عفرين بوست- تحليل
يوم أمس، تقدمت “هيئة تحرير الشام “برفقة الحزب التركستاني وميليشيات مرتبطة بتركيا في المنطقة الواقعة بريف حلب الغربي وسيطرت على عدة قرى وبلدات، وتمكّنت من الوصول إلى مقربة من تخوم مدينة حلب غرباً، مسيطرة على مساحة تقدر بـ138 كيلومتر، وسط احتمالات باستمرار تقدم الهيئة.
اختارت “هيئة تحرير الشام” المنطقة الرخوة الواقعة في محيط بلدة دارة عزة والمتاخمة للبلدتين الشيعيتين في ريف حلب الشمالي (نبل والزهراء)، وباشرت بالتقدم المفاجئ باتجاه مدينة حلب للوصول إلى خان العسل التي تعتبر خط دفاع أولي عن المدينة من الجهة الغربية.
خلال ساعات عدة من مساء الأربعاء سيطرة هيئة تحرير الشام على 22 قرية وبلدة، وتقدمت صباح اليوم الخميس في المحور ذاته بشكل بسيط لتسيطر على بلدتين وتغدو على مقربة من طريق حلب دمشق الرئيسي وهذا يفتح احتمالات عدة لتطور المعارك في حال استمرارها على هذا النحو.
“هجمات قوات تحرير الشام في ريف حلب الغربي، هي الخرق الأبرز لاتفاقات تخفيض التصعيد – آستانا منذ عام 2020”
منذ اذار 2020 فرضت روسيا وتركيا وقف إطلاق نار على كامل الشريط الفاصل بين قوات الحكومة السورية وهيئة تحرير الشام من جهة والفصائل الموالية لتركية من جهة أخرى، وهذا الخرق لوقف إطلاق النار يعتبر الأبرز منذ ذلك الوقت.
قبل نحو ثلاثة أشهر ومع بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، روّجت “هيئة تحرير الشام” للتحضير لعمل عسكري ضد مواقع الحكومة السورية مستغلة الظرف السياسي العام في المنطقة أولاً وتغير حزب الله والميليشيات الشيعية المساندة للحكومة السورية أولوياتها في سوريا مع بدء الحرب في لبنان وتوسع الضربات الإسرائيلية لمواقع الحزب في الداخل السوري.
حينها أشارت المعطيات العامة إلى أنه لن يكون هناك عمل عسكري مباشر للهيئة ضد الحكومة السورية، لاسيما ان التكتيكات العسكرية للهيئة تعتمد على الضربات المباغتة وعدم الإعلان عنها إلا بعد بدئها، ولوحظ ذلك خلال المعارك المتعددة التي دارت بين الجانبين خلال السنوات العشر من عمر الصراع العسكرية في تلك المنطقة.
لكن هذه العملية التي حملت اسم “رد العدوان” جاءت بشكل مفاجئ، ويبدو أن القرار وساعة الصفر كانت بيد قادة محدودين فقط، لذا لم يتم تسريب تفاصيلها للحكومة السورية ولم تتخذ تدابيرها بالشكل الكامل مما سهل من سقوط المنطقة في يد الهيئة.
“إشارات عديدة تؤكد مساندة تركيا لما تسمى بعملية (ردع العدوان) بشكلٍ غير مباشر”
هناك إشارات عدة تؤكد مساندة تركيا الغير المباشرة لهذه العملية المستمرة إلى الآن، إذ حاولت تركيا استدراج الحكومة السورية إلى مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، لكن طلبها هذا قوبل بمطالب سورية للتعهد بسحب قواتها من سوريا، لذا عمدت تركيا لخلط الأوراق في الميدان، لاسيما أنه قبيل ايام من هذا العمل العسكري سحبت تركيا نقطة تمركز لها من تلك الجبهة، كانت على مقربة من نقاط الجيش السوري.
استفادت هيئة تحرير الشام من الظروف التي فرضتها الحرب الإسرائيلية على حزب الله واستهدافها للميليشيات الإيرانية في سوريا، مما دفع الأخير لتغير خريطة تمركز قواته في عموم سوريا وسحبت كتائب عدة من ريفي حلب وإدلب باتجاه مناطق أخرى، وهو ما سبب ضعف الجبهات في مناطق سيطرة الحكومة السورية.
الظرف السياسي الحالي وضبابية السياسة الأمريكية الجديدة تجاه سوريا والمنطقة مع تسلم دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، وتعتبر هذه الفترة ملائمة لإعادة خلط الأوراق السياسية تحت النار، وما هو خلف هذه الحملة هي رسائل تركية إلى شركائها في محور آستانة، لاسيما أن تركيا لم تخفي أطماعها بالسيطرة على مدينة حلب بين الفينة والأخرى، وإن لم يحدث ذلك بالسياسة والتفاوض مع الأسد، فسيكون عبر الضغط العسكري.
اختيار المنطقة المتاخمة لنبل والزهراء، هي رسالة لإيران التي عمدت قبل نحو شهر إلى تشكيل كتائب موالية لها من العرب السنة في المنطقة، وتعزيز وجودها العسكري بعد الضربات التي تلقاها حزب الله وميليشياته في سوريا.
تركيا التي تحاول اللعب على التناقضات والحصول على مكاسب في الميدان أو السياسة، ستستثمر هذا العمل العسكري الموجه في ترتيب علاقاتها مع أمريكيا من جهة وروسيا من جهة أخرى، لاسيّما مع تزايد احتمالات التصعيد العسكري في الساحة الأوكرانية، وهنا لابد من أن تختار تركيا بين المعسكرين الشرقي أو الغربي، وكانت ثمة رسائل روسية كنوع من التهديد المبطن لتركيا خلال الفترة القليلة الماضية، والتي تلقفها أردوغان، وبناء عليه أجرى الرئيسان الروسي والتركي محادثة هاتفية استمرت لساعة وربع في 24 الشهر الجاري، لكن لم يفصح الجانبان عن فحوى الاتصال الهاتفي هذا.
إدلب تعتبر مهمة بالنسبة لكافة الفاعلين في الملف السوري، سواء أمريكا وبريطانيا أو روسيا ودول آستانا، لذا سنكون أمام سيناريويين محتملين للأيام المقبلة.
الأول وهو الأقرب للواقع، أن تستمر “هيئة تحرير الشام” في التقدم وتقطع أوتوستراد حلب دمشق، وتفرض طوقاً على حلب، لكنها لن تتقدم باتجاه المدينة، ويستمر الوضع على ما هو عليه لحين تغير المواقف السياسية للدول الفاعلة، على مبدأ التفاوض تحت النار وهو مكسب تركي بكل المقاييس.
الثاني استغلال قوات الحكومة السورية هذا الهجوم والبدء بعمل عسكري مرتد بحجة ان اتفاق وقف إطلاق النار او خفض التصعيد قد انتهك، لكن الحكومة السورية لا تمتلك القوة العسكرية الكافية للبدء بعمل عسكري شامل في إدلب بدون مساندة إيرانية وموافقة روسية، ويبدو أن الروس ليسوا مؤيدين في الوقت الحالي لهذا الخيار.
حلب التي اعتبرت العاصمة الاقتصادية لسوريا، رغم تدهور حالتها في عدة مستويات، إلا أنها مهمة في كلّ الظروف، لاسيما بالنسبة لأهالي عفرين وقوات تحرير عفرين التي تنتشر في مناطق الشهباء وعينها على تحرير عفرين، التطورات القادمة سواء ميدانية أو سياسية ستكون أساساً لبناء جسور مستقبلية ربما تساهم في تحرير الشمال السوري المحتل وعلى رأسها عفرين.