ديسمبر 22. 2024

(حليمة)

عفرين بوست-لاوند ميركو

٢٧ / ١ / ٢٠١٨     ( ١٢)

بعد خمسة أيام من القصف الوحشي ، هدأت السماء فجأة ، واختفى منها هدير الطائرات ، التقط العالقون بين فكي النيران بعضا من أنفاسهم ، حينها قررت ( حليمة ) ذات الأربع وعشرون ربيعا مغادرة قريتهم الحدودية الشبه محاصرة والبحث عن مكان آمن ، ( حليمة ) كانت حاملا في شهرها السادس ، وذلك بعد تسعة أعوام من زواجها ، كان هذا حملها الأول ، منعها الأطباء من الحراك لتبقى طوال فترة الحمل وحتى ميعاد الولادة مستلقية على ظهرها لتحافظ على الجنين الذي كانت تعيش معه بكل جوانحها لحظة بلحظة ، غادرت برفقة زوجها القرية مساء ، وهم في منتصف المعركة يسيرون بين

الجرود الجبلية الوعرة ونيران الموت مشتعلة في معركة كانت الأشرس بين القوات العابرة للحدود والقوات المدافعة المتمركزة قرب جسر هرة درة ( حشركة ) في منطقة راجو.

بخطواتها العاثرة متكئة على كتف زوجها تنقل خطواتها بروية بين أحجار الجرد وصخوره الصماء، صقيع تلك الليلة يقصف الزوجان العالقان بين طرفي الحرب لتتمزق الأحذية في أقدامهما ما زاد الطين بلة في تلك الليلة الرهيبة.

عادت الطائرات تزمجر وتدوي صارخة بكل عصيانها وإجرامها الذي فاق الإجرام عينه، حيث لم تترك بقعة إلا وقصفتها على ذلك السفح الذي كان وحده شاهدا على ليلتها الأخيرة.

خارت قوى حليمة واستلقت تتلوى ألما مثل أي دجاجة نصف مذبوحة، زوجها الضائع تماما ينحني فوقها ويقف بحركات مجنونة. تصيح المرأة بصوت مخنوق:

يا الله

يا رب

لم تتفوه المسكينة بغير تلك الكلمات تطلقها في سلسلة طويلة من الوجع

ظلام تلك الليلة الصقيعية كان شديدا تشقه ضياءات اللهب المشتعل من آثار القذائف

بين الصمت الذي ساد بعضا من اللحظات، صرخة حادة قوية تخترق الظلام صوب السماء حتى هزت العرش وارتجفت كل السحب المذهولة

صرخة غطت على شهقات الأب الذي تملكه الجنون بأعلى أشكاله وحتى صوت المعركة الشرسة احتضر أمام الشهقات والصرخة.

حين بدأت أول خيوط الفجر تعانق سفح الجبل الموجوع كانت الأجساد الثلاثة ممددة بين الصخور الأب شاخص بعيناه نحو تلك الأرواح الطائرة بينما الأم الهامدة تحمي بساقيها حياة لم تراها بعينها أبدا وهي مغطاة بدم الأم وسوائل رحمها المفجور….

مازال الوالد حتى اليوم هائما بين القرى والغابات يبكي بحرقة لم تحرك ضمير العالم ساكنا أبدا..

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons