عفرين بوست-خاص
مازال كلٌ يحلم باستعادة ألوانه المسلوبة ورسم لوحة جديدة، لوحة تجسّد طريق العودة لأرض الزيتون، حاملاً علبة ألوانه ليعيد تلوين السماء بالحب.
حصلت “عفرين بوست” على لقاء حصري مع الفنان التشكيلي “حنيف حمو” الذي ينحدر من قرية موسكيه التابعة لناحية راجو بريف إقليم عفرين الكردي المحتل شمال سوريا، في الرابع والعشرين من أبريل العام 1956.
و”حمو” خريج كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير 1986 جامعة دمشق، كما انه حاصل على دبلوم تأهيل تربوي في عامي (2001 – 2002)، وعمل كمدرس في دار المعلمين بحلب (2002 – 2003)، ومدرس في معهد التربية الفنية التشكيلية والتطبيقية من 2003 إلى 2013.
وكان حمو رئيس قسم في المعهد بين عامي 2007 إلى 2010، وعمل كمدرس في كلية العمارة من العام 2007 إلى 2010، ومدرس في كلية فنون الجميلة بجامعة حلب 2007 و2008، ثم ترك التدريس أثر تصاعد الأحداث الدموية بحلب، متجهاً إلى إسطنبول.
_ المعارض والمشاركات:
1- مشاركة في جميع المعارض الجماعية منذ عام 1979.
2- معرض الخريجين الخمسة من مركز الفنون 1980 بمركز الثقافي دمشق.
3- معرض جماعي 6 فنانين بمركز الثقافي الروسي دمشق 2007.
4- معارض ربيع حلب السنوية حتى عام 2010.
5- معرض فردي أول بصالة اتحاد فنانين التشكيلين حلب 2011.
6- معرض 4 فنانين سوريين إستانبول 2014.
7- المعرض الفردي الثاني بصالة كلاويج _ عفرين 2012
8_ معرض الفن السوري المعاصر برعاية دار كلمات متحف مرمرة 2015 _ حيث يشرف على ورشات أعمال فنية جماعية للأطفال النازحين… أو صورة امرأة بجسم ورأس أفعى تدعى شاهميران ملكة الأفاعي الاسطورية.
9- معرض كُردستان الدولي/ ديار بكر (آمد) والمشاركة بملتقى الفنانين بديار بكر 2015.
وهو حائز على جائزة كرافيك في معرض مركز الفنون التشكيلية 1979م، ويقيم حالياً متنقلاً بين مخيمات التهجير القسري الخاصة بأهالي عفرين الأصليين الكُرد في الشهباء، وحلب، حيث يشرف على ورشات عمل فنية بجانب ممارسته لشغفه بالفن التشكيلي بانتظار العودة إلى عفرين.
وفيما يلي البوح الكامل للفنان التشكيلي المفعم بعبق الزيتون “حنيف حمو” لـ”عفرين بوست”:
متى اكتشفت حنيف حمو الفنان؟
“كان ذلك في مدرسة راجو الابتدائية.. الهنكارات الجميلة من التوتياء.. اتذكر ذاك البريق العاكس لأشعة الشمس، الهنكار المقسم الى عدة غرف على اليمين ومثيلها على اليسار.. والهنكار الثاني صالة تضمن طاولة بينبول وفوت بول وكرة اخرى برتقالية للسلة وثالثة كرة طائرة وشبكتها المنصوبة في الباحة الواسعة وبدون ان يحاصرها السور.. كم رائعة تلك الذكريات تشبه الخيال والأحلام.. تفرحني حيناً وتبكيني حيناً أطول.. إنها أعمق من ان تكون حلماً إنها اوسع من أن تكون خيال.. احبك يا راجو يا طفولتي السعيدة.. لذلك انا للآن طفل متجدد.. في آخر سنتين من تلك السنين التي اسميها حياة حقيقية.. اكتشفت نفسي بشكل طفولي أنني أعشق الرسم وأجيده وأتفوق فيه.. اكتشفت بهجتي ولم أكن أدرى بأن هذا هو بذور الفن التشكيلي.. كنت فقط سعيداً لذلك وتدوم سعادتي عندما ارسم واصنع تماثيلاً من طين او آليات ومركبات متنوعة من الأسلاك.. هذا هو اكتشافي الطفولي العميق المتجذر في ذاكرتي الممتلئة بالجمال الخالص الممتلئة بل المتخمة بالصفاء والمحبة لكل شبر من تلك الأرض بجمال فلاحاتها وفلاحيها المزركشين بألوان الربيع الدائم.. وبيوتنا ذو السقف الطيني الكلسي المستقر على اعمدة من شجر سبيندار (قاواق – شجر الحور) المجبل بخلاصة الفضة وبعض الخضار اللامع من نبع كتخ… ومن تلك البيوت الحجرية الرمادية بأبوابها ونوافذها المقوسة.. ومن الداخل تلك القناطر وبما تزينها من حبل مجدول من الصوف الطبيعي ذو الالوان الرائعة التي تنم عن ذوق رفيع”.
“والشومينيه.. بخارا.. والرف الذي يعلوه يحمل فانوس كاز، وبضع أشياء اخرى تزينه فقط للجمال والراحة النفسية.. وعلى الجدران صورة لفاطمة المغربية او صورة تحمل اسطورة.. عبارة عن رأس امرأة وجسم.. وسلات قش عدة ونحاسيات وخزفيات.. وادوات خشبية، وتفاصيل القرية الجميلة كل هذا روافد طفولتي.. طفولة اكتشاف نفسي مبدئياً واشياء كثيرة لا تحصى”.
ماذا تعني لك الألوان؟
“الالوان هي كل شي هي العالم الخفي المبهج المحزن الحالم المبهر.. أعبر من خلالها عن مشاعري الدفينة وذاكرتي الدفينة والعميقة التي اكتظت بها وبتفاصيلها الهائلة من الدرجات من خلال طفولتي المدرسية.. ست سنوات وأنا أتغذى بصريا من طبيعة بلدتنا راجو الخلابة بسهلها.. دشته بوليا.. وكوله هوبكا.. ووديانها كلي تيرا.. وجبالها وجداولها من خلال تجوالنا نحن أطفالها وفي كل الفصول.. كنت أرى غنى الألوان وتحولات السماء والنجوم.. زرقة السماء وتحولاتها في كافة الفصول.. كنت الاحظ واراقب تحول اللون الواحد مثلا الاخضر تحت اشعة شمس الصيف.. وأيام الحصاد وذاك اللون من الصيف إلى الخريف.. الفصول الأربعة.. عناصر الطبيعة تحت حر الشمس وتحت الغيم تحت المطر تحت الثلوج.. وتحت جداول المياه.. وأحبها بكافة تحولاتها.. أحملها واحفظها كما هي بغناها في ذاكرتي… فعلا الطبيعة ام الفن والفنانين.. إنها تعني لي المتعة والجمال الخالص.. ولا شك احببت وأحب كل الألوان ودرجاتها اللامتناهية.. أرغب وأعبر عنها في كل فترة زمنية ممكن ان تطغي بعض الالوان في فترة ما على بعض أعمالي انا لا احدد ذلك إنها الحالة الآنية لي يعود ذلك إلى رغبة دفينة ومؤثرات اعيشها.. إنها خارجة عن قراري وإرادتي.. بفترة أخرى مؤثرات ومجموعة ألوان أخرى بما يمليه على إحساسي”.
علاقة الفنان بالناس؟
“الفنان لا يكون فناناً بعيداً عن الناس.. العلاقات الاجتماعية هي اساس مهم جدا لبناء الفنان.. ومهما كانوا الناس.. في المجتمع كافة الفئات والشرائع تغني ذاكرة الفنان.. الصحة النفسية والعقلية والاهم ذاكرة الفنان هي مخزن لسلوكيات الناس بكل مستواها.. لكن الفنان يرى نفسه ضمن وسط ثقافي أدبي وفني متنوع.. ادب شعر موسيقى رسم مسرح رقص… هذا هو الوسط المتناغم مع تطلعات ومشاعر ونجاح الفنان.. يغني الفكر ويتبلور حلم الفنان باهتمام هؤلاء ولكن ليس بعيدا عن عامة الناس.. مثلا اريد إغناء المستوى البصري للناس.. لفت وتنمية الحس الجمالي عندهم”.
هل الموهبة وحدها كافية لتصنع فناناً أم لابد من دراسة اكاديمية؟
“الموهبة هي الأساس هي الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها الموهوب.. لكن شغف الموهوب بمواظبة التعلم والتواصل واكتساب المزيد من التقدم لتحقيق نتائج أفضل.. أما الأكاديمية فهي التنمية العلمية الفنية الصحيحة لهذه الموهبة، والتنافس والدوافع الإيجابية بين زملاء المجموعة لتحقيق وكسب خبرة أساتذة الفن في سبيل تكوين الشخصية الفنية المرجوة.. لكن الأكاديمية لا تصنع فناناً بالضرورة.. الموهوب يصنع نفسه بنفسه من خلال شغفه ودأبه الكثيف.. التواصل الاستمرار والتعلق بعمله المستمر بنوع من كثافة العمل وحضور المعارض وزيارة الفنانين واكتساب الثقافة والخبرة الفنية، أيضا تجعل الموهوب فناناً بدون دراسة أكاديمية أحياناً والأمثلة كثيرة في الحياة الفنية التشكيلية”.
ماذا اخذت من عفرين …وماذا منحتك؟
“عفرين اعطت طفولتي الأساس الجمالي لمسيرتي.. هي ركيزتي الاولى لبناء مسيرتي المستقبلية.. اعطتني مخزون لا ينضب لتشكل لي ذاكرة حبلى بأساسيات وعناصر الجمال.. والتواصل فيما بعد مع الفن والوسط الفني وتصقيل موهبتي الاولى بمركز الفنون التشكيلية والانتقال الى أكاديمية الفنون الجميلة.. ولا أنكر تعلقي أيضاً بجمال احياء المدن القديمة مثل حلب ودمشق واحيائهما القديمة، ورسمت أعمال في تلك الاحياء وبشكل مباشر.. لم اقطع زياراتي لعفرين وقراها وأماكنها الجميلة قراها سهولها جبالها ووديانها.. كنت على تواصل معها لتغذية ذاكرتي والتمتع بها”.
كيف تصف يوم تهجيرك من عفرين.. وماذا اخرجت معك؟
“كان يوما مشؤوماً كانقطاع الروح عن الجسد بل أكثر.. كم كانت الدموع قاسية حين وصولي قمة جبل كيمار والالتفاتة نحو مشهد عفرين من بعيد الى ان استقرت العين على سهول باسوطة ونهر عفرين، كم كان الحزن كثيفاً بكثافة سواد حالك بين جدران ضيقة من زنزانة لا خلاص منها.. حقا لا تشبع أية كلمة وصف تلك اللحظات.. وأتساءل في نفسي كيف يحدث هذا أهذا كابوس.. لا، إنها اللحظات الاولى من النزوح المقيت.. عشنا ما يقارب الشهرين، ولم نكن نخشى شيئا من ذاك القصف الاسلامي الارهابي.. لكن جرت الامور واجبرنا على الفراق المرير لتربتنا الطاهرة.. وخلال ثلاثة الأيام الأخيرة، فككت عشرين عملاً من أعمالي عن الإطار وربطتها لأضعها تحت إبطي وأخرج بها وحقيبتي على ظهري، حيث كانت تحوي ثمانية من فراشي الرسم وكاميرتي الصغيرة… ودعت مرسمي بعيون حزينة أتردد الخروج أم البقاء.. كانت اللحظات الاولى من انكسار الروح”.
ما هي اللوحة التي تود رسمها ولكن ما زلت تخاف من رسمها؟
“لوحة الوداع والنظرة الأخيرة”.
ماذا تقول للألوان التي تركتها في عفرين؟
“تركت دمي الأحمر والأزرق والابيض والأصفر والاخضر والاسود.. تركتها لعبث رصاص الارهاب.. وعديمي الكرامة والإنسانية، وأقول لهم استمدوا ألوانكم من ذاكرتكم التي تكونت هناك.. وجلبتموها معكم من عفرين”.