ديسمبر 23. 2024

مؤسسات ومنظمات اجتماعيّة وقانونية: السلطات التركيّة فشلت بالالتزام بالقانون الدولي لمنع أعمال العنف ضد المرأة والتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها

عفرين بوست ــ متابعة

تقدمت 10 مؤسسات ومنظمات اجتماعيّة وقانونية بشكوى إلى المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه، استجابةً لدعوتها لتقديم المساهمات خلال زيارتها إلى تركيا المقرر إجراؤها في الفترة ما بين 18 إلى 27 يونيو 2022. لافتين انتباه المقررة الخاصة إلى فشل السلطات التركيّة بالإيفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي في منع أعمال العنف ضد المرأة والتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها، ضمن الأراضي السوريّة التي تقع تحت الولاية التركية كسلطة احتلال.

لفتت المؤسسات في شكواها المقدمة إلى تأكيدِ مختلفِ هيئات الأمم المتحدة حقيقة مسؤولية تركيا في الأراضي الخاضعة لسيطرتها “لضمان النظام العام والسلامة، وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال”.  وشددت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على مسؤوليّة تركيا عن التحقيق في الانتهاكات والتجاوزات في الأراضي الخاضعة لسيطرتها.   

كشفت الشكوى أن “الجيش الوطني السوريّ” يتكون من عدّة مجموعاتٍ مسلحةٍ، تزعم أنّها موحدة تحت قيادةٍ مركزيةٍ، لكن لكلٍ منها قائدها (أو قادتها) ومقراتها وأجنداتها وهيكلياتها ومناطق نفوذها. فعلى سبيل المثال، واتخذت العديد من الجماعات المسلحة مقراتٍ لها في “شارع راجو” في وسط عفرين حيث يقع مقر الوالي التركي. وتواصل تركيا توجيه دعمها وتعليماتها بشكلٍ مباشرٍ لكل مجموعةٍ على حدة، بدلاً من توجيهها عبر القيادة المركزية، ما يبقيها معتمدة مالياً على تركيا. وتخضع مختلف جوانب الحياة في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية للنفوذ التركي بالكامل.

الأدلّة:

تم تناول الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة من قبل الجماعات المسلحة التي تتحكم بها تركيا في المناطق المحتلة شمال سوريا من قبل العديد من الجهات بما في ذلك مختلف هيئات الأمم المتحدة. تُرتكب الأفعال التي تمثل أشكالاً مختلفةً من العنف ضد المرأة بانتظامٍ، ويجري توثيقها بطريقةٍ موثوقةٍ. ونتيجة الاغتصاب وأعمال العنف الجنسي الأخرى المرتكبة بشكلٍ متكررٍ وموجهٍ من قبل عناصر “الجيش الوطني السوري” ضد النساء والفتيات في تل أبيض، اختارت العديد من الأسر عدم العودة إلى ديارها.

من الانتهاكات السائدة في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بناءً على مزاعم بوجود صلاتٍ مع “الإدارة الذاتية”. وذكر الشهود “أنّ الفصائل نفذت الاعتقالات وتولت مسؤولية إدارة مرافق الاحتجاز، بحضور مسؤولي المخابرات التركية أحياناً، أو مشاركتهم بالإشراف على الاستجواب”.

بين أكتوبر 2020 وسبتمبر 2021، وجدت منظمات المجتمع المدنيّ أنّ 54 امرأة وفتاة في منطقة عفرين ذكرن أنهن تعرضن للاعتقال. وتتعرض النساء المعتقلات لمختلف أشكال التعذيب وإساءة المعاملة التي تمارس ضدهنّ بناءً على النوع الاجتماعي. وأجرت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مقابلاتٍ مع العديد من الضحايا وأقاربهنّ، حول سوء المعاملة.

أخبرت السيدة (ز. م) منظمة “سوريون” أن مجموعة “السلطان مراد” احتجزتها في عفرين ونقلتها إلى مبنى الوالي التركي، ثم نُقلت إلى أحد مرافق الاستخبارات العسكرية التركية في مدينة كلّس داخل تركيا. وتمكنت من تمييز شخصٍ يتحدث اللغة التركية ويشرف على اثنين من المحققين الناطقين بالعربيّة قاما بتعذيبها والإساءة إليها وإلى امرأتين كانتا محتجزتين معها.

ــ أبلغت السيدة (أ. س) منظمة “سوريون” بوجود وإشراف مسؤولٍ تركيٍ على نساءٍ من أعضاء الجبهة الشامية ممن قمن باعتقالها وتعذيبها في أحد المرافق التابعة للمجموعة.

تابعت “سوريون” عن كثبٍ قضية اعتقال فرقة الحمزة لمجموعة من المدنيين بينهم 3 نساء و3 أطفال، في عفرين عام 2018.  وقد أكد حارسٌ سابقٌ -قام بتوفير هويات/بطاقات شخصية للمعتقلين والمعتقلات- أنه قد تمّ نقلهم/ن عدة مراتٍ بين مراكز الاحتجاز. وقال إن عمليات النقل تمت بناءً على تعليمات السلطات التركية، وأن المعتقلين والمعتقلات تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة. وما زال مصيرهم ومكان وجودهم مجهولاً. وأشار تقريرُ ضابطٍ رفيع المستوى في الشرطة العسكرية إلى أن إحداهن قد قتلت على الأرجح.

في سياق العنف الجنسي ضد النساء المحتجزات، وبما يتفق مع استنتاجات لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا COI  وغيرها من هيئات الأمم المتحدة، علمت “سوريون” من نساءٍ محتجزاتٍ أنهن تعرضن للعنف الجنسي والاعتداء على يد عناصر المجموعات المسلحة التي تعتقلهنّ.

تعرضت السيدة (ن. و) للاعتداء الجنسي على يد عناصر الشرطة العسكرية، بينما كانت أمها وابنتها الرضيعة معتقلتين معها. لإجبارها على التوقيع على اعترافاتٍ كاذبةٍ تقر فيها بالتعاون مع الإدارة الذاتية، أُخذتْ طفلتها منها، وقام محتجزوها بالاعتداء جنسياً عليها.

أُجبرت السيدة (ن. س) على التوقيع على اعترافاتٍ كاذبةٍ حول تعاونها مع الإدارة الذاتية، بعد تعرضها لاعتداءاتٍ جنسيّةٍ من قبل عناصر من ميليشيا “فرقة الحمزة” وتصويرها شبه عارية.

التحليل القانوني:

في التحليل القانونيّ أشارت الشكوى إلى إمكانية ممارَسة السيطرة الفعلية لسلطة الاحتلال دون وجودٍ عسكريٍ مستمرٍ لها بالمنطقة، والتركيز ينصب على حجم سلطة القوات الأجنبية وليس كيفية ممارستها. ولأنّها سلطة احتلال، فإنَّ تركيا خاضعة لالتزاماتٍ موجبةٍ مختلفة عن التزاماتها الحالية بغض النظر عن مدة الاحتلال والالتزامات الإضافية التي تصبح ساريةً بمرور الوقت.

وقالت: إنَّ تركيا ملزمةٌ بضمان احترام واجباتها كسلطة احتلالٍ على النحو المنصوص عليه في المواد 42-56 من لوائح لاهاي لعام 1907 والمواد 27-34 و47-78 من اتفاقية جنيف الرابعة، بالإضافة للمادة 2 المشتركة من اتفاقيات جنيف. واحترام بنود معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها الدولة التي احتُلت أراضيها جزئياً أو كلياً.  وتطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان خارج الحدود الإقليميةّ التزامٌ يقع على عاتق سلطة الاحتلال.

سلطة الاحتلال “مُلزَمة، وفقاً للمادة 43 من لوائح لاهاي لعام 1907، باتخاذ جميع التدابير ضمن نطاق سلطتها لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامَّين في المنطقة المحتلة قدر الإمكان.”  وتركيا ملزمة “بضمان احترام القواعد المعمول بها من القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ، لحماية سكان المناطق المحتلة من أعمال العنف، وعدم التساهل مع أعمال العنف المرتكبة من قبل أي طرفٍ ثالثٍ.”  لذلك يجب على المحتل أيضاً أن يحترم التزاماته المستمدة من تعهداته تجاه أية اتفاقيات دولية أو إقليمية، بالإضافة إلى أية أحكام عرفية. هذا ما أكدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ECtHR التي شددت على أنّ الدولة الطرف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ECHR ملزمة بتطبيق الاتفاقية خارج أراضيها الوطنيّة، لصالح الرعايا الأجانب، طالما أنها تمارس السيطرة والسلطة على فردٍ أجنبيٍ، وطالما أنّها تمارس سيطرةً فعليةً على إقليمٍ آخر غير إقليمها الوطنيّ.

التزامات تركيا القانونية:

تركيا ملزمة بضمان عدم وجود ثغرات بحماية النساء في الأراضي التي تسيطر عليها بشكلٍ مباشرٍ أو عبر من ينوب عنها هناك. ويجب على السلطات التركية المسيطرة على مجموعات “الجيش الوطني السوري” ضمانُ أنّها لا تسن القوانين أو الأنظمة أو الممارسات لا تمنع العنف ضد النساء ولا تحاسب عليه. وتركيا ملزمة بتطبيق قوانينها الوطنية على هذه الأراضي بحال كانت القوانين المحليّة القائمة لا تفيد السكان، ولا يمكنها ادعاء عدم مسؤوليتها عن أعمال العنف المرتكبة في الأراضي التي تسيطر عليها المجموعات التي تعمل بالإنابة عنها، وأنّها ليست ممثلة رسمياً لتركيا، لأنّ المسؤولية التركية تنشأ أيضاً عند فشل الأخيرة باتخاذ تدابير إيجابية لحماية وتعزيز الحقوق. ويقع على عاتق تركيا واجب منع مثل هذه الانتهاكات التي ترتكبها جهاتٌ فاعلةٌ من غير الدول، والتحقيق في ادعاءات وقوع الانتهاكات، ومعاقبة مرتكبيها، وتوفير سبل انتصاف فعالة للضحايا.

يعهد قانون الإجراءات الجنائيّة التركيّ إلى المدعي العام بمهمة الشروع في التحقيقِ بمجرد إبلاغه بواقعة تحمل انطباعاً بارتكابِ جريمة. ووفقاً للمادتين 102 و103 من قانون العقوبات التركيّ، يجب أن يُجرَّم الاعتداء والإساءة الجنسيين ويجب أن تتم مقاضاة الفاعل بناءً على منصبه. علاوة على ذلك، ينص التشريع التركيّ على العديد من إجراءات “جبر الضرر” التي يمكن أن تستفيد منها النساء اللواتي يقعن ضحايا للعنف. ومع ذلك، لم يتم التحقيق بأي من الحوادث المذكورة ضمن هذه المساهمة، بشكلٍ حازمٍ وفعالٍ من قبل السلطات التركية، كما لم يتم إبلاغ الضحايا عن تدابير الانتصاف الفعالة. وعلى العكس من ذلك، فإن الضحايا والشاهدات اللواتي قابلتهن “سوريون” رفضن إتاحة معلوماتهن الشخصية لأطرافٍ ثالثةٍ أو عامةٍ، وذلك خوفاً من أن يتعرضن للانتقام.

إنَّ التزام الدولة التركية باحترام وضمان احترام الحقوق يسري على أي شخص، ليس فقط داخل أراضيها، ولكن أيضاً ضمن نطاق سلطتها أو سيطرتها الفعلية.  والحق في الانتصاف الفعال حقٌ محوريٌ لضمان تقيّد الدول بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان.

 بما أن تركيا تدّعي أنها سنت تشريعاتٍ تجرم العنف ضد المرأة، وتضمن سبل الانتصاف الفعالة، فهي -وفقًا لالتزامات الدولة المعمول بها والمنصوص عليها على سبيل المثال في المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 13 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان- فإنها ملزمة بوضع آلياتٍ قضائيةٍ أو إداريةٍ مناسبةٍ في الأراضي الخاضعة لسيطرتها الفعلية، وذلك لإنفاذ التزامها بالتحقيق الفعّال في مزاعم الانتهاكات أثناء استخدام التشريعات الوطنيّة الفعالة. ومن الواجب أيضاً التأكيد على أن وضع تركيا كدولة احتلال يؤدي إلى تطبيق قواعد القانون الإنساني الدولي العرفي فيما يتعلق بالتزام الدول بالتحقيق في جرائم الحرب التي يُزعم ارتكابها من قبل مواطنيها أو قواتها المسلحة، أو على أراضيها، والقيام -إذا كان ذلك مناسباً- بمقاضاة المشتبه بهم. كما يتوجب التحقيق في جرائم الحرب الأخرى التي لها ولاية قضائية عليها، والقيام -إذا كان ذلك مناسباً- بمقاضاة المشتبه بهم.

التوصيات:

أوصت الشكوى المقررة الخاصة بمعالجة الفجوة بحماية النساء والفتيات في الأراضي السوريّة التي تسيطر عليها تركيا. وإثارة المخاوف التالية:

ــ التدابير التي اتخذتها السلطات التركية لضمان أن مجموعات “الجيش الوطني السوري” المدعومة من قبلها مدرِكةٌ ومدرّبةٌ على احترام حقوق النساء، وتمتنع عن ارتكاب العنف ضدهنّ.

ــ الخطوات التي اتخذتها السلطات التركية لضمان الوفاء بالتزاماتها بموجب صكوك القانون الدولي ذات الصلة، في سياق التحقيق في أعمال العنف المزعومة ضد النساء والفتيات ضمن الأراضي الخاضعة لسيطرتها الفعلية.

ــ كيفية تضمن السلطات التركية أن أي قوانين أو لوائح تم سنها في هذه المناطق تعود بالنفع على النساء والفتيات كبقية السكان.

ــ القوانين والتشريعات المعمول بها في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في شمال سوريا والتي تحكم سلوك: 1) أي من المسؤولين الأتراك، 2) السلطات المدنية والإدارية، 3) المجموعات والتشكيلات المسلحة.

ــ إجراءات السلطات التركية للتأكد من أن النساء في هذه المناطق على دراية وإحاطة بآليات الانتصاف، وأنهن يتمتعن بالوصول إليها دون عوائق.

ــ قيام السلطات التركية النساء والفتيات في هذه المناطق بتدابير وخدمات جبر الضرر المنصوص عليها في قانون حماية الأسرة ومنع العنف ضد المرأة.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons