عفرين بوست-خاص
تواصلت في الثاني والعشرين من فبراير العام 2018، عمليات الغزو التركي المرافق بمليشيات الإخوان المسلمين ممن يعرفون بـ “الجيش الوطني السوري\الجيش الحر”، في يومها الرابع والثلاثين، على إقليم عفرين الكُردي شمال سوريا، بغية حرمان سكانه من حقهم المشروع في إدارة أنفسهم بأنفسهم، ضمن النظام السياسي الذي أوجدوه تحت مسمى “الإدارة الذاتية”، والذي تمكن من حمايتهم من الحرب الأهلية الطاحنة، التي دارت رحاها على مدار سبع سنوات على تخوم عفرين، دون أن يسمح أبناء الإقليم من “قوات سوريا الديمقراطية” بتسرب الإرهابيين والمتطرفين المستترين تحت مسميات (الثورة والحرية) إلى إقليمهم، بغية التخريب وهدم النسيج الاجتماعي السوري، خدمة للأطماع الاحتلالية التركية الساعية إلى استعادة العثمانية البائدة.
سياسياً..
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن من الممكن حلّ الأزمة في عفرين عبر الحوار المباشر بين أنقرة ودمشق، التي دعاها هي الأخرى للحوار مع الأكراد، وقال لافروف في مؤتمر صحفي، إنه يتعين عدم استخدام المشكلة الكردية لإبقاء الفوضى في المنطقة وتعميقها، بحسب ما نقلته وكالة إنترفاكس الروسية، وفي جانب آخر من الأزمة، دعا لافروف -على هامش زيارته العاصمة السلوفينية لوبليانا- سوريا للحوار مع كل المجموعات العرقية والطائفية بما في ذلك الأكراد، نظرا “للوضع المأساوي” نتيجة الصراع الدائر في عفرين.
ودعا لافروف كل الأطراف المعنية لإجراء محادثات مع النظام السوري لتجنب حدوث تصعيد جديد، واتهم المسؤول الروسي الولايات المتحدة بتشجيع أكراد سوريا في طموحهم للحكم الذاتي، مما أسهم في تعقيد الموقف في المنطقة، مشددا على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها (على حد زعمه).
في ضوء التصعيد العسكري من قبل الاحتلال التركي على مناطق عفرين طالب تحالف حزبي CDU/CSU والذي تتزعمه المستشارة الألمانية “انجيلا ميركل” القوات التركية الانسحاب من عفرين، وجاءت تلك المطالَبة من قبل المتحدث في السياسة الخارجية للتحالف الحاكم “يورغن هارد” في مقابلة على على دويتشلاند فونك، وقال السياسي في “حزب الاتحاد المسيحي” يورغن هارد على تركيا التركيز على تأمين الحدود مع سوريا، مطالباً بالانسحاب السريع من عفرين لأن الحملة القائمة حالياً على قوات الـ YPG غير متناسبة.
وتابع السيد هارد حسب ما نقله موقع فيلت بأن الاتهامات التركية ضد قوات الـ YPG غير واقعية، خاصة وإننا نعلم إن هذه القوات هي حليفة للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا وحاربت داعش إلى جانب فصائل سورية أخرى وحررت مناطق واسعة من البلاد من سيطرة التنظيم الإرهابي وهم يعملون لأجل مجتمع متعدد الأعراق ومتعدد الديانات، ونوه الموقع الألماني بأن الحكومة الفدرالية الألمانية حجبت انتقاداتها وموقفها الرسمي حول العدوان على عفرين طويلاً، إلا أن مطالبة وزارة الخارجية جميع الأطراف في سوريا إلى إنهاء القتال بسوريا جاء متأخرا وموقف الحزب الحاكم كان واضحاً بخصوص عفرين.
وفي الأثناء، قالت مجلة “شبيغل” الألمانية في موقعها الإلكتروني في تعليق على غزو عفرين، جاء فيه: “إنه ليس من قبيل الصدفة أن تتصاعد العمليات القتالية في عفرين والغوطة الشرقية في آن واحد. وتوجد عدة أسباب لذلك: فقبل الانتخابات الرئاسية في الـ 18 من آذار/مارس يريد بوتين تقديم نجاح إضافي في الحرب في سوريا لناخبيه. ولذلك يرفع الجيشان السوري والروسي من حدة الهجمات على الغوطة الشرقية. وإذا سقطت الضواحي مجدداً في يد النظام، فإن بشار الأسد سيبسط سيطرته بعد أكثر من خمسة أعوام على التجمعات الحضرية حول العاصمة”.
متابعة: “والأمر الغريب هو أن نظام الأسد يسمح بوجود الميليشيا الإرهابية “داعش” في منطقة على حزام دمشق الجنوبي، ولا يحرك ساكناً إزاءها. كما أن الوضع الجيوسياسي مناسب للأسد: فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفضل أن لا يكون له أية صلة بالنزاع في سوريا (…) ولا يقدر ترامب حتى على إطلاق تغريدة حول التطورات الأخيرة في سوريا(…) ثم هناك تركيا: فالرئيس أردوغان لا يدع منذ سنوات الفرصة لشتم الأسد كقاتل وإرهابي. لكن الآن وفيما النظام السوري ينفذ في الغوطة الشرقية أعنف الهجمات منذ سنوات، يسكت رئيس الدولة التركي. وهذا الصمت ليس وحده ما يوحي بوجود ترتيبات سرية بين تركيا وروسيا: أنقرة تسمح بالهجمات على المجموعات المتمردة في الغوطة الشرقية المتحالفة في الحقيقة مع تركيا. وفي المقابل تقبل موسكو ودمشق الغزو التركي في عفرين… الثلاثي الأسد وأردوغان وبوتين هم المستفيدون، من بين آخرين في الوقت الحالي على الأقل، من إراقة الدماء في سوريا”.
من جهتها، قالت “إذاعة ألمانيا”: “لنكون واضحين فإن المتمردين (مسلحو المليشيات الإسلامية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين)، بعيدون أن يكونوا مقدسين، فبعضهم جهاديين. وطرأ منذ مدة تطور راديكالي في مواقف معارضي النظام في الغوطة الشرقية. كما أنهم يقصفون عشوائياً بصواريخ مدينة دمشق ويقتلون هناك بشراً، لكن الأمر في الغوطة يتعلق بشيء آخر: المدنيين. الناس الذين لا يريدون شيئاً آخر سوى العيش مع عائلاتهم في سلام، وليس تحت نظام الأسد ـ والكثيرون لا يريدون العيش تحت حكم المتطرفين أيضاً. إنهم أناس عاديون، آلاف البشر وجدوا مصادفة في سوريا، وفي الغوطة الشرقية تحديداً، ويكابدون الخوف من الموت. كيف يمكن لبلد أن يصل إلى بر السلام وفيه رئيس يتصرف بهذه الهمجية الشرسة ضد شعبه؟ (…) ونحن؟ ليس بوسعنا سوى فعل شيء واحد: لا للتعتيم على الصور من سوريا ولا لنسيانها، ويجب وعدم الكف عن الحديث عن ذلك والتحذير منه. وربما يكون الناس الذين نشاهدهم هناك أقارب للاجئ السوري الذي يعيش عندنا بجوارنا؟ لا يحق لنا غض البصر”.
فيما تساءلت صحيفة “دي تسايت” الصادرة بهامبورغ في تعليقها عن مستقبل سوريا، وكتبت تقول: “السوريون أضحوا على مائدة المساومات بين القوى الكبرى ولا يملكون أدنى تأثير على مصيرهم. ولم يبقى للناس أي أفق إذا ما انتهت الحرب، لأن سوريا لن تصبح أبداً من جديد الدولة المركزية التي كانت موجودة. وذلك حتى وإن أعاد الأسد فرض سيطرته من جديد على جميع البلاد. فما كان يشكل سوريا سيصبح سجاداً مرقعاً من ميليشيات ومجموعات أخرى، يحرك فيه وكلاء حسب رغبتهم أشخاصاً ويفرضون مصالحهم. وهذا ما تشهده بلدان أخرى للربيع العربي مثل ليبيا. لكن يوجد على الأقل أمل في انطلاق بداية جديدة عندما تنتهي الحرب. لكن مع الأسد في المقابل تكون البداية الجديدة مستبعدة. ستواصل شريحة كبيرة من السكان محاربة المستبد بسبب ما ألحقه بهم. وفي سبيل تحقيق ذلك سيستخدمون كل الوسائل التي بحوزتهم، لأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه”.
عسكرياً..
قالت مواقع إعلامية موالية للاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين، إن مسلحيهم المعروفين بمسميات (الجيش الوطني السوري\الجيش الحر) تمكنوا من احتلال قرى جديدة في عفرين ومنها كوركان تحتاني وكوركان فوقاني ضمن محور “شيه\شيخ الحديد” غرب عفرين.
وفي إحصائية لعدد المواقع التي احتلها الغزاة حتى اليوم الرابع والثلاثين من عمر الغزو، احتل الغزاة الأتراك ومسلحو الإخوان المسلمين ضمن ما عرف بغزوة “غصن الزيتون” 99 موقعا بينها مركز ناحية و71 قرية و6 مزارع و20 جبلا وتلة استراتيجية وقاعدة عسكرية واحدة.
وكان وزير دفاع الاحتلال التركي حينها المدعو “نورالدين جانكلي” قد قال في تعليقه على أنباء إرسال النظام السوري مجموعات موالية له إلى عفرين إن “كل من يدع الإرهاب سيكون هدفا لنا”، وأضاف: “المجموعات المسلحة التي أرسلها النظام السوري إلى عفرين، ليس لديها القدرة على تغيير نتيجة محاربة الإرهاب التي ننفذها في تلك المنطقة على الاطلاق، ولن تكون لها ذلك”.
وتابع: “إذا تواجد أحد ما بجانب الإرهاب هناك بأي شكل من الأشكال، فإن ذلك لن يزيل كفاحنا ضد الإرهاب، ولن يضعفنا، ولن يثنينا. المجموعات التي تأتي لدعم الإرهابيين تصبح هدفا لنا”، وأضاف في ذات السياق: “كل من يدعم الإرهاب فهو إرهابي، ونعرب عن ذلك بكل وضوح” (مستناسياً أن الإرهاب الحقيقي هو ما قام به النظام التركي على مدار سنوات من عمر الحرب السورية عبر تمويل وتسليح مليشيات الإخوان المسلمين، تحت مسميات (الثورة والحرية)، والتي كان القصد منها إسقاط النظام السوري وتعيين تنظيم الإخوان المسلمين على سدة الحكم في دمشق دون تغيير في هيكلية الدولة، كون النظام المركزي إن كان بيد الإخوان المسلمين سيتيح لهم التنكيل بمختلف المكونات العرقية والدينية، وعلى رأسهم الكُرد والمسيحيون).
من جانبه، قال قائد وحدات حماية الشعب في مدينة حلب، إن مقاتلي الوحدات توجهوا إلى عفرين القريبة للمساعدة في صد هجوم تركي، وأضاف فرات خليل، أن الحكومة السورية استعادت نتيجة لذلك السيطرة على الأحياء التي يسيطر عليها الأكراد في المدينة، وفق ما نقلت رويترز، وأوضح خليل “نحن كوحدات حماية الشعب والمرأة في حلب توجهنا إلى إقليم عفرين، لذلك وقعت الأحياء الشرقية من مدينة حلب تحت سيطرة النظام السوري”.
وفي التطورات الميدانية في عموم عفرين، استمر تحليق طيران الاستطلاع التركي في عموم الإقليم لساعات زمنية طويلة، في حين شنت المدفعية التركية المُتمركزة في “جبل الشيخ بركات”، قصفاً فجر ذاك اليوم، طال مناطق في محيط مركز مدينة عفرين، وهو الجبل الذي انتشرت فيه القوات التركية بموجب تفاهمات “الاستانة”، لتنسق لاحقاً مع تنظيم “هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة” لإقامة قاعدة لها فيه، اما على خطوط الاشتباك والمواجهة المسلحة، فإستعرت المواجهات في مختلف الجبهات، ففي ناحية “جنديرس”، تواصل القصف المدفعي التركي على مركز الناحية ومحيطها، فيما إندلعت الاشتباكات في محور قرى “تل سلور” و”المحمدية”، كما طال قصف بالطيران الحربي التركي منزلاً في قرية “الرمادية” ودمره.
اما في ناحية “راجو”، فتجدد القصف على مركز الناحية، فيما تمكنت “قوات سوريا الديمقراطية” من تدمير دبابة تركية في جبهة قرية “علبيسكه” ووثقته بمقطع مصور، كما استمرت الاشتباكات في محور قرية “بليلكا”، في حين طال قصف بالطيران الحربي والمدفعية التركية قرية “بعدينا”، وفي جبهة ناحية “بلبل\بلبلة”، استمر القصف بالطيران الحربي التركي على قرية “شيخورزه” وذلك عقب تطهيرها من فلول مسلحي تنظيم الإخوان المسلمين إلى جانب قرى (عوكا، شرقيا، قسطليه مقداد)، ليطال القصف أيضاً قرىً أخرى كقريتي “قاشا” و “قورتا”.
اما في ناحية “موباتا\معبطلي”، فقد تعرض محيط مركز الناحية للقصف من قبل المدفعية التركية، كما طال القصف قرى (ساريا، حبو وشيتانا)، وفي ناحية “شيه\شيخ الحديد”، تجددت الاشتباكات بين “قوات سوريا الديمقراطية” من جهة، والغزاة، في محور قرى (أنقله، سنارة وهيكجه)، كما وقعت اشتباكات مُماثلة في قرية “جقلا جيرن\جقلا تحتاني” ترافق بقصف جوي تركي، وفي ناحية شرا\شران، وقعت اشتباكات عنيفة في محور قرى (عرب ويران، دير صوان، ديكماداش)، تمكنت خلاله “سوريا الديمقراطية” من تدمير عربة عسكرية على جبهة “عرب ويران” وقتل من فيها من مسلحي الإخوان المسلمين.
وفي السياق ذاته، ذكرت مصادر ميدانية معلومات عن كثافة حركة سيارات الإسعاف التي كانت تنقل جثث وجرحى الإخوان المسلمين من جبهة قرية “دير صوان” الى ولاية “كلس” داخل الأراضي التركية، في حين قصفت مدفعية الجيش التركي قرية “جما” في الناحية ذاتها.