عفرين بوست – متابعة
أصدرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الإثنين 3/4/2023 تقريراً حول تعزيز تنظيم “هيئة تحرير الشام” وجوده العسكريّ وقالت إنّ تحالف الهيئة مع ميليشيات “الحمزة” و” سليمان شاه” سهّل دخولها العسكريّ والأمنيّ ولاحقاً “الخدميّ” إلى منطقة عفرين وحافظت على وجود دائم فيها، وأكد التقرير أنّ “الهيئة” استغلت الفوضى والفلتان الأمنيّ لدخول عفرين، ومؤخراً كارثة الزلزال المدمر.
استغلال الفوضى والفلتان الأمني للتمدد
استعرض التقرير الدخول الأول لتنظيم “هيئة تحرير الشام” إلى عفرين على خلفية اغتيال الناشط الإعلامي “محمد عبد اللطيف عبد الرحيم/ أبو غنوم” وزوجته الحامل، في مدينة الباب في 7/10/2022، بعد تأكيد تورط مسلحين وقياديين من ميليشيا “الحمزة” في الاغتيال الذي أثار غضب سكان الباب ودفعهم منطقة لتوجيه دعوات لعصيانٍ مدنيّ.
بعد الكشف عن الخلية الأمنية التي نفذت الاغتيال، واعترافها بأنها ضمن صفوف ميليشيا “الحمزة”، بدأت ميليشيات من الفيلق الثالث (الجبهة الشامية وجيش الإسلام) في 12/10/2022، مهاجمة مقرات “الحمزة” في مدينة الباب وتوسعت الاشتباكات وامتدت لتشمل جرابلس وعفرين.
وبذلك، شهدت المنطقة تحالفات عسكريّة جديدة، واستثمرت هيئة تحرير الشام (المصنفة على قوائم الإرهاب العالميّة) الفوضى للتوسع ومحاولة السيطرة على كامل ريف حلب الشمالي، لكنها اضطرت للتوقف بعد السيطرة على أجزاء واسعة في منطقة عفرين، بسبب تدخل القوات التركية التي أمرت بوقت الاشتباكات وعودة الوضع إلى ما كان عليه.
رغم توقف المعارك آنذاك، لم تنسحب “هيئة تحرير الشام” بشكل كامل من منطقة عفرين، بل حافظت على وجود قوي لها تحت غطاء ميليشيات أخرى بتوغل عناصرها ومقاتليها ضمن أجهزة الشرطة العسكريّة والمدنية بالمنطقة.
يتركز وجود “تحرير الشام” حالياً في مناطق راجو وعفرين وجنديرس بشكل أساسيّ، وأظهرت كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا يوم 6 شباط/فبراير 2023، بوضوحٍ الوجود الخدميّ والعسكريّ لهيئة تحرير الشام في عفرين، وشكّل ذريعة أخرى للتنظيم للتمدد مجدداً في عفرين، واستغل هذه المرة الفوضى العارمة في عموم شمال غرب سوريا، وحاجة الناس للمساعدة، ونشر بنشر قوات جهاز الأمن العام في المناطق المتضررة وشارك بعمليات الإنقاذ والبحث عن ناجين.
استغلت “الهيئة” الفلتان الأمني في عموم منطقة عفرين، وبخاصة بعد مقتل أربع شبّان كرد سوريين على يد ميليشيا “جيش الشرقية”، وأرسلت مقاتلين جدد، وسيطرت على مواقع جديدة في عفرين وبخاصةٍ في جنديرس، ما دعا 155 منظمة سوريّة لمطالبة الأمم المتحدة باتخاذ تدابير فعّالة لإيقاف تمدد “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” المصنّفة على لوائح الإرهاب في عفرين وباقي مناطق الشمال السوري، إذ اتخذ التنظيم الجريمة ذريعةً للتوغلِ في جنديرس وريفها، وسيطر على مقرات لميليشيات “الجيش الوطنيّ” في المنطقة.
تحدثت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع 11 مصدراً عسكريّاً، عددٌ منهم في “الجيش الوطني” لتوضيح التحالفات والسياقات التي أفضت إلى سيطرة “تحرير الشام” على عفرين، إضافة لمصدرين محليين حول دورها بعد كارثة الزلزال، أحدهما عامل إغاثة. وجمع خبير التحليل الرقمي في “سوريون” صوراً من مصادر مفتوحة، توثّق وجود “الهيئة” في عفرين عسكريّاً وخدميّاً.
استراتيجية “هيئة تحرير الشام” في التمدد شمالاً
بمقابل مساعي “الجبهة الشامية” لحشد حلفاء إلى جانبها، سعت “هيئة تحرير الشام” بالوقت نفسه، لعقد اتفاقات مع ميليشيات أبرزها (الحمزة، سليمان شاه، السلطان مراد).
أكّدت المعلومات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” خلال المقابلات التي أجرتها، أنَّ سعيَ “الهيئة” للوصول إلى منطقة ريف حلب الشمالي والسيطرة عليها لم يكن أمراً جديداً، ولم يبدأ مع بدء الاشتباكات العسكرية بين الميليشيات نفسها منتصف عام 2022، بل بدأت المحاولات الفعليّة منذ مطلع 2022، فعقدت “هيئة تحرير الشام” لقاءات مع متزعمي ميليشيات “الجيش الوطني” وطرحت “مشروع توحيد الإدارة” بين إدلب وريف حلب الشمالي، لكن المحاولات فشلت بسبب رفض الفيلق الثالث (الجبهة الشامية وجيش الإسلام)، ووجود مشاريع مشابهة لديهما.
استمرت “الهيئة” باستقطاب ميليشيات “الجيش الوطني” إلى صفها، وعقدت لقاءات فرديّة مع متزعميها خلال الأشهر الأولى من عام 2022، أي بعد طرح فكرة الإدارة المشتركة، وتوصلت لاتفاقات غير معلنة سهّلت دخولها عسكريّاً إلى منطقة عفرين لاحقاً وبسط سيطرتها على مدن رئيسيّة فيها.
عمليّاً، بدأ الوجود الفعليّ لهيئة تحرير الشام في عفرين خلال شهر حزيران/يونيو 2022، عندما بدأت اشتباكات عنيفة بين ميليشيات “الجبهة الشامية” ويتزعمها “مهند الخلف/ “أبو أحمد نور” و”جيش الإسلام” ويتزعمها “عصام بويضاني” من جهة وميليشيات ”الفرقة 32 – حركة أحرار الشام/القاطع الشرقي” ويتزعمها “محمد رمي/ أبو حيدرة” من جهة أخرى، إثر “انشقاق” الفرقة 32 من صفوف “الجبهة الشاميّة”.
لاحقاً، انسحبت الأرتال العسكريّة الظاهرة التابعة لـ”تحرير الشام”، وأبقت على مجموعات محددة في عدة قرى في عفرين لمساندة “الفرقة 32″، وهي المرة الأولى التي يصل فيها التنظيم المصنّف على لوائح الإرهاب العالمي إلى عفرين ويتواجد في بعض النقاط بشكل دائم مع نهاية حزيران/يونيو 2022.
النتائج التي توصلتا له “سوريون” أكدت أنّ بعض ميليشيات “الجيش الوطنيّ” المدعوم من تركيا وهي: (الحمزة ويتزعمها “سيف أبو بكر” وسليمان شاه/العمشات، ويتزعمها “محمد الجاسم/ أبو عمشة”)، على اتصال مباشر مع “هيئة تحرير الشام” في إدلب خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2022، وسهّلت لها المرور والدخول إلى منطقة عفرين بعد اغتيال ” أبو غنوم”، ما أدّى بالنهاية للتوسع فيها والسيطرة على المعابر التجاريّة التي تربط إدلب بريف حلب الشماليّ، بحجّة حماية شركائها في “الجيش الوطنيّ” من هجوم “الفيلق الثالث” على خلفيّة الاشتباكات العارمة التي وقعت.
بعد هذا التوغل لم تنسحب “هيئة تحرير الشام” من عفرين كلّياً، رغم التدخل التركيّ المباشر لوقف الاشتباكات، ووضعت “الهيئة” عناصرها في مقرات الميليشيات المتحالفة معها، ونشرت قوات من جهاز الأمن العام كطرفٍ موازٍ لعمل الشرطة العسكريّة والمدنية التي كانت موجودة مسبقاً في عفرين.
مشروع إدارة موحدة
مصدر 1، متزعم عسكريّ بالفيلق الثالث قال”: “تمحور المشروع الذي قدمته “هيئة تحرير الشام” بقيادة “الجولانيّ” إلى “الجبهة الشامية” بقيادة “أبو أحمد نور”، على إنشاء إدارة موحّدة بين مناطق إدلب وريف حلب الشماليّ ومنطقة رأس العين وتل أبيض. وجرت سلسلة مفاوضات بين تحرير الشام والجبهة الشاميّة، لكنها باءت بالفشل. بسبب موقف مجلس الشورى بالجبهة الشاميّة الذي رأى أنّ “الجبهة” قادرة مع باقي ميليشيات “الجيش الوطنيّ” على إدارة منطقة ريف حلب الشماليّ بعيداً عن “هيئة تحرير الشام”.
وأضاف: “بعد محاولات الهيئة بدأت “الجبهة الشاميّة” بمحاولة استقطاب ميليشيات “الجيش الوطنيّ الأخرى إلى صفها بإنشائها “غرفة عزم”، لكن المشروع باء بالفشل أيضاً ولم تتجاوب ميليشيات “الجيش الوطنيّ” الأخرى بشكلٍ كافٍ. ولم يتحالف معها بشكل وثيق إلا “جيش الإسلام” العدو الأبرز لهيئة تحرير الشام”.
اتفاق القتال المشترك
مصدر 2، هو متزعم في ميليشيا “الحمزة”، تحدث عن الاتفاق بين الهيئة وبين ميليشيات (الحمزة وسليمان شاه) والذي تضمن “القتال المشترك”:
“في آذار/مارس 2022، تم توقيع اتفاقية أمنيّة غير معلنة بين هيئة تحرير الشام وميليشيات “الحمزة وسليمان شاه”، وتنص الاتفاقية على القتال المشترك والدفاع عن أطراف الاتفاقية بحال التعرض لأيّ تهديد أو هجوم، ويتضمن ذلك دعم غير محدود بالأسلحة والمقاتلين والذخيرة”.
حياد السلطان مراد بتوجيه تركيّ
اتفاق ثانٍ جرى بين الهيئة وميليشيا “السلطان مراد”، وتضمن حياد ميليشيا “مراد” في أيّ نزاع مستقبليّ بين الهيئة والميليشيات، وجاء الاتفاق بعد نحو شهر من الاتفاق الآنف الذكر.
مصدر 3، متزعم بالفيلق الثاني قال: “في شهر نيسان/أبريل 2022، اجتمع متزعم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وميليشيا السلطان مراد فهيم عيسى، ثاني أكبر قوة عسكريّة بعد الجبهة الشامية، في قرية رأس الحصن بريف إدلب. وتم الاتفاق على وقوف ميليشيا “السلطان مراد” ذات الغالية التركمانيّة على الحياد في أيّ نزاع عسكريّ بين تحرير الشام والجبهة الشاميّة، وعلى استمرار العلاقة الجيدة بين الفرقة مع الطرفين. وجاء موقف ميليشيا “مراد” بناءً على توجيهِ المخابرات التركيّة”.
الدخول إلى عفرين
بعد فترة وجيزة من عقد هذه الاتفاقات وقع الخلاف بين “الجبهة الشامية” و”أحرار الشام القطاع الشرقي” فاستغلت “الهيئة” الأمر لبدء وجودها العسكري بريف حلب الشمالي.
مصدر 4 متزعم في ميليشيا “جيش الإسلام قال: “بعد تحالف هيئة تحرير الشام مع ميليشيات (الحمزة وسليمان شاه)، بحثت الهيئة عن سببٍ لدخول ريف حلب الشمالي لمواجهة “الجبهة الشاميّة” عسكريّاً. فاستغلت مشكلة القطاع الشرقيّ-أحرار الشام، والذي انشق عن الجبهة الشاميّة. وتكفلت “هيئة تحرير الشام” بدفعِ رواتبه للقيامِ بهذه المناورةِ، وأرسلت بشكلٍ فرديّ عناصر أمنيّة وعسكريّة لتتواجد بصفوفِ “أحرار الشام”، وتكون أول قدم تضعها في الباب وعفرين دون إعلانِ ذلك، للتمكّن من التنسيق والتجهيز لدخولها المكثف”.
في محاولةٍ لوقفِ الاقتتال بين “الجبهة الشامية” و”القطاع الشرقيّ”، تدخلت “لجنة الإصلاح الوطني” (تتبع للجيش الوطني بشكل مباشر وتم تشكيلها في أيلول/سبتمبر 2021، لحل الخلافات) في محاولة لحلِّ الخلاف بين الطرفين في أيار/مايو 2022، لكن القطاع الشرقيّ أعلن انشقاقه عن الجبهة وانضمامه إلى “الفيلق الثاني” وبدأ بزيادة عدد عناصره لاسيما بعد وصول أفراد من “هيئة تحرير الشام” وانضمامهم إلى القطاع الشرقي وتشكيلهم خلية أمنيّة في الباب وعفرين.
مصدر 5، عضو لجنة الإصلاح الوطنيّ وضابط عمليات في الشرطة العسكريّة ومتزعم سابق ضمن القطاع الشرقيّ: “نجحت بالفعل مساعي هيئة تحرير الشام، وأعلن القطاع الشرقي- أحرار الشام انشقاقه عن “الجبهة الشاميّة” بتوجيه من الجولاني متزعم الهيئة. ولتردَّ “الجبهة الشامية” بمهاجمة مقرات القطاع الشرقيّ، وهذا كان مبتغى الجولاني حتى يتمكن من التدخل عسكرياً في ريف حلب الشمالي. وبالفعل بدأت المواجهة العسكرية وانتهت على عجل باتفاق لوقف الاقتتال وإعادة المقرات التي سيطرت عليها الجبهة الشامية إلى القطاع الشرقي”.
مصدر 6، ضابط عمليات في الشرطة العسكريّة في عفرين، قال: “تم رصد زيادة كبيرة بأعداد مقاتلي القطاع الشرقي-أحرار الشام. تتمثل هذه الزيادة بكتيبة عسكرية لهيئة تحرير الشام وخلية أمنية، مهمتهما جمع المعلومات والتخطيط عسكرياً لمواجهة شاملة مع الجبهة الشامية، وتأسيس قاعدة لوجستية قادرة على تغذية هذا الهجوم”.
مصدر 7، متزعم منشق عن القطاع الشرقي-أحرار الشام: “كانت الخلية الأمنيّة التابعة لهيئة تحرير الشام، والتي دخلت تحت جناح “حركة أحرار الشام”، قد بدأت عملها على جمع المعلومات الأمنية والعسكرية حول مقرات الميليشيات وأماكن تواجدها وأعداد مقاتليها ونوعية السلاح الذي تستخدمه. كذلك وضعت خططاً للتوغل المنظم في منطقة عفرين، بينما فشلت محاولتها في منطقة الباب بريف حلب الشمالي حيث كانت حركة أحرار الشام، التي تعمل الهيئة تحت غطائها، تحت مراقبة المكتب الأمني لجيش الإسلام، والذي سعى للحد من انتشارها وعرقلة جهودها”.
3. المواجهات العسكرية خلال تشرين الأول/أكتوبر 2022:
تجددت المواجهات العسكرية بين ميليشيات الفيلق الثالث (الجبهة الشامية وجيش الإسلام) والحمزة في مدينة الباب ليل 10 تشرين الأول/أكتوبر، بعد كشف تورط الأخيرة بعملية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف عبد الرحيم (أبوغنوم). ومع امتداد الاشتباكات بين الطرفين إلى منطقة عفرين، ظهرت التحالفات على العلن، لا سيما الاتفاق الموقع بين هيئة تحرير الشام وميليشيات (الحمزة وسليمان شاه). وأصبحت الخارطة العسكرية كالتالي:
ميليشيات الجيش الوطني المعارض عند بدء المعارك:
– الفيلق الثالث من الجيش الوطني (الجبهة الشامية، جيش الإسلام).
– ميليشيات من الجيش الوطني (الحمزة، سليمان شاه، حركة أحرار الشام الإسلامية)، وهيئة تحرير الشام.
أما باقي ميليشيات الجيش الوطني فقد وقفت على الحياد في المعارك وأثناء توسع هيئة تحرير الشام في المنطقة. أبرزها حركة التحرير والبناء (أحرار الشرقية، جيش الشرقية)، فيلق الشام، فرقة السلطان مراد، فرقة المعتصم. وأرسلت هيئة تحرير الشام تعزيزات عسكرية كبيرة إلى منطقة عفرين وتمكنت من طرد الفيلق الثالث من المنطقة وتثبيت وجودها هناك.
مصدر 8، متزعم في هيئة تحرير الشام: “مع انطلاق المواجهات العسكرية بين ميليشيات الفيلق الثالث والحمزة، سارعت تحرير الشام لتنسيق الهجوم الأكبر على الفيلق، ودفعت تعزيزات عسكرية كبيرة لا سيما لواء عمر ولواء طلحة، وهو اللواء الذي أرسلت منه الخلية الأمنيّة بشكلٍ مسبق. نجحت الهيئة سريعاً بفرض اتساعها في منطقة عفرين، وتوقفت عند قرية كفرجنة، حيث تحصنت قوات الفيلق الثالث هناك وحصلت اشتباكات عنيفة”.
استمرت المواجهات العنيفة حتى تاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر، وفشلت هيئة تحرير الشام وميليشيات (الحمزة وسليمان شاه)، من تجاوز خطوط الدفاع التي أعدها الفيلق الثالث في منطقة كفرجنة قرب مدينة إعزاز بعد انسحابه من منطقة عفرين، وبدأ الحديث عن تهدئة بين الأطراف المتنازعة بوساطة تركية.
مصدر 9، متزعم في الجيش الوطنيّ: “رغم التهدئة قامت تحرير الشام بتوزيع مجموعات عسكرية على مقرات تتبع لميليشيات الحمزة وسليمان شاه، وبقيت الأعلام مرفوعة، وذلك للتحضير لهجوم أوسع على مدينة إعزاز والسيطرة عليها، وأيضاً تخوفاً من شنّ الفيلق الثالث الهجوم لاستعادة ما خسره في منطقة عفرين. ووزعت “تحرير الشام” عناصر لها على حواجز الشرطة المدنية في عفرين، وبدأت تستقبل شكاوى السكان، وجلبت سيارات لإزالة النفايات من الشوارع وذلك بعد توقف عمل المجلس المحليّ في عفرين نتيجة المواجهات. وقامت مرة بتوزيع الخبز على المخيمات قبل عودة المجلس المحليّ للعمل ومزاولة نشاطه. وكان أهم نصر لتحرير الشام تمكنها من السيطرة على معبر الحمران المنفذ الأساسي لدخول المحروقات.
ويضيف: “استمر الهدوء لأيام قليلة قبل أن تعاود تحرير الشام والميليشيات المتحالفة معها الهجوم بشكل شرس على كفرجنة. لكن الهجوم فشل بسبب التحصن القوي للفيلق الثالث. وتدخلت حينها المخابرات التركيّة بشكل مباشر وأمرت بوقفِ الاشتباكات، ونشر الجيش التركيّ مدرعات في عفرين، وطلب من الطرفين سحب المظاهر العسكريّة والبدء بمفاوضات واسعة بحضور المخابرات التركيّة. وكانت مساعي الأتراك جدية لاسيما بعد تعرض المنطقة لقصفٍ روسيّ ونزوح مئات العائلات من المخيمات نحو الشريط الحدوديّ مع تركيا”.
تنسيق تركي مع هيئة تحرير الشام
مصدر 10، وهو متزعم عراقي في هيئة تحرير الشام، أكد وجود تنسيق وتفاهمات بين الجانب التركيّ “وهيئة تحرير الشام وقبول لوجودها بالمنطقة: “بعد الهدنة الثانية، طلبت تركيا من هيئة تحرير الشام عدم التدخل بأيّ مؤسسات تديرها تركيا شمال حلب وهي الشرطة المدنيّة والعسكريّة والمشافي والمدارس والمساجد والمجالس المحليّة. كما طلبت منها المحافظة على مكونات ثلاث ميليشيات في الجيش الوطنيّ (الحمزة والسلطان مراد وسليمان شاه). وأوضحت تركيا خلال الاجتماعات أنّها غير مهتمة لمساعي تحرير الشام بالسيطرة على شمالي حلب أو القضاء على باقي ميليشيات “الجيش الوطني”.
لعبت حادثة مقتل “أبو غنوم” والاقتتال الذي تلاها دوراً أساسيّاً وهاماً في بقاء تحرير الشام في منطقة عفرين وتعزيز وجودها في عدة مجالات وليس فقط العسكري، وعملت على تشكيل مكتب أمنيّ/جهاز أمنيّ يوازي في عمله عمل الشرطة المدنية، بحسب القيادي (المصدر السابق رقم 9) والذي أضاف:
“في الحقيقة تهدف هيئة تحرير الشام إلى السيطرة الكاملة والفعلية على ريف حلب الشمالي وتفكيك ميليشيات الجيش الوطني السوري، إما بضمهم إليها أو بإجبارهم على ترك السلاح واعتزال العمل العسكري. لتنتقل بعدها إلى المرحلة الثانية وهي إدارة المنطقة سياسياً وإدارياً وإنهاء دور الائتلاف السوري المعارض والحكومة المؤقتة. لكن عندما طلبت تركيا من هيئة تحرير الشام عدم التدخل في المؤسسات التي تديرها تركيا بشكل مباشر، عملت الهيئة على الالتفاف على ذلك المطلب من خلال تأسيس لعملٍ موازٍ في عفرين يؤدي عمل الحكومة المؤقتة، حيث قامت بتفعيل جهاز الأمن العام لعرقلة عمل الشرطة المدنية، وتقويض دور الحكومة المؤقتة في إدارة المنطقة”.
مصدر 11، شاهد عيان مدني في مدينة عفرين، أفاد بأنّ الجهاز التابع لهيئة تحرير الشام نفّذ عدة عمليات اعتقال بحق مسلحين سابقين في “جيش الإسلام” و”الجبهة الشامية”، وقال: “بالفعل بدأ جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام بالتحرك في مدينة عفرين، وشنّ عمليات مداهمة واعتقال طالت أشخاصاً كانوا يتبعون سابقاً لميليشيات “جيش الإسلام والجبهة الشامية،” وكان معهم مخبرون أثناء عمليات الاعتقال”.
أدلّة بصرية على وجود “هيئة تحرير الشام” في عفرين
لتأكيد الوجود العسكري لتحرير الشام في منطقة عفرين والتحقق القطعيّ منه جمع الخبير الرقميّ في “سوريون” مواداً بصريّة من مصادر مفتوحة مختلفة، تظهر قوافل الهيئة تدخل عفرين وينتشر أفرادها في مواقع مختلفة في المنطقة. وتظهر إحدى الصور “البراق” وهي مركبة مدرعة من تصنيع “هيئة تحرير الشام” أثناء وجودها في عفرين.
“تحرير الشام” تعزز وجودها في عفرين بعد الزلزال
أكّدت كارثة الزلزال التي ضربت جنوبي تركيا وشمالي سوريا، وأدت لمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، أنّ هيئة تحرير الشام ما تزال موجودة في منطقة عفرين من الناحية العسكرية وبرز الدور الخدميّ لحكومة الإنقاذ التي أسستها تحرير الشام فيما بعد الكارثة، ونشرت تحرير الشام قوات عسكريّة في ناحية جنديرس على وجه الخصوص، وعملت هيئاتها الخدميّة في رفع الأنقاض وانتشال الضحايا والجثث.
ولغرض التأكد من هذا الوجود، قابلت “سوريون” عدداً من المصادر بينهم عامل إغاثة أكّدوا جميعاً الدور الذي قامت به الهيئة في الاستجابة في الفترة التي تلت الزلزال.
مصدر 12، متزعم في تحرير الشام: “أرسلت تحرير الشام آليات ثقيلة ومحروقات ومعدات ومساعدات إلى منطقة جنديرس، بحكم الاتفاقية الأمنيّة الموقعة مع ميليشيا “سليمان شاه/ العمشات والحمزة، وكان الهدف من تلك المساعدات إظهار أنّ حكومة الإنقاذ حكومة ناجحة في إدارة الأزمات وتمّ تصوير عدة مقاطع مصوّرة في جنديرس من أجل ذلك، ولكن على الجانب الآخر كان هناك تقصير في عمل حكومة الإنقاذ بإدلب من حيث توفر الآليات والمحروقات، ما أدّى لتذمر عناصر الهيئة وبعض القيادات فيها رغم أنَّ حكومة الإنقاذ أعطت أولوية في إدلب لإنقاذ عناصر الهيئة وقيادتها من المتضررين من الزلزال”.
ويضيف القياديّ: “في جنديرس تلقت هيئة تحرير الشام حصة من المنظمات العاملة في المنطقة حالها كحال ميليشيات الجيش الوطنيّ، وتلقّت تحرير الشام ما نسبته 25% من المساعدات، كذلك أرسلت ميليشيا سليمان شاه طلباً لتحرير الشام لضبط الوضع الأمنيّ، وفعلاً نشرت تحرير الشام قوات وتمكنت من اعتقال بعض اللصوص ونُقلوا إلى إدلب لمحاكمتهم”.
مصدر 13، عامل الإغاثة “محمد”، متطوع في فرق الإنقاذ في جنديرس قال: “أثناء عمليات البحث والإنقاذ دخل أناس كثر إلى جنديرس بغرض السرقة والبحث عن الأموال والذهب بين أنقاض المنازل المدمرة أو التي تركوها سكانها، وهنا لاحظنا انتشار مجموعات أمنيّة وعسكريّة من هيئة تحرير الشام في المناطق المتضررة بالزلزال، وبدأوا بفرض الأمن بالقوة، وكل مجموعة تريد العمل بالإنقاذ كان يجب عليها مراجعة تحرير الشام، التي تتحقق منهم ومن يشكون بأمره يستبعدونه من المنطقة، كما قام عناصر من تحرير الشام بإطلاق النار على مجموعة من السارقين أدّى لإصابة أحدهم وجرى اعتقال باقي الأفراد”.