عفرين بوست-خاص
افتتح الاحتلال التركي مؤخراً، بالتعاون مع “تجمع شباب تركمان سوريا”، معهداً دينياً باسم “معهد الفَتح المُبين”، في قرية كورزيليه/قرزيحل التابعة لمركز إقليم عفرين الكٌردي التابع للإدارة الذاتية سابقا، ونشرت صفحات عائدة للميليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي، شريط فيديو (نرفقه في التقرير) لتخريج أطفال بأعمار صغيرة جداً من دورات تحفيظ القرآن الكريم من المعهد المذكور.
ويسعى الاحتلال التركي وحلفائه من جماعة الاخوان المسلمين والائتلاف” الوطني” والميليشيات الاسلامية، نشر التطرف الديني بين أفراد المجتمع الكردي الذي يتميز بالتعددية الدينية والمذهبية، حيث كان يتعايش فيه الايزيدي والمسيحي والمسلم دون أية توترات أو منغصات على أساس الدين أو المذهب.
وبمشاركة ميليشيات إسلامية جرى انتقاء مسلحيها بعناية مركزة تهدف للانتقام من الكُرد في الإقليم، وقبل انطلاق العدوان التركي تحت مسمى “غصن الزيتون” على إقليم عفرين الكُردي والتابع للإدارة الذاتية، كان المصلّون الأتراك يتلون سورة الفتح في 90 ألف مسجد مع صلاة الفجر يوم 21/1/2018 بأمر من رئاسة الشؤون الدينية المرتبطة بالرئيس التركي مباشرة، وقالت وكالة الأناضول التركية التابعة للحكومة آنذاك “تضرع المصلون في 90 ألف مسجد بجميع أنحاء تركيا عقب صلاة فجر اليوم الأحد بالدعاء بالنصر لجيش بلادهم في عملية غصن الزيتون التي انطلقت ضد الإرهابيين في مدينة عفرين السورية”. وأضافت ان المصلين “قرأوا عقب الصلاة سورة الفتح ورفعوا أيديهم إلى السماء سائلين المولى التوفيق للقوات التركية المسلحة”.
ومن الواضح أن تلاوة سورة الفتح إشارة إلى أن جيش الاحتلال التركي ذاهب إلى قتال كفار وفتوحات إسلامية. كما أن تسمية قوى الاحتلال في عفرين مدارسهم الدينية باسم” الفتح المُبين” يعد استكمالاً لهذه السياسة التركية الرسمية في تصوير معارضيها، والكرد منهم خصوصاً، كفاراً وملاحدة ومرتدين دينياً، وبالتالي شرعنة قتلهم وتهجيرهم واستحلال ممتلكاتهم الشخصية، وعلى هذه السياسة سارت وتسير الميليشيات الاسلامية التي تنهل بمعظمها من فكر تنظيم الإخوان المسلمين والقاعدة، المتشدد والتكفيري.
ويتضح من الفيديو أدناه الدور الهزلي للأعضاء الكرد فيما تسمى بـ «المجالس المحلية” في عفرين المحتلة، حيث يقتصر وجودهم على العمل كمروجين ومترجمين لقوى الاحتلال بين أوساط الأهالي وأن ” المجالس المحلية” ليست سوى واجهة محلية لشرعنة عمليات التتريك والتعريب والتهجير القسري الجارية على قدم وساق منذ اليوم الأول للعدوان على عفرين.
كذلك تتضمن دعاية وترويجاً لـ «تجمع شباب تركمان سوريا”، فالتنظيمات التركمانية التي تأسست بدعم وتوجيه من الاستخبارات التركية في سوريا خلال سنوات الأزمة والحرب السورية، تستغل الدين الاسلامي للتغلغل بين السكان. وهذه التنظيمات باتت تلعب دوراً كبيراً في أوساط المعارضة، بفضل الدعم التركي المالي والسياسي واللوجستي الكبير، فالرئيس الحالي لما يسمى” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” المشكل والمدعوم من أنقرة، عبد الرحمن مصطفى، هو رئيس المجلس التركماني السوري، الذي يتبنى رسمياً خارطة لما يسمى” الوطن التركماني” المزعوم يضم معظم المناطق الكردية وغير الكردية في شمال سوريا وكامل مناطق كردستان العراق وغيرها.
وفي سياق متصل، افتتح الاحتلال التركي مدرسة إمام خطيب “باشا كاراجا” مكان الثانوية الشرعية وسط مدينة عفرين، ويُعرف أن مدارس” باشا كاراجا” تعتبر من أكثر المدارس الدينية رواجا في تركيا وتخرج منها الكثير من الشخصيات بينها الرئيس التركي أردوغان.
الشؤون الدينية التركية” ديانت”:
وتلعب مؤسسة الشؤون الدينية التركية (المعروفة اختصاراً بـ “ديانت”) دوراً كبيراً في داخل تركيا وخارجها، وهي إحدى الأذرع القوية لحكومة العدالة والتنمية والرئيس التركي أردوغان للسيطرة على المجتمع والتغلغل فيه باستغلال الدين الإسلامي، ففي مناطق الشمال السوري المُحتل من قبل تركيا، تنفق هذه المؤسسة أموالاً كبيرة لتدريب الأئمة والمشايخ وشراء الذمم والترويج لأفكار الإخوان المسلمين والترويج للسياسة التركية والدعاية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلبوس ديني واستغلال الاحتياجات الإنسانية عن طريق منظمات” خيريّة” تابعة لـ «ديانت”، وهي ذات صلة وثيقة بمؤسسة الاستخبارات الوطنية التركية، وهاتان المؤسستان معاً تشكلان أهم أدوات نفوذ أردوغان.
وبحسب صحيفة زمان التركية فإن ميزانية هيئة الشؤون الدينية لعام 2019 ارتفعت لتكون ” خمس أضعاف ميزانية جهاز الاستخبارات التركية، و4 أضعاف ميزانية الوزارات الاستثمارية.”
ووفق تقرير لصحيفة “أحوال تركية” فإن “ديانت” تستولي على عقول السوريين في الشمال بدعم من الاستخبارات التركية، وتنشر عقيدة دينية إسلامية مستنسخة من التديّن التركي، بالإضافة إلى معتقدات تنحدر من أدبيات تنظيم الإخوان المسلمين، التي تشكل أحد المكونات الرئيسية لفكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ومنذ صعوده إلى الحكم، يعتمد أردوغان على “ديانت” في أعمال السيطرة الخارجية على الجاليات المسلمة في أوروبا، إلى جانب خلق قوة دينية ناعمة جسرا لتمدد الثقافة التركية بين المسلمين. وتعمل “ديانت” لتنفيذ استراتيجيتها مع وكالة الاستخبارات التركية (إم آي تي)، وفي 13 سبتمبر الماضي، نشرت “ديانت” تقريرا لأنشطتها في مناطق درع الفرات و”غصن الزيتون”، وهما اسمان لعمليتين أطلقهما الجيش التركي في منطقة غرب الفرات، وحولتا المئات من البلدات والقرى، بحكم الأمر الواقع، إلى مناطق واقعة تحت الإدارة التركية المباشرة وغير المباشرة.
ويركز التقرير، الذي صدر في 104 صفحات، على عمليات إعادة تأهيل مساجد دمرتها الحرب، لكن خبراء يقولون إن عمل “ديانت” تخطى هذه المرحلة بكثير، سواء داخل الأراضي السورية أو بين اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
وتدرس الاستخبارات الألمانية وضع “ديانت” على قوائم المراقبة، بعدما صعدت لهجة الأئمة التابعين لها في المساجد التركية دعماً لعمليات الجيش التركي في حربه ضد القوات الكُردية في شمال سوريا. ويبلغ عدد المساجد التابعة لـ «الاتحاد التركي الإسلامي” أكثر من 900 مسجد في عموم ألمانيا ويعتبر امتدادا لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في أنقرة، حيث يتم تعيين خطباء المساجد في تركيا قبل مجيئهم إلى المانيا.