عفرين بوست ــ متابعة
أصدرت رابطة “تآزر” للضحايا الأحد 26/2/2023 تقريراً مفصلاً بعنوان “منطقة نبع السلام ليست آمنة كما روجت تركيا”، دحضت فيه المزاعم التي تروّجها سلطات الاحتلال التركيّ وأكدت أنّ فوضى السلاح وانعدام الأمان هما السمة الأبرز لواقع الحال في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
33 حالة اقتتال فصائليّ
وثقت رابطة “تآزر” للضحايا، نشوب 33 حالة اقتتال/اشتباك داخلي بين ميليشيات الاحتلال التركي، في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال عام 2022، أدّت إلى مقتل مدنيان وإصابة 20 آخرين، بينهم امرأتين وثلاثة أطفال، فضلاً عن مقتل 22 عنصراً وإصابة 83 آخرين على الأقل، من المسلحين.
وذكر التقرير أنّ منطقتي رأس العين وتل أبيض شهدتا، خمس حالات قتل/اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، قُتل خلالها 4 مسلحون، ومدنيان، بينهما صائغ مجوهرات قُتل بداعي السرقة، وثلاثة حوادث محاولة قتل/اغتيال، أصيب خلالهما 4 مسلحين إضافة لتوثيق حادثة إطلاق النار بشكل مباشر من قبل مجموعة مُسلحة تتبع لميليشيا “الحمزة” على تجمع للمدنيين، ما أدى لإصابة طفل بجروح.
بيّنت المعلومات التي جمعتها “تآزر” أن حالات الاقتتال بين ميليشيات “الجيش الوطني” تعود لأسباب عدّة، تتمحور أغلبها حول خلافات على السلطة والنفوذ، وإدارة تجارة المخدرات، وتهريب البشر بين سوريا وتركيا، وتندلع مواجهات أخرى نتيجة نزاعات فردية تتطور في بعض الحالات لتصبح مواجهات عسكرية واسعة، كما تسهم “العصبية القبائلية/العشائرية” في تطور بعض الخلافات بين مقاتلي الفصائل إلى مواجهات واسعة.
شهد شهر أبريل، الذي وافق شهر “رمضان”، أكبر عدد من حالات الاقتتال الداخلي بين ميليشيات “الجيش الوطني”، خلال عام 2022، إذ اندلعت خلاله 8 اشتباكات، تلاه شهر مارس الذي شهد 7 اشتباكات، فيما وقعت 4 اشتباكات خلال مايو أربعة اشتباكات، كان أحدها الاقتتال الداخلي الأعنف الذي شهدته مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا.
وكانت ميليشيا “الحمزة” الأكثر مشاركةً في الاشتباكات الداخلية في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال عام 2022، فكانت طرفاً في 24 اقتتال، يليها ميليشيا تجمع “أحرار الشرقية” الذي شارك في 10 اشتباكات، وميليشيا “الفرقة 20” وميليشيا “الشرطة العسكرية” بواقع 7 مشاركات لكل منهما، ونشبت ثمانية اشتباكات على الأقل بين مجموعات مسلحة ضمن الميليشيا ذاتها.
وقعت جميع حالات الاقتتال الداخلي بين الميليشيات في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، في مناطق مأهولة بالسكان، كالأسواق العامة والأحياء السكنية والقرى، وفي حالات أخرى على حواجز طرقية يمّر عبرها المدنيون في المنطقة، فضلاً عن توثيق حالات قتل واغتيال وإطلاق النار ضمن البلدات والقرى.
من وجهة نظر الضحايا، لا تقتصر آثار الاقتتال الداخلي وفوضى السلاح في مناطق النفوذ التركي، على وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وإلحاق الضرر بممتلكاتهم، بل تتعدى ذلك إلى دفع السكان بالتفكير في مغادرة المنطقة، حيث يزيد الوضع الأمني المتردي من حالة عدم الاستقرار، ويؤثر بشكل واضح في عملية التنمية الاقتصادية، ما يفاقم الوضع الاقتصادي السيئ وحالة الفقر الشديد التي يعاني منها غالبية السوريين داخل البلاد.
فوضى السلاح وانعدام الأمان:
برّرت الحكومة التركية عمليتها العسكريّة على شمال شرق سوريا، في أكتوبر 2019، بأنها ستنشئ “منطقة آمنة” لحماية أمنها القومي وإحلال السلام والأمان في المنطقة، لكن خلافاً لما روّجت له تركيا، فإنَّ فوضى السلاح وانعدام الأمان والاستقرار هما السمة الأبرز لواقع الحال في منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، رغم مضي أكثر من ثلاثة أعوام على احتلالهما.
وتعاني مناطق النفوذ التركيّ في شمال سوريا، بما في ذلك منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، فوضى في انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، دون وجود رقابة أو ترخيص؛ رغم أن ما تسمى وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، أصدرت تعميماً، بتاريخ 12 أبريل 2022، حول ضبط حمل السلاح في مناطق سيطرتها، وحصره في المعسكرات وخطوط المواجهة والنقاط الأمنية، إلا أنه لا يزال منتشراً وبكثرة، ودائماً ما يتحول أي شجار إلى الاستخدام الفوريّ للسلاح، سواءً عبر إطلاق النار في الهواء لنشر الهلع والخوف، أو مباشرةً لتحقيق إصابات.
كل ما سبق، بالإضافة إلى الانتهاكات اليوميّة التي ترتكبها ميليشيات “الجيش الوطنيّ” التي تدعمها “أنقرة”، مع غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب، يجعل المناطق الخاضعة للاحتلال التركي غير آمنة البتّة، ولا تتوافق مع معايير العودة الطوعيّة التي حددتها الأمم المتحدة.
مسؤوليّة تركيا القانونية كقوة احتلال
منذ أكتوبر 2019، تحتل تركيا المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي غزتها تحت مُسّمى عملية “نبع السلام”، وتحتفظ بوجود عسكري مستمر فيها، مع فرض القانون التركي وإدارة المدارس والوظائف العامة الأخرى.
تعتبر الأرض محتلة عندما تقع تحت سيطرة أو سلطة فعليّة للقوات المسلحة الأجنبية، سواءً جزئياً أو كليّاً، دون موافقة الحكومة المحليّة. يمكن اليوم أن تُمارَس السيطرة الفعليّة لسلطة الاحتلال دون وجود عسكري مستمر لها بالمنطقة، وينصبُّ التركيز على حجم السلطة التي تحتفظ بها القوات الأجنبية بدلاً من التركيز حصريّاً على كيفية ممارستها. وبمجرد أن تصبح الأرض تحت السيطرة الفعلية للقوات المسلحة الأجنبية، تنطبق قوانين الاحتلال.
تتعامل تركيا مع هذه المناطق التي تحتلها كجزء من بلادها، وعلى سبيل المثال، فإنّ مدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض المحتلتان، تتبعان خدمياً وإداريّاً إلى ولاية “أورفا” التركية، ويقدم “مركز الدعم والتنسيق السوريّ”، وهو قسم تابع لمكتب والي “أورفا”، خدمات عامة، بما فيها المياه، وجمع القمامة، والنظافة، وخدمات الرعاية الصحية، والمساعدات الإنسانية، وقام الوالي السابق لولاية “أورفا”، عبدالله أرين، وخلفه الحالي “صالح أيهان” بزيارات عدة للإشراف وتفقد المشاريع المنفذة في المنطقة المحتلة. وتنسق الإدارات الحكومية التركية هذه الخدمات، بدعم ومساعدة من القوات المسلحة التركية.
لا تزال القوات المسلحة التركية في هذه المناطق، وأنشأت لها قواعد عسكرية ونقاط تفتيش، كما تزود الحكومة التركية “الجيش الوطني السوري” وقوات الشرطة في المنطقة المحتلة بالتدريب والدعم اللوجستي، كما تنسّق معهم عن كثب على أعلى المستويات، بما في ذلك توجيه الأوامر التنفيذية للقادة رفيعي المستوى.
في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي، تتحمل تركيا مسؤولية ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال. وتظل تركيا مُلزَمة بالتزامات الواجبة التطبيق في مجال حقوق الإنسان تجاه جميع الأفراد الموجودين في تلك الأراضي. وإذا لم تتدخل القوات التركية لوقف تلك الانتهاكات عندما يتم إعلامها بها، فأنها قد تنتهك الالتزامات المذكورة أعلاه.
علاوةً على ذلك، فإن سلطة الاحتلال ملزمةٌ باحترام بنود معاهدات حقوق الإنسان التي وقعت عليها الدولة التي احتُلت أراضيها بشكلٍ جزئي أو كليّ. كما أن تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان خارج الحدود الإقليمية هو التزامٌ يقع على عاتق سلطة الاحتلال.
وبما أن سلطة الاحتلال “مُلزَمة، وفقاً للمادة 43 من لوائح لاهاي لعام 1907، باتخاذ جميع التدابير ضمن نطاق سلطتها لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامَّين في المنطقة المحتلة قدر الإمكان. فإنَّ تركيا ملزمة “بضمان احترام القواعد المعمول بها من القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسانيّ، لحماية سكان المناطق المحتلة من أعمال العنف، وعدم التساهل مع أعمال العنف المرتكبة من قبل أي طرفٍ ثالثٍ”. لذلك يجب على المحتل أيضاً أن يحترم التزاماته المستمدة من تعهداته تجاه أية اتفاقيات دوليّة أو إقليمية، إضافة لأيّة أحكام عرفية. وهذا ما أكدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي شددت على أنَّ الدولة الطرف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ملزمة بتطبيق الاتفاقية خارج أراضيها الوطنيّة، لصالح الرعايا الأجانب، طالما أنّها تمارس السيطرة والسلطة على فردٍ أجنبيٍ، وطالما أنها تمارس سيطرةً فعليةً على إقليمٍ آخر غير إقليمها الوطني.
خرق لبنود الاتفاق التركي – الأمريكي
إلى جانب عدم اعترافها باحتلال أجزاء من شمال شرق سوريا، وعدم التزاماها بواجباتها كسلطة احتلال في المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، تشير حالة فوضى السلاح وانعدام الأمان التي تشهدها تلك المناطق، إلى خرق تركيا لبنود اتفاقية “وقف إطلاق النار” في شمال شرق سوريا، التي تمَّ الإعلان عنها بين الحكومتين التركيّة والأمريكية، في 17/10/2019، ووصفها “البيت الأبيض” بـ “الاتفاقية التاريخية”.
وبحسب البند الرابع من البيان المشترك “الأمريكي-التركي”، الصادر في 13 بنداً، “يؤكد البلدان التزامهما بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينية والعرقية“.
كما جاء في البند السابع من الاتفاقية “أعرب الجانب التركي عن التزامه بضمان سلامة ورفاه السكان المقيمين في جميع المراكز السكانية في المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها القوات التركية، وأكد مجدداً انه سيتم بذل أقصى درجات الحذر من أجل عدم إلحاق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية“.
فشلت تركيا في تحمل مسؤولياتها، كسلطة احتلال، بالحفاظ على سلامة وأمن السكان المدنيين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فكثرة وتجدد حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”، مع تفشي ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، تؤكد أن المنطقة الممتدة بين رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، التي تطلق عليها تركيا تسمية “المنطقة الآمنة”، ليست آمنة البتّة، كما تتعرض فيها حياة المدنيين للخطر، خلافاً للبند السابع من الاتفاق الأمريكي-التركي.
كما أن عدم اتخاذ السلطات التركية المتحكمة بهذه المناطق فعليّاً، أي إجراءات حقيقية لضمان الأمن والسلامة، وغض الطرف عن حالات الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة التي أولتها إدارة المنطقة المحتلة، يخرق التزامها بدعم الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان، خلافاً للبند الرابع من الاتفاق مع “واشنطن”، فإلى جانب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وخسائرهم المادية، خلال تلك الاشتباكات، تلاها تعرض مدنيين للاعتقال من قبل الفصائل المتقاتلة، في أكثر من مناسبة، بتهمة التعامل مع الفصيل الخصم، فضلاً عن اجبار المدنيين على النزوح خوفاً على حياتهم، ونهب منازلهم وممتلكاتهم.
توصيات
فشلت تركيا في تحمل مسؤولياتها إزاء المناطق التي تحتلها في سوريا، إذ أنها لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لضمان حماية المدنيين، كما أنها غضت البصر عن حالات الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة التي أولتها إدارة المنطقة، ورغم أن السلطات التركية تتحكم بهذه المناطق فعلياً، فهي لم تتدخل لوقف تلك الحوادث، إلا في مرة واحدة تزامنت مع تواجد مسؤولين أتراك في المنطقة، ولم تحاسب عناصر الفصائل الذين تسببوا بمقتل مدنيين أو جرحهم، كما لم تفرض على أي فصيل تعويض الأضرار المادية التي تسبب بها خلال الاشتباك.
توصي رابطة “تآزر” للضحايا بالآتي
يجب على السلطات التركيّة باعتبارها “قوة احتلال” تحملَ مسؤوليّة ضمان النظام العام والسلامة العامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال، باتخاذ جميع التدابير ضمن نطاق سلطتها لاستعادة وضمان النظام والسلامة العامَّين بالمنطقة المحتلة قدر الإمكان.
يجب على الحكومة التركية الالتزام بالاتفاق الأمريكيّ – التركي، وبالأخص البندين الرابع والسابع منه، عبر التزامهما بدعم الحياة الإنسانيّة وحقوق الإنسان وحماية المجتمعات الدينيّة والعرقيّة، وضمان سلامة ورفاه السكان المقيمين في جميع المراكز السكانيّة الخاضعة لسيطرتها.
يجب على الحكومة التركية باعتبارها تقود فعلياً “الجيش الوطنيّ” بذل أقصى جهدها لصون حقوق الإنسان الأساسيّة في المناطق التي تحتلها، عبر الحفاظ على القانون ومحاسبة منتهكيه، وعدم تعريض السكان المدنيين للابتزاز والخطر الأمنيّ والعسكري.
يجب على الحكومة السورية المؤقتة/المُعارضة وقبلها الحكومة التركية كسلطة احتلال ضمان حق جميع الضحايا في المناطق المحتلة من الوصول إلى العدالة، عبر إيجاد آليات انتصاف فعالة وواضحة وسهلة الوصول تضمن التحقيق الفوريّ والنزيه ومحاسبة المنتهكين وفرض تدابير الجبر المناسبة للضحايا.
يجب على ميليشيات “الجيش الوطني”، وعملاً بموجبات القانون الدولي الإنسانيّ، ألا تقيم مقراتها ومواقع تواجدها العسكريّ داخل المدن أو قرب أماكن سكن وتجمع المدنيين. وتتحمل قياداتها المسؤولية القانونيّة عن هذا الأمر، كما تتحمل السلطات التركية بوصفها “قوة احتلال” مسؤوليّة ضمان الالتزام بهذه الواجبات.