عفرين بوست ــ متابعة
نشر موقع سوريا على طول أمس 17/9/2023 تقريراً بعنوان “بعد التغير المناخي والزلزال: جفاف مياه نهر عفرين يحمل المزارعين خسائر طائلة” تناول فيه واقع المياه وحالة الجفاف التي تعاني منها منطقة عفرين وقراها.
ورغم أنّ التقرير ميدانيّ تضمن لقاءاتٍ مع متضررين من الجفافِ إلا أنّه بالمجمل كان كلمة حقّ أُريد بها باطل، إذ سلط الضوء على معاناةِ مستوطنين جاؤوا إلى عفرين بعد الاحتلال وكأنهم هم أصحاب الأملاك والحقول، وتجاهل أحوال أهالي عفرين الكرد الباقين فيها، الذين يزيد الاحتلال والميليشيات المسلحة والمستوطنين من وطأة معاناتهم، إذ هم يعانون كل ظروف المناخ وتغيراته والجفاف وبالنهاية تُسرق مواسمهم من الحقوق أو تفرض عليها الإتاوات الباهظة.
ذكر التقرير أنّه بعد زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023، عمد المزارعون إلى حفر جور أو إنشاء حواجز ترابيّة داخل جسم نهر عفرين بريف حلب الشمالي، لتجميع المياه التي تصلهم، ما فاقم أزمة المياه، التي انتهت بجفاف النهر.
خيبة المستوطنين بالزراعة
أجرى التقرير لقاءً مع المستوطن خالد العبود، الذي اشتكى من فداحة الخسارة وأنه على أبواب كارثة، واصفاً حالة المزارعين، الذين يعتمدون على مياه نهر عفرين، بعد جفافه كلياً في تموز/ يوليو 2023.
ويشير التقرير إلى أن العبود (49 سنة) ترك منزله وأرضه الزراعية في مدينة كفر زيتا بريف حماة الشمالي، عام 2019، بعد سيطرة النظام عليها، قاصداً بلدة دير بلوط التابعة لمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي، ويستثمر مع ثلاثة شركاء آخرين أرضاً، مساحتها 20 هكتاراً، في زراعة المحاصيل الصيفيّة ببلدة الملا خليل، جنوب غرب جنديرس، معتمداً في سقايتها على نهر عفرين.
ويقول التقرير منذ أربع سنوات يزرع العبود وشركاؤه أرضهم معتمدين في ريّها على مياه النهر، ولم يسبق لهم التفكير أو البحث عن مصادر مياه بديلة، حالهم حال جميع المزارعين في المنطقة، كما قال لـ”سوريا على طول”، لكن بعد نحو شهرين من جفاف النهر، قرروا حفر بئر ارتوازي، متأملين الاستفادة منه و”إنقاذ ما تبقى من مزروعاتنا قبل خسارة كامل الموسم، خاصة أننا حالياً في مرحلة الإثمار”. ولكن السؤال يتعلق بمساحة الأرض الكبيرة، ومعلومٌ أن حقول أهالي عفرين لا تصل هذا المقدار إلا نادراً.
انخفاض منسوب سد ميدانكي وتقنين الري
تناول التقرير موضوع سد ميدانكي وذكر أنه أنشئ عام 2004، كسد كهرومائيّ لتوليد نحو 25 ميغا واط من الكهرباء، وتوفير مياه الشرب لنحو 200 ألف نسمة، وري 30 ألف هكتار.
وأرجع انخفاض منسوب المياه إلى الاجراء الاحترازيّ وتفريغه كإجراءٍ احترازيّ بسبب تأثر السد بزلزال 6/28/2023، وتعرض الجسر فوق جسم سد ميدانكي لتشققات طوليّة، وأنّه بعد دراسة فنيّة، قدرت الفرق الهندسيّة المنتدبة من مجلس عفرين المحليّ سلامة جسم السد من العمق والبوابة، وعدم وجود أيّ تسريب منها أو من جسم السد.
وأشار إلى فتح السد في نيسان/ أبريل، بتنسيق بين إدارة السد وغرفة زراعة غصن الزيتون، لتوفير ري أول وثاني لمحصول القمح، وأغلقت المياه في موسم الحصاد مع بداية شهر حزيران/يونيو، ما أثر على انخفاض منسوب مياه السد كعامل إضافيّ”، ونقل التقرير عن الدكتور سليمان سليمان، مدير ما يسمى غرفة زراعة غصن الزيتون، التابعة للاحتلال: نظراً للانخفاض المستمر في منسوب المياه داخل حوض سد، والحاجة الملحة لتوفير مياه الري بشكل دائم، “عمدت غرفة الزراعة بالتعاون مع إدارة السد لاتباع خطة تقنين تمتد بين أواخر تموز/يوليو ومنتصف أيلول/سبتمبر، تعتمد على ضخ مياه الري أربعة أيام مقابل إغلاقها لأربعة أيام”، وفقاً لسليمان.
وتعتمد خطة التقنين على تقسيم مياه بحيرة ميدانكي إلى ثلاثة مستويات: الأول، استراتيجي لا يمكن إنقاصه للحفاظ على السلامة الإنشائيّة للسد حتى لو تم قطع مياه الشرب عن السكان، والمستوى الثاني لتوفير مياه الشرب التي تغذي قرى وبلدات ناحيتي عفرين واعزاز، أما المستوى الثالث فيستخدم للري، وبعد زلزال السادس من شباط/فبراير انخفض منسوب المياه الى ما دون المستوى المخصص للري وهدد منسوب مياه الشرب، بحسب سليمان.
ولم يذكر التقرير عمليات فتح بوابات السد لنقل المياه إلى سد الريحانيّة وسعته 32 مليون م3، فقد دشنت سلطات الاحتلال التركيّ في 14/1/2020 قناة مائيّة من سد ميدانكي إلى سدٍ أقامته في الريحانيّة بولاية هاتاي، تحت عنوان “حلم 50 سنة أصبح حقيقة. وفي 11/6/2021 دشنت سلطات الاحتلال سداً على نهر “سابون سوي” أحد روافد نهر عفرين على الأراضي التركيّة في ولاية كيليس التركيّة، وسعته 38 مليون م3.
وركز التقرير على الزلزال، وأنّ المزارعين بعده عمدوا إلى “حفر جور أو إنشاء حواجز ترابيّة داخل جسم النهر لتجميع المياه التي تصلهم خلال فترة الضخ لتأمين المياه لمزروعاتهم، وهو ما فاقم المشكلة”، بحسب سليمان، لافتاً إلى أن “غرفة زراعة غصن الزيتون غير قادرة على ردم هذه الحفر لكثرتها”.
اختصار مساحات الري
وتحت عنوان الحد من الخسارة، ذكر التقرير أنّ المدعو العبود وشركائه اضطروا إلى اختصار عمليات الري ووقفها عن 8 هكتارات من الأرض
اعتمد العبود في تأمين المياه على “تجريف حفر ضمن مجرى النهر، عبر حفارة تكلفتها 35 دولاراً في الساعة، بحيث يتم تجميع المياه الزائدة من الأراضي المجاورة بعد ريّها، أو الناجمة عن رطوبة الأرض”، بحسب قوله، معتبراً أن هذا الحل إسعافي، يمكن من خلاله تأمين المياه ساعتين صباحاً وساعتين مساء بشكل متفاوت.
في الوقت نفسه، بدأ المزارعون في المنطقة بحفر آبار ارتوازية عشوائية، من دون الحصول على تراخيص من المجالس المحلية في منطقة عفرين، المعروفة باسم “غصن الزيتون”، نسبة للعملية العسكرية التركية التي شنتها ضد وحدات حماية الشعب الكردية مطلع عام 2017، وانتهت في آذار/ مارس من نفس العام بسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة على المنطقة.
التقرير تضمن لقاء مع المدعو أحمد الجدوع، وهو أيضاً مستوطن ينحدر من مدينة كفر زيتا، وقد حفر قبل شهر تقريباً بئراً ارتوازيّة بعمق 400 متر، بكلفة 15 ألف دولار أمريكي، لكنه حصل على “مياه بغزارة ثلاثة إنشات”، ويقول: بهذه الغزارة لا يمكن ري الأرض كاملة، البالغة مساحتها خمسة هكتارات، مزروعة بالفول السودانيّ.
ذكر التقرير أنه خلال السنوات الماضية، تراوح سعر ضمان الهكتار الواحد في الأراضي الزراعيّة المجاورة لنهر عفرين بين 1500 و1900 دولار أمريكي سنوياً، وهو مرتفع مقارنة بمناطق أخرى، “باعتبار أنّ هذه الأراضي تتميز بإمكانية الري من النهر مباشرة، بتكاليف ريّ أقل من الأراضي التي تعتمد على الآبار الارتوازيّة”، بحسب العبود.
يقدر العبود خسارته مع شركائه حتى اليوم بنحو 25 ألف دولار أمريكي، 13 ألف دولار خسارة حقيقيّة، و12 ألف دولار هي تكلفة حفر البئر الارتوازية، وتمنى “إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم، واسترداد جزء من رأس المال المستثمر في الأرض البالغ 80 ألف دولار”.
تراجع في قطاع الأدوية والأسمدة
أشار التقرير إلى وجه آخر للخسائر، عدا بسبب جفاف النهر، عند المزارعين، وتطال العاملين في دعم الزراعة بما في ذلك الصيدليات الزراعيّة في المنطقة، بحسب المدعو عبد المعين النعسان، صاحب صيدلية زراعيّة في بلدة تل سلور لاذي ذكر أنّ “تموز/ يوليو، وآب/ أغسطس، وأيلول/ سبتمبر “من الأشهر الذروة بالنسبة للمزارعين والصيدليات الزراعية، كونها فترة إنتاج محاصيل الخيار والكوسا والبطيخ”، وفي آب/ أغسطس “تبدأ زراعة البطاطا”، ومع عدم توفر المياه “لن يكون هناك حركة على بيع الأسمدة والمبيدات الحشريّة والمستلزمات الزراعية الأخرى”. واشتكى النعسان من تدني المبيعات وتبلغ حالياً 30 دولار أمريكي، مقابل 100ــ140 دولار في الأشهر ذاتها من العام.
قدر الدكتور المدعو سليمان سليمان، مدير ما يسمى غرفة زراعة غصن الزيتون مساحة الأراضي المزروعة بمحاصيل مروية على ضفاف نهر عفرين، ابتداءً من جسم سد ميدانكي وحتى آخر نقطة من الحدود السورية-التركية بنحو 20 ألف هكتار، وأشار إلى أنّ المياه لا تصل بشكل كافٍ لستة آلاف هكتار منه. وأكد تضرر “حوالي 70% من مزارعي المحاصيل الصيفيّة، وهم يشكلون 30% من إجمالي عدد المزارعين العام في المنطقة.
التغير المناخي
أشار التقرير إلى عامل مهم يؤثر على الزراعة، هو التغير المناخي فمنذ منتصف حزيران/ يونيو الماضي، بدأت تجف مياه نهر عفرين، في المنطقة الممتدة بين بلدة تل سلور جنوب مدينة جنديرس وبلدة الملا خليل على الحدود التركية، وانقطعت كلياً في مطلع تموز/ يوليو الماضي، وأدى ذلك إلى “انخفاض منسوب المياه السطحيّة، التي كانت تتوفر على عمق 20 م تقريباً”، بحسب الفني الزراعيّ النعسان. وأصبح الحصول على مياه الري يتطلب “حفر آبار يتجاوز 400 م، وفقاً للنعسان.
تضاف أزمة المياه الأخيرة إلى أزمة مناخيّة أكبر تشهدها سوريا، بما في ذلك شمال غرب البلاد، التي يعاني من “انحسار الغطاء النباتيّ مثل الأحراش والغابات بفعل الحرائق والرعي والاحتطاب، ما أدّى إلى وجود نقاط تثقيل للتغير المناخيّ، ظهرت على شكل موجات حر قاسية متتالية”، وتتأثر المياه السطحيّة مباشرةً بتدني معدلات هطول الأمطار، الذي تشهد تراجعاً ملحوظاً في العقد الأخير، بحسب المهندس أنس الرحمون، الناشط في مجال المناخ والبيئة.
وقال سليمان أن معدلات الهطولات المطريّة في المنطقة انخفضت إلى 225 ملم، في الشتاء الماضي، بينما كانت في العام الذي قبله 400 مم.
ليست المرة الأولى التي ينخفض فيها منسوب مياه نهر عفرين ويجف قسم منه، ففي موسم 2007-2008، تعرضت منطقة عفرين، كسائر سوريا، لموجة جفاف بسبب انخفاض معدل تساقط الأمطار والثلوج، وازدياد معدل درجات الحرارة، بحسب سليمان.