نوفمبر 08. 2024

أخبار

في نهاية عامها التاسع … الثورة التي تحولت إلى مقتلة!

الحل السياسي هو المخرج للأزمة السورية وما تبقى من خيارات ليست سوى مقامرات على سوريا والسوريين، كان هذا رأي أطراف ورموز سياسية منذ البداية وهذا نفسه ما خلصت إليه الأمم المتحدة من خلال قرارها 2254 , لكن غالبية السوريين لا سيما من معسكري الإخوان المسلمين والنظام ظلوا يراهنون على الخيار العسكري واستمر المعسكران لتسع سنوات في مقتلةٍ ثَكلت بلاداً بأكملها.

الخياران في الحالة السورية (السياسي والعسكري) معقدان، في الحالتين ثمة تدخلات وبازارات ومقايضات إقليمية ودولية مترافقة واشتراطات طائفية ودينية وعرقية، ربما يكمن الاختلاف فقط في أن الأول سلمي والثاني دموي وهذا السبب كان كافٍ لاعتماد الأول مهما كان معقداً وصعب المنال.

الحل السياسي يعني باختصار جمع الأطراف السورية على طاولة حوار، مناقشة آراء ومطالب كل طرف للتوصل إلى اتفاق على دستور ونظام جديدين في البلاد، ولكن من هي هذه الأطراف التي تمثل السوريين ويحق لها أن تجتمع وتتحدث باسمهم؟ المجموعات التي تحتضنها كل من موسكو ومصر وتركيا والسعودية مقابل النظام؟ أم القادة العسكريون على طرفي خطوط الجبهات؟ من هو الراعي الدولي أو الضامن مجموعة آستانا أم الأمم المتحدة؟

في الحالة السورية اعتقد – من جهتي – أن النفوذ العسكري على الأرض  سيحدد عدد مقاعد كل طرف على طاولة الحوار و قوة موقفها, أي أن الحل السياسي في سوريا خاضع لقوة و إملاءات  و توافقات قادة الحرب أكثر من منطق الحوار و النقاشات و صوابية  الآراء  و السبب ببساطة هو أن الأطراف المتقاتلة لم تعلن عن فشل خيارها – كما في تجارب تاريخية مماثلة –  و لم تفسح المجال لأطراف  سلمية -مدنية , و لن تستطيع فعل  ذلك لأن الأطراف الإقليمية و الدولية الراعية للاقتتال لا زالت تراهن على هذا الخيار و ليس من مصلحتها إعلان الفشل  سيما و أنها  هي نفسها بمنأى عن فواتير الدم و الضحايا .

النظام، قوات سوريا الديمقراطية وأطر عسكرية سيتم استحداثها وإعادة تسميتها على أنقاض المجاميع المتمركزة في ادلب هي من ستخوض مبارزات الحل السياسي أو طرفان منها على الأقل ضد الثالث. أي النظام مع قسد ضد ما تبقى من مسلحين أو النظام مع خلاصة إدلب ضد قسد. كل من سيحضر حوارات الحل السياسي باسم العلمانيين والديمقراطيين والأطر المدنية الأخرى ستكون أقل تأثيراً في النتيجة.

 السيناريو الروسي للحل السياسي:

العقوبات الأمريكية، مقتل سليماني وكورونا مؤخراً، ستنهك إيران وسيتراجع دورها في سوريا، روسيا ستستغل ذلك، ستنتزع من النظام السوري القرار السياسي والعسكري ليبقى الأخير مجرد مدير تنفيذي لديها، الجغرافيا السورية مهمة في التدفق الروسي – الصيني نحو أسواق أفريقيا المتعطشة للعتاد العسكري الروسي والسلع الصينية الرخيصة، لكن تركيا أيضاً مهمة، سيما بعد اتفاقيات خطوط الغاز ومشروع المفاعل النووي.

