عفرين بوست ــ متابعة
أثار تداول صورة التي توثق زيارة المدعو محمد الجاسم أبو عمشة، متزعم مليشيا “السلطان سليمان شاه”، رفقة المدعو سيف أبو بكر، متزعم مليشيا فرقة الحمزة، لرئيس حزب الحركة القوميّة دولت بهجلي الكثير من ردود الفعل السلبيّة.
إلا أنّ الثنائي أبو عمشة وبولاد جمعتهما صورة علاء الدين تشاكيجي، الذي توسطهما، وهو أحد أشهر زعماء المافيا بتركيا، ما أثار حفيظة السوريين وغضبهم.
المسألة تتعلق بالرمزية ودلالة اللقاء بكل شخصية، إلا أنّ القاسم المشترك بينهما هو تنظيم الذئاب الرماديّة، التنظيم الموصوف إرهابياً في عدة دول. فإذا كان دولت بهجلي هو المرجع الروحيّ والسياسي للتنظيم فإنّ تشاكيجي (71 سنة) يُعرف بأنه أحد أبرز أعضائه وأنشطهم، أحد زعامات الجريمة المنظمة، ولديه سجلٌ حافلٌ بالجرائم والاغتيالات داخل تركيا وخارجها، وبعدد مرات الاعتقال، كما يعرف بعدائه للكرد.
تشاكيجي زعيم مافيا
تزعم علاء الدين تشاكيجي أحد أقوى تنظيمات المافيا التركيّة خلال تسعينات القرن المنصرم، وأدين بارتكاب مئات جرائم الاغتيال السياسية وتجارة المخدرات وتأسيس تنظيم إجرامي وسجن لسنوات طويلة، وأفرجت عنه السلطات التركية في 15/4/2021، بمرسوم تشريعيّ خاص، وصفته أوساط حقوقية وسياسيّة معارضة بأنّه “فُصّل على مقاس تشاكيجي”، وتم الترويج على أنه العفو صدر بسبب تخفيف الإصابات بكورونا في السجون، إلا أنّ المرسوم شمل معتقلين مدانين بجرائكم جنائية ثابتة واستثنى سياسيين كرداً اُعتقلوا تعسفيّاً وبتهم كيدية.
كان تشاكيجي أحد الفاعلين البارزين في تنظيم “الذئاب الرمادية” الجناح المسلح السريّ للتنظيمات التركيّة القومية المتطرفة، التي خاضت حربا دموية ضد التنظيمات السياسية المدنية اليسارية والكردية في البلاد، طوال عقدي السبعينات والثمانينات. وكان تشاكيجي وأنصاره ينفذون عمليات الاغتيال بشكل دوري، بتغطية من الأجهزة الأمنية والسياسية التركية.
خلال العمليات الخارجية، اتهم تشاكيجي بتنفيذ عمليات “قذرة” في الولايات المتحدة والبرازيل وسنغافورة واليابان وإيطاليا، إلى أن اعتقلته السلطات الفرنسيّة صيف 1998، وكان فاراً يتنقل بين دول العالم ويقوم بأعمال إجراميّة بوثائق مزورة، وكُشفت حينها خبايا الخيوط السريّة التي تربطه بالأجهزة الأمنيّة والأحزاب السياسية التركية، وسلمته للسلطات التركية مع وثائق دامغة حول تورطه في اغتيال 41 شخصيّة في تلك الدول. واعترف الضابط الشهير محمد أيمور بأنّه قد جنّد تشاكيجي لصالح الاستخبارات التركية MIT، وكان أيمور من كبار ضباطها في الثمانينات.
توسعت عمليات تشاكيجي داخل تركيا بعد العلاقة العائليّة التي جمعته بأحد أهم زعماء المافيا التركيّة، دوندار كيليش، وتزوج تشاكيجي ابنته الوحيدة نوريّة، وانفصلا بعد تضارب المصالح بين الطرفين عام 1994، وتبادل أتباع الطرفين الاغتيالات التي سميت في الصحافة التركية “أحداث إنجين سيفان”، وبعد أقل من عام انخرط تشاكيجي باغتيال زوجته السابقة أمام ولديها.
ونشر موقع “ميديا بارت” الفرنسي، تقريرا في 8/5/2020، ذكر فيه: “اعتقل تشاكجي للمرة الأولى في يونيو 1981 مع نشطاء متطرفين آخرين، بعد مقتل 41 شخصاً، وأُطلق سراحه في 1982، لنقص الأدلة آنذاك، ومنذ ذلك الحين دخل عالم العصابات المنظمة، وعمل في قطع الطرق وعمليات الخطف والابتزاز والسرقة. وأشار الموقع إلى أن نقطة التحول التي شهدتها مسيرة تشاكجي، كانت عام 1987، عندما اتصل به جهاز المخابرات التركية MIT، الذي كلفه ببعض المهام الرسمية،
اقرأ أيضاً: https://afrinpost.net/ar/archives/36588
تشير خلفية تشاكيجي، كما عرضها موقع “نورديك مونيتور”، الأوروبيّ في مطلع ديسمبر 2020، إلى أنّه كان عضواً في تنظيم” الذئاب الرماديّة” المتطرفة اليمينية، وهي التي وظفها الرئيس أردوغان طويلاً لإدارة حملة تخويف في الداخل والخارج. وأشار التقرير إلى أن تشاكيجي عمل بشكل وثيق مع يافوز أتاك، وهو مسؤول سابق في MİT كان يشرف على العمليات الخارجية للمنظمة، بدأ في حماية تشاكيجي، وزوده بجواز سفر دبلوماسي لمساعدته على الفرار من تركيا عندما واجه عقوبة السجن الوشيك.
وخلال سنوات سجنه، استمرت علاقة تشاكيجي الشخصيّة بزعيم حزب “الحركة الوطنية” التركية المتطرفة دولت بهجلي، الذي كان يزوره في السجن وطالب بالإفراج عنه، معتبراً أنّه “قدم خدمات للأمة التركية”. وحصل بهجليّ على إطلاق سراح مشروط عن تشاكيجي عام 2002، ليخضع للإقامة الجبريّة، لكنّه فر إلى اليونان بعد فترة قصيرة وألقي القبض عليه مجددا عام 2004 في النمسا، وسُلم إلى السلطات التركية التي أفرجت عنه بمرسوم خاص، بدعوى حماية السجناء من الإصابة بفيروس كورونا.
السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يجمع متزعمي ميليشيات في الجيش الوطني بزعيم مافيا وشخصيات قومية تركية متطرفة في هذا التوقيت؟
الواقع إنّ أنقرة تعول بالدرجة الأولى على الميليشيات التركمانية، وقد منحتها صلاحيات إضافية لتستخدمها عصا التأديب في وجه باقي الميليشيات بالتحالف مع “هيئة تحرير الشام”، وفي هذا المرحلة تحتاج أنقرة لممارسة مزيد من القوة لكبح الاحتجاجات ضد سياستها ولقمع رافضي انخراطها في المسار التصالحي مع دمشق، وأما آليات تنفيذ ذلك فإنّ اللقاء مع شخصيات تتزعم منظمات الجريمة المنظمة يوضح ذلك!