عفرين بوست-خاص
تواصلت في الثامن والعشرين من يناير العام 2018، عمليات الغزو التركي المرافق بمليشيات الإخوان المسلمين ممن يعرفون بـ “الجيش الوطني السوري\الجيش الحر”، في يومها التاسع، على إقليم عفرين الكُردي شمال سوريا، بغية حرمان سكانه من حقهم المشروع في إدارة أنفسهم بأنفسهم، ضمن النظام السياسي الذي أوجدوه تحت مسمى “الإدارة الذاتية”، والذي تمكن من وقايتهم من الحرب الأهلية الطاحنة التي دارت رحاها على مدار سبع سنوات على تخوم عفرين، حيث لم يسمح أبناء عفرين من قوات سوريا الديمقراطية بتسرب الإرهابيين والمتطرفين المستترين تحت مسميات (الثورة والحرية) إلى إقليمهم، بغية التخريب وهدم النسيج الاجتماعي السوري، خدمة للأطماع الاحتلالية التركية الساعية إلى استعادة العثمانية.
سياسياً..
أكدت مصادر رسمية وتقارير إعلامية، أن معبد عين دارة قرب مدينة عفرين والذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، دُمرت أجزاء منه جراء قصف القوات التركية. وأدانت المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة السورية، في بيان أصدرته ما وصفته بـ”عدوان النظام التركي على المواقع الأثرية في ريف حلب الشمالي”، مناشدة المنظمات الدولية المعنية وكل مهتم بالتراث العالمي إلى استهجان التصرفات التركية والضغط على أنقرة لمنع تكرار استهداف المواقع الأثرية والحضارية في منطقة عفرين.
وشددت المديرية على “أن هذا العدوان يظهر مدى الحقد والكراهية والهمجية التي يمتلكها النظام التركي ضد الهوية السورية وضد ماضي الشعب السوري وحاضره ومستقبله”، دون الكشف عن تفاصيل الأضرار التي ألحقت بمعالم معبد عريق في سوريا.
ودمر القصف التركي أجزاء واسعة من المعبد، رغم غياب أي أهداف عسكرية في منطقته، وليس المعبد الموقع الأثري الوحيد في منطقة عفرين الذي تعرض لاعتداء من قبل الجيش التركي، وبدورها، أفادت وكالة “رويترز”، نقلا عن نشطاء في “المرصد السوري لحقوق الإنسان” المعارض، بتضرر المعبد بشكل مادي دون وقوع خسائر بشرية، ودلت صور وفيديوهات صادرة عن وكالة “هاوار” الإخبارية على أن الموقع الأثري تعرض لأضرار هائلة.
إلى ذلك، نشر “المرصد” صورا تظهر حجم الأضرار التي تعرض لها جامع صلاح الدين الأيوبي ومقبرة جنديرس جنوب غربي عفرين نتيجة القصف التركي، وكان قد اكتشف معبد عين دارة في عام 1982 ويتميز بمنحوتاته النادرة المصنوعة من الحجر البازلتي، وتبلغ مساحتها نحو 50 هكتارًا، وعمر بعض أجزائه 12 ألف سنة حسب الخبراء.
وأثارت تصريحات لأردوغان سخرية الأكراد السوريين عندما قال أن الغالبية في منطقة عفرين هم من العرب، وأن نسبة العرب 55% ونسبة الكرد 35%، وأنه سيطهر عفرين من المقاتلين الأكراد ليعيدها إلى أصحابها الحقيقيين، وكان اسم منطقة عفرين خلال المرحلة العثمانية “كورد داغ” أي جبل الأكراد، وفي حقبة الانتداب الفرنسي على سوريا، قسمت المنطقة إلى قسمين، الأول منها بقي في سوريا والثاني ألحق بتركيا، وكانت تعرف حتى ثمانينات القرن الماضي في الكتب المدرسية السورية بـ”جبل الأكراد” ثم أطلق عليها اسم منطقة عفرين نسبة إلى مركزها مدينة عفرين.
وبحسب احصائيات تعود إلى الفترة التي سبقت الحرب في سوريا، فإن عدد سكان عفرين بلغ ما يقارب الـ 800 ألف نسمة، عدا عن أعداد كبيرة من المنطقة الذين انتقلوا للعيش في المدن السورية الكبرى مثل حلب ودمشق وغيرها، في ستينات و سبعينات القرن الماضي، بحثاً عن فرص عمل أفضل. وبلغ عدد سكان العرب هناك حوالي 9000 نسمة، أي أقل من 2 بالمئة من سكان منطقة عفرين. وفي السنوات الأخيرة منذ اندلاع الحرب السورية، نزح مئات الآلاف من العرب إلى عفرين كونها كانت منطقة آمنة.
عسكرياً..
اعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن قيام الجيش التركي بارتكاب مجزرة بحق المدنيين في عفرين، وذكرت القوات خلال بيان، ان الجيش الغازي التركي نفذ مجزرة مروعة في قرية حاج خليل بناحية راجو اسفرت عن مقتل واصابة العشرات من المدنيين، واضافت: ان طائرات تركية قصفت ناحية بلبلة مما أسفر عن استشهاد واصابة العديد من المدنيين.
بدوره، أعلن جيش الغزو التركي، في مثل هذا اليوم قبل عامين أنه حيد 484 مدافعاً عن عفرين من “وحدات حماية الشعب” وقوات سوريا الديمقراطية، كاذباً بصفاقة كبيرة قل نظيرها بالحديث عن قتلى دواعش في عفرين، حيث من المعروف أن عفرين لم تسمح في يوم من الأيام بأن يدخلها التطرف الديني فكيف بداعش، إلا إن كان الاحتلال التركي يعتبر قتلاه من مسلحي التنظيمات الإرهابية التي هاجمت عفرين في عداد قتلى المدافعين عن عفرين!
ووفقاً لبيان صادر عن الأركان العامة التركية، فإن قوات الاحتلال التركي قامت بقتل 37 مدافع عن عفرين في مثل هذا اليوم، وأوضح أن سبع طائرات تركية عادت بسلام إلى قواعدها بعد تدمير بعض الأهداف، التي استخدمتها “المجموعات الإرهابية كملاجئ ومستودعات للذخيرة”، مشيراً إلى أن عملية “غصن الزيتون تسيير بنجاح كما هو مقرر”.
من جانبها، قالت مصادر عسكرية كُردية إنها تمكنت من تدمير دبابة جديدة للجيش التركي في قرية علي بسكي التابعة لناحية راجو بعفرين، وفي سياق متصل رصدت أعنف الاشتباكات في جبل بارساخاتون\برصايا، كما أقدمت مقاتلة في صفوف وحدات حماية المرأة على تفجير دبابة تركية في عملية فدائية، جنوب غربي عفرين، مما أدى إلى تدمير الدبابة، ومقتل طاقمها العسكري، وذكر المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، أن (آفستا خابور) من مواليد عام 1998 التي التحقت بقوات الـYPJ منذ عام 2014 نفذت العملية، أثناء تصديها للقوات التركية بقرية حمام في منطقة جنديرس.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية: “اعتدت دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها على مدينة عفرين، التي هب شبابها للدفاع عنها، وصد الهجمة الشرسة التي استخدم فيها جيش الاحتلال التركي مختلف أنواع الأسلحة، من طائرات وراجمات ومدافع وحتى الأسلحة المحرمة دولياً . وأبدى مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية مقاومة عصرية في التصدي والصمود في وجه آلة الحرب وصمدت المقاومة وكسرت العدو في كثير من المعارك والمواقف. وخلال المعارك والاشتباكات التي اندلعت أثناء الهجوم على عفرين، ارتقى 26 مقاتلاً إلى مرتبة الشهادة والشرف في أوقات وأماكن مختلفة وهم يدافعون عن أرضهم ضد الغزو الغاشم الذي استهدف المدنيين الآمنين. ونحن في قوات سوريا الديمقراطية نعاهد الشهداء وذويهم بالمضي قدماً على خطاهم حتى دحر الإرهاب وتحرير الأرض وإعادة الحقوق لأصحابها .
وسجلت اشتباكات عنيفة في منطقة راجو غرب مدينة عفرين. وترافق ذلك مع استخدام الجيش التركي الغازي للمروحيات والمدفعية الثقيلة، كما أعلن في بيان عن مقتل اثنين من جنوده وإصابة 11 آخرين، وهو ما رفع حصيلة خسائره وقتها إلى خمسة.
اقرأ أيضاً: في اليوم السادس من الغزو: النواب الأوروبيون يؤكدون أن تركيا تنشر الإرهاب في عفرين ولا تحاربه.. والإدارة الذاتية تؤكد تواطؤ النظام مع العدوان التركي
وقال الجيش التركي الغازي إن اثنين من إرهابيي “الجيش السوري الحر” قتلا وأصيب أربعة آخرون في المواجهات التي تركزت في جبال راجو قرب الحدود السورية التركية. وأضاف أنه حيّد منذ بدء العمليات 447 من المقاتلين الأكراد الذين يقولون بدورهم إنهم قتلوا أكثر من مئتي جندي تركي.
وبالتوازي مع الاشتباكات، شنت 22 طائرة حربية تركية غارات دمرت خلالها أكثر من أربعين هدفاً، ووسط المعارك العنيفة، تمكّن الاحتلال التركي ومسلحو الإخوان المسلمين ممن يعرفون بـ “الجيش الوطني\الجيش الحر” من احتلال قرية علي بيسكي ومعسكر لقوات حماية الشعب غرب عفرين، وهو ما يرفع إلى نحو عشرين عدد القرى التي احتلها القوات الغازية من مجموع 360 قرية في ريف عفرين.
كما قالت قوات الغزو إنها احتلت عدة تلال إستراتيجية مطلة على مدينتي راجو وجنديرس غرب عفرين، بينما كان لا يزال القتال مستمراً في محاور أخرى بينها جبل بارساخاتون\برصايا التي تبعد 22 كلم شرق مدينة عفرين.
واحتلت قوات الغزو وفق إعلانها قرى: “نسرية، دوكان، اشكان عربي، جقلا فوقاني، جقلا وسطاني، وسفرية”، وقالت مواقع موالية للاحتلال التركي وتنظيم الإخوان المسلمين إن القصف الجوي تركز يومها على كل من جبل بافلون، قريتي شيخ خروز وكفرجنة، بلدات شران وراجو وجنديرس، بالإضافة إلى مواقع “الوحدات” في الجهة الجنوبية الشرقية لعفرين، وخاصةً في محيط مطار منغ العسكري.
فيما كشفت صحيفة “إندبندنت” البريطانية ، في تقرير خاص عن الضحايا الحقيقيين للحملة التركية على عفرين في شمال سوريا، أنهم لاجئون ورضع وأطفال ونساء مدنيون. وأشارت الصحيفة إلى أن الكاتب البريطاني روبرت فيسك يروي في الجزء الثالث من سلسلته داخل سوريا وفي أول تقرير بالإعلام الغربي عما يحدث في عفرين منذ بداية الغزو التركي ، تجربته داخل مستشفى عفرين مع المصابين من القصف التركي.
وقال فيسك إنه التقى بمصابين رجال ونساء وصبيان وفتيات ورضع بجروح بالغة وطفيفة في أماكن مختلفة بالجسد بعد استهدافهم من قبل القصف الجوي التركي في بلدات معبطلي وجنديرس ومريمين، ويتلقون علاجا بمستشفى عفرين الذي استقبل وحده 34 جثة مدنيين منذ انطلاق الهجوم التركي في 20 يناير. ولفت إلى أنه على الجانب الآخر أفاد الإعلام التركي بلامبالاة بأن الطائرات التركية قصفت أكثر من 100 هدف بينهم “قاعدة جوية” لم يسموها خلال أول يوم للعملية التي من المفترض أنها تستهدف قواعد وتمركزات وأسلحة ومركبات ومعدات القوات الكردية.
وقال فيسك إنه سمع كل هذه الأشياء من قبل ، إنها إعادة لكل هجوم جوي إسرائيلي على جنوب لبنان، وكل ضربة جوية للناتو ضد “القوات الصربية” في يوغوسلافيا السابقة ، وكل هجوم أمريكي على “القوات العراقية” بين 1991 و2003 ، وعلى أفغانستان والموصل خلال العام الماضي. وأضاف: “كل هذه كانت عمليات جراحية تنفذ بدقة متناهية لتجنب الأضرار الجانبية” ، مشيرا إلى أن جميعها بالطبع خلفت عشرات أو مئات أو آلاف من القتلى والمصابين بين المدنيين.
وقال فيسك إنه إطلع على سجلات المستشفى من يوم 21 يناير إلى منتصف يوم 26 يناير، والتي ظهر فيها أن المستشفى استقبلت 4 قتلى ومصابين إثنين فقط من أفراد القوات الكردية خلال أول أيام الهجوم التركي ، ثم 7 مقاتلين قتلى و9 مصابين في وقت لاحق من الأسبوع. وأشار إلى أنه في المقابل فإن سجلات مستشفى عفرين فقط تظهر مقتل 10 أطفال و7 نساء و17 رجلا بينهم كبار السن ، وبعضهم لاجئون جاءوا من إدلب وغيرها من المدن السورية ، لافتا إلى أنه لا يوجد سجل للمصابين في المستشفى.