على تنسيق أعمال توزيع الكتب التركية على المدارس في المناطق المحتلة ومنها عفرين، وضمن سياسة تتريك التعليمِ رُبط التعليمُ بالمؤسساتِ التعليميّةِ التركيّةِ مباشرةً، وأُعلن عن نية جامعة غازي عينتاب افتتاحِ ثلاثِ كلياتٍ إحداها للتربية في عفرين. واُفتتحت مدرسة ثانوية إسلاميّة تركيّة شبيهةٌ بمدارس “إمام خطيب” التركيّة إلى جانب مدارس أخرى بتمويل تركي.
وفرض تعليم اللغة التركية اعتباراً من الصف الأول الابتدائيّ حتى الثالث الثانويّ، وأكّد رئيس برنامج “التعليم مدى الحياة” بالوزارة التركيّة أنّهم سيعينون المدرسين التركمان لتعليم الأطفالِ اللغة التركيّة، ما يعني أنَّ تركيا تهدفُ لإلحاقِ المنطقة بتركيا لغويّاً وتعليمياً. ورُفع على أبنية المدارس علما المعارضة السوريّة والتركيّ وطُبعا على أغلفة المناهج الدراسيّة. وفي 20/5/2020 أصدرت مديرية التعليم في عفرين برنامجُ الامتحان للعام الدراسيّ 2020 للشهادتين الإعدادية والثانويّة معتمداً ثلاث لغات ومتجاهلاً اللغة الكرديّة، وذُكر اسم منطقة “غصن الزيتون بدل “عفرين”.
التتريك الإداريّ والاقتصاديّ
وجاء في تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في حزيران 2018 أنّ والي هاتاي عيّن مسؤولين للإشراف على إدارة عفرين، وافتتحت مؤسسة البريد الرسميّ التركيّ “PTT” مكاتبها، وأقامت شركة “توركسيل” أبراجها. وتم تعيين والٍ تركي للمنطقة لتلحق إدارياً بولاية هاتاي”
أما المجالس المحلية التي جرى إنشاؤها شكلية لا وزن لها، كما أُوجدت هياكل محليّة عسكرية وأمنية ترتبط مباشرةً بالاستخبارات التركية. وُوضعت عفرين تحت إدارة ولاية هاتاي بتعيين موظّفين رسميين أتراك للعمل في الشؤونِ العسكريّةِ والإداريّةِ. وفُرض على سكان منطقة عفرين استخراج بطاقات شخصية جديدة، مع تعمد حجب بيانات السجل المدنيّ الأصلية المتعلقة بأصول العائلات، لتساوي بين الأهالي الأصليين والمستوطنين.
وفي 6/10/2019 قالت صحيفة الخليج عن عمليةِ التتريكِ: “عمليةُ التتريكِ تجري على قدمٍ وساقٍ، إذ إنَّ الدوائرَ الحكوميّة والرسميّة باتت ترفعُ العلمَ التركيّ بدلاً من العلم السوريّ، كما يتم داخلها رفع صور أردوغان، وتُكتب أسماء الدوائر والمؤسسات باللغتين التركيّة والعربيّة، حيث تبدو الحروف التركيّة أكبر حجماً من الحروف العربيّة”، وأضافت: “من مظاهر التتريك أيضاً أنَّ القضاة والمحامين السوريين لا يتمُّ تعيينهم إلا بالتنسيقِ مع وزارة العدل التركيّة، ولا يُسمح للشركات غير المسجلة في تركيا بالعمل في عفرين أو مناطق أخرى خاضعة للسيطرة التركية.
ويشمل التتريك الاقتصادي إجراءات فرض التعامل بالعملة التركية بدل السورية، وإيجاد مكاتب الصرافة، وافتتاح معبر “غصن الزيتون” في 13/3/2019 لنقل الزيت والأخشاب والمحاصيل الزراعية إلى تركيا. وفي إطار ترسيخ الربط الاقتصاديّ بتركيا ضخت مؤسسة البريد كميات من العملة التركيّة من الفئات الصغيرة لإنهاء التعامل بالعملة السوريّة.
وبالمجمل تعملُ أنقرة على فكِّ الرابط الإداريّ لإقليم عفرين وقطعِ علاقتها ببقيةِ مناطق سوريا، وتتعامل معها كأنّها أرض تركية وليست تابعةً لدولةٍ مجاورة.
علي الأمين: لا أعتقد بأن تركيا ستتخلى عن عفرين بسهولة
علي الأمين السويد : سياسي من مدينة كفرنبل، مقيم في الكويت، أشار إلى تنسيق أنقرة، وربط بين الوجود العسكري التركي المباشر بإدلب وسياسة القضم التدريجي المتبادل.
وتعمل تركيا مع روسيا وإيران والنظام السوري وفق خطين متفق على أحدهما بينما الآخر احتياطي. أما سمات الخط المتوافق عليه مع الأطراف الرئيسيّة في الصراع السوري فهي تتكامل مع خطة النظام السوري لإعادة السيطرة على مناطق خفض التصعيد الرابعة التي خرجت عن سيطرته سابقاً وفق المعادلة التالية:
وتقوم تركيا بضمان عدم شن هجمات مقاومة ضد ميليشيات الأسد أثناء تقدمه شمالاً، مقابل ضمان تدمير القرى والمدن في محافظة إدلب وجعل إعادتها للحياة صعبة جداً ودفع سكان إدلب للنزوح إلى الشريط الحدودي الفاصل بين سوريا وتركيا ما يحقق مصلحة تركيا بتغيير التركيبة السكانية في الشمال السوري وخلق سياج بشريّ عربي يستقر رغماً عنه بسبب استحالة العودة إلى مناطقهم الأصلية.
أما الخط الآخر غير المعلن فهو توسع تركي في المنطقة الحدودية يعتمد على احتمالات انهيار الدولة السورية بأي شكل وعلى هذا المنوال وتضم تركيا مناطق عمق التدخل في الأراضي السورية حسب اتفاقية أضنة 1998 إضافة لنقاط أبعد من 5 كم ستشمل المدن المهمة كعفرين التي لا أعتقد بأن تركيا ستتخلى عنها بسهولة. وستكون حجج الوجود التركي على طول الشريط الحدودي كثيرة منها إقامة المنطقة الآمنة وحماية الأمن القومي التركي ومحاربة الإرهاب وما إلى ذلك من الأكاذيب التركية المعتادة.
ولقد اعتمد النظام السوري والنظام التركي على سياسة القضم المدروس. فكل تقدم للنظام السوري في جنوب إدلب يقابله توطيد أركان الاحتلال التركي في مناطق جديدة في شمال إدلب والشمال السوري بشكل عام.
صلاح علمداري: لا تغيير في المعادلات حتى نهاية العام، إما تفاوض مع تركيا أو تحالف ضدها
وحول الأفاق المحتملة لما بعد التتريك، واحتمالات الضم، قال السياسي الكردي صلاح علمداري: “موضوع ضم مناطق سوريّة أو عراقية لتركيا ليس موضوعاً محلياً والقرار فيه ليس لتركيا وحدها بمعزل عن دول العالم وقوانينه ومؤسساته (بغض النظر عن الفاعلية)، سياسة الرئيس التركي هي خلط أوراق وملفات كثيرة للحظوة ببعض منها على الأقل، من أوكرانيا إلى أذربيجان ومن سوريا، العراق إلى ليبيا واليمن والخليج”.
علمداري أشار إلى أنّ حلم الميثاق المللي وشهية قضم مناطق من شمال سوريا والعراق لم تبرح مخيلة العنصريين الأتراك يوماً خلال القرن الماضي، وسياسة تركيا (أردوغان –بهجلي) الحالية في سوريا والعراق تحديداً، عدوانية توسعية مخططة تستغل الفوضى والفلتان الأمني في البلدين وتجهد لإدامتها والوصول إلى اللحظة المناسبة لإعلان ضم بعض المناطق التي احتلتها، يساعدها في حلمها هذا تردد الدول الأوربية، وغياب موقف عربي موحد وعجز المؤسسات الأممية عن الردع.
وللمخطط التركي هدفان: القضاء على مصادر قوة الكرد في البلدين والسير من فوق الجسد الكردي نحو ثروات وأسواق العرب في الجنوب، وهو من ثلاث مراحل بدأت قبل سنوات بالزحف الثقافي والاقتصادي والآن التوغل العسكري الهادف إلى تقطيع المناطق الكردية على طول الحدود مع العراق وسوريا وفصلها عن بعضها، والآن تحاول فصل الجزيرة عن إقليم كردستان، ومعبر سيمالكا الرئة التي تتنفس منها روجآفا هو هدف تركي رئيسي في حربها الحالية على إقليم كردستان. سيمالكا اليوم في خطر وروجآفا مهدد بحصار. ستستمر المرحلة الثانية المتمثلة بتقطيع المناطق الكردية عن بعضها، وكذلك تأليب المكونات على بعضها واختلاق الصراعات لإفشال الحلول السياسية في سوريا والعراق حتى يبلغ المخطط التركي غايته كردياً (نسف مواقع قوة الكرد العسكرية والسياسية) لضمان عدم حصولهم على ما يطالبون به وأيضا لبقاء العراق وسوريا جارين ضعيفين تحت رحمة تركيا.
المرحلة الثالثة (مرحلة الأرض المهجورة) وتنفذ في ظل الاحتلال العسكري بتسليط أوباشها المشبعين بشوفينية مزدوجة (دينية وقومية) على كل منطقة تطالها ليحولوها إلى جحيم (عفرين مثلاً وليس حصراً)، ويأتي دور الضخ الإعلامي لتبييض الوجه التركي مترافقاً مع إقامة مشاريع مثل شق الطرق، تمديد شبكة الكهرباء، شبكة الهواتف… فرض العملة التركية، تتريك المناهج التعليمية، تغيير الهندسة السكانية… في مسعى نهائي للحصول على أغلبية سكانية تابعة، ضامنة، بانتظار اللحظة المناسبة لإعلان الضم (هذا هو المخطط)، إلا أن كل ذلك سيبقى مجرد رغبة تركية ما لم تحظ هكذا خطوة بموافقة روسيا وأمريكا الموجودتان بقوة بالمنطقة، هذه الموافقة حصلت جزئياً، بموافقة بوتين وترمب على ثلاث حملات عسكرية تركية على مناطق في سوريا الرسمية إضافة لوجودها العسكري في إدلب، لكن الكرملين وضع شرط الانسحاب بعد الحل السياسي، والمؤسسات الأمريكية لم تنفذ قرار رئيسها بالانسحاب الكلي من سوريا وهذا ملفت ومهم.
وختم علمداري بالقول: عقدة خلو تركيا من النفط والغاز دفعتها إلى ليبيا ووجدت في حكومة الوفاق حصان طروادة للدخول إلى عالم النفط، والأطماع في ليبيا هي خارج الميثاق المللي ولكنها تزيد أوراق التفاوض التركية، والسؤال المهم هو: هل سترضخ الدول الكبرى لغرور الرئيس التركي وتماديه فتفاوضه أم تتحالف ضده كما تحالفت ضد نظام صدام فأسقطته، أهمية موقع وثروات ليبيا للدول الأوربية، جدية الموقف العربي والمصري تحديداً وانتخابات الرئاسة الأمريكية هي عوامل ستحدد الموقف الدولي بداية العام القادم وإلى ذلك الحين تبقى المعادلات كما هي دون تغيير، إما أن تتفاوض الأطراف مع تركيا فتخرج الأخيرة بمكاسب محددة في سوريا والعراق (مثلاً) مقابل الانسحاب الكلي من ليبيا وهنا ستكون الصفقة على حساب الكرد بشكل كامل واحتمالية ضم عفرين ومناطق أخرى واردة أو تتحالف الأطراف المذكورة مع بعضها فتقلب الطاولة على تركيا فتكون نهاية حلم أردوغان وبداية نهاية الحزب الحاكم نفسه.