ديسمبر 23. 2024

2023 عام التحولات السياسيّة في الأزمة السوريّة ومصير الميليشيات على المحك

عفرين بوست ــ خاص

من المرجح أنّ متغيرات عديدة ستطرأ على مسار الأزمة السورية خلال العام الحالي 2023، وفيما لا تلوح في الأفق ملامح انفراج كليّ، إلا أنّ عمليات الفرز السياسيّ وإعادة التموضع وتظهير المواقف السياسيّة ستستمر. وإذ لا تبدو حظوظ حزب العدالة والتنمية باجتياز الاختبار الانتخابيّ وافرة، وتتعدد عوائق استثمار المسار التصالحيّ، فإنّ العدول إلى عملٍ عسكريّ محدودٍ يبقى قائماً، وهو رهن السجال السياسيّ بين مختلفِ الأطراف المتدخلة في الميدان السوريّ، وسيكون مصير الميليشيات التابعة لأنقرة على المحك بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات التركيّة.

توصيف الوجود التركي بالاحتلال   

وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنويّ لعام 2022 حول الأوضاع في سوريا لأول مرة الوجود التركيّ في سوريا بالاحتلال وورد في التقرير “في الأراضي الخاضعة للاحتلال التركي، تنتهك تركيا والفصائل السوريّة المحليّة حقوق المدنيين وتقيّد حرياتهم دون محاسبة”. ويعد هذا التوصيف سابقة من قبل منظمة دوليّة، إذ لطالما نأت المنظومة الدوليّة عن توصيف الوجود التركيّ، ومع الإشارة إلى الانتهاكات المرتكبة من قبل جيش الاحتلال التركي والميليشيات التابعة لها، أضحى التوصيف أكثر إنصافاً من تقارير سابقة.

موسكو وأنقرة توافق بالخطة واختلاف بالهدف

جاء عرض أنقرة للانخراط في المسار التصالحيّ مع دمشق استجابة لضغط موسكو التي عارضت عملية عسكريّة تركية جديدة في الأراضي السوريّة، ولكن موقف موسكو لم يأتِ في سياق اختلاف كليّ بالرؤية مع أنقرة، وإنما لأنها تريد أن تصب نتائج أي تغيير ميدانيّ محتمل لصالح دمشق فقط، وتسعى لحصرِ مكاسب أنقرة في الجانب السياسيّ دون الميدانيّ، ما يمكّن الرئيس التركيّ من استثمارها في معركته الانتخابيّة.

الانسحاب شرط دمشق

اقتنصت دمشق الفرصة لجهة محدودية الزمن الانتخابيّ أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم لترفع سقف مطالبها في مواصلة المسار التصالحي وإجراء مزيد من اللقاءات على المستوى السياسيّ بعد اجتماع وزراء دفاع (سوريا وتركيا وروسيا) في موسكو في 28/12/2022، واشترطت انسحاب القوات التركيّة من الأراضي السوريّة وإنهاء الاحتلال، ووقف دعم الميليشيات الإخوانية التابعة لأنقرة، ولم تبدِ حماسة واضحة للاستجابة لمطلب أنقرة بعملٍ مشتركٍ لاستهداف الإدارة الذاتيّة، وبعبارة أخرى لم تشأ دمشق أنّ تمنح الرئيس التركيّ مزايا انتخابية مجانية أمام خصومه من المعارضة التركيّة، وبذلك أمسكت دمشق العصا من المنتصف وجسدت أقصى درجة في الشروط لتثبت أنقرة حسن النية بعد أكثر من عقدٍ من التدخل في الأزمة السوريّة.

رفض عربيّ للتدخل التركي

أكدت مصر والسعودية في اجتماع وزيري خارجية البلدين في الرياض في 112/1/2023 رفض أي محاولات إقليميّة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والحفاظ على وحدة سوريا وحل الأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254 وعبر عملية سياسية سورية ــ سورية ورفض أي تهديد بعملية عسكرية تمسّ الأراضي السورية، وجاء هذا الموقف خلافاً لمسار الانعطافة التركية الإقليميّة بتحسين علاقاتها مع دول المنطقة.

سر حساسية إيران

ثمة قطبة مخفية في مسار الأحداث وتتعلق بالموقف الإيرانيّ، فطهران الغائب في مسار التصالح الحاضر في أستانه، تبدي حساسيّةً تجاه المسار التصالحيّ التركي ــ السوريّ برعاية روسية، وتستشعر أنّ الهدف وراءه هو تحجيم دورها في سوريا، ومعلوم أنّ طهران بادرت إلى تبني المسار التصالحيّ من خلال زيارة وزير الخارجية الإيرانيّ إلى أنقرة 28/6/2022 ومن بعدها إلى دمشق في 2/7/2022، وتصريحه بأنّ هدف الزيارة هو السلام في وقتٍ صعّد أنقرة تهديدها بعملية عسكريّة، أي تشكيل مثلث تصالحي (طهران، أنقرة، دمشق)، كما تنظر طهران بعين الريبة إلى العلاقات الروسية ــ الإسرائيلية وصمت موسكو إزاء استهداف  قواتها ومستودعات الأسلحة التابعة لها في سوريا، وكذلك إلى الدور التركي التحريضيّ للأذريين الإيرانيين، بعد مرحلة بدت ملامح تنسيق تركيّ ــ إيرانيّ ــ سوريّ تلوح في الأفق، وبخاصة عندما تزامن القصف الإيرانيّ لإقليم كردستان مع القصف التركيّ للإقليم ولمناطق شمالي سوريا في نوفمبر 2022،  وفي هذا السياق كانت زيارة بافل طالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستانيّ إلى شمال وشرق سوريا في 20/12/2022 لافتة جداً لجهة الظروف والتوقيت والشخصيّة، وتعني رسائل عديدة، وبخاصة إذا أخذنا بالاعتبار علاقته مع طهران مقابل انفتاح الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ على أنقرة.     

هيبة واشنطن على المحك

فيما يتصل بموقف الولايات المتحدة الأمريكيّة، فقد أبدى المسؤولون الأمريكيون رفضهم لأي عملية عسكرية تركية جديدة، وكذلك رفضوا مسار التطبيع مع دمشق، ورغم إدراك واشنطن أنّ المساعي الروسية تستهدف وجودها العسكريّ في سوريا، وأنّ إدارة الرئيس مطالبة بايدن بعدم تكرار سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب في سوريا الذي أساء إلى هيبة الحضور الأمريكيّ، وسمح بالتوغل العسكريّ التركيّ، وتداعيات ذلك على مجمل السياسة الأمريكيّة بالمنطقة، إلا أنّ موقف واشنطن الحالي غير كافٍ ولم يرتقِ إلى مستوى الردع حتى اليوم.

إلا أنّ أصواتاً أمريكية ترتفع مطالبة إدارة الرئيس بايدن بموقف حازم إزاء أنقرة، فقد طالب جون بولتون مستشار الأمن القوميّ السابق مقالاً في صحيفة وول جونال ستريت في 17/1/2023 جدد فيه المطالبة بإنهاء عضوية تركيا في حلف الناتو، ووصف أداء أردوغان بأنّه كان مثيراً للانقسام وخطيراً طوال الوقت. وكانت سياساته الإقليمية العدوانيّة خطيرة بالمثل، وأضاف: “تركيا عضو في منظمة حلف شمال الأطلسيّ لكنها لا تتصرف كحليف”.

وأشار بولتون أيضاً إلى أنّ تركيا لديها قوات في شمال سوريا حيث يمكن أن تصطدم بقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد “داعش”، وكيف ابتز أردوغان الاتحاد الأوروبيّ بتهديده بإطلاق العنان لمزيد من اللاجئين والمهاجرين، بشكل أساسي على اليونان، للحصول على ما يريد.. وأكّد بولتون أنّ أردوغان سيهزم في الانتخابات إذا كانت العملية حرة ونزيهة وظلت المعارضة موحدة بما يكفي لإجراء حملة انتخابية فعالة.

وختم بولتون بالقول: “من الواضح أنّه من الخطورة التفكير بجدية في طرد تركيا أو تعليق عضويتها. لكن الأمور ستزداد سوءًا فقط إذا لم يتصد التحالف لسلوك أردوغان السام “.

احتمال العملُ العسكريّ قائم

وبتجميع تفاصيل المشهد السياسيّ لا يبدو أنّ المسارَ التصالحيّ بين دمشق وأنقرة سالكٌ، وأن أنقرة ستحقق حكومة حزب العدالة والتنمية ستحقق الأهداف المرجوة ضمن المهلة الزمنية المتاحة لاستثمارها في المعركة الانتخابيّة، وإذا أخذنا بالاعتبار أنّ المسار التصالحيّ كان خياراً بديلاً طرحته موسكو، ولم يضمن عدولاً كليّاً عن خيارِ الحرب، فإنّه يمكن القول إنّ مخاطر قيام أنقرة بعملية عسكريّة جديدة مازال قائماً، ولو بنسبة محدودة، ولعله يكون محدوداً في أبعاد الزمان والمكان، لترجمته في صناديق الاقتراع.

لكن الخيار العسكريّ لا يعني أبداً أنّ الميليشيات المسلحة التابعة لأنقرة ستجني مكاسب مباشرة، لأنّ مصيرها لا يتوقف مباشرة على الانتخابات التركيّة، بل على الخطة الروسيّة بالدرجة الأولى، وأيّاً كانت النتائج بعد حزيران 2023، فإنّ المسار التصالحيّ بين أنقرة ودمشق سيبقى مطروحاً، لأنّ موسكو ستواصلُ سياسةَ الاستقطاب السياسيّ لأنقرة في إطار التنافس الجيواستراتيجيّ مع الناتو والذي تعددت ميادينه ولا يقتصر على سوريا، فالحرب في أوكرانيا والوجود الإيرانيّ في سوريا وملفها النوويّ الإيرانيّ وقضايا أخرى لم تُحسم نتائجها بعد.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons