نوفمبر 08. 2024

أخبار

زيارة “الحريري” لـ”سجن ماراتيه” في عفرين المحتلة.. تجميلٌ زاد قُبح المعارضة

عفرين بوست ــ خاص

كانت زيارة نصر الحريري إلى سجن مليشيا “الشرطة العسكرية” في قرية ماراته/ معراته في إقليم عفرين المحتل، أدنى بكثير من مستوى الاستعراض والتمثيل، وعملية تجميل سيئة جداً، فزادت القبح أكثر.

ففي مقطع مصور روّجه إعلام ما يسمى “الائتلاف الوطني” تم رصد زيارة المدعو نصر الحريري يرافقه المدعو ياسر الفرحان رئيس ما يسمى الهيئة الوطنية لشؤون المعتقلين والمفقودين، إلى عفرين، وتحديداً إلى سجن مليشيا “الشرطة العسكرية” في ماراتيه/معراته.

وبدأ الحديث كالعادة بالتنظير عن الثورة وشعار الحرية، ومشهد السجناء في سجون النظام، بغاية إجراء المقارنة، وتحريض مشاعر المتابعين وللخروج باستنتاج مسبق مفاده أن السجون في عفرين في حالة جيدة، وأنها لا تقبل المقارنة.

انفصال كامل عن الحقيقة

وكانت أولى المغالطات التي لا يمكن القفز من فوقها هي الإشارة إلى منطقة عفرين، وتوصيفها بـ”المحرر” لأنها في الواقع محتلة ومستباحة من قبل ميليشيات إرهابية، تمارس الانتهاكات بكل أنواعها ليل نهار، وكل المؤسسات فيها تعمل بغاية تكريس الاحتلال، ولا علاقة لها بالانتماء الوطني السوري.

لا أثر للواقعية في حديث الحريري التنظيري الذي حاول عبثاً تقمص شخصية المسؤول والشخصية الوطنية، عن سجون مؤسسة إصلاحية والقضاء العادل، لأن العدالة تتطلب أن يكون الائتلاف بكامل طاقمه ومعه كل مسلحو الميليشيات في مكان “نزلاء السجن”، بجرائم مختلفة أقلها الخيانة والعمالة وإخفاء الحقيقة، أما بقية الجرائم المرتكبة كالسرقات والخطف والقتل فقد أضحت معلومات ثابتة ومضمون التقارير الإعلامية والمؤسسات الحقوقية وحتى الأمميّة وآخرها تقرير لجنة التحقيق الدولية في 14/9/2020، والذي وصفت انتهاكات الميليشيات بأنها ترتقي إلى جرائم حرب.

وقد جسّد حديث الحريري حالة انفصال كامل عن الواقع، عندما تحدث عن إمضاء الوقت في السجن بالرياضة والمطالعة وإمكانية تعلم المهن في المستقبل، فيما القول إن الواقع الذي عاينه وفد الائتلاف هو نموذج لما يحلم به السوريون لمؤسسات الوطن في المستقبل، هو أقصى درجة لتزوير الحقيقة أو التعامي عنها.

عفرين سجن كبير

وتبدأ الجرائم في عفرين من العدوان واحتلالها وتهجير أهلها ومن ثم التغيير الديمغرافي عبر الاستيطان والاستيلاء على أملاك الأهالي والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب في سجون الميليشيات التي لا يعرف الائتلاف عددها ومكانها بل لا صلاحية لديه في معرفتها، وفيما تُطلب الفديات تحت طائلة التهديد بالقتل، وتُرتكب جرائم الاغتصاب وانتهاكات أخرى كثيرة بحق الأرض والأشجار والآثار، كل ذلك جعل من عفرين المحتلة سجناً كبيراً، يضطر أهلها الأصليون للفرار منها عبر مافيات التهريب، ليتركوها لميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين، وبذلك لم تكن هناك أدنى درجة لمقاربة الحقيقة في التقرير.

أما المدعو ياسر الفرحان الذي تحدث عن الإرهاب، وفق التوصيف التركي، وذكره لوجود داعش فمثير للسخرية، لأن عناصر كثيرة من داعش انضمت إلى ما يسميه “الجيش الوطني”، وعفرين كانت استثناءً في الجغرافيا السورية بدرجة الأمان التي تحققت طيلة الفترة الحرب الأهلية السورية المندلعة في العام 2011، وحتى الاحتلال التركيّ، والإرهاب ما دخل عفرين إلا مع الاحتلال، وأي قانون في العالم يسمح أن يكون للميليشيات أنظمة أمنية وسجون؟

وتحدث الفرحان عن حقوق الإنسان ومعايير القانون الدولي، وإمكانية تواصل السجين مع أهله وزيارته، فيما التقارير الإعلامية والأممية والحقوقية الكثيرة تؤكد أنه تم انتهاكها تماماً، ويقول إنه أجرى مقابلات مع القائمين على السجن والسجناء، ولكن ما ظهر في التقرير المصور كان مقطعاً تمثيلياً أخرقاً تماماً، فلا أحد يعرف حقيقة السجون وأقبية التحقيق، في منطقةٍ محتلةٍ تسيطر عليها ميليشيات تقتتل من أجل الأسلاب والغنائم، ولذلك كانت الإشارة إلى مراعاة القواعد القانونية غريبة جداً لا تقبل التصديق.

الجناة خارج السجن والحكاية لا ترتقي للكذبة

ففي عفرين، مئات حالات الاختفاء بسبب الاختطاف منذ إعلان الاحتلال، لا تعلم العوائل شيئاً عن مصيرهم، وحكاية تواصل السجناء مع عوائلهم لا ترتقي حتى لمستوى الكذبة، لأن الكذبة يجب أن تحتوي شيئاً من الحقيقة، ولكن كذبة الائتلاف لا أثر للحقيقة فيها، ولا يكاد يوم يمر دون أن تقع فيه حادثة اختطاف سواء على يد الميليشيات العسكرية أو الأمنية، فيما الاتهامات مفبركة وجاهزة، وكثيراً ما يكون الاختطاف جماعياً.

لتتقاطر الأسئلة حول هل يمكن للحريري وأمثاله أن يكشف عن مصير النساء الكرديات المختطفات التي كشفت حادثة اقتحام مقر ميليشيا “الحمزة” عن وجودهن فيه بعد أكثر من سنة من اختفاءهن، رغم أن القصة شاعت وانتشرت في كل وسائل الإعلام؟ وهل يمكنه أن يتحدث عن جثث القتلى على يد ميليشيا “جيش النخبة”؟ وهل يمكنه الحديث عن المحاكمات العادلة التي أجريت لقتلة الشهداء الكُرد من المسنين مثل فاطمة كنه وسليمان حمكو وعلي أحمد (عليكه) الذي تطاول عليه الرعاة المستوطنون، والمسن محي الدين أوسو وزوجته المسنة حورية محمد بكر اللذين تطاول عليها اللصوص بالضرب؟

ثم وماذا عن ذبح الشهيدة فريدة رشو وخنق الشهيدة المسنة عائشة نوري حنان وإطلاق النار على الشهيدة سلطانة خليل ناصرو وقتل زوجها المسن حمدي عبدو رجماً بالحجارة وقُطع يده، وإلقاء قنبلة على الشهيدة فاطمة حمكي؟ وماذا عن استشهاد المواطن الكردي “عبد الرحمن إيبش بكو”، متأثراً بالتعذيب الشديد الذي لاقاه لدى مليشيا “فرقة الحمزة”، واستشهاد المواطن عدنان رشيد أمير الذي حاول منع عملية سرقة، وقتل المسن إسماعيل علو إسماعيل قهراً؟

وهل تم كشف الحقيقة عن قاتل الشابين الكرديين حنان حنان بن حسين وعبد الرحمن شيخ احمد بن علي، غدراً على الطريق؟ وهل بالإمكان كشف حقيقة قتل المواطن شرف الدين سيدو” من أهالي ناحية جنديرس الذي عجز عن دفع فدية مالية 100 ألف دولار، فوجدت جثته مشوهةً ومحروقةً…؟ والقائمة طويلة جداً، فيما عدد من تعرض للاختطاف هو بالآلاف، ومصير كثيرٍ منهم مازال مجهولاً، والجناة الحقيقيون خارج السجن، فهم السجانون ويديرون المنطقة.

ليتبادر إلى الذهن السؤال حول أي درجة من الوقاحة الإعلامية والسياسية التي يمتلكها هؤلاء الذين لا يتعدون أن يكونوا أدوات رخيصة يملكها الاحتلال بحفنة دولارات شهرية، للحديث عن العدالة والأمان في منطقة محتلة، وقد شهد العالم كله على نهبها وسرقة خيراتها، ولا يأمن المواطن فيها على حياته وممتلكاته بل تُفرض فيها الإتاوة على ظلال الأشجار وتُسرق فيها المواسم، وفيما أراد الائتلاف كعادته تجميل واقع الاحتلال فقد زاد القبح عبر التمثيل الأخرق وتجاهل الحقيقة.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons