عفرين بوست – خاص
عقب الزلزال المدمر الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا في السادس من فبراير الجاري، والدمار الهائل الذي لحق بمدينة جنديرس والقرى المحيطة بها، عمدت سلطات الاحتلال التركي إلى استغلال الظرف الطارئ لتعميق وتوسيع عملية التغيير الديموغرافي، وذلك بجلب المزيد من المستوطنين من إدلب وتركيا إلى المنطقة، وبدأت العمل على إنشاء المزيد من المخيمات بذريعة استيعاب المتضررين من الزلزال، الأمر الذي يبث الخوف في قلوب الناجين من أهالي الناحية وخشيتهم من خسارة أرضهم وديارهم.
وتنتشر المخيمات – حسب مقاطع مصورة حصلت عليها “عفرين بوست” من مصادرها الخاصة- على جانبي الطريق الواصلة بين مدينتي عفرين وجنديرس وعلى مسافة أكثر من عشر كيلو مترات، علاوة على تلك المخيمات التي أقيمت في ساحات مدينة عفرين والاوتوستراد الغربي فيها وكذلك ضمن جنديرس، والتي تحوي المستوطنين فقط.
ويرفض السكان الأصليون الكرد على العيش في المخيمات مفضّلين نصب خيمة جانب ديارهم المتهدمة على الانتقال لتلك المخيمات، معللين ذلك بأنهم لم يسلموا من شرور هؤلاء المستوطنين عندما كانوا داخل الجدران الإسمنتية وخلف الأبواب الحديدية المغلقة كما يقول أحد سكان مدينة جنديرس لـ “عفرين بوست”.
إلى جانب ذلك تعمل ميليشيات الاحتلال التركي المعروفة باسم “الجيش الوطني” بخطى حثيثة وبذريعة “أهداف إنسانية” على الاستيلاء على المزيد من الأراضي الزراعية بقوة السلاح وإنشاء مخيمات عليها والتي تعدّ بمثابة فتح باب جديد للكسب المالي عبر جلب المساعدات والإغاثات إليها وسرقتها.
الاستيلاء على الأرض بقوة السلاح
في 14 فبراير الجاري، اعتدت مجموعة من ميليشيا فيلق الشام” الإخوانية والمنضوية في صفوف “الجيش الوطني” بالضرب على عائلة المواطن الكردي “أحمد معمو” (أحمدي خجي) رجالاً نساءً بينهم المسن “عبد الرحمن” 70 عاماً، بسبب رفضهم التنازل عن أرضهم الزراعية المحاذية لتل جنديرس الأثري لإقامة مخيم لمتضرري الزلزال عليها.
وأفاد شاهدٌ كان متواجداً أثناء عملية الاعتداء لـ “عفرين بوست” أن مسلحي الميليشيا هددوا أصحاب الأرض الزراعية بالقتل في حال التقدم بشكاوى لدى سلطات الاحتلال التركي، مشيراً إلى أن الاعتداء على العائلة الكردية وتصويب المسدس إلى رأس والدة المواطن “أحمد” تمت بحضور أعضاء من منظمة “الأمين السعودية” التي ستتكفل بدعم المخيم، وكذلك على مرأى العشرات من أهالي الحارة التحتانية في مدينة جنديرس المنكوبة.
وأكد الشاهد أن الميليشيا قامت بعد ذلك بتسوير الأرض البالغة مساحتها 22 دونماً، ونصبت عشرات الخيام فيها، موضحاً أن محاولة الاستيلاء على تلك الأرضي مستمرة منذ أربع سنوات، إلا أن أعضاءً في المجلس المحلي لناحية جنديرس، استغلوا الزلزال وقاموا بالتنسيق مع ميليشيا “فيلق الشام” بالاستيلاء على تلك الأرض، بينهم “شمس الدين حوطو وعبدو موسى تلتلو ويزن ناصر”.
مخيمات وهمية ومفبركة
في السياق يعمد مسلحون في ميليشيات “الجيش الوطني” إلى إقامة مخيمات “طيّارة” مؤقتة، لخداع الجمعيات والمنظمات الإغاثية بهدف استقدام الدعم لها، وأفاد مصدر خاص في قرية جلمة شرقي مدينة جنديرس المنكوبة أن أحد مسلحي الجيش الوطني عرض على أحد أهالي قريته السماح بنصب نحو 30 خيمة في أرضه بشكل مؤقت وتصوير المخيم بهدف جلب دعم مالي وإغاثي والتعهد بإزالته، لقاء دفع مكافئة مجزية للمواطن الكردي قائلاً له” اطلب المبلغ الذي تريده وسأدفعه لك” إلا أن المواطن الكردي رفض العرض فوراً خشية أن تكون ذلك خدعة كالمخيم المفبرك ويخسر أرضه جراءه إلى الأبد.
وأكد الناشط أحمد البرهو تكاثر المخيمات المصطنعة في كل مكان بمدينة عفرين قائلاً إن “غالبيتها شيدت خصيصاً لسرقة المساعدات والبعض انتقل من مخيمات قرب عفرين لقلب المدينة حيث يأتون إليها نهاراً ويرجعون لمخيماتهم السابقة ليلاً من أجل اصطياد المساعدات ومن ثم ليلاً يحملونها نحو مسكنهم الأول”.
نشاط قطري استيطاني
أعلن مجلس شيخ الحديد المحلي التابع للاحتلال التركي، الأحد 19 فبراير الجاري، عن افتتاح مخيم كبير قرب قرية هيكجة التابعة لناحية جنديرس لاستيعاب متضرري الزلزال من مستوطني مدينة جنديرس المنكوبة.
وأوضح أحمد بكر رئيس المجلس في مقطع مصور أن المخيم يضم 437 خيمة مشيراً إلى أعمال التوسعة على المخيم جارية للوصول إلى رقم الألف خيمة، وذلك بتمويل قطري.
ويتم تشييد المخيم في أراضٍ حراجية خالية بعد القضاء على الغابات الصنوبرية التي كانت تكسو المنطقة على يد ميليشيات الاحتلال التركي.
وأعلنت مؤسسة قطر الخيرية، 12 فبراير الجاري، عن بدء تنفيذ ما سمته مشروع “مدينة الكرامة” لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال شمالي سوريا.
يذكر أنّ العديد من المؤسسات والجمعيات ذات الخلفية الإخوانية موجودة منذ بداية احتلال عفرين، وساهمت بفعالية في مشاريع بناء البؤر الاستيطانية التي رسخت التغيير الديمغرافيّ في الإقليم الكرديّ، وبذلك فالمخاوف جدية من أن تقوم سلطات الاحتلال التركي باستغلال كارثة الزلزال لإنشاء مستوطنة كبيرة على أنقاض مدينة جنديرس المنكوبة.
وفي سياق متصل بالمساعي القطرية، قال مدير الإغاثة والتنمية الدولية بالهلال الأحمر القطريّ إنَّ الضرر الكبير في الطرق شمالي سوريا وحالة المناخ يعقدان جهود الإغاثة. وأضاف: سنجهّز قريباً مخيماً للمنكوبين شمالي سوريا.