عفرين بوست-خاص
تواصلت في الثالث والعشرين من يناير العام 2018، عمليات الغزو التركي المرافق بمليشيات الإخوان المسلمين ممن يعرفون بـ “الجيش الوطني السوري”، في يومها الرابع على إقليم عفرين الكُردي شمال سوريا، بغية حرمان سكانه من حقهم المشروع في إدارة أنفسهم بأنفسهم ضمن النظام السياسي الذي أوجدوه تحت مسمى “الإدارة الذاتية”، والتي تمكنت من وقايتهم من الحرب الأهلية الطاحنة التي دارت رحاها على مدار سبع سنوات على تخوم عفرين، ولم يسمح أبنائها من قوات سوريا الديمقراطية بتسرب الإرهابيين والمتطرفين المستترين تحت مسميات الثورة والحرية بغية التخريب وهدم النسيج الاجتماعي السوري، خدمة للأطماع الاحتلالية التركية الساعية إلى استعادة العثمانية.
نفير عام..
ومع تصاعد اعمال اغزو واستمراره، وانكفاء العالم وتصممه عن سماع آهات العفرينيين الذين كان يجري قتلهم أمام مرأى العالم ومسمعه، أعلنت الإدارة الذاتية في شمال سوريا حالة “النفير العام” دفاعاً عن عفرين، تزامناً مع اشتباكات عنيفة، وقالت في بيان صادر عن اقليم الجزيرة: “نعلن النفير العام وندعو كل أبناء شعبنا الأبي الى الدفاع عن عفرين وكرامتها”.
وقال المستشار الإعلامي لوحدات حماية الشعب في عفرين حينها، ريزان حدو لوكالة فرانس برس “إعلان النفير العام يعني دعوة كل الأكراد في سوريا إلى حمل السلاح” دفاعاً عن عفرين.
وتضمن اعلان النفير العام “دعوة كافة الشباب الذين التحقوا سابقاً بخدمة الدفاع الذاتي الى الالتحاق بمراكزهم، بالاضافة الى جهوزية كافة المراكز لاستقبال كل من يرغب بالدفاع عن عفرين، وتوفير الأسلحة اللازمة لذلك”.
وميدانياً، تواصلت معارك عنيفة بين الطرفين على طول الحدود التركية مع إقليم عفرين، تزامناً مع قصف جوي ومدفعي تركي طال عدداً من القرى والبلدات في عفرين، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس في 23 يناير 2018: “تتركز المعارك على الحدود التركية مع عفرين، تحديداً من جهتي الشمال والجنوب الغربي”، وأفاد بأن “رقعة المواجهات العنيفة بين الطرفين الثلاثاء أقل مما كانت عليه أمس”، وتمكن المقاتلون الأكراد ليل الاثنين 22 يناير 2018 من استعادة جبل بارساخاتون\برصايا المشرف على اعزاز وكيليس من الناحية التركية، بعدما تمكنت القوات المهاجمة من السيطرة عليها لساعات، بحسب المرصد.
وواصلت المدفعية التركية المنتشرة على الخط الحدودي مع سوريا في ولاية كليس، قصف عفرين في إطار غزوة “غصن الزيتون” الرامية لاحتلال الإقليم الكردي وتهجير سكانها ومنعهم من استحواذ حقوقهم السياسية المشروعة ضمن نظام لامركزي في سوريا.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن مدفعياتهم تقصف منذ الليلة السابقة، الإقليم بالمدافع حيث تقوم بقصف المخافر الواقعة شرق وغرب معبر أونجو بينار الحدودي في ولاية كيليس جنوب شرق البلاد. كما أفادت أن جيش الغزو التركي ومليشياته الإسلامية التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين ممن يعرفون بـ “الجيش الحر\الجيش الوطني”، قد تمكنوا من السيطرة على قرية حمام التابعة لناحية جنديرس والتلال المحيطة بها. وتقع منطقة جنديرس الاستراتيجية بالقرب من مدينة الريحانية التابعة لولاية هاتاي التي تعرضت لإطلاق قذائف قبل يومين.
