ديسمبر 22. 2024

نوروز عفرين… بين المنع والاستغلال كيف تستفيد تركيا؟

عفرين بوست – خاص

يتسم التاريخ الكردي على مر العصور بصفات عدة، أبرزها المقاومة والصمود والذي يتجسد في عيد نوروز القومي الذي يحتفل به الكرد منذ 600 عام قبل الميلاد، وحاولت القوى والدول المغتصبة لكردستان القضاء على هذا العيد سواء في العصور القديمة أو الحديثة إلا أنها لم تتمكن من إخراج نوروز عن نمطها الطبيعي كدلالة للمقاومة والنضال ضد الظلم، لذا بدأت القوى والدول في التاريخ المعاصر نسب هذا العيد لهم ومحاولة استمالة جزء من الشعب الكردي نحوه عبر خطابات مزيفة تخدم أجنداتها المخفية.

اليوم في إقليم عفرين المحتل من قبل تركيا والميليشيات الإسلامية التابعة لها، وبعد ستة سنوات من القمع والانتهاكات والقتل ومنع الاحتفالات بنوروز، وجهت تركيا مشغليها على الأرض لتغير سياساتها حيال عيد النوروز واحتفالات الشعب الكردي المتبقي هناك بها، والغاية بحسب مراقبين وبعض الكرد في عفرين لا تخلوا من أهداف سياسية أولاً، ومحاولة لتلميع صورة تركيا واحتلالها للأراضي السورية والانتهاكات الموثقة هناك التي رصدتها منظمات دولية ثانياً.

في سوريا… كيف احتفل الكُرد بنوروز؟

يجابه الشعب الكردي منذ ألفي سنة ونيف كل المحن والمصاعب ويأبى التخلي عن الاحتفال بعيد النوروز (رأس السنة الكردية) في كل أصقاع الأرض حيث يتواجدون، ففي التاريخ الحديث جابه الشعب الكردي في سوريا والعراق وتركيا وإيران سياسات عنصرية وتعسفية تمنعهم من ممارسة طقوسهم القومية والمطالبة بحقوقهم القومية الطبيعية على جغرافية كردستان، ونال الكُرد في بعض المراحل بعض الحقوق واستطاعوا عبر النضال إثبات حقيقة عيد النوروز كيوم للمقاومة والصمود وتحدي السياسات القائمة على الصهر والمنع والعنصرية.

في سوريا ومنذ بدايات ثمانينات القرن الماضي بات الاحتفال بعيد النوروز علنياً بعدما كان ممنوعٍ بعد تولي حزب البعث حكم البلاد، وتمكن الشعب الكردي في سوريا من الاحتفال علناً بعد مواجهات دامية بين الكرد والأمن في دمشق وعلى إثر مقاومة شعبية أصدرت سلطات البعث آنذاك قراراً بجعل يوم الحادي والعشرون من أذار/مارس عطلة رسمية تحت مسمى عيد الأم لعدم الاعتراف بعيد النوروز كمناسبة وطنية وقومية للشعب الكردي.

ومنذ تلك الأحداث ويحتفل الكُرد وأصدقائهم كل عام بعيد النوروز، لكن رغم ذلك لم تخلوا أجواء أذار من منغصات وملاحقات أمنية للكُرد، سواء بتهمة إشعال النيران أو مشاركة البعض في تنظيم الاحتفالات، وفي عام 2004 شهد شهر أذار/مارس انتفاضة في قامشلو ضد النظام البعثي (انتفاضة 12 أذار) وفي ذاك العام استشهد العديد من الشبان الكرد على يد الأمن السوري، وفي عام 2008 أيضاً تكرر الأمر إذ فتح الأمن السوري النار على محتفلين بليلة النوروز في القامشلي، وخلف إطلاق النار ثلاثة شهداء وخمسة جرحى على الأقل، وفي الرقة من 2010 هاجمت الشرطة السورية على المحتفلين بنوروز وأسفر عن استشهاد 3 مدنين وجرح العشرات.

بعد عام 2011 ودخول سوريا حالة من الأزمة والحرب الأهلية والتدخلات الإقليمية، باتت المناطق الكردي في سوريا محررة من القبضة الأمنية للنظام السوري، ومارس الكُرد بكافة تياراتهم السياسة نشاطاهم السياسي والاجتماعي والثقافي وبات عيد النوروز طقساً رسمياً في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي أعلن عن تشكيلها في 2014.

تحرر إقليم عفرين من النظام السوري نهاية عام 2012، تمتع الكرد فيها بكافة حقوقهم القومية والثقافية ومارست الأحزاب السياسية سواء تلك المنتسبة للمجلس الوطني الكردي أو الإدارة الذاتية أو تلك الأحزاب المعتدلة كحزب الوحدة والوفاق والتقدمي، كافة نشاطاتها السياسية والاجتماعية في تلك المنطقة.

منتصف عام 2017 شهد إقليم عفرين تغيرات سياسية عدة نتيجة تزايد اللهجة العدائية للدولة التركية ضد تلك المنطقة الواقعة في أقصى الشمال الغربي من سوريا، وتحولت تلك التهديدات نتيجة اتفاق تركي روسي إلى واقع مع الغزو التركي لعفرين في 21 يناير 2018، وإحكام تركيا احتلالها الكامل لعفرين في 18 مارس من العام ذاته.

مع هذا التاريخ بدأ فصل جديد في عفرين، ومنعت كل الرموز الكردية سواء القومية أو الدينية المتمثلة بالديانة الإيزيدية، وعلى رأسها عيد نوروز القومي.

في ذاك العام مر عيد النوروز في أجواء القتل والخطف والسلب التي رافقت الاحتلال التركي لعفرين، ودمرت الفصائل الإسلامية المتشددة رمز نوروز في دوار نوروز على طريق راجو وتمثال كاوا الحداد الذي كان يستقبل زوار المدينة في مدخلها الشمالي الشرقي، مع تدمير تمثال كاوا دمر كل شيء كردي في عفرين.

فقدت عفرين رونقها

جهاد (اسم مستعار) شاب كردي في مقتبل العمر، يصف تلك السنوات بكلمتين فقط “الكردي ميت” وهنا يُركز الشاب الذي يعيش في عفرين حالياً إلى نوروز 2019 الذي منع فيه أي مظاهر للاحتفال أو إشعال النيران وذلك بموجب تعميم أصدرته المجالس المحلية التي يتحكم بها تلك الميليشيات المسيطرة على كل منطقة وقرية في عفرين.

في ذاك العام اعتقلت سلطات الاحتلال وعناصر الميلشيات العشرات من أبناء عفرين الذي أشعلوا النيران أو حاولوا رفع إحدى الرموز الكردية وذلك بموجب تعميم رسمي صدر عن سلطات الاحتلال في عفرين.

لم يختلف الحال في الأعوام الأخرى التالية كثيراً، بقيت عفرين منعزلة عن المحيط الكردي، فقدت كرديتها ومنع فيها كل شيء كردي بهدف إبادة هذه الثقافة والانتماء.

يلخص سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) السيد محي الدين شيخ آلي الوضع الراهن في منطقة عفرين الكردية السورية بعد مضي ستة أعوام على احتلالها من الجانب التركي وأعوانه وما نجم عنه بمعطيات عديدة، أبرزها إحداث تغيير ديموغرافي جراء التهجير القسري بحق أصحابها الكرد سكانها الأصليين، والذي طال هذا التغيير قرابة ثلثي النسمة منهم، رافقه استمرار الانتهاكات والجرائم بشتى أشكالها وأنواعها، مع مضاعفة الأتاوات.

ويضيف شيخ آلي “بالتوازي مع ظاهرة وبرامج  التتريك ونشر خطاب ديني متشدد، مع إكثار بناء المساجد وتنصيب أئمة جوامع ومرشدين يجهدون كثيراُ لنشر الفكر الجهادي السلفي، تلازماُ مع تكالب المجاميع المسلحة على مناطق النفوذ واقتتالها المتكرر، إلى جانب وجود هياكل إدارية وسلطة قضاء وشرطة وغطاء سياسي، وتشكيلات عسكرية- أمنية تركية تشكل اليد العليا على شتى الصعد، بما فيها الإشراف على نقل كنوز الآثار العائدة لمنطقة عفرين إلى الداخل التركي وعوائد مواسم الزيتون والمعابر، والتوسع في بناء قرى ومجمعات سكنية استيطانية  بتمويل قطري”.

خطاب كراهية

في نوروز العام الماضي 2023، أطلقت مجموعة مسلحة تتبع ميليشيا أحرار الشرقية النار مباشرة على عائلة بأكملها أشعلت نيران نوروز أمام باب منزلهم، وفقد على إثرها أربعة اشخاص من عائلة بيشمرك حياتهم وباتت أسمائهم محفورة في تاريخ نوروز وما يعانيه الشعب الكردي من ظلم.

هذا الفعل المقصود لم يختلف في طبيعته وفكره عما كان يقوم به النظام السوري بين فينة وأخرى وذكرنا احداث القتل العمد تلك، لكن الأخطر في عفرين وفق ما يقوله شيخ آلي “أن البيئة الموبوءة التي شكلتها  قوة الاحتلال التركي وأعوانها في عفرين ونواحيها وسط فوضى حمل السلاح والفلتان الأمني وخطاب ومنهجية التمييز والتنمّر حيال الكرد تبقى تشجع على ارتكاب الجرائم والتجاوزات بحق أبنائهم وبناتهم، خصوصاً وأن الجانب التركي المحتل ماضٍ في مسعاه لزرع الفتن بين مكونات الشعب السوري، وتصوير الحضور الكردي بأنه مصدر خطر على أمن وسلامة المجتمع”.

في ذاك العام خرج الكرد في انتفاضة حملت اسم “انتفاضة شهداء نوروز” واحتلت هذه الجريمة حيزاً من الرأي العام تجاه سلطات الاحتلال وتداولتها ووثقتها المنظمات الدولية، وما تبعه من محاكمات شكلية لمرتكبي الجريمة زاد من الإثباتات أن الوجود الكردي في عفرين في خطر ويواجه الكرد حرب إبادة بكل المقاييس.

الشهيد “أحمد” أيقونة جديدة

قبيل نوروز 2024 بأيامٍ معدودة تم طعن وذبح فتى يافع “أحمد خالد معمو مده” (16 عاماً) ورمي جثمانه في بئر بجوار مدينة جنديرس، وعلى مدار عام كامل بين نوروزين لم تتوقف يوماً الانتهاكات والجرائم على مستوى النواحي السبع ومئات القرى والمزارع التي تتبع منطقة عفرين، حيث جميع التحركات والتنقلات فيها خاضعة لمراقبة ورصد سلطات الاحتلال التركي بمختلف تشكيلاتها الأمنية.

قبل حادثة القتل الشب “أحمد” وما سبقه من إصدار تقارير دولية تحمل تركيا مسؤولية الانتهاكات وجرائم الحرب الحاصلة في عفرين للدولة التركية، بدأ بعض من المسؤولين الأتراك ومن ضمنهم والي ولاية هاتاي في زيارة عفرين، تبعه وفداً من الائتلاف بقيادة هادي البحرة وعبد الله كدوا عضو الائتلاف والمجلس الوطني الكردي.

هدفت هذه الزيارات لتغير شكلي لسياسات تركيا وسلطات الاحتلال في عفرين، إذ سمحت سلطات الاحتلال للأهالي بتنظيم الاحتفالات بعيد نوروز في عدة مناطق من عفرين، والغريب أنه رُفع علم الثورة السورية ورايات الميليشيات على جانب علم إقليم كردستان وصور الراحل مصطفى ملا برزاني في إشارة إلى أنه ثمة هدف سياسي ورسالة سياسية معينة تريد تركيا تمريرها عبر بعض الكرد في عفرين.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لم يستطع منع الشعب الكردي في تركيا من الاحتفال بنوروز على مدى عقود من حكمه لتركيا، انتهج خطاب أخر في محاولة الهيمنة التركية على عيد نوروز عبر القول “إن نوروز هو عيد تركي أيضاً وأجدادنا كانوا يحتفلون به أيضاً” لكنه لم ينجح في خداع الكرد هناك، فهل سينجح في عفرين؟!

حول ذلك طرحنا السؤال الهام على سكرتير حزب الوحدة، هل ما حدث في نوروز 2024 مؤشر على تغير سياسات تركيا تجاه عفرين والكرد؟!

يجيب شيخ آلي “ما حدث بين نوروز 2023- 2024 من انتهاكات وقتل واستمرار الفكر التكفيري الإسلامي، يقودنا إلى القول بأن لا تغيير في سياسة تركيا بقدر ما هو تدبير مناسباتي ولعبة لذر الرماد في العيون وتضليل العامّة في مسعى عبثي لتبييض وجه أعوانها والتغطية على نهجها المريب حيال وجود الكرد وقضيتهم العادلة، فكان قرارها الأخير الداعي إلى السماح لأهالي عفرين بالاحتفاء بعيد نوروز وايقاد شعلته، بمثابة محاولة عبثية بائسة للعب باتجاهات الرأي العام الذي تجلى في إحدى جوانبه من خلال ما تضمنته تقارير رسمية صدرت قبيل نوروز 2024 عن كل من منظمة مراقبة حقوق الإنسان واسعة الانتشار وكذلك لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة التي وضعت تركيا في دائرة الاتهام ومسؤولية ما يجري في عفرين من جرائم وانتهاكات، مما أثارت حفيظة واستياء الجانب التركي المحتل وارتباك أعوانه المحليين”.

ويؤكد شيخ آلي أن الخيار الأفضل بالنسبة لتركيا هي امتثالها لمبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وفق مبدأ حسن الجوار على قاعدة القوانين الدولية، لكن يبدو ذلك "أمراً متعثراً وصعب المنال في القريب العاجل، ما دامت تركيا مستمرة في تعنتها باحتلال عفرين وغيرها من الأراضي السورية".

ويختم “آلي” حديث بواجب الكرد والوطنيين السوريين تجاه عفرين وسوريا بالقول “إن أولوية موجبات الانتماء الوطني القومي الإنساني وكذلك القانوني والقيمي العام، تقتضي الرصد وتوثيق انتهاكات وجرائم الاحتلال التركي بصدقٍ وأمانة، وفضحها على أوسع نطاق بمختلف اللغات والسبل وذلك لحملها على سحب قواتها إلى حدودها الدولية والكف عن سياسة التوسع في أراضي الغير وضرب الكرد بذريعة حماية (أمنها القومي)”.

مما سبق كل الدلائل تُشير إلى أن تركيا تحاول التحايل على المجتمع الدولي والقوى الكردية التي تسير في فلكها، لمحاولة تبيض صورتها والترويج لسلطات أمر الواقع وفي هذا الإطار قام هادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني بزيارة إلى عائلة بيشمرك في ناحية جنديرس بريف عفرين في 23 من مارس 2024.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons