عفرين بوست ــ متابعة
أصدرت لجنة التحقيق الدوليّة الخاصة بسوريا تقريرها الدوريّ بتاريخ 12/9/2023، وتشمل الفترة الزمنيّة من 1 يناير/كانون الثاني ولغاية 30 يونيو/حزيران 2023، والمقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الرابعة والخمسين من 11 سبتمبر/أيلول إلى 6 أكتوبر/تشرين الأول لعام 2023. وتضمن التقرير مجمل الانتهاكات في سوريا من قبل كل أطراف النزاع.
أورد التقرير صوراً إجماليّة عن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها مسلحو ميليشيات الجيش الوطني التابع للاحتلال التركيّ، في عفرين المحتلة، فيما لا يمكن الإحاطة بتفاصيل الانتهاكات بسبب سياسة القمع وعزل الإقليم الكرديّ عن العلم الخارجيّ. ورغم ممالأته لسلطات الاحتلال التركيّ واستخدام لغة التشكيك إلا أنّ اللجنة عجزت عن تجاوزِ حقيقة وقوع جرائم حرب بحق الكرد.
ورغم النقص الكبير في المعلومات، إلا أنّ ما أورده التقرير يمكنُ أن يشكّل أدلة دامغة للانتهاكات نظراً لتوثيقها من قبل جهة لجنة دوليّة معتمدة من الأمم المتحدة، وبالتالي الاستفادة منها أمام مختلف المحاكم. وفيما يتصل بالانتهاكات في عفرين والمناطق الخاضعة للاحتلال التركي جاء في التقرير:
المخاوف الأمنية
ذكر التقرير في الفقرة 74 أنّه رغم انخفاض الأعمال العدائيّة في الفترة المشمولة بالتقرير بفضل تعزيز أطراف النزاع لسلطتها وردت أنباء عن وقوع إصابات فيس صفوف المدنيين في شمال حلب، وتظل المخاوف الأمنيّة قائمة وسط تسابق وتلاحق الفصائل على المصالح الماديّة والإقليميّة، ورغم إحراز الجيش الوطنيّ السوريّ بعض التقدم في إعادة هيكلة الشرطة العسكرية لتحسين إدارة نقاط التفتيش والمعابر.
ما ورد في هذه الفقرة يؤكد أنّ كلّ الإجراءات الأمنية المتخذة كانت شكليّة لمجرد الدعاية والإيحاء بأنّ إجراءات أمنية قد اُتخذت لأنّ الأمور مرهونة بنتائجها، ولذلك بقيت المخاوف الأمنيّة قائمة، لأن السلطات الأمنية بحد ذاتها جزءٌ مهم من تلك المخاوف.
مجزرة جنديرس
أشار التقرير الى مجزرة جنديرس كواحدة من أبرز الأحداث في الفترة المشمولة بالتقرير، وجاء في الفقرة 75، وقال: في 20 آذار/ مارس أطلق أفراد محليون من فصيل “جيش الشرقيّة” التابع للجيش الوطني السوريّ النار على أربعة رجال أكراد خارج منزلهم في جنديرس بعفرين كما أصيب صبي يبلغ من العمر15 عاماً في الحادث بينما كان الرجال يحتفلون بعيد نوروز في منزلهم حول نيران تقليدية، وقال أفراد عائلة أحد المتوفين إن اثنين من أعضاء الفصيل اقتربا من أفراد المجموعة وصرخا فيهم ووصفوهم بـ”عبدة النار” قبل أن تندلع معركة بالأيدي وأن يشرع رمي الحجارة ثم أحضر عضوا الفصيل عضوين آخرين وبدأوا في إطلاق النار باستخدام بنادق وقد توفي ثلاثة رجال أكراد من نفس العائلة على الفور وأطلق النار أيضاً على جثثهم كما يقال، وأصيب رجل كرديّ رابع بجروح وتوفي في اليوم التالي، وقالت شاهدة إنها اتصلت باثنين من قادة الفصيل المحليين من أجل التدخل، وقد دعا أحدهما إلى وقف إطلاق النار، ولكن دون جدوى، وفي 26 آذار/ مارس أعلن وزير العدل في الحكومة السوريّة المؤقتة” اعتقال خمسة رجال بسبب عمليات القتل هذه.
الاحتجاز التعسفيّ والتعذيب
76 ــ ظلت اللجنة تتلقى تقارير عن الاحتجاز التعسفيّ وسوء المعاملة في المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش الوطنيّ السوريّ لا سيما على يد قوات شرطة الجيش الوطنيّ السوريّ فعلى سبيل المثال احتجزت الشرطة المدنية التابعة للجيش الوطني السوريّ في الباب في أيار/ مايو، رجلاً عربياً يمشي على عكازين مع ابنه الذي لم يبلغ بعد سن المراهقة لمدة أربعة أيام وقد كان الرجل معصب العينين مكبل اليدين وجالساً على الأرض أثناء استجوابه وقد تلقى لكمات في وجهه وصدره وضرب بالعصي والكابلات بما في ذلك على أخمص قدميه الحافيتين (الفلقة) وبينما واصل أفراد الشرطة معاملته بهذه الطريقة لمدة ساعة تقريباً طلبوا منه مراراً الاعتراف بارتكاب سرقة وتعرض الابن للضربِ أيضاً واعترف بما نسب له في نهاية المطاف.
كان لافتاً أن التقرير ذكر أنّ معظم ضحايا الاعتقال التعسفيّ هم من المواطنين الكرد، الذي يُعتقلون بمزاعم افتراضيّة حول العلاقة بوحدات حماية الشعب، وجاء في الفقرة 77:
“كان العديد من ضحايا الاعتقال التعسفيّ وسوء المعاملة والتعذيب من الأكراد، وكانت لهم فيما يزعم علاقة بوحدات حماية الشعب الكرديّة أو قوات سوريا الديمقراطية أو الحكومة، وقد تعرض رجل كرديّ أطلق سراحه مطلع عام 2023 بعد احتجازه لمدة ستة أشهر تقريباً بسبب محاولته الفرار عبر الحدود إلى تركيا للتعذيب أثناء استجوابه من قبل الشرطة المدنية في رأس العين.
أخبرت زوجة محتجز كرديّ آخر اعتقلته الشرطة المدنية في الراعي للاشتباه في ارتكابه سرقة وأفرج عنه مطلع 2023 أن زوجها تعرض للتعذيب بما في ذلك صعق أعضائه التناسليّة بالصدمات الكهربائية، وقالت إن التعذيب ترك زوجها مصدوماً جداً لدرجة عدم القدرة على الحديث عن تجربته”.
العنف الجنسي والاغتصاب
80 ــ وتحقق اللجنة حالياً في عدة ادعاءات بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي التي ارتكبها أفراد الجيش الوطنيّ السوريّ، وفي 5 مايو/ أيار اُغتصبت امرأة داخل إحدى السيارات واُبلغت اللجنة بأنّ الجناة الأربعة المزعومين في هذه القضية هو من بين تسعة أعضاء في الجيش الوطنيّ السوريّ يخضعون للتحقيق أو المحاكمة بتهمة العنف الجنسيّ، أدين اثنان آخران أحدهما غيابيّاً.
إشراف ضباط أتراك على التعذيب
81 ــ اكدت اللجنة استمرار وجدود عملاء أتراك خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بما في ذلك في مرافق الاحتجاز في رأس العين وتل أبيض وأخترين وحوار كليس، وفي بعض المرافق يبدو أن الضباط الأتراك كانوا في مواقع سلطة ولعبوا أدواراً إيجابيّة وسلبيّة على حد سواء. وأفاد أحد المحتجزين في رأس العين بأن الأوضاع تحسنت بشكلٍ سريع بعدما اشتكى محتجز آخر إلى ضابط تركيّ في المرافق نقص اللحوم في الوجبات، وصرح شخص كرديّ آخر محتجز هناك أنه تعرض في خريف 2022، للصفع والضرب على رأسه وجسده بعصا أثناء استجوابه من قبل مسؤول تركيّ (بمساعدة مترجم) وأجبر على الاستلقاء على الأرض بينما كان شخص يرتدي حذاءً عسكرياً يدوس على ساقه ووجه ورأسه.
وفي مركز شرطة أخترين أصيب أحد الرجال بكسر في أنفه في أيار/ مايو عندما وجّه له ضابط تركيّ (أشار إليه مسؤولو الجيش الوطنيّ السوريّ باسم “الرئيس)، ضربة بالراس خلال مشادة جسدية بينهما، تعرض خلالها رجل أيضاً للضرب على أيدي عشرات من مسؤولي الشرطة المدنية الآخرين التابعين للجيش الوطنيّ السوريّ، وأفيد بأن هذا الضابط أقيل من منصبه في وقت لاحقٍ، وأبلغت اللجنة بأن الشكوى معروضة على إدارة التفتيش التابعة لمديرية أمن إعزاز التابعة للجيش الوطنيّ السوريّ.
احتجاز مواطنة كرديّة مع أطفالها الأربعة
كما استجوب مسؤولون أتراك بمساعدة مترجم امرأة كرديّة مع أطفالها الأربعة الصغار في سجن حوار كليس لمدة أربعة أشهر مطلع عام 2023بعد ترحيلها من تركيا. وقالت إنها لم تتعرض للضرب أثناء احتجازها لكنها هُددت وأُهينت من قبل حراس الجيش الوطنيّ السوريّ، ولم ترضع ابنتها الباغة من العمر 20 شهراً ولم تغير حفاضاتها لمدة 20 يوماً تقريباً وصرح زوجها بأنّ رجلاً تركياً قام بمساعدة مترجم بالاتصال به مراراً من هاتفها وقال إن إطلاق سراح الأسرة يتوقف على مساعدتهم على تجنيد أحد أفراد عائلة الزوجة (المرتبط بقوات سوريا الديمقراطيّة) للعمل لصالحهم.
جريمة حرب
في الفقرة 82، خلص التقرير في تقييم الانتهاكات التي وقعت في عفرين وأكد على مسؤولية سلطات الاحتلال، وقال: لدى اللجنة أسباب معقولة للاعتقاد بأنّ أعضاء الجيش الوطنيّ السوريّ استمروا في سلب الأفراد حريتهم تعسفاً وربما ارتكبوا جريمة حرب متمثلة في التعذيب والمعاملة القاسية وقد يرقى قتل الرجال الأكراد في جنديرس إلى جريمة حربٍ تتمثل في القتل، وفي حين تلاحظ اللجنة أن تدابير المساءلة قد اتخذت فيما يبدو، بما في ذلك فيما يتعلق بعمليات القتل التي ومقعت في جنديرس والوفاة أثناء الاحتجاز في إعزاز (الفقرة 78)، والاغتصاب (الفقرة 80) لا توجد معلومات عن تعويض الضحايا. وتركيا تظل مقيّدة بالتزاماتها بموجب القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ، بما في ذلك منع التعذيب عند وجود مسؤولين تابعين لها.
إغفال التغيير الديمغرافيّ عيبٌ جسيم في التقرير
الحقوقيّ حسين نعسو قال في تعليق له على التقرير: “جاء التقرير في العموم مماثلاً لتقارير سابقة فيما يخص الأوضاع في المناطق التي تحتلها تركيا والميليشيات التابعة لها مما يسمى “الجيش الوطنيّ السوريّ، دون مستوى الرجاء، ولم يرتقِ إلى مستوى طموح المنظمات الحقوقيّة التي كانت على الدوام مصدراً رئيسيّاً لتزويد اللجنة بالمعلومات والوثائق عن الانتهاكات والجرائم التي ترتكب ضد المدنيين المسالمين من قبل فصائل الجيش الوطنيّ السوريّ وجيش الاحتلال التركيّ في المناطق الكرديّة المحتلة، وذلك من حيث ذكر الجرائم وتوصيفها القانونيّ، وتحديد الجهة المسؤولة عن ارتكابها، وتحميلها للمسؤولية القانونيّة وفقاً للقانون الدوليّ الإنسانيّ.
وأضاف: شاب تقرير اللجنة عيبٌ جسيمٌ يعتبر بمثابة خطأ مهنيّ جسيم، من شأنه أن يُفقد التقريرَ مصداقيته، وينزع صفة الحياديّة والمهنيّة عن اللجنة، حينما تجنبت الإشارة إلى جريمة التغيير الديمغرافيّ الممنهج التي تستهدف الوجود التاريخيّ للكرد في منطقة عفرين المحتلة، ولو على سبيل المثال، والتي ترتقي إلى مصاف جريمة حرب، وجرائم ضد الإنسانيّة، لما يرافقها من عمليات التهجير والنقل القسريّ للسكان الكرد الأصليين وفقاً للفقرة (د) من المادة (7) من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائيّة الدوليّة عام 1998، وما يلحق ذلك من تدمير واسع للممتلكات الخاصة والاستيلاء عليها بفعل عمليات بناء المستوطنات وتوطين المستوطنين في بيوت ومنازل الكرد وفقاً للفقرة ( 4) من المادة /8/ منه.
وشكك المحامي نعسو بمصداقية اللجنة وأنها أخذت موقف المحاباة لأنقرة فقال: نوّهت اللجنة على سبيل الإشارة إلى أن تركيا تظل مقيّدة بالتزاماتها بموجب القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ بما في ذلك منع التعذيب ( الفقرة 82) وذلك دون أن تمتلك الجرأة في التعبير والإفصاح صراحةً عن أن تلك الالتزامات ناجمة عن كون تركيا هي دولة احتلال، نظراً لسيطرتها الفعليّة على الأرض ومسكها بزمام الأمور في تلك المناطق والتي هي أحد اهم الشروط لاعتبار الدولة، دولة احتلال وفقاً لنص المادة ( 42) من اتفاقيتي لاهاي 1899ــ1907، والمسؤوليات الناجمة عن ذلك والمترتبة على دولة الاحتلال الالتزام بها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، حيث يستشف من ذلك نوع من المحاباة من قبل اللجنة تجاه تركيا الأمر الذي يفقدها المصداقيّة والاستقلاليّة، إضافة إلى المهنيّة.