وقالت السلطات التركية أن القذائف تم إطلاقها من منطقة جنديرس في حين أكد نائب تركي من الحزب المعارض أن القذائف أطلقت من داخل الأراضي التركية أي من ريف مدينة الريحانية، حيث أعلنت هيئة الأركان التركية مقتل جندي للغزو خلال الاشتباكات مع وحدات حماية الشعب في عفرين في حين قتل ضابط برتبة ملازم في العمليات المستمرة بمدينة عفرين بحسب بيان الجيش التركي الغازي.
من جانبه ذكر تلفزيون خبر ترك أن القوات الغازية التركية تقوم تشكيل خط بعمق 8 كيلومتر في مدينة عفرين حيث ستقوم بتوحيد محاور القتال الثلاثة في المدينة حيث كانت قد أطلقت عملية برية من مدينة أعزاز.
مجزرة في جنديرس..
بدوره، أصدر المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية بياناً كشفت النقاب فيه مرة أخرى عن وحشية هجمات الإحتلال التركي التي استهدفت المدنيين في قراهم ومنازلهم الآمنة، وتناول البيان المجزرة الوحشية التي نفذها جيش الإحتلال بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة في بلدة جنديريسه الآهلة بالمدنيين صباح ذاك اليوم ، والتي أدت لسقوط عدد من الشهداء، وفي التفاصيل كشف البيان عن استشهاد 4 مواطنين نتيجة القصف بالإضافة لعشرة جرحى، وقال البيان الموجه إلى الرأي العام :
“لقد صعد جيش الغزو التركي من وحشيته تجاه شعبنا المسالم في عفرين مستخدما كل أنواع الأسلحة في قصف عشوائي لقرانا و مدننا لا ذنب لهم إلا لأنهم كرد مقيمون في عفرين ، ساعات الصباح لهذا اليوم 23 / 1 / 2018 كانت شاهدة على وحشية الغزو التركي الذي كسابقيه من داعش و نصرة لم يميز بين مدني و عسكري حيث استهدف سلاحهم الثقيل بلدة جنديرس حيث اتخذت من المدنيين هدفا لحقدهم و وحشيتهم”.
مضيفاً: “هذا القصف الوحشي لبلدة جنديرس أدت إلى إلحاق دمار بمنازل المدنيين بالإضافة إلى سقوط ضحايا مدنيين بينهم أطفال و نساء. الحصيلة الأولية التي تأكدنا منها حتى الآن هي استشهاد أربعة مدنيين هما طفلان و امرأتان بالإضافة إلى ما يزيد عن عشرة جرحى. إن هذا العدوان الهمجي يعبر عن عقلية إرهابية لا تختلف في طبيعتها عن داعش ، و لذلك فإننا ندعو الرأي العام العالمي و المنظمات الإنسانية و لجان حقوق الإنسان إلى فضح هذه الجرائم و توثيقها و فضح الجناة المجرمين”.
مجلس الامن..
فيما أنهى مجلس الأمن الدولي، جلسة عقدها للبحث في الهجوم التركي على عفرين، من دون أن يصدر إدانة أو إعلانا مشتركا، وفي ختام جلسة مشاورات عاجلة عقدت بطلب من باريس، عبر السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرانسوا دولاتر عن “قلق عميق حيال الوضع في شمال سوريا وسط التصعيد المستمر”، غير أنه كان حذرا جدا في ما يتعلق بعفرين حيث بدأ الجيش التركي السبت هجوما بريا وجويا ضد مليشيات كردية تابعة لوحدات حماية الشعب. وكرر السفير الفرنسي تصريح وزير خارجية بلاده جان إيف لودريان الذي دعا السلطات التركية إلى “ضبط النفس”. وقال دولاتر، إن هذه الدعوة كانت محل “إجماع واسع” بين البلدان الحاضرة في جلسة مجلس الأمن.
كما أكد دولاتر، أن “الأولوية” هي لـ”وحدة الحلفاء في الحرب ضد داعش”، مشيرا إلى أن عفرين لا تشكل “سوى أحد عناصر” الأزمة في سوريا، ووفقا لـ”فرانس برس”، لم تصدر تصريحات عن أي ممثل أخر للدول الأعضاء المؤثرة في مجلس الأمن بعد هذه المشاورات التي لم تشارك فيها السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي.
وأدى الغزو التركي في يومه الرابع على عفرين، إلى نزوح أكثر من 126 الف مواطن عن قرى الإقليم (نزوح داخلي) ، بينما يهدد النزوح 300 الف مواطن آخر، وفق ما اعلن “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، وأضاف: «بدأنا اتصالاتنا في محاولة لحلحلة الأوضاع بالمنطقة، لأن 60% من أهالي عفرين هم بحاجة للمساعدات اللازمة» (علماً أن التطور الاقتصادي والمادي كان واضحاً جداً عبر مئأت المشاريع الضخمة التي أسسها أهالي عفرين إبان عهد الإدارة الذاتية، قبل الغزو التركي).
فيما قال تقرير للأمم المتحدة إن العملية العسكرية التركية ضد وحدات حماية الشعب تسببت في نزوح (لخارج عفرين)ما يقدر بخمسة آلاف شخص في منطقة عفرين حتى، وجاء في التقرير أن الأمم المتحدة تقف على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة لخمسين ألف شخص في عفرين ولديها إمدادات لثلاثين ألفا في حالة زيادة النزوح إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية في محافظة حلب.
في سياق متصل اتهم وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” أنقرة بعرقلة الجهود الرامية لدحر تنظيم داعش من سوريا، وأضاف في تصريحات صحفية: «هذا الأمر يمكن أن يستغله داعش والقاعدة، ومن الواضح أننا لسنا بصدد التركيز عليهم الآن، ومن الواضح أن ذلك (العملية التركية) قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي تمر بها معظم مناطق سوريا».
ولم تقتصر التصريحات الأميركية حول عفرين على “ماتيس” حيث سبقه وزير الخارجية الأميركية “ريكس تيلرسون” بتصريح قال به إن بلاده أبلغت أنقرة برغبتها في «العمل معكم على إنشاء نوع من المنطقة الآمنة التي قد تحتاجون إليها»، وأضاف: «نبحث مع المسؤولين الأتراك وبعض القوى العاملة على الأرض أيضا، كيفية تهدئة الوضع والاستجابة لمخاوف أنقرة الأمنية المشروعة».
غزو عفرين في عين الصحافة الدولية..
قالت سميث كاتبة المقال في التايمز البريطانية إنه في بداية الانتفاضة السورية ضد بشار الأسد كان ينظر إلى تركيا كنموذج يحتذى لشرق أوسط جديد.. وتضيف أن الغرب كان يثتي على الديمقراطية الإسلامية التي يمثلها أردوغان وكان يُنظر إليه كنصير للمضطهدين. وكان يبدو كما لو أن تركيا ستخرج من انتفاضات الربيع العربي أقوى دولة في المنطقة، وتستدرك قائلة إن الحال تغير ولم يعد كذلك، فرفض تركيا التخلي عن المعارضة السورية، حتى بعد تغلغل الإسلاميين المتشددين فيها، ترك أنقرة معزولة دبلوماسيا وأصبح إردوغان منبوذا بصورة متزايدة.
وتضيف قائلة إن التصعيد في لجهة أردوغان، التي أعقبها هجوم على الأكراد في سوريا “لوث صورته الدولية الملوثة بالفعل”، ولكن حيلولته دون إقامة دولة كردية على طول الحدود مع سوريا سيجلب له الكثير من الثناء في الداخل. وقالت سميث إن تركيا لا يمكنها تقبل فكرة أن تعطي الولايات المتحدة أسلحة لجماعة قتلت المئات من المدنيين في أسطنبول وأنقرة من غيرها من المدن التركية (وفق زعم الاحتلال التركي والطورانيين الأتراك)، وتصر أنقرة أن هذه الأسلحة الأمريكية ستستخدم ضد الأتراك. وتقول سميث إن الجائزة الحقيقية لأردوغان ليست عفرين، ولكن هدفه الرئيسي هو أن يشب الخلاف بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب، وأضافت أن تركيا تخشى أن يمتد دعم الولايات المتحدة للأكراد إلى ما بعد قتال تنظيم داعش، إلى الصراع بشأن مستقبل سوريا. وتختتم سميث المقال قائلة إن أردوغان يعلم إن بلاده لن تكون من الفائزين الكبار في حرب سوريا، ولكنه عاقد العزم على ألا يكون الأكراد أيضا من الفائزين.
بدورها، أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن هناك تنسيقاً روسي- تركي عالي المستوى قبل إنطلاق غزوة “غصن الزيتون” في عفرين بسوريا، برغم التحفظ الروسي على تلك العملية، وترى الصحيفة إن زيارة رئيس هيئة الأركان التركية “خلوصي آكار” إلى روسيا قبل انطلاق العملية بأيام وما أعقبها من سحب روسيا لمراقبيها في “عفرين” تؤكد أن تنسيقاً جرى بين موسكو وأنقرة.
وذكرت الصحيفة أن “روسيا التي بدت متحفظة على الهجوم التركي على عفرين قدمت العديد من التسهيلات للقوات التركية. فيما وصفت صحيفة “الإندبندنت” التوغل التركي في عفرين بأنه قد يفتح مرحلة أكثر دموية في الحرب الاهلية السورية. وأضافت الصحيفة أن التوغل التركي يضيف بعدا جديدا للصراع في سوريا حيث من المتوقع أن تضع هذه الخطوة الولايات المتحدة على خط المواجهة المباشرة مع حليف لها في حلف شمال الاطلنطي “الناتو” حيث ان تركيا تقاتل حليفا امريكيا في المنطقة وهو قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تحصل على الدعم الجوي والاستخباراتي أثناء معاركها ضد تنظيم داعش وتمكنت قبل أشهر من الاستحواذ على مدينة الرقة.
تحييد النظام..
وفي تأكيد على أنه هدفه كان منذ البداية احتلال سوريا عبر قلب النظام الحاكم فيها وتسليم سدة الحكم لأتباعها من تنظيم الإخوان المسلمين، وعقب فشلها في ذلك، عاد الاحتلال التركي للإشارة إلى عدم وجود مشكلة مع النظام السوري، وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إن بلاده تسعى لتفادي أي اشتباك مع القوات السورية أو الروسية أو الأمريكية خلال عمليتها في شمال سوريا ولكنها ستتخذ كل الخطوات اللازمة لضمان أمنها.
وبالتزامن مع الغزو التركي على عفرين، تعهد رئيس الاحتلال التركي رجب طيب إردوغان أيضًا بإخراج قوات سوريا الديمقراطية من منبج.
وقال تشاووش أوغلو “مستقبل علاقاتنا يعتمد على الخطوة التالية التي ستتخذها الولايات المتحدة”، وأضاف أن تركيا، التي نفذت عملية عسكرية دامت سبعة أشهر في شمال سوريا قبل عامين لطرد تنظيم داعش ومقاتلي وحدات حماية الشعب، ستستمر في القيام بكل ما تعتبره ضروريا (حيث سعى الاحتلال التركي الى ربط ذكره لتنظيم داعش مع ذكر قوات سوريا الديمقراطية، في إطار محاولاتها الحثيثة للإساءة لنضال تلك القوات في مواجهة الذي الذي رعته أنقرة.
وأضاف “سواء منبج أو عفرين أو شرقي الفرات أو حتى تهديدات من شمال العراق، لا يهم… إذا كان هناك إرهابيون على الجانب الآخر من حدودنا فسيمثل ذلك تهديدا لنا”.