عفرين بوست ـ ولات عفريني
من وقت لآخر يتحفنا نصر الحريري بتصريح أو موقف، ونجهد عبثاً للبحث في تضاعيف الأسطر عن جملة أو كلمة أو حتى حرف له صلة بالانتماء الوطنيّ السوريّ، فلا نجد، بل ينتابنا شعور بأن الكلام نفسه قد مر علينا، ولنتكشف لاحقاً أن ما يقوله تكرارٌ ببغائي لوكالة الأناضول التركية.
خطاب كراهية وليس بيان
لا تُستغرب العدوانية والكراهية تجاه سوريا ممن يقيم في الحضن التركي، فتلك هي شروط الضيافة التركية، وإلا سيواجه الاعتقال كما حدث العميد أحمد رحال الذي يواجه تهمة التآمر على “الأمن القومي التركي”،
ولعل الحريري أجال النظر في المناطق التي تحتلها تركيا وسجل الانتهاكات التي ترُتكب فيها، ولعِلةٍ في ذاكرته وقع في الخطأ، وأسقط اسم الميليشيات وتنظيم الإخوان المسلمين، واستبدله باسم حزب الاتحاد الديمقراطي أو مجلس سوريا الديمقراطي.
نصر الحريري رئيس ما يسمّى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة”، رفض قبول مذكرة التفاهم بين مجلس سوريا الديمقراطية وحزب الإرادة الشعبية، الموقعة في 31/1/2020 والتي تضمنت بنودها الحفاظ على سوريا أرضاً وشعباً، وقال الحريريّ، في تصريح للأناضول في 5/9/2020: “نرفض أيّ اتفاق سياسيّ مع أي تنظيم إرهابي”. وأضاف الاتفاقات مع تنظيم “ي ب ك “الإرهابي، “أمر مرفوض تماماً”. وشدد على أنه “لا يمكن إجراء أي تفاهمات إلا في إطار إنهاء الدور الإرهابي لهذه المليشيات الانفصاليّة”. والسؤال الذي يُطرحُ بعد عشر سنوات من المقتلة السورية، هل سلوك الائتلاف متوافق مع الوطنية ووحدة السوريين؟ وإذا كانت السياسة في جوهرها هي عملية إيجاد البدائل، فما البديل الواقعي للحل السياسي الذي طرحه الائتلاف منذ تأسيسه، هل الحل يأتي بالاحتلال التركي والتتريك والتغيير الديمغرافي؟
وفي موقف مشابهٍ طالب “الائتلاف”، في بيان رسمي أصدره في 6/9/2020 جامعة الدول العربية بعقد اجتماع طارئ لمناقشة ما وصفها بالتهديدات الكبيرة لوحدة وسلامة الأراضي السورية بسبب الممارسات التي تقوم بها ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD.
ووجّه رئيس الائتلاف الإخواني “نصر الحريري، إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط”، رسالة بخصوص ما وصفه “جرائم ميليشيات PYD بحق الشعب السوري وحملات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي التي ينتهجها”. وطالب جامعة الدول العربية، بقطع “كافة الصلات بميليشيات PYD، واعتبارها تهديداً للأمن القومي العربي”، وإصدار بيانٍ عاجلٍ من الأمين العام يتضامن مع مطالب الائتلاف ويدين ممارسات “ميليشيات PYD”
وقال رئيس الائتلاف: إن “معاناة المدنيين في دير الزور والرقة والحسكة تزداد وتتفاقم بسبب تسارع الأحداث فيها خلال الآونة الأخيرة… ميليشيات PYD التابعة لتنظيم PKK الإرهابي تحاول فرض واقع انفصالي بقوة السلاح في المنطقة”.
وجاء في رسالة “الحريري”: “حزب الاتحاد الديمقراطي يعتمد سياسات عنصرية ممنهجة عبر فرض مناهج دراسية مؤدلجة تحض على الكراهية، وتحاول سلخ الأجيال القادمة من عمقها العربي وتاريخها الإسلامي، وتهدد وحدة سوريا وقيم شعبها، مؤكداً أن هذا الأمر دفع الكثير إلى مغادرة البلاد لتعليم أبنائهم، فيما امتنع من بقي عن إرسال أولادهم إلى المدارس”.
وأضاف: “سلوك هذه الميليشيات يترافق مع محاولات الاستيلاء على الأراضي والممتلكات، وشرعنة ذلك بإصدار ما يسمى القانون رقم /7/ الذي يسمح بوضع اليد على العقارات والمنقولات، لاستخدامها واستثمارها في ظروف تغييب متعمد لأصحابها.. وتستولي على ثروات المنطقة ومواردها وآبارها النفطية، وتستخدم الأموال في شراء العقارات لصالح أذرعها التابعة لجبال قنديل، لتغيير التوازنات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا”.
الائتلاف آخر من يتحدث عن الوطنية
أي تهديد لوحدة وسلامة الأراضي السورية يتحدث عنها الحريري، وهو رئيس منظومة سياسيّة تدين بكامل الولاء لأنقرة، بل أن رئيساً للائتلاف سابقاً هو خالد الخوجة، يُعامل مواطناً تركياً وهو أحد مؤسسي حزب المستقبل الذي أعلنه أحمد داوود أوغلو. لا بل إن الائتلاف آخر من يحق له الحديث عن الوطنية
أكد الحريري على “ضرورة قطع جامعة الدول العربية، كافة الصلات بـ “PYD”، واعتبارها تهديداً للأمن القومي العربي، وطالب بإصدار بيان عاجل من الأمين العام يتضامن مع المطالب ويدين ممارسات سلطات الحزب. ويبدو أن الحريري يقلد الأسلوب التركي في رفع يافطة الأمن القومي، وإذا كانت تركيا رفعت الشعار زوراً، فالحريري لا يختلف في ذلك. والغريب أن الأمن القومي العربي لا يتأثر بانتشار الإرهاب العابر للحدود والذي اكتسح بلداناً عربية، وأصحاب اللحى رافعي شعار “بالذبح جئناكم” و”باقية وتتمدد”، فيما إخوة الشعوب والديمقراطية والإدارة الذاتية بعد عقود طويلة من التهميش والفساد هي التي تهدد الأمن القومي العربي، ويتطلب موقفاً من الجامعة العربية.
يقدم الحريري الدليل بعد الآخر على إصابته بالزهايمر والفصام، لأن التوصيف الذي ذكره ينطبق على المناطق التي تحتلها تركيا وأوكلت أمرها لميليشيات الإخوان تقتل باسم الدين وتبرر باتهامات التكفير والردة، وتسرق باسم الغنائم، والمحصلة انتهاكات يومية قتلاً وخطفاً وسرقاتٍ، ولم تسلم الأشجار ولا الآثار من شرورهم، وهل يمكن لأمي في السياسة أن يعتبر أن المناطق التي تحتلها تركيا تجسد كامل توصيف الانفصال، بل الصحيح أن الحريري وأمثاله منفصلون عن الواقع، فالمناطق التي يتحدث عنها تضم مكونات وطنية شريفة حاربت الإرهاب الذي تدعمه أنقرة وحررت الأرض والإنسان، وهو أغضب حكام أنقرة، وهم مشغلو أمثال الحريري.
وإذا كان أهالي المحافظات التي ذكرها يعيشون حالة المعاناة، وأراد أن إلى المكون العربيّ، فلماذا نسبتهم تتجاوز 70% في القوات العسكرية، فيما مجالسهم ومؤسساتهم خاصة بهم يديرونها ذاتياً. ويبدو أن الحريري نسي السرقات التي تمت منذ بداية الأزمة وتم تمريرها عبر الحدود إلى تركيا ابتداءً من معامل حلب والقمح والغلال والآثار والأموال الطائلة؟ ونسي أن نحو 18 ألف سوري نُقلوا إلى ليبيا لدعم الحكومة الإخوانية.
يتهم الحريري الآخرين بالعنصرية بكلام عنصري، وهل سوريا هي فقط من العرب والإسلام هو الدين الأوحد؟ بل إن ما يغيطه هو تبني الإدارة الذاتية للصيغة التعددية، وأما حديثه عن التعليم فمثيرٌ للسخرية، ونسأل من الذي أوقف التعليم وحرم ملايين الأطفال من طفولتهم ومدارسهم؟ بل من دمر المدارس وحوّلها إلى مقرات عسكريّة؟
ولعل في جملة ما نسيه الحريري هو التعليم الذي يرسخ التطرف والعدوانية في مدارس المناطق المحتلة، وصولاً إلى انتشار الدعارة في المجتمع، والأمر له تداعيات خطيرة على بنية المجتمع السوري مستقبلاً.
بعد شهر من إلغاء القانون تحدث الحريري
القانون رقم /7/، أو قانون “حماية وإدارة أملاك الغائب“، والمتعلّق بممتلكات المغتربين والمبعدين قسراً، في المناطق الواقعة تحت سيطرتها”/، الذي أصدرته الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، في الخامس من أغسطس /آب الماضي. تم إلغاؤه بموجب القرار /43/ المؤرخ 12/8/2020، والذي تضمن وقف العمل بقرار حماية أملاك الغائب. وقد نشرت معظم وسائل والمواقع الإخبارية وبخاصة المحسوبة على المعارضة خبر إلغاء القرار، إلا أنّ الحريريّ لم يقم بتحديث معلوماته، لأنّه يعتمد فقط وكالة الأناضول ويتلقى بالتلقين التعليمات من ضباط الاستخبارات التركيّة، وكل تصريحاته هو الائتلاف تثبت ذلك. وسنذكر عدداً من المواقع الذي ذكرت خبر إلغاء القرار، ويبدو أن الحريري علم بصدور ولم يدرِ بإلغائه، حتى بعد شهر من الإلغاء، ونذكر أمثلة للمواقع التي أوردت خبر الإلغاء مع تاريخ النشر وعنوان الخبر:
1-عنب بلدي 12/08/2020: بعد انتقادات.. “الإدارة الذاتية” تلغي قانون “حماية وإدارة أملاك الغائب”.
2-شبكة شام 12/8/2020: عقب إثارته للجدل… “الإدارة الذاتية” تتراجع عن قرارها في “إدارة أملاك الغائب”
3-موقع الحل 12/8/2020: بعد انتقادات… الإدارة الذاتية توقف تنفيذ قانون “أملاك الغائب”.
4-موقع سوريا 12/8/2020: الإدارة الذاتية” تلغي تنفيذ قانون “أملاك الغائب”.
5- قناة الجسر الفضائية 12/8/2020 “قسد” تلغي قانون “حماية أملاك الغائب وتكشف الأسباب”.
6-موقع المحرر 13/8/2020: “الإدارةُ الذاتيةُ تلغي قرارَ إدارةِ أملاكِ الغائبِ”.
7-موقع روسيا اليوم 12/8/2020: بعد انتقادات واسعة… “الإدارة الذاتية” في شمال سوريا تتراجع عن قانون أملاك الغائبين.
8- ليفانت نيوز 12/8/2020: الإدارة الذاتية تتراجع عن قانونها الأخير بخصوص أملاك “الغائب”.
9- إذاعة وموقع وطن 12/8/2020 الإدارة الذاتية تلغي قانون “حماية وإدارة أملاك الغائب” بعد انتقادات واسعة واتهامات لها بمحاولة الاستيلاء على أملاك المهجرين
بالإضافة إلى صحيفة الشرق الأوسط 14/8/2020: “الإدارة الكردية” تلغي قانون أملاك الغائبين.
عندما لا يتابع السياسي صحافته وإعلامه، ولا يطلع على إعلام الآخرين، عندئذٍ تصحُّ فيه توصيفات كثيرة، إلا أن يكون سياسياً، وهذا حال القافز في غفلة عن الزمن إلى قوارب الانتهازية والأمية السياسية، ليكون أسير أمواج السياسة، كحال الدمية في مسرح العرائس، ولعله يجهل أن شرعية المعارضة تنبثق من وطنيتها، فكيف بمن استهلك شعاراته وأضحى مجرد أداة في أجندة دولة أقل ما يمكن وصفها أنها معادية؟
تنويه: المقال يعبّر عن رأي كاتبها