عفرين بوست ــ خاص
كشفت قضية اعتقال العميد البحري أحمد رحال عن جملة من القضايا، في مقدمها الدور التركي وإحكامها قبضته على كل مفاصل ما يسمى المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وكذلك التنافس بين الضباط المنشقين الذين تم تهميش دورهم بالاعتماد على متزعمي الميليشيات والذي يبدون أكثر ولاءً لأنقرة.
الأمن التركي يعتقل العميد أحمد رحال
وكانت السلطات التركية قد اعتقلت الخميس الثالث عشر من أغسطس/آب، العميد السوري المنشق أحمد الرحال من مكان إقامته في مدينة إسطنبول وذلك على خلفية ظهوره مؤخراً على عدد من وسائل الإعلام منتقداً الدور التركي في سوريا، وكشفه لملفات تدين متزعمي المليشيات الإخوانية المسلحة التابعة لأنقرة في إقليم عفرين الكردي المحتل، ومدن أخرى محتلة شمال سوريا.
وجاء في التفاصيل أنّ مفرزة أمنية اعتقلت العميد الرحال من منزله في إسطنبول عند الساعة الرابعة من بعد الظهر، مع شقيقه يوسف، ليطلق سراح شقيقه في ساعة متأخرة من المساء، بينما بقي العميد رحال قيد الاعتقال.
وقال يوسف رحال شقيق العميد أحمد رحال، على حسابه في فيسبوك في الخامس عشر من أغسطس/آب، إن السلطات التركية قد أعلمتهم بأنها من اعتقلت شقيقه، دون كشف المزيد من المعطيات.
وقال يوسف رحال، على حسابه إن التأكيد حصل من خلال مصدر في الائتلاف الوطني السوري، الذي أخبرهم أيضاً أن ملف العميد الرحال في أنقرة، ما يعني أنه تم ترحيله إلى هناك، وأضاف يوسف رحال بان الائتلاف وعدهم بمتابعة موضوع العميد ومعرفة الأسباب القانونية التي أدت لاعتقاله، والسعي لإطلاق سراحه.
وكان يوسف رحال قد كتب على صفحته أيضاً: “أؤكد قاطعاً.. لا صحة لكل الروايات التي رافقت اعتقال العميد أحمد… ولم أصرح لأي أحد بأي تعليق أو أن سبب الاعتقال تهجمه على الجيش الوطني، أو رفضه إرسال قوات إلى ليبيا.. أو غير ذلك، ونحن كعائلة العميد على ثقة تامة بالأجهزة الأمنية التركية، وبأنها ستعطينا كل التفاصيل اللازمة سواء كان العميد عندهم.. وأما إن لم يكن عندهم، فنحن على ثقة بأجهزة البحث والتحري التركية، وقبل قليل تأكدنا بأنه لدى السلطات التركية”.
من هو رحال؟
وكان العميد الركن أحمد رحال ضابطاً بالقوى البحرية، ومدرساً بالأكاديمية العليا للعلوم العسكرية السورية، وأعلن انشقاقه في مقطع مصور في 7/10/2012، على أن ينضم إلى العمل العسكري عند انشقاقه، ولكنه ما لبث أن تحول للعمل الإعلامي ليكون أحد أهم ضيوف البرامج السياسية وأبرز المحللين العسكريين السوريين، فيما تم تهميش دور الضباط المنشقين واُستبعد معظمهم عن العمل العسكري المباشر.
وعُرف العميد رحال، بمواقفه المناهضة لاتفاق أستانة الذي تشارك فيه تركيا، ومواقفه الحادة من سلوكيات متزعمي المليشيات الإخوانية مما تُعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، وانتقدهم، وبخاصة المدعو محمد جاسم “أبو عمشة”، متزعم ميليشيا “لواء السلطان سليمان شاه”.
