عفرين بوست-خاص
تعاني القرى الأيزيدية في إقليم عفرين الكردي المحتل شمال سوريا، من اضطهاد مضاعف، حيث يحارب مسلحو الاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين ممن يسمون أنفسهم بـ”الجيش الوطني السوري\الجيش الحر”، سكانها لانتمائهم القومي أولاً والديني ثانياً.
ومن نماذج تلك القرى، قرية باصوفان التابعة لناحية شيراوا، التي كان عدد العائلات فيها قبل الحرب الاهلية السورية في العام 2011، يقدّر بحوالي 130 عائلة، وهو نفس عدد المنازل، وكلها عائلات أصيلة تعيش في القرية منذ مئات السنين.
أما عقب احتلال الإقليم الكردي، وهيمنة التطرف الديني عليها، فقد استوطنتها 50 عائلة من غوطة دمشق ومحافظة ادلب، فيما يحتل القرية مليشيا “فيلق الشام” ذات الارتباط المباشر مع تنظيم الإخوان المسلمين، فيما كان قد تم احتلالها في الثامن عشر من مارس العام 2018، وهو ذات اليوم الذي أطبق فيه الاحتلال العسكري التركي على مركز الإقليم.
القرية الأيزيدية وفق مصادر من القرية تحدثت لـ”عفرين بوست” حافظت إبان عهد “الادارة الذاتية” على المباني العامة بكل محتوياتها، وأدرجت صحيفة لكل مبنى على حدا تتضمن جرداً لكل ما بداخل المباني والمرتبط بها، ثم اضافت اليها بعض التحسينات، ولكن كعادتهم دمر المستوطنون معظمها.
ففور دخول المستوطنين الى القرية، اغلقوا المدرسة الدينية الإيزيدية، وافتتحوا بدلاً منها مدرسة لتعليم الديانة الاسلامية، فيما يجبر الأهالي على ارسال أطفالهم، ويلقى الرافضون لإرسال ابنائهم الى تلك المدرسة معاملة قاسية، كما تم تحويل بيت أحد المهجرين من القرية الى جامع، وفرضوا على النساء والفتيات ارتداء اللباس الاسلامي.
وتعرض الايزيديون للتعنيف وفرض اتاوات بحجة امتلاكهم لأسلحة أو تعاملهم مع “الادارة الذاتية” وغيرها من التهم الجاهزة، ولم تسلم من همجيتهم حتى الاشجار، حيث قطع المستوطنون تحت حماية قوات الاحتلال التركي بحدود 1300 شجرة زيتون وكرمة وجوز ولوز، لإقامة قاعدة عسكرية تركية جنوب القرية.
كما دمر المستوطنون منذ قرابة الشهرين، مزار الشيخ علي بعد أن حفروا داخله منذ سنة بحثاً عن اللقى الأثرية.
وتقول المصادر أنه وعقب فضح ممارساتهم اللاأخلاقية، ولحفظ ماء الوجه، أطلق المسلحون سراح بعض المختطفين، وأشاعوا بأنهم لا يتعرضون للإيزيديين عند قيامهم بممارسة شعائرهم الدينية.
لكن الواقع مغاير لذلك تماماً، حيث يضغط مسلحو المليشيات الإسلامية على الأيزيديين ليتركوا القرية، ويفتشون هواتف الأهالي بين الفينة والأخرى، ويقومون بإسكان المستوطنين الجدد مع العوائل الأيزيدية التي تجبر على قبول ذلك تحت طائلة الاعتداء، كما حصل مع الشاب “دلكش عمر عربو” الذي رفض اسكان عائلة قادمة من ادلب في بيته، فكان نصيبه ان تلقى ثلاثة رصاصات من مسلحي “فيلق الشآم”، ولا يزال ذاك الشاب قيد المعالجة، كما أضحت ممتلكات المُهجرين من سكان القرية (الكُرد الأيزيديين) منهوبة ومسلوبة ومستولىً عليها من قبل المستوطنين.
وتتهم منظمات حقوقية كردية وسورية ودولية القوات التركية المحتلة والمليشيات المسلحة التابعة لها في عفرين، بارتكاب كافة أنواع الانتهاكات التي ترقى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق أبناء الإقليم، في مسعى لإجبارهم على مغادرة منازلهم وأراضيهم لتنفيذ عملية تغيير ديمغرافي بغية تتريك المنطقة.
وفي أكثر من مناسبة تحدث مسؤولو “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” و”قوات سوريا الديمقراطية” عن أن موضوع تحرير عفرين وعودة أهلها بشكل آمن إلى ديارهم يعتبر من القضايا الرئيسية في اللقاءات التي يجرونها مع الأطراف المختلفة وعلى رأسها الجانب الروسي.
ويعاني المهجرون في منطقة الشهباء من ظروف إنسانية قاسية ومن أوضاع معيشية صعبة، فجميعهم فقدوا كل ما كانوا يملكونه في عفرين للنجاة بأنفسهم، كما أن فرص العمل قليلة جدا في المنطقة، والدعم المقدم من قبل الجهات الإغاثية أو الإدارة الذاتية في مناطق شرقي الفرات يخضع لقيود ورسوم جمركية تفرضها قوات النظام السوري.
وتتعرض الشهباء، للقصف والاستهداف المتكرر من جانب الجيش التركي والمجموعات المسلحة الموالية له، ما يتسبب بخسائر في صفوف المدنيين من مهجري عفرين، وأدى قصف نفذته المدفعية التركية في ديسمبر الماضي على مدينة تل رفعت إلى مقتل 10 مدنيين بينهم ثمانية أطفال، إضافة إلى إصابة 13 آخرين.
ويضاف إلى ذلك قيام المسلحين التابعين لأنقرة ببناء جوامع في القرى الأيزيدية وإلزام مَن تبقى من الأيزيديين بارتيادها واعتناق الإسلام، وهي الممارسات التي تعزز المخاوف من تنامي خطر التطرف وتحوّل الإقليم إلى بؤرة جديدة للجماعات الإسلامية المتشددة، حيث كانت تقارير غربية تحدثت عن تجنيد تركيا لمقاتلين سابقين ضمن صفوف داعش في عمليتها ضد عفرين، وتم تداول فيديو على الإنترنت يظهر فيه مسلحين في عفرين يرددون أناشيد كتلك التي كان يرددها عناصر تنظيمي داعش والقاعدة.
وضمن واقع مُغاير لما حظي به الكُرد الأيزيديون خلال عهد “الإدارة الذاتية” التي شكلها أبناء عفرين بمختلف أطيافهم الدينية والطائفية، حرم الكُرد من أتباع الديانة الأيزيدية من أداء طقوسهم وأعيادهم والإعلان عن انتمائهم الديني، كونه سبب كافي للتنكيل والاضطهاد والخطف والتعذيب من قبل المليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين، وفي السياق، لم يعد الكُرد الأيزيديون يتمكنون من الاحتفاء بأعيادهم كعيد الأربعاء الأحمر الذي يتمتع بقدسية خاصة لدى أتباع الديانة، تتلخص في اعتبار ذلك اليوم، التوقيت الذي دبت فيه الحياة في الأرض، وفق المعتقدات الأيزيدية.
وخلال عهد “الإدارة الذاتية”، كان يجري تعطيل الدوائر الرسمية والمدارس احتفاءً بالعيد، كسائر الأعياد الدينية المرتبطة بالدين الإسلامي أو المسيحي، إلى جانب تنظيم “الإدارة” لـ احتفال مركزي، حيث سعت إلى حماية المكون الكُردي الأيزيدي وتقديم كل الإمكانات المتوفرة لديها في سبيل إحياء الديانة الكُردية القديمة لدى أبنائها ومنع اندثارها، عقب محاولة الإرهاب العالمي القضاء عليها في مركزها بشنكال، عبر هجوم تنظيم داعش عليها في العام 2014.
وعقب أربعة سنوات، تكررت هجمات داعش لكن هذه المرة في عفرين، وبلبوس آخر يسمى “الجيش الوطني السوري” التابع لتنظيم الإخوان المسلمين، بغية القضاء على التنوع الديني والطائفي والنموذج المتسامح في عفرين، والذي كان مثالاً على تآخي الأديان والطوائف والأثنيات بعيداً عن ثقافة القتل التي ينشرها المتطرفون كـ داعش والإخوان المسلمين برعاية الاحتلال التركي.
وفي الصدد، أشارت نائبة رئيس اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية أنوريما بارجافا، والمفوضة في اللجنة، نادين ماينزا، في تقرير لهما نشرته مجلة «نيوزويك» الأميركية، إلى خطورة التحركات التركية الحالية والتعاون الذي تقوم به أنقرة مع تنظيم «داعش» الإرهابي للقضاء على الأكراد.
وقالتا أنه “يعاني الايزيديون في سوريا الذين واجهوا حملة إبادة مدمرة على أيدي الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) ، مرة أخرى – ولكن هذه المرة على يد حليف الناتو.
وذكرتا أنهم قد تحملوا هم والأقليات الضعيفة الأخرى العبء الأكبر من العنف ضد المدنيين مع قيام الجيش التركي و”الجيش السوري الحر”، بغزو واحتلال مساحة كبيرة من شمال سوريا، بدءًا من عفرين في أوائل عام 2018 واستمر حتى يومنا هذا.
وتابعتا: “قبل ثلاثة أشهر فقط ، في أبريل 2020 ، شاهد الأيزيديون في قرية باصوفان في رعب حيث قامت مجموعة من الجيش السوري الحر بتدمير مزار الشيخ علي – للأسف ، واحد من بين 18 موقعًا أيزيديًا مقدسًا على الأقل دمر في العامين الماضيين ، جنبا إلى جنب مع 80 بالمئة من الأضرحة اليزيدية في جميع أنحاء البلاد”.
وأردفتا: “خلال تلك الفترة نفسها ، وثَّقت منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة والمدنيون على الأرض انتهاكات فظيعة ومتكررة للأقليات الأيزيدية والمسيحية والكردية في المنطقة – وهي فظائع أدت إلى نزوح عشرات الآلاف قسراً من وطنهم ، ولا تزال غير قادر أو ببساطة خائفة من العودة إلى منازلهم. ومنذ أن وسعت تركيا احتلالها عبر مساحة أكبر من الأراضي ابتداءً من أكتوبر 2019، قاموا هم وحلفاؤهم في الجيش السوري الحر بتصعيد العنف ضد هؤلاء المدنيين الذين ما زالوا باقين – ولا تزال تقارير عن عمليات القتل والاغتصاب والاختطاف مستمرة في الظهور”.