ديسمبر 22. 2024

على خطى أتاتورك… أردوغان يستكمل “إصلاح شرق الأناضول” في سوريا

عفرين بوست

كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الثلاثاء 3 مايو، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم، وفقا لما ذكرت وكالة أنباء الأناضول الحكومية.

جاء ذلك خلال مشاركته عبر رسالة مصورة في مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، شارك فيها وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو”.

ولفت الرئيس “أردوغان” إلى أن نحو “500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016”. وأضاف: “نحضر لمشروع جديد يتيح العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا”. وأشار إلى أن المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، وأنه سيكون شاملاً بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

يأتي خطاب “أردوغان” رداً على أصوات المعارضة التركية المطالبة بإعادة السوريين، بالتزامن مع وقوع حوادث عنف ضد السوريين، فقد تحوّل ملف اللاجئين من الإطار الإنساني إلى المساومة والسجال السياسي والأجندات الانتخابية. وبالمجمل فإنّ أيّ خطة لا تتضمن عودة السوريين اللاجئين أو النازحين إلى بيوتهم وقراهم، ستكون عملية نقل نتيجتها التغيير الديمغرافيّ.

عفرين غير مستثناة

عدم ذكر أردوغان منطقة عفرين في سياق كلمته لم يكن سهواً، ولا يعني أبداً استثناءها من مشروعه، بل لأنّ الواقع فيها تجاوز خطته، وبلغت مشاريع الاستيطان فيها مرحلة متقدمة جداً.

الفرق بين عفرين وباقي المناطق الخاضعة للاحتلال أو النفوذ التركيّ، يكمن بأن الوجود التركيّ فيها هو بحكم الولاء، وليس عبر عملية عسكريّة وبذلك لم تجرِ فيها عملياتُ تهجير قسريّ، ولا اختلافَ جوهريّ عرقي وثقافي بين المستقدمين إليها وأهلها، كما أنّ المستقدمين إليها لم يتجاوزوا توصيف النزوح، فلم يستولوا على منازل أهلها وأملاكهم، ونسبة عالية من المسلحين ينتمون هم أبناء تلك المناطق.

أما في عفرين فقد جرى التهجير القسريّ لأهلها بسبب العدوان عليها على مدى شهرين، ولم يُسمح لهم بالعودة بعد انتهاء العملية العسكرية واستكمال السيطرة عليها، واُستقدم إليها مسلحون من مناطق سورية مختلفة مع حواضنهم الاجتماعية المتطرفة، وتعرضت لأسوأ حملة سرقة شملت المؤسسات والمنازل، وللسنة الخامسة تتواصل فيها مختلف أنواع الانتهاكات من عمليات اختطاف الأهالي واستيلاء على الأملاك من منازل وحقول الزيتون وسرقات وإتاوات مختلفة وقطع الأشجار المثمرة والحراجية، إضافة لتجريف المواقع الأثريّة. وبذلك فقد تجاوز المستقدمون إلى عفرين توصيفَ النزوح إلى الاستيطان والتغيير الديمغرافي. وبذلك شهدت عفرين وقراها أوسع عمليات التوطين لتثبيت التغيير الديمغرافي عبر مشاريع بناء القرى الاستيطانية.

جذور الخطة

السياسة التي يتبعها حزب العدالة والتنمية هي استكمالٌ لخطةِ عمرها نحو قرنٍ، بعنوان “خطة إصلاح شرق الأناضول”، وشكّل مصطفى كمال أتاتورك في 8/9/1925 “مجلس الإصلاح”، واستهدف إيجاد تغييرات ديمغرافية في المناطق الكردية الحدوديّة، وذلك بعد قمع ثورة الشيخ سعيد بيران التي بدأت في 21/3/1925، وانتهت بإعدامه، وكانت غاية المشروع تشتيتَ الكرد، ومنعهم من المطالبة بحقوقهم، في مرحلة زاد فيه الاحتقان الكرديّ بعد الانقلاب التركي واتفاق لوزان 24/7/1923 الذي تنكر لحقوق الكرد.

عام 1934 صدر “قانون الإسكان” المتضمن توطين المهاجرين القادمين من القوقاز والبلقان والمنفى في مناطق الكرد وكان تنفيذه على نطاق أوسع وبشكل أكثر تنظيماً.

وفي عام 1935 صدر ما يعرف باسم “قانون ولاية تونجلي” وهو اسم ديرسم الكرديّة، لإعادة التوطين في المنطقة الكرديّة.

بعد الانقلاب الذي قاده كنعان إيفرين في 12/9/1980، زادت الضغوط على الكرد وحظر المجلس العسكريّ آنذاك كلّ ما يشير لهوية كردية مستقلة بما في ذلك اللغة الكردية، وذلك بموجب القانون رقم 2932 الذي أُقِرَّ عام 1983 وظل سارياً حتى عام 1990، وشهدت منطقة زيلان عمليات تهجير واسعة وهي التي وقعت فيها واحدة زمن أفظع المجازر في 13/7/1930.

نقل الخطة إلى سوريا

منذ بداية العهد الجمهوريّ وحتى اليوم، نفذت الدولة التركيّة عدة خطط لتغيير الهندسة السكانيّة أدّت لاقتلاع متكرر لمئات آلاف الكرد، وبلغ عدد حملات التهجير المنظّمة 11 حملة منذ عام 1915. ونُفّذت ثلاثٌ من هذه الحملات في عهدِ أردوغان، ففي عام 2016، حملة التهجيرِ الحضريّة، في آمد وجزير ونصيبين، هَجَرَ خلالها نصف مليون شخص منازلهم التي سُوّيت بالأرض. وحملتان عبر الغزوات الاحتلاليّة لمناطق الكرد في شمال سوريا.

في يناير 2018، بدأت أنقرة تركيا بنقلِ مشروع “إصلاح شرق الأناضول” إلى داخل سوريا، واحتلت عفرين عبر الغزو واستخدامِ مسلحين موالين لها من خلفيات إخوانية وتركمانية، واستهدفت تدميرَ البنى التحتيّة والمرافق العامة وتقيم أخرى بديلة تابعة لها، وتم تهجير أكثر من 300 ألف مواطن كرديّ من المنطقة، وتراجعت نسبة الكرد بالمنطقة من 96% إلى 25%، وبذلك فإنّ المستوطنين هم ثلاثة أضعاف الكرد، يستقوون بسلطاتِ الاحتلال والميليشيات المسلحة للقيام بأعمال الاستيلاء على الممتلكات والتعديات على المواطنين الكرد.

نفذت أنقرة عملية التغيير الديمغرافيّ واسعة في عفرين بخطواتٍ متسارعةٍ، عبر عملية الترحيل من الغوطة، واعتمدت على رافعتين أساسيتين: التركمان والإخوان المسلمين، فيما تدعمُ الدول المانحة هذه العمليات وتغضُّ النظر عن عدم قانونيتها، كما تدعم الجمعياتُ الإخوانيّةُ في الخليج وأوروبا وحتى في الأراضي الفلسطينية عمليةَ الاستيطانِ عبر إمدادها بالتمويلِ اللازم، وبذلك تنفذ أنقرة خطتها مجاناً وتواصل بناء المجمعاتِ الاستيطانيّة، وتعملُ على الأسلمةِ القسريّةِ للمواطنين الإيزيديين، واتخذت تركيا خطوات موازية للتوطين لمحو الوجودِ السكانيّ الأصليّ بالمنطقة وتغيير أسماء قرى وشوارع وساحات وتتريك الثقافة والتعليم والربط الإداري والخدميّ.

في عفرين اليوم تتم إعادة صياغة التاريخ والثقافة، بكل التفاصيل، وهي عملية معقدة، وأعمق أشكال الاحتلال وذات آثار مديدة، ويصعب إزالتها.   

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons