عفرين بوست- تقارير
كأنها تركة وغنيمة حرب، تحت هذا المفهوم تعاملت ميليشيات “القوة المشتركة (الحمزات والعمشات)” مع أهالي القرى التي فرضت سيطرتها عليها (تحريرها كما يسمونها)، بعد طرد ميليشيا “لواء صقور الشمال” بأوامر تركية.
“بدت القرية ملكاً لأمير حرب، كأننا نعيش أيام الغزوات، فتشوا البيوت وصادروا الممتلكات وفرضوا إتاوات غير معقولة…”
“بدت القرية ملكاً لأمير حرب، كأننا نعيش أيام الغزوات، فتشوا البيوت وصادروا الممتلكات وفرضوا إتاوات غير معقولة، لدرجة يمكنني وصف حالة القرية وباقي القرى التي غزتها الميليشيات بالكارثي”، بهذه الكلمات يصف السيد عماد حسن من أبناء قرية “كمروك” الحالة الراهنة لقريته.
تعتبر قريتي “كمروك، وعرب شيخو” بناحية موباتو/معبطلي، من القرى الغنية بالموارد الزراعية، لاسيّما الزيتون، حيث السهول الخصبة تحيط بهما.
تقسيم تركة الغزو
مع بداية الاحتلال التركي لمنطقة عفرين الكردية، تمّ تقسيم المنطقة إلى قطاعات للميليشيات السورية التي شاركت الجيش التركي في غزو عفرين بداية عام 2018، فسيطرت ميليشيا “لواء صقور الشمال” على “كمروك، وعرب شيخو” و/11/ قرية أخرى في ناحية بلبل، وكمثل باقي الميليشيات فرضت الإتاوات والقوانين الخاصة بها، وكأن تلك القرى ملك خاص لمتزعميها، بصورة أسوأ من أيام الإقطاعية.
قبل نحو أسبوعين، تمّ حلّ “لواء صقور الشمال” بالقوة، بأوامر تركية، واستولت ميليشيات “القوة المشتركة (العمشات والحمزات)” على تركة هذا الفصيل، ليتفاجئ أهالي تلك القرى أن ظلم وقسوة ذاك، كانت رحمةً أمام ما تقوم به (العمشات والحمزات- ذات السيطة التركمانية) الحالية؛ “تبين لأهالي القرية وخلال أسبوع فقط، بأن إجرام (لواء الصقور الشمال) لا يساوي شيئاً، ولا يكاد يستحق الذكر، مقارنةً بإجرام وقذارة المسيطرين الجدد”، بهذه الكلمات وصف شاب كردي من “كمروك” ما مروا به من إعادة الاحتلال والغزو.
منْ المسؤول؟
في التفاصيل التي ذكرتها مصادر عدة من القرية المنكوبة، أنه وبمجرد بسط الغزاة الجدد سيطرتهم على القرية، “بثوا الذعر والرعب في كل مكان، وداهموا البيوت وضربوا واعتقلوا وصادروا الممتلكات”، ويقول الشاب الكردي أنّ الميليشات عمدت إلى جمع أهالي القرية كافة وطالبتهم بجلب وثائق ممتلكاتهم وكأن هدفهم من إعادة الغزو هو جمع المال فقط.
وترافق إعادة الاحتلال هذا مع موسم قطاف الزيتون لتكون فرصة سانحة لجمع الأموال، “مالك حسين الجاسم وهو شقيق أبو عمشة” هو المسؤول المباشر عن الانتهاكات التي تحدث اليوم في قريتي “عرب شيخو، وكمروك”، ويتم التنفيذ بيد المدعو “أبو الجماجم” المسؤول المعيّن.
“جمع إتاوة (250-260) ألف دولار أمريكي من أهالي قرية كمروك، في مدة زمنية لا تتجاوز الأسبوع…”
حجم الانتهاكات
من خلال جمع المعلومات من مصادر ميدانية وأخرى تم توثيقها من قبل نشطاء، فقد فرضت ميليشيات “القوة المشتركة” في قرية “كمروك” وجوارها، الإتاوات على الشكل التالي:
- على مختار القرية جمع (250-260) ألف دولار أمريكي من أهالي القرية، في مدة زمنية لا تتجاوز الأسبوع، من خلال فرض إتاوة (2.5-3) دولار أمريكي على كلّ شجرة زيتون، حيث تصل حصة بعض العائلات إلى /10/ آلاف دولار؛ فاضطر الأهالي إلى لملمة ما بحوذتهم من مبالغ مالية أو الطلب من أقربائهم في الخارج أو بيع مصاغ ذهب النساء أو بيع جرار وسيارة أو بيع زيت الزيتون – كلّه محجوز في المعصرة- الجديد للتاجر الوحيد المعين بسعرٍ أدنى، لأجل دفع هذه الإتاوة.
- فرض نسبة 7% عى كامل انتاج الزيت، وتحصيلها من المعصرة مباشرةً، عبر مندوبين جالسين قرب الفرّازات، مع دفع أثمان تنكات الزيت الفارغة من قبل صاحب الزيت.
- فرض 8 دولار عن كل شجرة من أصحاب الوكالات أو الورثة، المهجّرين والمهاجرين.
- إجبار الأهالي عى نقل كامل المحصول إلى معاصر ضمن سيطرة العمشات ومنع التصرف به لحين الانتهاء من حصر الأملاك، والهدف اقتطاع 50% من ناتج الزيت للوكالات والورثة من المعصرة مباشرة.
ماذا يبقى للمزارعين؟!
ويتساءل “عماد” الذي يمتلك عدد من أشجار الزيتون في القرية ويدريها شقيقه هناك، “لو علمنا بأن النصف المتبقي من المحصول للمزارع، يتضمن مصاريف العناية والحراثة والتقليم والعمال وحصة المعصرة من العصر وغير ذلك لسنتين، فماذا يتبقى للمزارع بعد كل هذا؟”.
ويتابع العم عماد “ليس هذا فحسب ..فبالإضافة إلى السرقات الكثيرة التي طالت حقول الزيتون مباشرة، والمصادرات المباشرة لأكياس الزيتون وأمام أعين أصحابها دون أن يتجرؤوا على فتح أفواههم بحرف واحد، خوفاً على حياتهم، فقد قاموا بحجز كامل كميات الزيت داخل المعاصر وحرموا الأهالي حتى من قوتهم وغذائهم اليومي من ذاك الزيت”.
العرب أيضاً لم يسلموا
قرية “عرب شيخو” التي تقطنها عائلات عربية من عشيرة العميرات هي الأخرى لم تسلم من ظلم “العمشات”، يقول “علي الحسن” اسم مستعار لأحد الأهالي من العميرات وهو يقطن في مدينة عفرين نتيجة مصادرة بعض ممتلكاته بعيد الاحتلال “ما يحدث في عفرين لا يفرق بين كردي وعربي، هو موجّه ضد السكّان الأصليين عامة، لا يمكن وصف الأضرار التي يتسببها هؤلاء الغزاة، لم يمرّ على تاريخ عفرين شيء أسوءا من هذا”.
وتعرّض “علي” للاعتقال مرّات عدة بتهمة عمله السابق مع الإدارة الذاتية وفي كل مرة كان يدفع فدى مالية ليخرج من السجن، فاضطر لترك قريته والمكوث في مدينة عفرين، واليوم تمّ فرض إتاوات كبيرة عليه، بحجة أن بعض الأملاك مسجلة على اسم والده المتوفي وهي تعتبر “أملاك عائدة للعمشات” وفق قوانينهم.
إلى ذلك، قالت مصادر عدة قيام العمشات بتهجير 14 عائلة من أقارب متزعمي “لواء صقور الشمال” المنحل من ناحية شيه/شيخ الحديد بتهديد السّلاح.
“الحال في عموم عفرين كارثي للغاية ومن سيء إلى أسوأ، ولا بوادر ولا بشائر تلوح في الأفق بقرب الفرج والخلاص…”
مستقبل مبهم
يختم العم عماد حديثه لعفرين بوست بهذه الكلمات “الحال في عموم عفرين كارثي للغاية ومن سيء إلى أسوأ، ولا بوادر ولا بشائر تلوح في الأفق بقرب الفرج والخلاص، فعفرين شبه منسية ومهمشة في حسابات الأطراف المعنية وأروقة بازاراتهم”.
رؤية العم عماد هذه تتشابه مع آراء الغالبية من أبناء عفرين الأصلاء، ولكن ثمة بصيص أمل بانتهاء الاحتلال في عفرين، ويعزي البعض من السكّان زيادة حجم الانتهاكات ولجوء الميليشيات لجمع الأموال بشكل فاضح، إلى إحساسها بأنّ نهياتها في عفرين باتت قريبة، وعلى وقع الاضطرابات العامة في المنطقة، ثمة أمل بقرب تحرير عفرين.