عفرين بوست-خاص
حصلت عفرين بوست الأربعاء الموافق للثالث من يونيو، على مقاطع فيديو تُظهر استمرار الاحتلال التركي نبش وحفر الجزء الشمالي من موقع النبي هوري المعروف تاريخياً باسم مدينة” سيروس”، محدثاً دماراً كبيراً في الموقع.
وأكدت مصادر خاصة لـ”عفرين بوست” أن الاحتلال التركي يعتزم انشاء متنزه في الجانب الشرقي من مزار النبي هوري، مضيفةً أنه قام بإزالة السور القديم لمزار النبي هوري.
وتابعت المصادر أن أعمال الترميم “المزعومة” التي يقوم بها الاحتلال التركي تهدف للتمويه على أعمال النبش والحفر بالآليات الثقيلة التي تنفذ في محيط مزار الموقع الأثري.
وكانت قد نشرت وكالة تركية في منتصف مايو\أيار الماضي، خبراً قالت فيه أن مديرية الأوقاف في ولاية أنطاكية “هاتاي” التركية، تقوم بترميم مقام “النبي هوري” الأثري، ومسجد عمر بن الخطاب الكائن في مركز ناحية “شيه\شخ الحديد”.
وأشارت إلى أن أعمال الترميم “المزعومة” يقوم بها فرق الترميم الذي يضم حوالي 40 شخصاً من خبراء وعمال، وأنه من المرتقب أن تنهي أعمال الترميم بنهاية العام الجاري”.
وقال مدير أوقاف هطاي، أوميت غوكهان جيجك، في مؤتمر صحفي، إن أعمال الترميم التي تجريها الأوقاف ليست محدودة بولاية هاتاي، مضيفاً “منذ فترة نقوم بترميم مقام النبي هوري، ومسجد عمر بن الخطاب في منطقة عفرين السورية”.
وأضاف أن “المديرية العامة للأوقاف تولي أهمية كبيرة لترميم وإحياء الآثار التي خلفها الأجداد في سوريا، كما هو الحال في البوسنة والهرسك، وكوسوفو، وشمال مقدونيا” في مغالطة تاريخية كبيرة، حيث أن تاريخ موقع النبي هوري يسبق أجداد مدير الأوقاف التركي بآلاف السنين!
وجاء ذلك عقب أن قالت مديرية الآثار التابعة للإدارة الذاتية في عفرين، والتي تتخذ من الشهباء مقراً لها، في الرابع من مايو، إن “سلطات الاحتلال التركي والفصائل الموالية له (تقوم) وعلى مدار عامين وأكثر بارتكاب التعديات والانتهاكات الجسيمة بحق المواقع الاثرية”.
وأشارت حينها المديرية إنه قد “نالت سيروس النصيب الاكبر من هذا التخريب الذي ما زال مستمراً الى الآن بطرق توحي الى قيام سلطات الاحتلال بأعمال ترميم كما فعل في الجامع العثماني عام (2018) ومن ثم تخريبه مرة أخرى”.
وأضافت المديرية في توضيحها إنه “ومنذ أن قمنا بفضح ممارساته التخريبية ومحاولاته في تضليل الرأي العام بخصوص قضية اللوحات الفسيفسائية التي ما زال مصيرها مجهولاً للرأي العام، حيث عمدت سلطات الاحتلال مؤخراً باتخاذ اجراءات توحي الى قيامه بأعمال الصيانة والترميم، وذلك لتضليل الرأي العام وإيهامه بأن سلطات الاحتلال التركي تقوم بأعمال حسنة وجيدة تصب في مصلحة الموقع الاثري”.
مردفةً: “حيث ظهرت صور ومقاطع فيديو تظهر المدفن الروماني الهرمي في سيروس محاطاً بالسقالات الخاصة لأعمال الصيانة والترميم والبناء وتعليق علم الاحتلال في إشارة توحي لتضليل الرأي العام ومحاولة إرسال رسالة الى الرأي العام مفادها إن تركيا تهتم بالتراث الثقافي والمواقع الأثرية وخاصة أن الموقع يقع بجانب الطريق العام”.
وتابعت المديرية إن سلطات الاحتلال تعلم أن تصوير هذا المشهد سيكون سهلاً ومتاحاً للجميع، وقالت المديرية “هي من تريد تصوير هذه المشاهد ونشرها بينما تقوم بتدمير وتخريب أجزاء أخرى من المدينة الأثرية سيروس (النبي هوري) والمواقع الاثرية بشكل عام في منطقة عفرين، بحسب التقارير والوثائق التي قمنا بتـقديمها في أوقات سابقة”.
وفي العشرين من مايو، تطرق تقرير لموقع الاتحاد برس، لقضية التخريب والسرقة التركية لآثار إقليم عفرين الكردي، ومنها موقع النبي هوري الأثري، حيث قال التقرير إنه على بُعد (45) كم عن مركز مدينة عفرين، تلوح أطلالُ مدينة كورش أو “النبي هوري“، أو مدينة القدّيسينَ على سفحٍ جبليٍّ تُغطيه كروم الزيتون، وإلى شرقه يمرُّ نهر سابون.
وتابع التقرير إنه وتحت مظلّة صيانة وترميم مدينة النبي هوري (سيروس)، وإعادة تخريبه وترميمه مُجدداً، تواصل حكومة الاحتلال التركية تدميرها لهوية المنطقة، ونهب كل ما يدلُّ على سكانها الأصليين، ومحاولتها كما أشار صلاح سينو:” التستُّر على قضية اختفاء اللوحات الفسيفسائية التي سرقتها من الموقع الأثري ومازال مصيرها مجهولاً إلى اليوم”.
وحول مصير القطع الأثرية المسلوبة قال سينو:” لازالت مجهولةً وغيرُ معلومٍ لدينا إلى أين نُقلت، وطالبنا الجهات الدولية المعنية بمتابعة البحث عنها ومنها لوحات الفسيفساء الخاصة بمدينة النبي هوري”.
وقال الموقع إن سرقة الآثار وتهريبها والاتجار بها، تعدّ أحد أبرز التجارات وأكثرها رواجاً على مستوى العالم، إذ تُعادل سرقة القطع الأثرية والاتجار بها وعرضها للبيع في مزادات شرعية أو تداولها في السوق السوداء، تجارة المخدرات الأكثر ربحاً في العالم.
حيث أكد الرئيس المشترك لمديرية آثار مقاطعة عفرين حميد ناصر في تصريحات صحفية، وجود أكثر من 16 ألف قطعة أثرية في متاحف تركية سُرقت من سوريا، مُعظمها عائدة لآثار مدينة عفرين. وحذّر ناصر ممّا وصفه بالإبادة التاريخية التي ترتكبها دولة الاحتلال التركي بحقِّ المواقع والمعالم الأثرية في سوريا عموماً وعفرين خصوصاً.
وقد عرض مستوطن يدعى “محمد علوش” في بداية نوفمبر العام 2019، وهو ينحدر من محافظة ادلب، صوراً للوحات فسيفسائية، لم يعلق عليها بشيء على صفحته في الفيسبوك، لكنه رد على تعليقات أصدقاء له استفسروا عن موقع اللوحات، حيث أجاب إنها في النبي هوري.
وقال حينها مصدر خاص لـ “عفرين بوست”، أن الصور التي عرضت على أساس أنها تنقيبات يقوم بها مسلحو المليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين، او اتباعهم من المستوطنين هي في الغالب “صحيحة”، واشار المصدر الذي لم يفضل الكشف عن اسمه لأسباب امنية تتعلق بوجود اقرباء له في إقليم عفرين الكُردي المُحتل، وهو “خبير أثري” أن صوراً أخرى وصلت لهم لمنحوتات وصور فسيفسائية على أنها من عفرين، لكنهم لا يستطيعون تأكيد تلك، بحكم أن الحديث يدور عن اكتشافات عقب إطباق الاحتلال العسكري التركي.
وأشار المصدر وقتها لـ “عفرين بوست” أنهم تلقوا صوراً للوحات تاريخية أخرى، قيل إنه تم كشفها حوالي جنديرس ودير بلوط والمناطق المحيطة بهما، حيث تم سرقة لوحات فسيفسائية بغية بيعها في السوق السوداء، ونوه إلى أنه تم تدمير وسرقة الموقع الاثري في علبيسكه، وأنه تم كذلك تخريب تلال كـ تل عقربة وتل جلمة وتل سلور وتل دير بلوط، وتل قرية استير، وهي جميعها قد دمرت باليات ثقيلة كالبلدوزرات، إضافة إلى مجموعة من المدافن والقبور تعود إلى الفترة الرومانية على طريق عفرين راجو.
وشدد المصدر آنذاك، أن المستوطنين العاملين لدى مليشيات الإخوان والاحتلال، قد تعمدوا خلال التقاط الصور عدم إطهار معالم الموقع الذي تم التصوير فيه، لكيلا يمكن تعقب المكان أو التأكد من كونه في عفرين أم لا، وفي السياق، فيما قال مصدر آخر من أهالي عفرين حول الصور التي عرضها المستوطن “محمد العلوش”، أن “هناك لوحة اكتشفت في قرية بليلكو، مُشابهة لتلك التي عرضها المستوطن، قائلاً: “من منطلق التشابه، يمكن القول بأن اللوحات المنشورة من قبل المستوطن محمد العلوش قد جرى تصويرها في عفرين”.
ويسعى الاحتلال التركي إلى سرقة كافة الاثار التي تعود للتراث الإنساني العالمي، أو تدميرها، كما فعل عندما قصف خلال غزو عفرين يناير العام 2018، تلال اثرية كتل عين دارة الاثري، وهو ذات التل الذي حوله مسلحو المليشيات التابعة للإخوان المسلمين إلى ساحة للتدريب العسكري، دون أدنى اعتبار لأهمية تلك المواقع التاريخية للبشرية جمعاء.
وتؤكد الوقائع على الارض في عفرين، أن المستوطنين والمسلحين يقومون بالتنقيب العشوائي في عفرين، حيث لا يخشون تعقبهم من قبل الاحتلال التركي كونهم يعملون لصالحه، فيما كان استعراض المستوطن للآثار التي تم العثور عليها في النبي هوري، دليلاً آخر على مدى اللامبالاة التي ينظرون بها للمجتمع الدولي ومؤسساته، الصامتة عن كل الجرائم المرتكبة بحق أهالي عفرين وحجرها وشجرها، وهو ما بات يدفعهم للكشف عن أنفسهم ونشاطاتهم دون خشية من أي مُلاحقة.