ديسمبر 23. 2024

توترات الشّمال السوري المحتلّ… ما رأي السوريين؟

عفرين بوست- خاص

أمس الإثنين 1 تموز/يوليو، تصاعدت موجة الاحتجاجات في المناطق الواقعة تحت الاحتلال التركي من شمالي سوريا ضد قرار إعادة فتح معبر أبو الزندين بمدينة الباب، الواصل بين مناطق سيطرة النظام السوري والمناطق المحتلة، لتأتي بعدها بأيام تصريحات تركية عدّة من وزير الخارجية والرئيس التركي حول إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى سابق عهدها، في إشارةٍ إلى أنّ السياسات التركية تجاه السوريين الموالين لها قد تتغير بشكلٍ تدريجي.

إذ قُتل أكثر من عشرة أشخاص وجرح عشرات آخرين خلال إطلاق النار على المحتجين في مدينة عفرين وجرابلس، لا سيّما مدن عدة الراعي والباب وجرابلس وإعزاز وعفرين بريف حلب الشمال المحتل شهدت تظاهرات ضد التصريحات التركية الأخيرة وموجة العداء ضد اللاجئين السوريين في الداخل التركي.

تسارعت هذه الأحداث وسط حديث عن خطة تركية روسية لفتح الطرق التجارية وعقد لقاء تركي سوري في بغداد، يضع المشهد السوري العام والمناطق المحتلّة، لاسيما عفرين، قيد البحث والمفاوضات الصعبة، ولهذا توجهنا لأخذ بعض الآراء حول فتح المعبر وخطوات التطبيع التركي السوري وتأثير ذلك على مستقبل عفرين والمناطق المحتلّة من قبل تركيا.

رفض شعبي

من خلال متابعة الأحداث وردود الفعل الأولية من قبل بعض النشطاء على قرار مجلس الباب المحلي إعادة فتح معبر أبو الزندين، ثمة رفض شعبي لأي خطوة تجاه تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وتحشد بعض الشبان في المعبر لحث المجلس المحلي على إغلاقه، وذهب بعض الشبان لحرق شاحنات تركية دخلت بلدة الراعي.

في حديث خاص لعفرين بوست، يؤكد السياسي السوري “عبد القادر موحد” على أنه ليس لقوى المعارضة أي فائدة من فتح المعبر وخاصة أنه معبر تجاري فقط ولن يخدم حركة المواطنين، ويتابع “ربما بعض القوى المسيطرة ستتضرر لجهة انخفاض عوائد التهريب فالمصلحة الأساسية هي للجانب التركي من حيث تدفق البضائع التركية وتنشيط حركة التجارة باتجاه الأردن ومن ثم الخليج العربي”.

ثلاثة عوامل

ويربط “موحد” نجاح الاتفاق التركي الروسي القاضي بفتح المعابر والطرق التجارية بثلاثة عوامل.

أولها تصاعد الرفض الشعبي والمظاهرات الرافضة لهذه الخطوة، حيث أنّ الشارع بمزاجه العام يتخوف من أي تقارب تركي مع النظام السوري ويستشعر الخطر منه، وأنه سيكون على حساب السوريين ومصالحهم.

العامل الثاني موقف الفصائل المسلّحة في تلك المنطقة ودرجة تضرر مصالحها في حركة التهريب ونجاح محاولاتها في إعاقة عمل المعبر.

والعامل الثالث والأهم يتمثل في جدية النظام السوري واستعداده لتنفيذ الاتفاق، حيث أنّ فتح المعبر نتيجة اتفاق روسي تركي هو خدمة لنظام حزب العدالة والتنمية وليس من مصلحة واضحة للنظام في فتح هذا المعبر.

ويرى “موحد” أنّ بوادر فتح المعبر ظهرت من طرف النظام بإيقافه لأول قافلة تجارية تجريبية عبرت المعبر.

مفارقة مريبة

في حين الكاتب والمعارض السوري “علي أمين السويد” رأى أن المستفيد الوحيد من فتح معبر أبو الزندين هو النظام السوري الذي يعاني من عقوبات دولية. يوفر له متنفساً اقتصادياً بعيداً عن الرقابة الدولية، باعتبار أنّ المعبر داخل الأراضي السورية، وأن ما يدخل من بضائع ومساعدات إلى المناطق المحتلة، يدخل باسم المعارضة، والتي بدورها ستغذي النظام السوري ضمن مفارقة عجيبة فرضتها إرادة المحتل التركي.

