تنعكس تطورات الوضع الميداني وحالات التوتر بين الميليشيات التابعة للاحتلال التركي مباشرة على حياة الأهالي في عفرين فتقيّد حركتهم، وتتضاعف إجراءات التفتيش عبر إنشاء مزيد من الحواجز، ويتعطّل نشاطهم العام، وقرية كفرجنة بناحية شرّا أحد أكثر قرى عفرين التي شهدت استنفارات واشتباكات عسكريّة، ولها أهمية قصوى بسبب وجود قاعدة عسكريّة تركية رئيسية على مرتفع يطل على القرية.
ويوم الأربعاء 2/10/2024 قام وفد عسكريّ تركيّ رفيع المستوى برئاسة قائد القوات البرية في الجيش التركي سلجوق بيرقدار أوغلو بزيارة تفقديّة إلى منطقة عفرين ومدينة ادلب. وضم الوفد العسكريّ كلاً من قائد الجيش الثاني وقائد القوات الخاصة التركية وقائد الفيلق السادس. وزار الوفد العسكريّ القاعدة العسكرية في قرية كفرجنة.
يشهد مفرق قرية كفرجنة استنفاراً عسكرياً ووجوداً مكثفاً لمسلحي القوة المشتركة وهي تحالف ميليشيات “فرقة السلطان سليمان شاه- العمشات، وفرقة الحمزات) وذلك على خلفية رفض ميليشيا “لواء صقور الشمال” القرار التركيّ بحلّها وتسليم مقرّاتها أو الانضمام إلى تحالف القوة المشتركة، بل إنّ “صقور الشمال” أعلنت انضمامها إلى ميليشيا “الجبهة الشامية” المنبوذة والمطرودة من عفرين بعد اشتباكات مسلحة في تشرين الأول 2022.
تأتي أهمية قرية كفرجنة لعدة أسباب، الأول وقوعها على مفترق طرق، تؤدي إلى أربع جهات مختلفة: حلب وعفرين وناحية بلبل وبلدة ميدانكي والطريق الرابع إلى قرية معرسته ومريمين وباصلحايا وأناب وصولاً إلى خطوط التماس على مشارف بلدتي نبل والزهراء، والسبب الثاني وجود المعسكر (سابقاً معسكر الطلائع) والذي تحوّل إلى مقرّ عسكريّ كبير، وكان يضم سجناً لميليشيا “الجبهة الشامية”؛ وبذلك فإنّ أيّ استنفار عسكريّ في قرية كفرجنة له انعكاساته على كلّ منطقة عفرين وقراها؛ والسبب الثالث قربها من قرية قطمة التي توجد فيها مقرّات لميلشيا “الشرطة العسكريّة” و”وزارة دفاع الحكومة السورية المؤقتة” وآخر للاستخبارات التركية.
تبعد قرية كفرجنة عن مدينتي عفرين وأعزاز بنفس المسافة، ولذلك كان طبيعياً أنّ يكون لأهلها علاقة مع مدينة أعزاز ويرتادوا أسواقها، وبقي الحال كذلك حتى بداية الأزمة في سوريا وانقطعت تلك العلاقة بشكلٍ كامل، لتعود بنسبة أقل مع احتلال منطقة عفرين وبخاصة أنّ ميليشيا “الجبهة الشامية” كانت مسيطرة على القرية وهي نفسها لها نفوذ كبير في مدينة أعزاز.
في بداية تشرين الأول 2022 اندلعت اشتباكات عنيفة بين تحالف ميليشيات “سليمان شاه/ العمشات والحمزات” وكذلك “هيئة تحرير الشام” من جهة، وميليشيا “الجبهة الشامية” من جهة أخرى، وكانت قرية كفرجنة خط المواجهة بين الطرفين وأسفرت المعارك عن طرد ميليشيا الشامية من منطقة عفرين.
بعد رفض ميليشيا “صقور الشمال” الامتثال لأوامر سلطات الاحتلال التركيّ بحلّ نفسها أو الانضمام إلى ميليشيا “القوة المشتركة”، وإعلانها الانضمام إلى ميليشيا “الجبهة الشامية”، رفعت معظم الميليشيا درجة الاستعداد العسكريّ واستنفرت، لتشهد قرية كفرجنة وجوداً مكثفاً لمسلحي القوة المشتركة الذين استقدموا أيضاً جهاديين من الكتيبة الأوزبكية التابعة لـ”هيئة تحرير الشام.
كما شهدت القرية استنفاراً من نوع آخر مع زيادة حالة التوتر واحتمال اندلاع نزاع عسكريّ مسلح، تجمع عشرات المستوطنين أمام مقرّ وزارة الدفاع التابعة لما يسمى بالحكومة المؤقتة والتي تتخذ من فيلا المواطن المرحوم جميل قرته مقراً لها. وقبل يومين نصب المتظاهرون خيماً على طريق كفرجنة بعد منعهم من العبور من قبل الشرطة العسكرية للحيلولة دون الوصول الى حوار كلس.
المفارقة أنه رغم التوتر العسكرية وجملة المتغيرات التي تطرأ على الطريق العام ومفرق القرية، إلا أنّه لم يطرأ تغيير واضح داخل القرية، أي بعد خروج ميليشيا “الجبهة الشامية” من عفرين.
مجمل هذه التفاصيل وفي مقدمتها وقوع كفرجنة على منطقة تماس وعلى خط التوترات العسكريّة، كان لها تأثير مباشر على حياة المواطنين بالقرية والقرى المجاورة، وبخاصة مع وجود أحد الحواجز الرئيسية على مفرق القرية ويعرف باسم “الحاجز الرباعي”.
مع حلول موسم الزيتون فإنّ الأهالي أحوج ما يكونون للحركة والانتقالات المستمرة ما بين حقول الزيتون والمعاصر في المنطقة، ورغم أنّ الموسم لم يحل بعد، فإنّ الأهالي يسعون لجني المحصول مبكراً، بسبب تعرض الحقول للسرقات، إلا أنّ الأهالي ممنوعون من جني المحصول حتى تاريخه. والمفارقة أنهم دفعوا الإتاوات المفروضة على حقول الزيتون لمجرد الملكية، بصرف النظر عن إثمارها، ومعلوم أنّ موسم الزيتون يعرف بالمعاومة (موسم واحد كل سنتين).