سبتمبر 21. 2024

أخبار

الاستثمارات التركية في المناطق المحتلة .. ترسيخٌ للاحتلال وديمومته

Photo Credit To موقع قناة الحرة

عفرين بوست ــ خاص

كانت سيطرة القوات التركية وميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين أولى مراحل الاحتلال، وتلت المرحلة الأصعب والمتصلة بإجراءات تطبيع الاحتلال وشرعنتها، وبدأت حملة إعلامية كبيرة لتوصيف الاحتلال بالتحرير، ما ألزم السلطات التركية تقديم خدمات في المناطق المحتلة، إلا أن هذه الخدمات انطوت على ترسيخ الاحتلال والربط الإداري للمناطق المحتلة مع الولايات التركية المقابلة، علاوة على المكاسب المالية الكبيرة وفتح المجال للاستثمار.

استثمارات تستغل حاجات الناس

كانت مسألة توفير الطاقة الكهربائية إحدى أهم فرص الاستثمار، انطلاقاً من كونها حاجة حيوياً، ويمكن فرض الشروط على المشتركين بخدمة الكهرباء سواء أهالي المنطقة الأصلاء أو المستوطنين المستجلبين من مناطق أخرى، واعتباراً من عام 2017 جرى التوقيع على ست عقود في قطاع الكهرباء مع شركات تركية في شمال سوريا، وكانت مدينة أعزاز أولى المناطق التي شهدت الاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية. ومن بعدها تعددت التجارب لتدخل الشركات التركية على خط الاستثمار في مجال الكهرباء، ويتوسع نطاق الاستثمار ليشمل قطاعات الإنشاء وتعهدات البناء المختلفة والتي تشمل المؤسسات والمدارس والتي يموّل معظمها من جمعيات إخوانية في الخليج، وتخدم خطط الاحتلال بالنتيجة. 

تقوم الخطة التركية على أساس الربط الإداري بين المناطق المحتلة والولايات التركية المقابلة، مثل كليس وعينتاب وهاتاي، ورغم أن سلطات الاحتلال أنشأت مؤسسات إدارية محلية غلا أنها لا تملك صلاحية اتخاذ القرارات بسبب عاملين القوة العسكرية والافتقار إلى التمويل، وبذلك كانت الولايات التركية مرجعية اتخاذ كل القرارات حتى التفصيلية في مجال التعليم وتعيين الكادر التدريسي والمنهاج، والصحة وإدارة المشافي والطرق التي تسهل الانتقال بين المناطق المحتلة والأراضي التركية، وصولاً إلى المسائل الدينية وتحديد الخطاب الديني وتعيين أئمة المساجد، ولتصبح المجالس المحلية مجرد هياكل شكلية وقد تحولت إلى أداة لتنفيذ الخطة التركية وشرعنة الاحتلال،

وفي هذه البيئة نشطت استثمارات الشركة التركية في المجالات الخدمية الضرورية. وبذلك فالمرحلة التالية للسيطرة تجسدت بإجراءات قطع الارتباط الإداري بين المناطق المحتلة والداخل السوري. وشهدت أشهر العام الحالي نشاطاً ملحوظاً لدخول الشركات التركية الخاصة، واستهدفت مجال الكهرباء بشكل أساسي في كامل المناطق المحتلة. الأمر الذي تطلب إنشاء محطات توليد كهربائية وترميم الشبكات وتركيب عدادات رقمية لدى المشتركين وفق شروط وأسعار تحدد الشركة المتعهدة.

في عفرين المحتلة أُبرمت آخر عقود الكهرباء بين المجلس المحلي لعفرين وشركة ste energy التركية، ومن المفترض أن يبدأ إيصال شبكة الكهرباء عبر مل متدرجة اعتباراً من تغذية مدينتي عفرين وجندريسه ومن بعدهما مراكز النواحي ولتكون القرى في مرحلة لاحقة.

استثمارات تركية متنوعة

أجرى “موقع الحرة” لقاءات مع أعضاء في المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي، التي شهدت دخول شركات كهرباء تركية على نحو متدرج فكانت البداية من مدينة أعزاز وتلتها مدن الباب وقباسين ومارع والراعي، وأخيرا فيما أعلن عن تغذية مدينة عفرين في 19/11/2020.

ومن بين الشركات الخاصة: ak energy التي تنشط في الوقت الحالي في كل من أعزاز ومدينة الباب وريفها، بموجب العقد الذي تم وقعته في عام 2018 لمدة أكثر من 10 سنوات، وبتكلفة مالية تتجاوز سبعة ملايين دولار، بالإضافة إلى “الشركة السورية- التركية للكهرباء” التي تستحوذ على استثمار الكهرباء في صوران، ودخلت مؤخراً إلى القرى والبلدات المحيطة بها.

إلا أن الاستثمارات التركية لا تنحصر في مجال الكهرباء، بل تجاوزته إلى قطاعات حيوية أخرى فكان قطاع السكن أحدها، والتي تتضمن بناء أبنية سكنية أقرب إلى الضواحي، كضاحية قباسين السكنية، قرب مدينة الباب في ريف حلب الشرقي. وأفاد مطلعٌ على تفاصيل الضاحية السكنية في تصريح لـ “موقع الحرة”، بأن المشروع وقعه المجلس المحلي في قباسين مع شركة “جوك تورك” للإنشاءات والبناء التركية الخاصة، في يناير/كانون الأول 2018. وحمل المشروع اسم “ضاحية قباسين السكنية”، ويتألف من خمس كتل إسمنتية، ويحتوي على 225 شقة سكنية، ونحو 30 محلاً تجارياً بمساحات مختلفة، ومبنية على النمط التركي.

وتحدث “موقع الحرة” مع، حسين عيسى، رئيس غرفة تجارة مدينة الراعي الحدودية، وقال إن استثمارات الشركات الخاصة التركية تشمل الإنشاءات والبناء والمواد الغذائية، بالإضافة إلى الكهرباء ومعامل الموبيليا ومجال الوقود.

عيسى أضاف أن الكثير من التغييرات حصلت في ريف حلب الشمالي في العام الجاري، وخاصة فيما يتعلق بمجال الاستثمار والمشاريع التي دخلت بها الشركات التركية، والتي كان آخرها الاستثمارات الخاصة ببناء المدن الصناعية في كل من الراعي ومدينة الباب.

وحسب عيسى تنشط في مدينة الراعي لوحدها تنشط 16 شركة خاصة تركية، وجميعها وقع عقود استثمار بالمدينة الصناعية التي يتم إنشاؤها في الوقت الراهن.

آلية العقود

كل قطاع استثماري له أسلوبه الخاص بإبرام العقود التي تدخل بها الشركات الخاصة التركية إلى المدن والبلدات المحتلة، والتي لا علاقة لما يسمى “الحكومة السورية المؤقتة” بها، ولكن مسؤوليها يدعون في تصريحاتهم إن المناطق تابعة لهم من الناحيتين الإداريّة والخدميّة.

وصرح المدعو عبد الحكيم المصري وزير الاقتصاد والمالية في “الحكومة السورية المؤقتة” لموقع “الحرة”: “معظم الاستثمارات التركية هي في ريف حلب في قطاع الكهرباء، كونه قطاع خدمي، يحتاجه الناس ويدر أرباح بالوقت نفسه” وأضاف: “العقود لا تتم مع الحكومة المؤقتة”.

فيما أفاد مصدر مطلع بأنه “بعيداً عن “الحكومة المؤقتة” تكون الاستثمارات والعقود عن طريق الحكومة التركية، ويضيف المصدر: “في كل مجلس محلي توجد لجنة قانونية خاصة ومكتب فني ومالي يتم عن طريقهم إعلان وفض العروض، وغالبية العقود تتم في الجانب التركي في بلدية كلس وولاية مرعش وأحياناً في غازي عينتاب حسب العقد والمشروع”.

وأما دور المجلس المحلي فينحصر برفع مقترح بالمشروع الذي يحتاجه إلى الولاية المذكورة لتجري مناقصة لاختيار المتعهد المطلوب لعملية التنفيذ، وفيما بعد تأتي مرحلة التباحث في بنود العقد وآلية التنفيذ ومعدل الاستفادة.

حلقات مفقودة

ثمة حلقات مفقودة تتعلق بطبيعة العقود المبرمة، من حيث المدة الزمنية، والتي تتجاوز عشر، لتطرح السؤال حول مستقبل بقاء قوات الاحتلال التركي في الأراضي السورية، وباعتبار أن طبيعة المشاريع المنفذة خدمية، فالمسالة ستتعلق بالأجور المستحقة لقاء هذه الخدمات، وآلية التسعير وإمكانية تغييرها، وهذا عدا عن الجوهر القانوني للعقود المبرمة وصولاً إلى تفاصيل عملية تحصيل الأجور.

وتبقى العقدة القانونية هي محل الإشكال الأكبر في العقود التي دخلت بها الشركات الخاصة التركية إلى ريف حلب، إذ لا توجد حتى اليوم بنود واضحة لقانون الاستثمار الخاص بالمناطق الحدودية مع تركيا، ليكون مرجعية ثابتة لتنظيم عقود الاستثمار بكل أشكاله العقاري والفني في كامل المنطقة ما بين جرابلس وعفرين. وهناك اختلافات جوهرية بين صيغ العقود المبرمة ولا صيغة مشتركة بينها، وهناك العديد من الخروقات المرتكبة بقيت دون توضيحات، من جملتها قضايا استملاك ووضع اليد على الأراضي والعقارات.

وأشار مسؤول إداري في بلدة الراعي لـ “موقع الحرة” إلى أن بعض العقود المبرمة مع الشركات الخاصة التركية، تتيح لها شراء قطع من الأراضي، على مبدأ “التعامل بالمثل”.  ويضيف المسؤول: “كما هو الحال بالنسبة لتملك السوريين أي عقار في تركيا، ينطبق ذلك على الأتراك بريف حلب، أي أن التركي أو شركته يجب أن يرخص في الداخل السوري أولاً، وفيما بعد يتاح له شراء قطعة من الأرض لتنفيذ استثماراته”، وهو الأمر الذي ينطبق على المدينة الصناعية في مدينة الراعي حالياً.

كذبة الاستقرار

يروّج الإعلام الموالي لأنقرة لفكرة أن من شان مشاريع الاستثمار ستدفع عجلة التنمية وستكون عامل استقرار، وذلك مجرد دعاية، لأن الاستقرار يستند إلى عوامل أساسية على رأسها توفر الآمنة، وحرية الانتقال وتمكين أهالي المنطقة من التصرف من ممتلكاتهم وإنتاجهم الزراعي، فمنطقة مثل عفرين معروفة بوفرة إنتاجها وتمتلك القدرة على الاعتماد الذات، وما يحدث عبر الاستثمار هو إدخال شركات طفيلية هدفها الربح والمكاسب المالية، ومن عوامل الاستقرار تأمين العودة الآمنة لأهالي المنطقة المهجرين قسراً وإنهاء حالة الاستيطان غير المشروع والوجود المسلح الميليشاوي الذي يواصل ارتكاب الانتهاكات بحق الكرد أهالي المنطقة الأصلاء.

 ففي مدينة إعزاز أهم مدن ما يسمى “درع الفرات” تظاهر المئات احتجاجاً على رفع سعر الكهرباء، والتي تتحكم بها الشركة وتُدفع فواتيرها بالليرة التركية، وطالب المحتجون المجلس المحلي في إعزاز لكونه الطرف الذي أبرم العقد، بالضغط على شركة ak energy التركية المستثمرة لتخفيض التسعيرة ورسوم الاشتراك بما يتماشى مع المداخيل المتدنية وحالة الغلاء.

وذكر موقع “الحرة نقلاً عن مصدر إعلامي أن العقد الذي دخلت به شركة الكهرباء التركية إلى المدينة لا توجد له أي ضوابط ولا محددات واضحة.. وبحسب المصدر الإعلامي فالعقود التي تدخل بها الشركات الخاصة التركية مباشرة مع المجلس المحلي لكل مدينة، على أن تكون إحدى الولايات التركية (كلس، غازي عينتاب، هاتاي) طرفاً وسيطاً.

فقد بدأت الشركة بتقاضي رسوم الكهرباء بأسعار مرتفعة فوراً بعد الانتهاء من المشروع، وفي تشرين الثاني الماضي، تظاهر المئات احتجاجاً على قرار شركة الكهرباء برفع سعر الكيلو واط من 85 قرشاً إلى 105 قروش، وبررت الشركة رفع سعر استجرار الكهرباء، بارتفاع سعر مادة المازوت التي تعمل عليها مولدات الكهرباء لأكثر من الضعف.

من المؤكد أن كل إجراءات الاستثمار تأتي لتحقيق جملة من الأهداف أهمها تثبيت الاحتلال التركي عبر الربط الإداري والخدمي بموازاة التغيير الديمغرافي، وكذلك تحقيق مكاسب مالية كبيرة، واستغلالها إعلامياً على أن المناطق المحتلة مستقرة، ومن شأن هذه الإجراءات أن تكون ذات آثار مديدة، وتنطوي على تثبيت الواقع الديمغرافي الحالي، ولا تأخذ بالحسبان عودة الأهالي الأصلاء المهجرين إلى قراهم وبيوتهم.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons