عفرين بوست ــ خاص
أصدرت ما تسمى بـ”وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة” التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين والاحتلال التركي، يوم الثلاثاء\الرابع عشر من يوليو، بياناً حول سحب مقار الميليشيات الإسلامية المسماة بـ “الجيش الوطني السوري”، إلى خارج مراكز مدن عفرين و”سري كانيه/رأس العين”.
وقال البيان أنه “ينظر إلى المدنيين على أنهم الأهل الذين يجب على الجميع صون كرامتهم وحماية ممتلكاتهم وأرواحهم”، وتابع “انطلاقاً مِن ذلك فقد أصدرت قيادات فرقتي السلطان مراد والحمزة التابعتين للفيلق الثاني، الأوامر بنقل مقارها مِن مدينتي عفرين (شمال غربي حلب) ورأس العين (شمال غربي الحسكة)، ونقلها إلى معسكرات قريبة مِن خطوط الرباط”.
لكن لا يبدو أن المسألة بهذه الصورة العاطفية التي يسعى مسلحو الإخوان المسلمين إلى الظهور بها في موقع “الحَمل الوديع”، ولا يمكن تصور وجود عقلية تأخذ سلامة الأهالي بالاعتبار، بعد أشهر طويلة من الاحتلال والاستباحة والانتهاكات ومختلف أنواع الجرائم، وتلفيق الاتهامات والسرقة وجرائم الخطف والاغتصاب والقتل.
ومن المؤكد أن القضية تتعلق بالمشغل التركي الذي أصدر تعليمات بهذا الصدد، فبدأت المليشيات الإخوانية بإصدار التصريحات والبيانات تباعاً، على أنها مصدر القرار، فيما هي لا تملك أي صلاحية لإصدار أدنى قرار إلا الولاء لأنقرة، وإلا قطعت عنهم رواتبهم وضيقت عليهم التفويض ومنعتهم من ممارسة الانتهاكات.
وفي السياق، تحدث يوم الثلاثاء الرابع عشر من يوليو، المدعو “نصر الحريري” وهو الرئيس المتجدد لما يسمى بـ “الائتلاف الوطني”، وقال إن الميليشيات ستغادر المدن، كما أصدرت الميليشيات بيانات بهذا الصدد.
وتسعى أنقرة للظهور بصورة دعائية جديدة عبر نقل الميليشيات خارج المدن، فيما قد يكون السبب الحقيقي في عدم القدرة على ضبط سلوكها وتكرر حالات الاقتتال العصاباتي فيما بينها داخل المدن ما جعلها عبئاً عليها، كما أن بعض حالات من الرفض والتذمر بدأت تظهر من قبل الميليشيات فيما يتصل بمسألة الانضمام للقتال في جبهات ليبيا، وبالتالي فإن أنقرة بصدد إعادة انتشار تلك الميليشيات ونقلها إلى الريف تجنباً لمزيد من الاقتتال بينها، ولتأديب بعضها الآخر.
ولا تعني مسألة ضمان الأمن في المدن وراحة الأهالي تلك المليشيات، ذلك لأن القوى الأمنية المشكلة لا تختلف في أسلوب عملها وعقليتها عن الميليشيا نفسها، ولكنها في ظاهر اسمها وهندامها ومعاملة المعتقلين تأخذ طابعاً مؤسساتياً شكليّاً، وهذه الصورة التجميلية تحتاجها أنقرة في هذه المرحلة، كما أن قسماً كبيراً من الانتهاكات يقوم المستوطنون المستجلبون من مناطق أخرى كونهم الحاضنة الاجتماعية للميليشيات.
وأتى القرار بنقل الميلشيات على خلفية الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في الثالث من يوليو في مدينة “سريه كانيه\رأس العين” المحتلة بين ميليشيا “السلطان مراد” وميليشيا “فرقة الحمزة“، واُستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة.
ثم توسعت لتشملَ أيضاً ميليشيا “أحرار الشرقية” وتزداد حدتها وتتوسع الاشتباكات لتشمل كافة أحياء المدينة، إذ اشتبكت في البداية، مجموعة من “عشيرة الموالي” التابعة لميليشيا “فرقة الحمزة”، مع ثانية تسمى مجموعة “حمزة شاكر” التابعة لميليشيا ”فرقة السلطان مراد”، واستمرت حتى اليوم التالي، وامتدت على نطاق واسع من قرى “سريه كانيه\رأس العين، وشملت “تل حلف، عين حصن، كشتو، أم الخير، وعزودنكة، علوك”.
ويعود سبب الاشتباكات إلى الخلافات بين متزعمي الميليشيات على السرقات والغنائم وتقاسم النفوذ والسيطرة في المدينة الحدودية، إذ تم الاستيلاء على منازل تعود لمدنيين في الأحياء الخاضعة لسيطرتهم وسط مدينة “رأس العين/ سري كانيه”.
كما يسعى كلّ من مسلحو ميليشيا “الحمزة” و”السلطان مراد” للسيطرة على البوابة الحدوديّة وإدارتها، للحصول على مكاسب مادية، وفرض الإتاوات على الشاحنات العابرة للبوابة.
ويؤكد تكرر الاشتباكات أنّ أسبابها بنيويّة ذاتية وتعود لضعف الهيكلية والقيادة، كما تتعلق بالمنهجية والطابع الميليشاوي المسيطر وغياب السلطة المركزيّة، ومعلوم أن مصطلح الجيش يعني المركزية ووحدة القرار والعمليات والتعليمات، ولكن مسمى “الجيش الوطني” اسم أُطلق زوراً على مجاميع مسلحة تمتهن السرقة واعمال البلطجة، وهي غير مؤهلة لتنضبط وتلتزم في إطار مؤسساتي.
والغاية الأساسية من تلك التسمية تتعلق بخطة التدخل التركي في سوريا وليبيا، وبالتالي فإن هذه المجاميع تمارس القتال بعقلية الارتزاق، وفي الوقت نفسه هناك استثمار سياسي لمجرد الاسم، تجني أنقرة عوائده.