مناوشات مع المدعو أبو عمشة
في 17/3/2020 قال أحمد رحال في تغريدة “موكب سيارات أبو عمشة… الذي يقارن بموكب الرؤساء والذي تحدثنا عنه بالأمس كيلا يٌقال إننا نختلق الأحداث والروايات ورداً على التهديدات… من أين لك هذا؟؟؟
ونشر رحّال مقطعاً مصوراً متداولاً عما قيل إنه زيارة معايدة للمدعو أبو عمشة للعناصر في النقاط… ووردت التراتبية كما يلي: الجيش الوطني ــ الفيلق الأول ــ الفرقة ١٤ ــ اللواء١٤٢ ــ لواء السلطان سليمان شاه.
وفي 20/3/2020، رد المدعو محمد جاسم (أبو عمشة) في تغريدة بالقول: “مدلل دولة العاهرات أحمد رحال، (الدنيا عرض وطلب)، أنت افتريت علينا بأني أملك سيارة مصفحة بـ 8 مليون دولار وأنا أعرضها عليك للبيع بــ 8 الآف دولار، كما توعد أبو عمشة القائد بمحاسبة رحال، من خلال القضاء التركي، حيث يعيش رحال في تركيا”.
العميد رحال يتهم الجميع
وفي 30 أبريل/ نيسان رفض العميد رحال، لجوء تركيا والمليشيات الإخوانية اتهام “قوات سوريا الديمقراطية” بالوقوف وراء “التفجير الإرهابي” الذي استهدف مدينة عفرين يوم 28 أبريل/ نيسان 2020، وأدى لمقتل وإصابة قرابة 100 شخص، معتبراً أنّ توجيه مثل هذا الاتهام بدون أيّة تحقيقات أو أدلة، اتهاماً سياسياً لا يستند لأيّة حقائق، تتهرب عبره تلك الجهات من مسؤولياتها، وطالب الرحال بإجراء تحقيقات شفافة، تستند لأدلة وشهادات قبل إطلاق أي اتهام، معتبرا أنّه كذلك قادر على اتهام أيّة جهة أو دولة دون دليل..
وأشار الرحال أنّ عشرات التفجيرات السابقة، سجلت ضد مجهول، حتى في العمليات التي يتم اعتقال مشتبه بهم، ومتورطين يتم طي ملفها بدون الكشف عن أيّة معلومات.
وانتقد الرحال أداء الأجهزة الأمنية والعسكرية والتي قال إنّ عدد عناصرها وحواجزها يفوق عدد من يعيش في المنطقة، وإنّها لم تقدم لتاريخه أي دليل حقيقي في العشرات من التفجيرات السابقة، معتبراً أنّهم يلجؤون لاعتقال مشتبه ككبش فداء ويعتدون عليه في الشارع، في إعزاز قبل مدة قتل مشتبه به ضرباً في الشارع وتبين لاحقاً إنّه بريء.
وتحدث الرحال بالشواهد والأمثلة إنّ الفوضى منتشرة في كل المناطق المحتلة تركياً عبر المليشيات الإخوانية، في ظل الفصائلية وغياب القضاء وغياب التنظيم الأمني والعسكري، وأنّ كل متزعم مليشيا يسيطر على منطقة تضم قرى وأحياء، قام بتحويلها لما يشبه مزرعة خاصة ونصب فيها قضاة تابعين له، وأنشأ فيها السجون، ووضع حواجز ويحكم فيها بقوانينه الخاصة، بمعزل عن بقية المناطق…
وتحدث الرحال كذلك عن انتشار الفساد، والإتاوات والسرقات ونهب المحاصيل ونبش القبور والمزارات، وسرقة ما فوق وما تحت الأرض والأثار، مذكرا إنّ الوضع في هذه المنطقة هو الأكثر سوءاً على الإطلاق، وأعطى أمثلة عن قيام عناصر من مليشيا العمشات (سليمان شاه) باعتقال كل عناصر الشرطة بسبب مشكلة، كما ذكر بأنّ المدعو محمد الجاسم أبو عمشة اغتصب زوجة أحد عناصره، وخرجت المرأة على الإعلام وطالبت بحمايتها، وحكت تفاصيل قصتها، فتم اختطافها مع زوجها والتهديد بتصفيته، ثم نُشر مقطع مصوّر لنفي القصة.
وأشار رحال إلى التسيب وعبور سيارة محملة بالمتفجرات دون تفتيش، ولو كانت السيارة محملة بالغنم أو الزيتون أو الخشب لتم تفتيشها ومصادرتها حتى دفع إتاوة، وذكر بحادثة لمعتقل أعلنت المحكمة براءته من التهم المنسوبة له، ورغم ذلك رفضت المليشيا التي تحتجزه إطلاق سراحه، ونقله لسجن يديره مسلحو ميليشيا “فرقة الحمزة” بمدينة الباب، حتى دفع أهله مبلغ 10 آلاف دولار للإفراج عنه، وقال هناك عشرات الحالات المشابهة.
ورفض الرحال إطلاق اسم “الجيش الحر” على المسلحين، وقال إنهم فصائل السرقة والنهب والفساد، وغير مدربين أو مختصين في مهامهم وجهلاء، وأنّ هذه البيئة الفاسدة تدفع الناس للنزوح باتجاه مناطق النظام أو قسد، وتخلق أرضاً خصبة للتفجيرات.
وحمّل الرحال كذلك المخابرات التركيّة مسؤولية وصول الأوضاع لما هي عليه الآن، وأنّ المسؤولين في هذا الجهاز المسؤول عن الملف السوري متورطين كذلك في عمليات فساد كبيرة، وطالب رحال أنقرة بإجراءات فورية لعزل المسؤولين الحاليين في عفرين عن الملف الأمني والعسكري وكذلك المسؤولين الأتراك على أرفع مستوى.
أبو عمشة يرد بالجملة
في 30 أبريل/نيسان غرد المدعو أبو عمشة عشر مرات، ليردَّ على اتهامات العميد رحال ويكيل له اتهامات مقابلة، فقال: “إلى الدعي ابن الدعي أحمد رحال روبن هود إسطنبول الأوربية، إذا كان الجيش الوطني حرامية حواجز؟ فمن الذي وقف بوجه طغيان روسيا وإيران والنظام المجرم وحزب الله والفاطميين الأفغان والزينبيون الباكستانيين و٧٠ مليشيا عراقية شيعية لمدة ٩ سنوات؟”.
وأضاف: “٢- إلى الدعي ابن الدعي أحمد رحال زير النساء في مقاصف إسطنبول إذا كان الجيش الوطني يعيش على السرقات، فأنت من أين تعيش بإسطنبول وآجار بيتك ٣٠٠٠ دولار بالشهر واشتريت قهوة ب ١٥٠ ألف دولار، من أين لك هذا يا سبع الليل؟”.
وتابع: “٣- إلى الدعي ابن الدعي أحمد رحال الذي يريد أن يلبس على الناس البسطاء بكلام أريد به وجه محمد دحلان، اكشف ذمتك المالية للشعب المسكين بالمحرر إذا كنت صادقاً، سيارتك ثمنها ٥٢ ألف دولار، ومصروف شهري ٥٠٠٠ دولار بإسطنبول من أين لك هذا يا شريف مكة؟”.
وأكمل: “٤- إلى الدعي ابن الدعي أحمد رحال الذي أصبح كالعاهرة التي تحاضر بالعفة والشرف، اتهاماتك الباطلة ضد الجيش الحر، يستشهد بها الآن إعلام النظام وإعلام ال ب ك ك وأصبحت مادة دسمة لهما، فأنت لصالح من تعمل يا فهلوي زمانك؟”.
وأستطرد: “٥- إلى حرامي المجلس العسكري بالساحل أحمد رحال إذا كنت فعلاً تدافع عن عرض تلك المدعية وتراها مظلومة وقد انتهك عرضها ظلما؟ فنطلب منك أن تدعو الله علناً أمام شعبنا وفي شهر رمضان أن يحشرك معها يوم القيامة ومعكم أمك واختك وزوجتك، تفضل غرّد يا مصلح زمانك”.
وقال كذلك: “٦- إلى الدعي ابن الدعي أحمد رحال: لا تنه عن خلق وتأتى بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم؟ إذا أردت الإصلاح فأبدا بنفسك، وأعيد الأموال التي سرقتها من الثورة للثوار بالساحل بدلاً من أن تهدرها على ملذاتك الشخصية بإسطنبول”، و”٧- إلى الدعي ابن الدعي أحمد رحال بطل شاشات سكاي نيوز والعربية وروناهي وروج افا، ماذا قدمت أنت للثورة منذ أن شقك الثوار بالطابونة حتى الآن؟ لم تقدم للثورة إلا الطعن بالظهر وسرقت أموال الثوار بالساحل وهربت بها إلى إسطنبول حيث اشتريت طقم وكرافيت وعملك دحلان محلل استراتيجي”.
وكتب أوب عمشة أيضاً: “٨- إلى الكذاب الأشر مسليمة المدعو أحمد رحال إذا كنت صادقاً فتفضل إلى ساحات القتال بالداخل، فالذي يقود الجيش الحر الوطني الآن آلاف من الضباط المنشقين الذين رفضوا أن يتركوا الساحة ويجلسون مع النساء بالمخيمات أو يتنعمون على شواطئ إسطنبول مثلك”، و”٩- إلى المنافق الدجال أحمد رحال بطل الشاشات والقهاوي والاراكيل، نحن في حالات حرب وتحصل التفجيرات في كل دول العالم المتحضر حصلت في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإسطنبول ودمشق وبغداد لكن أنت تريد التشويه والتحريض بكلمات حق أريد بها باطل”.
وختم المدعو “أبو عمشة” بالقول: “10- آخر رسالة إلى الحرامي أحمد رحال العميل أتحداك أن تثبت بالزمان والمكان أن لواء سليمان شاه قد أعتدى على مؤسسات الجيش الوطني أقول لك لن تثبت ذلك لأنك كذاب، ولا تتطاول على اللواء سليم إدريس فشسع نعله يساوي شاربك وراسك المليء بالتبن”.
فضيحة فساد وعائلة
وفي الرابع من يوليو/ تموز 2020 فجّر العقيد محمد مخباط فضيحة من العيار الثقيل عن العميد المنشق عن أحمد الرحال، وكشف مخباط، خلال مقطع مصور، أنّ الرحال أقدم على شراء مطعمٍ في إسطنبول بتكلفة 750 ألف دولار، منوهاً إلى أنّه سرق مبالغ مالية تقدر بـ 210 ألف دولار من العقيد رياض الأسعد.
وأشار إلى أن الرحال سرق مبلغ يقدر بـ 360 ألف دولار من العميد مصطفى الشيخ بحجة تشكيل جبهة الساحل، منوهاً إلى أن شقيقه يعمل زعيماً لقطيع من شبيحة نظام الأسد، ولفت إلى أنه حوّل مبالغ مالية ضحمة بعملة الدولار لنظام الأسد بحجة أخوته ودعم اقتصاده المنهار، وجدير بالذكر أن المسألة لا تخلو من فضيحة عائلية، فالعقيد مخباط هو زوج سابق لشقيقة العميد رحال.
ولا ينفصل اعتقال العميد أحمد رحال عن حالة التنافس العام بين كل أطياف المعارضة الإخوانية وتسابقها لتقديم الولاء لأنقرة، كما أنها تعكس حالة الحساسية العامة وغياب التنسيق ما يكشف قصص الانتهازية والفساد والسرقات، وكذلك أسلوب تعامل أنقرة معها على أنها مجرد أدوات، وهو ما يعيد للأذهان قصة المقدم حسين هرموش الذي أعلن انشقاقه في 9/6/2011 وأسس لواء الضباط الأحرار في عينتاب، ثم اختفى في ظروف غامضة على خلفية دعوة لحضور اجتماع مع مسؤولين أمنيين أتراك على الحدود في 29/8/2011.
ومن المؤكد أنّ أمثال المدعو أبو عمشة هم أكثر أهمية لأنقرة، فهو يزود أنقرة بالعناصر المرتزقة للقتال في ليبيا وسواها، فيما أمثال العميد أحمد رحال شخصيات للتسويق الإعلامي
المصادر
ــ إعلان انشقاق أحمد رحال:
ــ شهادة العقيد محمد مخباط