عفرين بوست
تمدُّ أنقرة أياديها الآثمة منذ احتلالها لــ عفرين في أذار 2018، لتنهب آثارها وتُنشئ مافيــا لتجارتها في السوق السوداء، فالسرقة مستمرة وتدمير المعالم والأوابد عبر أدواتها النّشطة من المجموعات السورية المسلحة في محاولةٍ يائسة منها لمَحو حضارة وتاريخ المنطقة المُوغِلةِ في القِدم، وذلك وفق ما جاء في تقرير لموقع الاتحاد برس.
جرافاتٌ المليشيات الإسلامية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، بدأت الشهر الماضي بشكلٍ يوميٍّ حفر التلّة الأثرية في قرية “عرابو” عرب أوشاغي التابعة لناحية معبطلي في ريف مدينة عفرين شمال غربي حلب، المُحاطةُ بغابات السرو والبلوط والزيتون التي اقتطعتها تلك المليشيات نفسها، فيما يُواصل مُسلّحو مليشيات (سمرقند والسلطان مراد) التنقيب والبحث عن الأثار في مختلف الريف العفريني بحثاً عن كنوز المنطقة الأثرية.
أيضا، يواصل مسلّحو مليشيا “السلطان سليمان شاه” التركماني المعروف بـ(العمشات)، عمليات حفرٍ وتنقيبَ يومية في تل “أرندة الأثري” بناحية “شيه\الشيخ حديد” في الريف الغربي لعفرين.
مدينة كورش\النبي هوري :
وعلى بُعد(45) كم عن مركز مدينة عفرين، تلوح أطلالُ مدينة كورش أو “النبي هوري“، أو مدينة القدّيسينَ على سفحٍ جبليٍّ تُغطيه كروم الزيتون، وإلى شرقه يمرُّ نهر سابون.
المؤرخ “سلمان حنّان” تحدث للاتحاد برس، عن شهرة كبيرة تمتعت بها المدينة في الماضي، والتي كانت أحد أهم المراكز الدينية والعسكرية وذات شهرة كبيرة، حيث حملت المدينة القديمة تسمياتٍ قُدسيّة عدّة منها، أجيالوس أو مدينة القديسين “دميالوس” وكوزما اللذين دُفنا فيها، وشُيّدت على قبرهما كنيسة، كما شيّد القديس سمعان الغيور كنيسةً فيها دُفن فيها عُرفت باسم دير سمعان.
وحملت النبي هوري اسم قلعة “هوري”، وكُتبت في المؤرَّخات القديمة باسم “كورش” أو قورش، وتحدّثت روايةٌ أخرى عن تسمية يونانية عُرفت بها وهي “سيروس” أو مدينة سيرهوس في مقدونيا، فيما أعادتها مصادر أخرى إلى حقبة النبي “داؤود”، وأن تسميتها تعود لأحد قادة جيوشه المعروف بــ”أوريا بن حنّان” الذي قُتل في إحدى المعارك التي خاضها في الألف الأولى قبل الميلاد ودُفن فيها.
وأشارت مصادر إعلامية إلى أهم الاكتشافات في الموقع، وهي الطريق الرئيسية المرصوفة ببلاط حجري بازلتي، يصل البوابة الشمالية بالجنوبية، إضافةً إلى البيت الروماني الذي يضمُّ أرضية فسيفساء “سيروس” الرومانية، والعديد من الأبنية المدنية والصُّروح الدينية.
كنوز قلعة هوري:
تحيط بمدينة كورش الأسوار الدفاعية المتينة التي حصّنت قلعتها والعائدة إلى الحقبة البيزنطية، وسيطرت القلعة على جهاتها الأربعة بأربع بوابات، ووصف المتخصص بالآثار وعضو هيئة الأثار في مقاطعة عفرين “صلاح سينو” مسرحها الروماني على سفح الإكروبول، بأنها الأهمَّ من بين المسارح الرومانية القديمة في سوريا.
وخارج المدينة تنتشر المدافن المحفورة في الصخور بعضها عائدة لعوائل، وأخرى عائدة لشخصيات يبدو أنها كانت بارزة في تلك الفترة تُسمى بـ”المدفن الهُلامي”، وعلى مقرُبةٍ منه دُفن قائد روماني في مدفنٍ على شكل برجٍ مُسدَّس. وتشتهر المدينة بانتشار الجسور الرومانية التي أكد “سينو” أن جسرين منها بحالةٍ جيدة.
وتحت مظلّة صيانة وترميم مدينة النبي هوري (سيروس)، وإعادة تخريبه وترميمه مُجدداً، تواصل حكومة الاحتلال التركية تدميرها لهوية المنطقة، ونهب كل ما يدلُّ على سكانها الأصليين، ومحاولتها كما أشار صلاح سينو : ”التستُّر على قضية اختفاء اللوحات الفسيفسائية التي سرقتها من الموقع الأثري ومازال مصيرها مجهولاً إلى اليوم”.
المتخصِّص بتوثيق التعديات على الآثار في الشمال السوري سينو، قال إنه واعتماداً على مقارنة صورٍ جويَّة تعود لفترة ما قبل دخول القوات التركية للمدينة، مع صورٍ جويّة حديثة، وضّح أن الأسد البازلتي الكبير في موقع “عين دارة” لم يعُد موجوداً، والذي يُعتبرُ واحداً من أهمّ التلال الأثرية في عفرين، وحُوِّل إلى موقعٍ عسكري من قبل المليشيات الإسلامية الإخوانية.
80 تل أثري :
ينتشر في جغرافيا عفرين أكثر من (80) تلَّاً أثريــّا، منها (37) مُسجّلا لدى المديرية العامة للأثار السورية بالقرار 244/ الصادر سنة 1981، وحوالي 45 تل غير مسجل تم إحصائه حسبما أشار إليه صلاح سينو في الفترة التي سبقت الاحتلال التركي، مشيراً إلى أن المواقع الأثرية العائدة للفترة الكلاسيكيّة (يوناني – روماني – بيزنطي)، والتي كانت أغلبها محتفظةً بأبنيتها من معابد و كنائس وفيلات و بيوت ومخازن مختلفة الوظيفة، و جسوراً ومدافن مختلفة، وتقع أغلبها في جبل “ليلون” بالكردية، وعددها حوالي الثلاثين موقعا كانت بحالة جيدة قبل الاحتلال بحسب سينو.
خضعت المعالم الأثرية لمسحٍ أثريٍّ من قِبَلِ بعثةٍ يابانية سورية، وأحصت “56” موقعاً عائداً لحقبة ما قبل الميلاد، وأعطت نتائج التنقيب من قبل البعثة في “كهف الدودرية” نتائج مذهلة على الصعيد الأثري والأنثروبولوجي، أثر كشف هيكل عظمي لطفل “نياندرتالي” يعود لحوالي مئة ألف عامٍ، فيما وضّح سينو أن أقدم المكتشفات في الكهف عائدة لـ 300 ألف سنة بحسب نتائج التنقيب لعام 2008.
سوق سوداء:
لازالت تركيا السوقَ السوداءَ، والبوابة الشمالية التي تَعبُرُ منها الآثار المنهوبة من الشرق الأوسط، ولاسيّما العراق وسوريا واليمن إلى العمق الأوربي. وازدهرت هذه التجارة التي أشار إليها الباحث “صلاح سينو” بشكل كبير بعد الأزمة السورية، وحاجة الأطراف التي لا تملك تمويلاً ” لمتابعة حروبها في إشارة منه إلى المليشيات الإسلامية التابعة لأنقرة، وسعيها لتدمير الإرث التاريخي والحضاريِّ لجميع المناطق السورية من جهة، وادِّخارِ ماجَنَتْهُ من بيعها إرث البلاد بشراء الرصاص لقتل الشعب السوري، وهو ما سعت تركيا جاهدةً لتحقيقه وقد نجحت في ذلك.
وأكدت تقارير مديرية آثار النظام السوري والمنظمات الدولية، أن المعالم الأثرية في مناطق سيطرة المليشيات الإسلامية، هي الأكثر تضرُّراً لأسباب أرجعها سينو إلى ” ذهنية هذه الجماعات الراديكالية، واعتبارها للآثار إرثاً وثنيَّاً وغنيمةً في الحروب التي خاضتها لصالح تركيا، وهناك ديوانهم الخاص لتسيير أمور البحث اللاشرعي، وتخريب الآثار يسمى بديوان الرِّكاز”.
وحول مصير القطع الأثرية المسلوبة قال سينو:” لازالت مجهولةً وغيرُ معلومٍ لدينا إلى أين نُقلت، وطالبنا الجهات الدولية المعنية بمتابعة البحث عنها ومنها لوحات الفسيفساء الخاصة بمدينة النبي هوري”.
16 ألف قطعة أثرية :
تُعدُّ سرقة الآثار وتهريبها والاتجار بها، أحد أبرز التجارات وأكثرها رواجاً على مستوى العالم، إذ تُعادل سرقة القطع الأثرية والاتجار بها وعرضها للبيع في مزادات شرعية أو تداولها في السوق السوداء، تجارة المخدرات الأكثر ربحاً في العالم.
حيث أكد الرئيس المشترك لمديرية آثار مقاطعة عفرين حميد ناصر في تصريحات صحفية، وجود أكثر من 16 ألف قطعة أثرية في متاحف تركية سُرقت من سوريا، مُعظمها عائدة لآثار مدينة عفرين. وحذّر ناصر ممّا وصفه بالإبادة التاريخية التي ترتكبها دولة الاحتلال التركي بحقِّ المواقع والمعالم الأثرية في سوريا عموماً وعفرين خصوصاً.
روسيا تتهم تركيا :
فيتالي تشوركين، السفير الروسي لدى الأمم المتحدة وفي رسالة وجّهها في وقت سابق إلى مجلس الأمن، اتهم فيها الحكومة التركية بالتورط بعملية انتقال الآثار إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وأكد أن المركز الرئيسي لتهريب المواد التراثية الثقافية هو مدينة غازي عنتاب التركية، حيث تُباعُ البضائع المنهوبة في مزاداتٍ غير شرعية، من خلال شبكات متاجر للآثار في السوق المحلية.
الدبلوماسي الروسي أشار إلى تحول مدن إزمير ومرسين وأضنة إلى مستقر المجوهرات والعملات وغيرها من المواد الأثرية المنهوبة، وأن في تلك المدن جماعاتٌ إجرامية مَهمّتها إصدار وثائق مزورة بشأن أصل تلك القطع، تمهيدًا لإخراجها من تركيا بصورة شرعية.
فرمانات عثمانية :
وقد أُصدرت بين القرنين الـ17 والـ 19، فرماناتٌ قدّم العثمانيون الأتراك بموجبها آثار الحضارات القديمة في الشرق إلى الأوروبيين لقمةً سائغة، إذ أصدر السلاطين من آل عثمان فرمانات التنقيب التي أباحت التنقيب الأوروبي عن الآثار، ومن ثمّ امتلاك كل ما يتم الكشف عنه، وترحيله مباشرة إلى بلد المكتشف، وخرجت الآثار اليونانية والآشورية والحيثية وغيرها من الباب الكبير لإسطنبول، بعد أن قبض العثمانيون مقابلها مالياً أو عينياً.
وصُنّفتِ المتاجرة بالقطع الأثرية بطريقة غير شرعية وسرقتها من المواقع الأثرية أو نهبها من المتاحف، من أكثر الأعمال التجارية غير الشرعية في العالم، إذ تزايدت تلك التجارة جرّاء نهب وسرقة المشغولات والقطع الأثرية خلال فترات الحرب السورية.