إحداث انفراجة في العلاقة المتوترة بين النظام السوري وتركيا هي مصلحة روسية ملحة، من المرجح ان يكون هذا الموضوع أحد بنود جدول الأعمال في أي لقاء قمة روسي – تركي، ومن المرجح أيضا أنها تحرج الرئيس التركي كل مرة لسببين أولهما انحيازه المبكر إلى الخيار العسكري للإطاحة بنظام الحكم في سوريا دون أن يترك لنفسه – حتى- هامشاً للرجوع وثانيهما خطة B الروسية وهي التلويح بالتوسط بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية.

 رغم الحرج فإن رسالة آردوغان “تخلصوا من الإرهاب في شرق الفرات – ويعني به الكرد ومشروعهم – سيسهل الحل في إدلب …” جاء رداً لطيفا على تصريح الأسد لقناة روسيا اليوم الناكر لدور الكرد الوطني ولقضيتهم العادلة في سوريا، في تحاور علني من خلال رسائل واضحة على الأثير أما الرسائل الأمنية فيتم تبادلها باستمرار وباليد وبحضور الطرف الروسي الضامن.

شرط تركيا القديم الجديد للتقارب مع النظام هو إشراك الإخوان المسلمين في السلطة و تقزيم الدور الكردي و هذا يناسب النظام في شطره الثاني و يناسب الروس في شطريه  حيث يراهن بوتين على صراع بين الأجنحة المسلحة و التنظيمات الجهادية التي تدعو الى دولة سنية و بين الفصائل التابعة للإخوان الساعين للشراكة مع النظام ( النصيري) الذي قد يجد – بدوره – في هذه الشراكة حبل نجاته من السقوط و التخلص من المجموعات المسلحة بأقل الخسائر , لكن ماذا عن إيران في هذه الحالة و المليارات التي استثمرتها في مشروع سوريا المفيدة  للوصول الى البحر المتوسط ؟ هل بمقدور المصالح الاقتصادية بين أطراف آستانا أن تتغلب على الطائفية التقليدية ونزاعاتها التاريخية وتؤسس لتفاهم بين قطبيها على أنقاض ذاكرتين شعبيتين متضادتين؟ في هذه الحالة ماذا عن أمريكا وإسرائيل المصممتان على محاربة إيران وأذرعها؟ أم أن تبعات تشكيل الحكومة في إسرائيل بعد تعثرها المتكرر والانتخابات الرئاسية التمهيدية في أمريكا هي فرصة بوتين المناسبة لجعل هذا التوجه واقعاً على الأرض.

الكرد السوريون -بشكل خاص- سيكونون أكبر ضحية لأية شراكة محتملة بين الإخوان والنظام، حيث ستجتمع في هرم السلطة ثقافة التكفير بعقلية الإقصاء، ناهيك عن التبعات السلبية جداً لهكذا سلطة على عموم السوريين، ستضاعف هذه الفرضية من أعباء التيارات الديمقراطية التي بدأت تستشعر – على ما يبدو- مقدمات هذا التوجه فتصعد – في الفترة الأخيرة- من وتيرة اللقاءات البينية والورشات الحوارية السورية – السورية.

مجلس سوريا الديمقراطية كتيار ثالث إضافة إلى الإخوان و النظام , يملك مشروع سياسي , خبرة نصف عقد من إدارة مناطق عديدة, قوة عسكرية متمرسة و إمكانيات مادية ,يتحمل – من جهته- مسؤولية مضاعفة في هذه المرحلة السورية , مسؤولية حماية الكرد السوريين من حرائق التوافقات السرية بين الأطراف المتدخلة في الشأن السوري , هذه المسؤولية التي اختزلها في نفسه , و كذلك  مسؤولية تأطير القوى و الشخصيات الديمقراطية تحت عنوان سوري أشمل يناضل من اجل سوريا الحرية و الديمقراطية و الحقوق ,سوريا التي أرادها الملايين التي خرجت الى ساحات المدن قبل تسع سنوات , قبل أن يمتطي الإخوان ثورتهم و يحولها النظام إلى حرب أهلية و مقتلة.

صلاح علمداري – بون – 15\3\2020

المقالة تعبر عن رأي كاتبها

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons