عفرين بوست ــ خاص
المجلس الإسلامي السوريّ لا يختلف في غاية تأسيسه عما يسمى “المجلس الوطني السوري” ومن بعده الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” فكلها أدوات تركيا، ولكن الاختلاف يكمن بالتخصص، فالمجلس الإسلامي مهمته توجيه الخطاب الديني والفتوى وشرعنة الاحتلال التركي فيما الخطاب السياسي هو مهمة الائتلاف. وإذ يقود الإخوان المسلمون الائتلاف، فالأمر هو نفسه في “المجلس الإسلامي”.
الغاية من المجلس
إن تقييم عمل أي مؤسسة دينية يقوم على أساس نشاطها الفكري والدعوي، ولا يمكن الحديث عن معدلات إنتاج مادية، إلا نماذج هيه المجالس أنتجت كثيراً من حملة السلاح الذي أراقوا دماء السوريين، فيما كان المجلس يبارك ذلك ويفتي بأنه “جهادٌ في سبيل الله”.
ولا يختلف تأسيس المجلس عن أي ميليشيا عسكرية، فقد عملت أنقرة على توحيد الميليشيات في إطار كيان عسكري موحد باسم “الجيش الوطني” وتشكيل أركان وقيادة له، وبالطريقة كانت محاولة ربط شرعيي الميليشيات بمنصة عامة باسم المجلس الإسلامي. ويمكن القول إن المهمة الأساسية للمجلس إصدار فتوى حسب الطلب، لشرعنة العدوان التركي واحتلاله لمناطقه سورية وفق معطيات مذهبيّة.
ورغم أن المجلس اتخذ اسماً إسلامياً عاماً، إلا أن أعضاءه كلهم هم من التوجه الإخواني، ولا وجود لأي عضو من المذاهب الإسلامية الأخرى، وكانت رؤيته للحالة السورية تنطوي على اختزال الشعب السوري في رؤى مذهبية، أنكرت تعددية الشعب السوريّ
وصدرت عن المجلس تصريحاتٌ وبياناتٌ وفتاوى رسميّةِ مثيرة للجدل على حساب دماء السوريين ولكنها موثقة، تبنت شرعنة سياسة أنقرة تجاه سوريا، ودعت إلى قتال الكردِ واستباحة دمائهم، واعتبرت ذلك إما واجباً وطنيّاً لأنهم وفق زعمه دعاة انفصال، أو أنه واجب شرعيّ وجهادٌ في سبيل الله لأنّهم ملاحدة. وفي اصطفاف مذهبي صرف كان موقف المجلس داعماً للعمليات العسكريّة التي شنّها الجيش التركي في سوريا، وتعامى عن آلاف الانتهاكات لحقوق الإنسان من قتل وأعمال الاختطاف وسلب واستيلاء بالقوة على ممتلكات الآخرين.
التأسيس
في 14/4/2014 أعلن في إسطنبول عن تأسيسِ ما يسمّى “المجلسِ الإسلاميّ السوريّ” وبحسب بيانه فإنّه يضمُّ نحو ٤٠ هيئةٍ ورابطةٍ إسلاميّةٍ من أهلِ السنةِ والجماعةِ في الداخلِ والخارجِ، وتضمُّ الهيئاتِ الشرعيّةِ لأكبرِ الفصائلِ الإسلاميّةِ في جميعِ أنحاءِ البلادِ. واتخذ في شعاره خريطةَ سوريا بدونِ لواء إسكندرون مع مجسمٍ لمسجدٍ على الطرازِ العثمانيّ الشائعِ.
كان تأسيسُ المجلسِ تأكيداً للانتقالِ في الأزمةِ السوريّةِ من بُعدها الاجتماعيّ العام المطالب بالحقوق والحريات لعمومِ السوريين إلى تأكيدِ الهوية المذهبيّة والقوميّة، أي جمعَ القوميّة العربيّة مع المذهبيّة السنيّة، وكان التلاقي مع أنقرة في المذهب مرجحاً على أيّ اعتبار آخر. وتمّ اعتماد مصطلح المجاهدين بدل المقاتلين، تأكيداً للبعد الدينيّ للحرب.
فتوى تكفير الكرد
في 31/5/2016 أصدرت المجلس فتوى تضمنت “تكفير الكرد” في سياق إجابة على سؤال، وجاء في الفتوى ما يلي: “بالنسبة للسؤال عن موقف المسلم من القتال الواقع بين تنظيم الدولة في الرقة والميليشيات الكردية العلمانية التي تتخذ من اسم قوات سورية الديمقراطية ستاراً لها، فإننا نرى أن كلا الفصيلين فاسد ومنحرف، وكلاهما له أجندات لا تخدم الثورة السورية ولا الشعب السوري، بل إن كلا منهما يحقق غايات أعداء الله في ضرب الثورة السورية واستنزافها”
فتوى في العدوان على عفرين
في 28/2/2018 أطلق المجلس فتوى مثيرةً للجدل فقد وظّفَ النصَّ الدينيّ لشرعنةِ الحربِ على عفرين، فكانت الفتوى أقربَ للبيانِ العسكريّ، واعتبرت قتالَ قواتِ سوريا الديمقراطيّة من الجهادِ في سبيل الله، وفق الفقرة الثانية من الفتوى وتمَّ الاستشهاد فيها بآيات من القرآن الكريم، ووصفت “قسد” بأنّها جماعة فتنة للناس، ولا فرقَ بينهم وبين “الحكومة السورية”.
خيّر المجلسُ، مسلحي المعارضةِ السوريّة، بين قتلِ أسرى “قسد” أو تلقّي الفديةِ عنهم، حتى الجرحى منهم. على أن يُغلَّبَ جانبُ المصلحةِ بذلك، ويسري ذلك على النساء والأطفال، بحال ساندوا قسد بالقتال. واعتبرتِ الفتوى، أسلحة قسد ومتاعهم وممتلكاتهم وطعامهم وشرابهم غنائم “للمجاهدين”.
فتوى في العدوان على رأس العين وتل أبيض
في 10/10/2019 أصدر المجلس الإسلاميّ السوريّ بياناً أعلن فيه عن تأييده للعدوان التركيّ عبى شمال سوريا في إطار العملية المسماة “نبع السلام”. وتحت عنوان (حكم قتال قوات سوريا الديمقراطية) أصدر فتوى برقم 11، لمحاربة قسد، واستباحةِ الغنائم أمام المقاتلين التابعين لتركيا. وأفتى قائد جيش الإسلام عصام بويضاني من على منبر مسجد برأسِ العين، بمحاربةِ الكردِ (الملاحدة) شمال شرق سوريا، واستباحة أموالهم وأرزاقهم.
فتوى ضد فرنسا
المجلس الإسلاميّ السوريّ الإخواني التابع لأنقرة، بارك كل العمليات العسكريّة التركية وغزوات أردوغان في سوريا وأفتى لصالحها، ولم يتحدث عن السيادة الوطنيّة للدولة السوريّة، وعندما بدأ العلاقات بين أنقرة وباريس، وشنّت أنقرة حملة إعلاميّة ضد باريس، على سبيل المشاغلة، للتغطية على المقاطعة العربية في مصر والسعودية على المنتجات التركية، خرج المجلس الإسلامي السوري ببيان في 25/10/2020 لمقاطعة البضائع الفرنسيّة، قال فيه: “ماكرون يستخف بمشاعر الملايين من المسلمين ويذكي مشاعر الكراهية بين الأديان ويساهم في صراع الحضارات”. وكأن المجلس كان جسر محبة ومودة بين السوريين، ونسي أنه أفتى باستباحة الدم والقتل وليس مجرد الكراهية، وجعل القتل جهاداً.
أتباع أردوغان من السوريين لم يفكروا بل راحوا يرددون ببغائياً الدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسيّة، رغم أن السوريين لا يعتمدون على الصناعات الفرنسية، ولا معنى للدعوة لمقاطعتهاـ فيما المنتجات التركية تكتسح الأسواق في المنطقة وبخاصة في المناطقة التي تحتلها تركيا، ضمن إجراءات الربط الاقتصادي. واختلقت أنقرة عاصفة من التظاهر رفع الشعارات الإسلامية ضد فرنسا لتغطيَ على المقاطعة العربية، ولبّت داعش الدعوة وكان ظهور مسلحيه علناً مع أعلامه في مدينة راس العين /سري كانيه.
فتاوى محل جدل وأخرى ضبابية فضفاضة
في توصيفه لداعش استخدم المجلس مصطلح “الخوارج” وقد استعاره من التاريخ، إلا أنه بذلك في وقع في مطبٍّ خطر لم ينتبه إليه من يسمون أنفسهم “علماء”، لأنه ينطبق على كل الميليشيات التابعة لأنقرة، إذ يعني “كل من خرج عن طاعة ولي الأمر”، ويعطي المشروعية للسلطة القائمة بمحاربتهم.
رغم أن اسم المجلس يتضمن التوصيف “السوري”، إلا يكثر من استخدام عبارة “بلاد المسلمين ” وبذلك فإن الأبعاد الجغرافية لما يسميه “الجهاد” يتجاوز الإطار الجغرافي لسوريا، ويتوافق مع مشروع إحياء الخلافة الإسلامية وكذلك التدخل التركي في ليبيا وأذربيجان وسواهما.
وجاء في فتوى بعنوان “التكييف الفقهي للمعركة القائمة مع النظام”: “أردنا أن نُعدّد مسوغات قتال هذا النظام لوجدنا إضافة إلى ما سبق: تحالف هذا النظام مع الرافضة وتمكينهم من بلاد المسلمين في نشر مذهبهم الضال”. ويستوقفنا استخدام المجلس لمصطلح “الرافضة” ليطابق خطاب “داعش” وينتحي جانباً في مساره المذهبيّ، وكذلك ليعطي القتال بعداً مذهبياً خالصاً. ووفقاً لذلك استخدم توصيف “الضال”، وهذا محل إشكال كبير، فعلى مدى قرون يُطرح السؤال حول “الفئة الضالة” مقابل الفئة صاحبة الحق، وكان ذلك سبب لكثير من النزاعات والحروب، لأن المسألة تتعلق مباشرة بالمشروعية.
لم يعلق “المجلس الإسلامي السوري” على ذهاب المرتزقة السوريين للالتحاق بجبهات القتال إلى جانب حكومة الوفاق الإخوانية في ليبيا، وصمت حيال ذلك، ولكن مع ارتفاع الأصوات بسفر المرتزقة إلى أذربيجان اضطر لإصدار بيان في 2/10/2020 فجاء ضبابيّاً، تهرب من التحريم، ولكنه أجازه بشكل غير مباشر عندما وصفه بالجهاد.
وجاء في البيان: “الجهاد المثاب عليه عند الله تعالى هو الذي يكون لإعلاء كلمة الله لا لمقصد آخر، وإن الشريعة أوجبت الثبات عند اللقاء، وعدَّت الفرار من مواجهة العدو من الكبائر والموبقات كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة”.
وأضاف: “الواجب يتحتم في جهاد الدفع على الأقرب فالأقرب، فالاشتغال بقتال البعيد مع ترك قتال من قرب لا يؤمن فيه من غائلة العدو القريب المتربص أن يُغير على الجبهات فيقتل العباد ويستولي على البلاد، فالعدو القريب أكثر ضرراً علينا وفي دفعه أكبر مصلحة لنا”. وبذلك توقف المجلس فقط على مجرد المسافة المكانية، وجعل القتال في الجبهتين بحكم واحد هو الجهاد، ورجّح القرب وتجاهل جوهر المسألة وهو “القتال بالارتزاق”.
هذا غيضٌ من فيضٌ، فيما التصريحات والمواقف الدينيّة والسياسيّة، يصعب حصرها، والتي تؤكد أن تشكيل المجلس في إسطنبول جاء تجسيداً لتوجهات الإسلام السياسي لغاية وظيفية وضم أفراداً من تنظيم الإخوان المسلمين. الذين لا يجدون ضيراً في استخدام العنف، وقد أفتى الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء الإسلام، في 31/5/2013 بالجهاد في سوريا وقدّمه على الجهاد في فلسطين وأجاز قتل ثلث السوريين لنجاح الثورة، وقال إن يجوز التضحية بمصلحة صغيرة لتحقيق مصلحة أكبر، وقال: “إن الله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة يساندون أردوغان… وأن إسطنبول هي “عاصمة الخلافة الإسلامية”، معتبرا أن إسطنبول هي عاصمة لكل عمل إسلامي في العالم العربي والغربي”.