عفرين بوست – متابعات
لم تكن السيدة سميرة عبد الحنان تتصوّر أنّ 3 أعوام فقط قادرة على تشتيت شمل عائلتها، الآن تعيش السيدة الستينية وحيدة في منزلها داخل منطقة عفرين، بينما أحد أبنائها مجهول المصير والآخر مُهجّر، وابنتاها تقيمان في معسكر لجوء، أمّا الأب، فقد دُفن دون أن يودّعه أحد من أبنائه.
العائلة التي نقلت جريدة “النهار” مأساتها وشتاتها على لسان سميرة، ليست بالفريدة، فقد ضرب الشتات الأكراد في عفرين، وألزمهم بمصائر مختلفة لا تخلو من التنكيل، والسرقة، والقتل، والشهادة على إجراء تغيرات ديموغرافية تُذكّر بقوى الاحتلال، منذ اجتاحت القوات التركية المنطقة في 20 كانون الثاني (يناير) العام 2018، خلال العملية التي أطلقت عليها تركيا عبثاً “غصن الزيتون”.
ولم يسلم الزيتون وغصنه من تركيا وميليشياتها المسلحة، التي باتت تُسيّر بهم الأوضاع في عفرين، بينما يتحصّن جنودها بأسوار عالية وقرى هُجِّر منها أهلها الأصليون.
وربما كانت عائلة سميرة رغم ما لاقته أكثر حظاً من عائلة نازلي مصطفى (55 عاماً) التي لاقت حتفها مع طفليها، إثر سقوط قذيفة تركية على منزلهم في منطقة لجوء لأهالي عفرين في مدينة تل رفعت، وذلك في 23 كانون الثاني (يناير) الجاري، أي بعد عدة أيام من مرور الذكرى الثالثة لبدء الاجتياح، وذلك بحسب مصادر كردية.
وبمناسبة مرور 3 أعوام على عملية اجتياح عفرين، أصدرت 30 مؤسسة حقوقية بياناً مشتركاً تدعو فيه إلى وقف الانتهاكات وإنهاء حالة الاحتلال، والعمل على عودة الأهالي إلى أراضيهم، في وقت أصدر فيه حزب الوحدة الديمقراطي الكردي بياناً خاصاً يرصد الانتهاكات التي تعرّضت لها المنطقة خلال تلك الأعوام.
ولم تسلم المنطقة وأهلها من شكل واحد أو أكثر من أشكال الانتهاكات المعهودة، فقد عاش أهالي عفرين الأعوام الـ3 الماضية بين القتل والتعذيب والخطف والتهجير، وفرض الإتاوات، والتنكيل، والإجبار على الزواج، والاضطهاد الديني، وتوطين سكان غير السكان الأصليين، ونهب الثروات والمحاصيل.
وقد دعا الحزب إلى الالتفات الدولي لقضية عفرين، كي لا تتمدد تلك الأعوام إلى أعوام أخرى.
وكمؤشر على تدمير البنية الاقتصادية في عفرين، لفت حزب الوحدة إلى أنه “لم يبقَ من أصل 850 ورشة خياطة ألبسة، كانت تغذّي الأسواق السورية وبعض البلدان المجاورة، سوى 50 ورشة فقط بعد الاحتلال، وتعمل بحدودها الدنيا من الإنتاج، والخسائر في المجال الصناعي والاقتصادي عموماً كبيرة، ونسبة البطالة أصبحت عالية والفقر واسعاً”.
أمّا فيما يتعلق بعملية التغيير الديموغرافي الممنهجة، فقد قال الحزب: إنّ الأهالي تعرّضوا “لتهجير قسري بالأعمال العدائية أثناء الحرب لأكثر من 250 ألف نسمة من السكان الأصليين، ومنع عودة حوالي 200 ألف منهم من مناطق النزوح والداخل السوري، بسبب إغلاق سلطات الاحتلال معابر عفرين ومنع النازحين من العودة، فبقوا مشرَّدين في مناطق النزوح (بلدتا النبل والزهراء، وقرى وبلدات الشهباء – شمال حلب…).
وأضاف: منهم من فرّ إلى حلب ومناطق كوباني والجزيرة، في وقت أغلقت فيه السلطات السورية أيضاً وما تزال جميع ممرّات التنقل أمامهم.
وتمّ توطين ما يقارب من 500 ألف نسمة من عوائل المسلحين المرتزقة لدى تركيا وعوائل مُهجّري غوطة دمشق وأرياف حمص وحماة وإدلب وحلب وغيرها في عفرين ونواحيها، وإسكانهم في منازل ومحلات وممتلكات السكان الأصليين وفي مخيمات عشوائية، فشكّل ذلك تغييراً كبيراً في التركيبة السكانية في المنطقة، بحسب حزب الوحدة.
وأشار الحزب إلى أنّ نسبة الوجود الكردي في عفرين أصبحت أقلّ من 25% من بين جميع المقيمين في المنطقة حالياً، بينما كانت نسبتهم قبل الغزو أكثر من 95%.
وبخلاف المُهجّرين، فإنّ أكثر من 1100 كردي مصيرهم مجهول لعدم الاستدلال على أماكنهم، وعادة ما تمارس الميليشيات المدعومة من تركيا القبض غير القانوني (الخطف) على الأهالي، وتقوم بالإفراج عنهم بعد ابتزاز أهاليهم وطلب فدية، وأهالي أغلب المفرج عنهم قد دفعوا غرامات أو فدى مالية وصلت أحياناً إلى 20 ألف دولار.
وتطرّق التقرير الكردي إلى حالة الاضطهاد الديني، مشيراً إلى أنّ الإيزيديين تعرّضوا لانتهاكات عديدة، من تهجير وقتل وتعذيب ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية والاحتفال بأعيادهم السنوية، وكذلك إجبار بعضهم على الصلاة في الجوامع، وبُنيت مساجد في بعض قراهم نكاية بهم، وتمّ العبث بمزاراتهم ومقابرهم وتخريب العديد منها.
كما تعرّضت الكنيسة المسيحية الوحيدة للسرقة والنهب، ورغم قلة أعداد المسيحيين، لا يجرؤ أحدهم الكشف عن دينه؛ إضافة إلى ذلك تعرّضت بعض المساجد للقصف أثناء العدوان، وسُرقت مقتنيات بعضها من سجادات وأوانٍ نحاسية وأجهزة كهربائية وصوتية.
وفي توضيح علاقة الميليشيات بالمرأة الكردية، وأشكال الاضطهاد التي تتعرّض لها، قال حزب الوحدة: “بالأصل تلك الميليشيات الجهادية السلفية تضطهد المرأة ضمن مجتمعاتها دون وازع، من تعدّد الزوجات وفرض الحجاب وانتشار الدعارة وغيرها، وهي التي تواظب على اضطهاد المرأة الكردية في عفرين وفق الذهنية ذاتها.
وأضاف: فرغم إحجام معظم من تطالهم الانتهاكات والجرائم عن الحديث عنها أو رفع شكاوى ودعاوى قضائية بحقّ مرتكبيها، تتوارد أنباء عديدة عن حالات التحرش بمختلف أشكاله والإكراه على الزواج أو استغلال القاصرات، وعن حالات الاختطاف والاغتصاب والقتل العمد، ونظراً لفقدان الأمان يحجم معظم الأهالي عن إرسال بناتهم إلى المدارس خوفاً من تعرضهنّ للانتهاكات.
ولم تسلم الآثار هي الأخرى من تلك الانتهاكات، فقد رصد الحزب “استهداف العدوان التركي مواقع أثرية عديدة بالقصف الثقيل مثل (تل عين دارا الأثري، نبي هوري، تقلكه، مار مارون…) وأوقع فيها أضراراً جسيمة لتختفي معها معالم تاريخية.
وتابع: كما أنّ سلطات الاحتلال تغضّ النظر عن عمليات سرقة الآثار والبحث عنها، وتشرف وتشارك في أغلبها، مثل ما جرى في حفر ونبش مواقع وتلال (هوري، عين دارا، براد ومار مارون، برج عبدالو، قيبار، جنديرس، كمروك، سيمالك، زرافكه، كتخ، دروميه، دوديرا ميدانكي، مروانيه تحتاني، جرناز، بازاريه، خرابه علو، كئورا، بليلكو…) والكثير من المزارات الإسلامية والإيزيدية. ومن جهة أخرى تمّ استهداف مقابر الشهداء في (كفر صفرة، متينا، كفرشيل) وأضرحة شخصيات دينية وثقافية، مثل ضريح الدكتور نوري ديرسمي، وتخريب مقابر وشواهد قبور عليها كتابات باللغة الكردية.
نقلا عن موقع الحفريات
الصحفية : رحاب عليوة