عفرين بوست-خاص
قصص وروايات عديدة تحكي المآسي التي يعيشها السكان الأصليون في إقليم عفرين الكُردي المحتل شمال سوريا، على يد المستوطنين من ذوي المسلحين التابعين للاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين، قد تبدأ بالسرقة ولا تنتهي بالاستيلاء على منازل الكُرد أو أملاكهم وأشجارهم كالزيتون خاصة.
وفي هذا السياق، قال المواطن “بيشواز” من أهالي ناحية راجو في حديثه لـ “عفرين بوست” أنه تعرض إلى موقف وصفه بـ المضحك المبكي، خلال موسم الزيتون نوفمبر المنصرم، جعلته يحسب حسابات جديدة عند التقدم بشكوى ضد المستوطنين.
وأضاف “بيشواز”: توجهت أثناء موسم الزيتون إلى أرضي في محيط راجو، لأتفاجئ بقرابة خمسة عشرة مستوطناً ومستوطنة وهم يقومون بالجني من أشجاري، ولعلمي بأن المستوطنين هم في الغالب مسلحون، خاصة أن السرقة تتم في وضح النهار و(على عينك يا تاجر) كما يقول المثل الشعبي، قررت أن أتجنب التشاكل معهم، والتوجه إلى مقر الشرطة في راجو”.
متابعاً: “توجهت إليهم، وجلبت معي دورية من المسلحين إلى حقلي، وكان مسلحو مليشيا الشرطة ينحدرون من المنطقة الشرقية، بمعنى أنهم من مسلحي أحرار الشرقية ضمن مليشيا الشرطة، حيث لكل مليشيا مجموعة من المسلحين ضمنها”، قائلاً: “وعقب وصولنا إلى الأرض، كانت المفاجئة والفاجعة”.
مستطرداً: “لم أرى سوى أحد المسلحين التابعين للشرطة وهو يتوجه إلى مستوطنة كبيرة بالعمر، وهو يقول لها: (يما يما حدى حجى معج شي؟)، وهي باللكنة الخاصة بأهالي المنطقة الشرقية تعني: أمي هل تعرض لكم أحد بأي كلمة؟!”.
ويستكمل “بيشواز” حديثه فيقول: “شعرت حينها بكأس ماء باردة وقد صُبت فوق رأسي، فالمسلح الذي جائت به لينصفني هو أبن المستوطنة التي تسرق زيتوني وأمام عيناي”، وأدركت حينها إني إن خرجت من الشكوى المقدمة ضدهم بسلامة ستكون أقصى ما يمكنني الحصول عليه.
وأشار “بيشواز” بأنه وعقب تعرف المسلح على المستوطنين اللصوص، فقد تعرض هو إلى مُحاضرة في الأخلاق والوطنية من قبل المسلحين!، بحجة أن هؤلاء مهجرون من أرضهم، وعلى أهالي عفرين إستيعابهم وتقديم المساعدات لهم، لا الشكوى عليهم، حيث سلب المستوطنون ما تمكنوا منه ورحلوا”.
وتتقاطر قوافل الخارجين من مناطق الاشتباكات في محافظة ادلب إلى إقليم عفرين الكُردي المُحتل، على وقع المعارك العنيفة الدائرة بين القوات الروسية وقوات النظام من جهة والميليشيات الاسلامية التابعة للاحتلال التركي وتنظيم جبهة النصرة من جهة اخرى.
ويبدو واضحاً تنسيق الاحتلال التركي مع روسيا لإفراغ البلدات السورية واستبدالها بإخرى واقعة تحت يدي الجانب الآخر، في مسعى الجانبين لهندسة الدموغرافية السورية حسب الأهواء التركية، على نموذج (تسليم تركيا الغوطة وريف حمص وريف ادلب شرق سكة حديد الحجاز ومطار ابو الظهور العسكري مقابل تسليم روسيا لـ عفرين في العام 2018).
حيث يستغل الاحتلال التركي الاحداث الجارية في إدلب، والتي تمت بالتنسيق بينه وبين روسيا، بغية تهجير أهالي إدلب ودفعهم للاستيطان في عفرين و”سريه كانيه\رأس العين” و”كري سبي\تل أبيض” في شرق الفرات.
ويتجاهل المستوطنون كونهم شاركوا مع الاحتلال التركي في تهجير شعب من أرضه، عندما ارتضوا ترك منازلهم، للاستيطان في منازل مُهجرين، بفعل ما ارتكبه أبنائهم من مسلحي المليشيات الإسلامية المعروفة بـ (الجيش الحر، الجيش الوطني، جبهة النصرة) بمختلف مسمياتها.
فعقب قرابة شهرين من المقاومة التي ابداها المقاتلون والمقاتلات الكُرد وشركائهم من باقي المكونات في “قوات سوريا الديمقراطية”، وفي ظل استمرار التخاذل الدولي، واستحالة استمرار المقاومة العسكرية امام الآلة العسكرية المتطورة لحلف الناتو، والقصف المتواصل للطيران التركي، أجبر المقاتلون الكُرد على الانسحاب من عفرين، حيث أعلنت “الإدارة الذاتية” عن الانسحاب يوم الثامن عشر من مارس العام 2018، تجنيباً للمدينة والأهالي المزيد من الدمار والقتل الذي كان يخطط له النظام التركي، عبر مذابح كبرى داخل مركز مدينة عفرين بحجة محاربة “وحدات حماية الشعب”.
ومع إطباق الاحتلال العسكري التركي، كانت الصفقة التركية الروسية قيد الاستمرار، حيث وصلت جحافل من المستوطنين المتشكلين في غالبيتهم من عوائل مسلحي المليشيات الإسلامية التابعة في مجملها لتنظيم الإخوان المسلمين بفرعها السوري من ريف دمشق كـ الغوطة وأرياف حمص وحماه وإدلب، ممن ارتضوا التخلي عن أراضيهم والسير خلف الاجندات التركية الساعية إلى تمزيق اوصال السوريين وضربهم ببعضهم، ضاربين بعرض الحائط المبادئ الوطنية، ليساهم فعلهم ذاك في خلق شرخ لم يعهده السوريون سابقاً، عبر توطين مكون في مكان مكون آخر، بشكل مُخطط ومدروس من قبل الاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين.
وتزامن وصول المستوطنين مع تهجير موجات كبيرة من أهالي عفرين وقراها، نحو شيراوا والشهباء، حيث هجرت اعداد كبيرة من السكان الأصليين الكرد في عفرين، تراوحت أعدادهم ما بين 350 ألف وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أكثر من 500 ألف مواطن وفق تقديرات أخرى.
ومع استمرار الاحتلال التركي، لم يكن المستوطنون أنفسهم بعيدين عن ارتكاب الانتهاكات بحق السكان الكرد الأصليين في إقليم عفرين، مما يؤكد أن هؤلاء لا يعارضون الأهداف التركية التي هجرت أكثر من 75% من سكان عفرين الأصليين، سعياً لإحداث تغيير ديموغرافي ومحو الهوية الثقافية والأثنية لـ عفرين.