المفارقة وفق “السويد” هي “أن العالم يسعى لمساعدة المعارضة لفرض الحلّ السياسي عبر الضغط على النظام، بينما المعارضة تنقذ النظام وتعينه على رفض الحلّ السياسي من خلال إفشال العقوبات الاقتصادية عليه”.

لكنّ “موحد” يرى أن تركيا أصلاً تتعثر اقتصادياً ولا تملك القوة لمساعدة غيرها، فهي أصلاً تبحث عن المساعدة، ومن ناحية أخرى لا تستطيع تركيا ولا تجرؤ على تحدي الولايات المتحدة اقتصادياً، فالاقتصاد التركي يعاني من ضعف وهشاشة، قد يتهاوى من أي عقوبات أميركية أخرى.

ويتابع “ليس لدى تركيا ولا غيرها مصلحة في تقوية النظام السوري، فوجود نظام حاكم ضعيف ومتهالك في دمشق مصلحة إقليمية ودولية لكل المتدخلين في الشأن السوري سواء حلفاء النظام أو خصومه”.

علاقات عضوية

ليس فتح المعبر وحده ما أثار حفيظة عامة الشعب، بل التصريحات التركية العلنية عن استعداد تركيا لإعادة العلاقات مع الأسد إلى ما كانت عليه، ورغبة اردوغان الشديدة بلقاء بشار الأسد، إضافة لتزايد موجة الكراهية ضد اللاجئين السوريين في الداخل التركي لدرجة وصلت بالقوميين الاتراك لحرق ممتلكات السوريين في ولاية “قيصري” كأعمال انتقامية.

وفقٍ لرأي “السويد” هذه التصريحات الجديدة ليست سوى الحلقة الأخيرة من مسلسل تآمر الاحتلال التركي مع النظام السوري ضد الشعب السوري بجميع مكوناته ويتابع “هي عبارة عن رفع اللثام عن حقيقة العلاقات بين الاحتلال التركي والنظام السوري التي لا يمكن وصفها الا بالعلاقة بين الحلفاء”. ويرجع السويد تاريخ العلاقات الجيدة بين أنقرة ودمشق إلى لحظة تسليم حلب للنظام السوري، واحتلال عفرين كعملية تبادل تتحقق فيها مصلحة كلا الطرفين، ومن ثم اتفاقات آستانا وسوتشي. أما بالنسبة للتصريحات الإعلامية المعادية لبعضهما البعض من كلا الطرفين، “إنما كانت لتسهيل عمل تركيا في التحكم بالشارع السوري وبالمسلحين الذين أصبحوا قوات رديفة لجيشها”.

ويؤكد السويد أن بأن الكشف عن “طبيعية” العلاقات بين الاحتلال التركي والنظام السوري بات مسألة وقت فقط وليس لها علاقة بنتائج الجوالات السابقة من التفاوض أو ما يدور من حديث على الإعلام.

المدنيون هم الضحية

على مدار أربعة أيام متواصلة يرفع بعض النشطاء شعارات تناهض التطبيع وفتح المعابر، ووصلت الاحتجاجات إلى أوجها أمس الإثنين 1 تموز/يوليو، وتحولت في بعض المناطق إلى اشتباكات مسلّحة بين الجيش التركي والشرطة المدنية من جهة ومسلّحين ومتظاهرين من جهة ثانية، وراح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح.

ويُشير “السويد” إلى أنه يجب أن يميز العالم بين المواطنين السوريين المدنيين، وبين الفصائل المرتزقة المرتهنة للاحتلال التركي المتمثلة بمسلحي ما يسمى “الجيش الوطني السوري” التابع لـ”الحكومة السورية المؤقتة” والمستفيدين منهم.

يتابع “الفصائل المسلّحة التي يقودها مرتزقة سوريون حصلوا على الجنسية التركية، تنفذ الأجندات التركية بكل تفاصيلها، حتى لو كانت ضد مصلحة السوريين والثورة السورية. أما المواطنين المدنيين بمن فيهم المهجّرين والنازحين وسكان المناطق يرفضون أي تعاون مع النظام السوري. إلا أنّهم لا يستطيعون منع تطبيع سلطات الأمر الواقع مع النظام السوري، أو التأثير على الإرادة التركية”.

قوة وظيفية

ويصف “عبد القادر موحد” المعارضة السورية في شكلها الرسمي وفصائلها المرتبطة بتركيا بـ”أحد أهم أدوات الحكومة التركية” لتعزيز وحماية مصالحها، ويستبعد “موحد” أن تتخلى تركيا عن أدواتها أو تسلم أحد أهم أوراق قوتها في مرحلة البدء بالحلّ السياسي.

في المحصلة يؤكد “موحد” أنّ المعارضة السورية (التركية) قوة وظيفية لم ينته دورها بالنسبة لتركيا إلى الآن، وكل ما في الأمر الآن بعض المحاولات الخجولة أو ردود الأفعال التي تقوم بها أطراف في المعارضة السورية للقول إنهم سوريون”.

مستقبل مجهول

وعن مستقبل المناطق المحتلة، لاسيّما عفرين، يُشير “السويد” إلى أنّ استمرار النظام الأسدي في الحكم سيكون السبب في ديمومة سيطرة تركيا على الشمال السوري بما فيها عفرين. فمن الواضح أن نظام الأسد باع الشمال السوري لتركيا وفق المعادلة متعددة الأهداف.

أولها وفق “السويد” تقوم تركيا بمساعدة النظام السوري على إعادة الوضع في سوريا إلى ما قبل 2011، بدأ ذلك من خلال تسليم تركيا مناطق خفض التصعيد الثلاث للنظام، وقد نجحت تركيا بذلك، ثانياً إجراء تغيرات ديمغرافية تخدم مصالحها ومصالح النظام، فهي الآن تقوم بتتريك حوالي 4 مليون مواطن سوري محتجزين بالقرب من الشريط الحدودي، وتتطلع للاستيلاء على باقي الشريط الحدودي بمن فيه، وبذلك يتخلص نظام الأسد من عدة ملايين من المواطنين المعارضين له.

ويؤكد “السويد” أن الوضع في سوريا لن يتغير إذا انتظر السوريون حلولاً من الدول المتداخلة في الأزمة، بل يجب أن ينتج السوريين حلولاً تفرز نظاماً لا مركزياً ديمقراطياً يستطيع استيعاب الشعب السوري بكل مكوناتها وأطيافه.

عفرين هي الضحية المزدوجة

في حين يرى “موحد” أنّ تركيا لن تستطيع ضم عفرين إلى أراضيها كما فعلت في لواء اسكندرون، نتيجة تغير الظرف الدولي، لكنه يفترض أن تستغل تركيا الأوضاع الراهنة لزيادة تأثير التغير الديمغرافي في المنطقة وإنقاص أعداد الكُرد قدر المستطاع في عفرين، وأن الهدف التركي الأساسي هو التوغل 30 كيلو متر في كامل الشريط الحدودي بحجج عدة، وذلك تطبيقاً للميثاق الملي العثماني. مستبعداً في الوقت ذاته قدرة النظام السوري على مساندة تركيا في قتال قوات سوريا الديمقراطية وسط الظروف الحالية وفقدان النظام السوري لقوة عسكرية قادرة على قتال “قسد”، إضافة للوجود الأمريكي في المنطقة، وأن أي جهد روسي تركي يعارض القرار الأممي 2254 لن يحظى بالنجاح دون الموافقة الأمريكية.

كمحصلة لمستجدات الوضع القائم في الشمال السوري المحتل، اتفق غالبية السوريين على أن تركيا استغلت الفصائل القائمة والشخصيات المعارضة لتمرير مشاريعها في المنطقة واستخدامهم كبيادق في حربها ضد الكُرد واحتلال عفرين، وفي اليوم التالي ستعود الأوضاع كما كانت بين دمشق وأنقرة، والخاسر الوحيد بلا شك سيكون الشعب السوري، فهل سيختار السوريون طريقهم الصحيح؟!

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons