عفرين بوست – خاص
للنوروز الثالث على التوالي، يخيم الحزن على أهالي عفرين الأصليين، إذ يحرمون من الابتهاج به والتغني بمعانيه وايقاد شعلته، بسبب الحزن على تشتت العائلة بين باق على أرضه يعاني الأمرين منذ عامين بسبب الجرائم التي يرتكبها الاحتلال التركي وميليشياته بحقهم، وقسم آخر هجّر من أرضه وهو يعاني ظروف التهجير القاسية في المخيمات والمنافي، فيما جاء فيروس كورونا ليزيد حزناً على حزنهم المستمر منذ عامين كاملين.
ويعاني أهال الإقليم منذ عامين من الاحتلال التركي، أوضاعاً أمنية متردية نتيجة التفجيرات المتواترة والاشتباكات المفتعلة والقصف المشبوه الذي يطال الإقليم المحتل، بفترات متقاربة موقعاً المزيد من الضحايا والشهداء، ما يدفع الأغلبية العظمى من الأهالي ملتزمين منازلهم في ظل ظروف معيشية بائسة وقاهرة، انتفت معها الظروف المناسبة للاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والقومية على حد سواء، علما أن هناك محاولات من قبل بعض الأهالي لتكييف تلك المناسبات مع الظروف الحالية.
و تعليقاً على أجواء نوروز هذا العام، قال الخمسيني “أبو دلو\اسم مستعار لضرورات أمنية” لــ “عفرين بوست”: “منذ عامين بالتمام والكمال نحن ملتزمون بمنازلنا ولا نستطيع الخروج إلى أحضان الطبيعة خشية التفجيرات والاختطاف”.
متابعاً: “نحن ملتزمون بالحجر الصحي منذ عامين، لأن من ينتظر فرصة الانقضاض علينا في الخارج أخطر من كورونا! (في إشارة إلى مسلحي الميليشيات الإسلامية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، المعروفة باسم “الجيش الوطني السوري”).
ويضيف “أبو دلو” بحرقة بادية على صوته قائلاً: “تصور أنا موجود في مدينة عفرين وأنا مشتاق لشلالات كمروك وبحيرة ميدانكي، ولا أستطيع زيارتها لا في الأيام العادية ولا في المناسبات”.
ووفقاً لما رصده مراسلو “عفرين بوست” في ليلة نوروز، فإن أغلبية الأهالي لجأوا إلى اختصار شعلة نوروز بإيقاد شمعة في المنزل، كما عمد البعض من أهالي الاقليم إلى تحدي حالة الرعب الذي نشرته ميليشيات الاحتلال التركي في طول الإقليم وعرضه، وقاموا بإشعال النوروز كما جرى في قرية “مسكيه\مستكانلي” التابعة لناحية جنديرس، في حين قام مسلحوا ميليشيا “فيلق الشام” بالاعتداء على المواطن الكُردي “محمد اينجه” في قرية جلمة واختطافه إلى جهة مجهولة بسبب إقدامه على ايقاد شعلة نوروز في قريته.
وفي قرية بريمجة التابعة لناحية “موباتا\معبطلي”، نشرت ميليشيا “الجبهة الشامية” عناصرها في القرية ومنعت الأهالي من اشعال النيران بمناسبة حلول عيد النوروز منعاً باتاً بناءاً على تعليمات متزعمها المدعو “أبو تراب” الذي أصدر تعميماً يقضي بمنع إشعال النيران مهما كان السبب، حتى ولو كان لأجل الشواء.
وفي حالة استثنائية احتفل عددٌ من أهالي قرية “باسوتيه\باسوطة” في ناحية شيراوا بالعيد، وأشعلوا النيران وعقدوا الدبكات ورفعوا أعلاماً كُردية في منطقة قريبة من القرية، في مشهد يتكرر للعام الثاني على التوالي.
وخلال عهد الإدارة الذاتية التي أعلنت بشكل رسمي في التاسع عشر من يناير العام 2014، اعتاد الأهالي على الاحتفال بعيد النوروز بشكل جماهيري مكثف، حيث كانت “الإدارة الذاتية” تعلن عطلة رسمية لثلاث أيام عادة، كي يتمكن جميع الأهالي من المشاركة الفعالة في الاحتفالات.
ونوروز عيد قومي كردي يرمز إلى التجدد والربيع والامل ومواجهة الطغيان، ولعل المفاهيم التي تستدل نوروز عليها، كانت السبب الأبرز الذي دفع الاحتلال التركي ومسلحيه إلى منع الاحتفال به، ويُرجح أن خوف المسلحين من تحول ليلة النيران أو صباح يوم عيد النوروز الذي يصادف الواحد والعشرين من آذار، إلى مظاهرات للأهالي الأصليين الكُرد، قد دفعهم للضغط في سياق منع الاحتفال به.
وهددت العام الماضي، الميليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي من تبقى من السكان الكُرد الأصليين في إقليم عفرين الكُردي، بالمحاسبة والاختطاف في حال أقدموا على الاحتفال بأي شكل من الأشكال بعيد النوروز، كون الميليشيات الإسلامية عموما تعتبر “النوروز” عيداً للكفرة والمجوس (حسب زعمها).
ويتجسد النوروز في شخصية البطل “كاوا الحداد” الذي يرمز للانعتاق من العبودية والاستغلال والظلم ويدل على اشراق شمس الحرية مهما طال أمد الظلم وطال ليله، وهي أيضاً معاني كفيلة بمنع الاحتلال ومسلحيه للعيد، كونهم يدركون انهم قوات محتلة بالقوة المسلحة.
وكان مسلحو المليشيات الإسلامية عمدوا في أول يوم لهم من اطباق الاحتلال العسكري على مركز مدينة عفرين في الثامن عشر من آذار\مارس العام 2018، إلى تدمير نصب البطل كاوا الحداد، حيث جرى إطلاق عشرات العيارات النارية على النصب، وهو ما بين كم البغض الذي يحمله هؤلاء في نفوسهم تجاه الشعب الكردي ومعتقداته وثقافته وتاريخه.
كما عمد الاحتلال التركي إلى تغيير اسم دوار نوروز إلى مسمى خاص به، في حين أزيلت الشعلة التي كانت قد جهزت في عهد “الإدارة الذاتية” في “دوار نوروز”، حيث كان مسؤولو “الإدارة الذاتية” وعموم الأهالي يعمدون إلى ايقاد الشعلة التي تتوسط الدوار ايذاناً ببدء الاحتفالات به، في ليلة العشرين من آذار\مارس من كل عام.