ديسمبر 23. 2024

فصائل مسلحة سورية تمارس إبادة بيئية في عفرين

تكلم صديق لي عن معاناة أشجار مزارع عائلته في منطقة عفرين، غالبية سكانها من الكُرد، كما يتكلم عن معاناة أحد أفراد عائلته. بدا وكأنه مستسلماً لما آلت اليه منطقته بعد مرور أربعة أعوام على احتلالها من قبل الجيش التُركي ومن ثم تسليمها الى فصائل من المعارضة السورية.

“لقد أخذوا بساتين الزيتون وهجّروا أهلي، حتى المنزل الذي ولدنا وكبرنا فيه، لم يعد لنا”. لقد سُجن شقيقه الأكبر مرتين، واُجبر بعد إطلاق سراحه في المرة الثانية على الرحيل واستقرّ في مدينة بكُردستان العراق، لأن خيار البقاء، كما تحدث لي، كان يعني إخفاء شقيقه في السجون السرّية دون ان يوثق أحد ما تعرّض له. جرى الحديث بيني وبين صديقي قبل أسابيع من تجريد تلة من التلال المحيطة ببحيرة “ميدانكي” في عفرين من الغابات الحرجية من قبل كتيبة مسلحة ضمن كتائب المعارضة السورية التابعة لتُركيا.

تحدث صديقي عن قتل أشجار الزيتون واجتثاثها في صمت مطلق – ويعرف من لديه الاطلاع على أهل هذه المنطقة السورية وثقافتهم الفطرية، ماهية علاقتهم بالأشجار المثمرة والغابات الطبيعية- انما الصور والفيديوهات المنشورة مؤخراً، تشير الى أن ما يحدث يتخطى حدود الزيتون ويشمل جميع أنواع النبات.

للوهلة الأولى نشر مقطع فيديو على منصات الإعلام الاجتماعي عن قيام مسلحين بقطع الأشجار في محيط سد ميدانكي بآلات قطع الأشجار عالية الجودة والسرعة، والى جانبهم شاحنات لحملها. ووثقت صور لمصور يعمل في المنقطة، اسمه عارف وتد، ما تتعرض له المنطقة من التحطيب الجائر. وكتب المصور على صفحته في الفيسبوك، ” تبدو حزينة هذه الطبيعة بعد ان عبثت بها يد (الانسان) لا سامح الله قاطع الاشجار بقصد التخريب والسرقة بأي رقعة كانت في العالم”.

وكتب إعلامي آخر اسمه أحمد البرهو يعمل لصالح شبكة الثورة السورية على صفحته في الفيسبوك، “جريمة بحق الغابات و الأحراش ما بعدها جريمة هي تُشبه تماما القتل و الخطف و التعذيب ..!!كيف لمساحات واسعة من الأحراش تحوي عشرات الآلاف من أشجار الصنوبر أن تختفي …؟؟ قبل أربعة أعوام مررت من طريق حلوبي صغير/علكة تجاه كفر روم وصولا ما بعد قرية قورت قلاق تجاه قرية مشعلة كان على جانبي الطريق غطاء نباتي و أشجار تُبهرْ العيون من جمالها و لونها الأخضر واليوم كما تشاهدون بالصور تلال جرداء تحولت لصحاري بيضاء و ما زالت بعض جذوع الأشجار شاهدة و لم يكتفوا بذلك بل أحضروا البواكر لإقتلاع حتى جذوع الأشجار ليزيلوا أي شاهد على وجود أي حرش أو أشجار بهذه المنطقة..!!شيئ يحزّ القلب والله ..!!من سيُحاسب هؤلاء ..؟؟”.

لقد نشرت تلك الصور والفيديوهات قبل يوم واحد من توجه وزير العمران وتغير المناخ التُركي مراد كوروم في الأول من هذا الشهر (1/9/2022) الى العاصمة الباكستانية إسلام أباد للتضامن مع الشعب الباكستاني وسبل مساعدته أمام هول الفيضانات العارمة التي تعرض هذا البلد الآسيوي جراء رياح موسمية قوية وهطول أمطار غزيرة لأكثر من شهرين متتالين. ووعد الوزير التُركي لوزيرة تغير المناخ الباكستانية شيري رحمن بإقامة صلاة جمعة خاصة لباكستان في 90000 مسجد في تركيا، فيما كانت مجموعات مسلحة تابعة لها في الأراضي السورية تبيد غابات طبيعية عن بكرة أبيها.

لإعطاء صورة جلية عن علاقة تركيا بهذه المنطقة، وفيها، ممارسات المجموعات المسلحة تحت إشرافها المباشر، قد تفيدنا عودة سريعة للأيام التي احتلت فيها تُركيا عفرين والوعود الكاذبة بتوفير حياة آمنة لسكانها، إنما الحياة الموعودة كانت ملغومة بعذابات ذاق شقيق صديقي جزء كبير منها أيام الاخفاء القسري. حين احتل الجيش التُركي مقاطعة عفرين التابعة لمحافظة حلب في ربيع عام 2018، بعد ضوء الأخضر الروسي بطبيعة الحال، قطع الرئيس التُركي أردوغان وعداً على نفسه على شاشات التلفزة بحماية المنطقة وتوفير حياة آمنة لسكانها. وقد ظهر الى جانبه المغني التُركي الشهير إبراهيم تاتليسس ليمجد سياسات الرئيس ويبارك “فتح عفرين”. وبموازاة تلك الاحتفالات التي لبسها أردوغان ثوباً دينياً، شارك عدد كبير من أئمة المساجد التركية لتحشيد الرأي العالم.

نحن اليوم أمام واقع آخر لا يخلو من تلك الوعود فحسب، بل تشكل جرائم بيئية ملامحه الرئيسية. ففي شهر أغسطس الماضي فقط تمت إزالة ما يقرب 1300 شجرة زيتون ورمان من قبل المجموعات المسلحة المسيطرة على المنطقة. وتعود بساتين الزيتون المجتثة/المقطوعة الى عائلات هُجّرت او تم حرمانها من أملاكها الزراعية الخاصة في العلن. ففي ناحية بلبل مثلاً، استولى زعيم فصيلة عسكرية على 40 ألف شجرة زيتون، وتعد هذه الناحية من المناطق والوحدات الإدارية الأكثر تضرراً حيث تم تهجير غالبية سكانها. وفي قرية عُمَران التابعة لناحية راجو، وجد أحد المزارعين نفسه أمام مشهد تراجيدي حين رأى اقتلاع أشجار زيتونه البالغ عددها 30 شجرة. وقد تحول صباحه إلى بكاء في الصمت، لأنه لم يستطع قول شيء، أمام الإبادة الجماعية في بستانه.

في الثاني من شهر أغسطس، تم رصد قطع 70 شجرة زيتون تعود ملكيتها لأحد السكان المحليين اسمه، عزيز محمد أبو جوان في قرية جوقيه من قبل مسلحين يتبعون لكتيبة من الكتائب المسلحة. وتم تهديده في حال تقدم “أبو جوان” بأي بشكوى ضدهم. وفي نفس الفترة الزمنية هجّرت مجموعة مسلحة أخرى أحد السكان في قرية قرتقلات، اسمه حنان عبدالرحمن، الى حلب بعد الاستيلاء على أشجار زيتون مملوكة له والبالغ عددها 80 شجرة. وبحسب السكان الذين استطعت الاتصال بهم والحديث معهم، تتم إزالة وقطع الأشجار ومن ثم تحطيبها وبيعها في الأسواق في إدلب. خاصة نحن مقبلون على فصل الشتاء ويشهد سوق الحطب حركة بيع كبيرة.

كان الاستيلاء على بساتين الزيتون والأشجار المثمرة الأخرى وتهجير أصحابها يتم في الصمت ولم تلفت أنظار الاعلام الإقليمي والدولي، بخاصة في ظل مخاطر كثيرة تواجه وصول الصحفيين الى مناطق سيطرة المعارضة السورية. قال لي ناشط مهتم بتوثيق الانتهاكات التي تُمارس بحق السكان وأملاكهم والاعتداءات المستمرة على الحرجيات في عفرين، “تثبت صور  وفيديوهات اجتثاث الغابات الحرجية المحيطة ببحيرة ميدانكي إبادة بيئية في إحدى المناطق السورية الغنية بالغطاء النباتي الطبيعي، إنما لا يعد هذا المشهد شيئاً أمام هول ما تشهده ناحية جندريس ومحيطها، فهي من أغنى مناطق عفرين بالغطاء النباتي وتم القضاء عليها تقريباً، ولا أحد يعلم ولا هناك صورة تثبت الجرائم”.

ويشير متحدثي الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب ما يحيطه من المخاوف، الى أن الفصائل المسلحة وعلى رغم وضع حواجز عسكرية ومنع وصول المواطنين الى بحيرة ميدانكي ومحيطها، لم تستطع إخفاء انتهاكاتها وتجريد المنطقة من الغطاء النباتي، ولكن لا أحد يستطيع الوصول الى غابات جندريس. ان الفظائع بحق النظم البيئية بحسب قوله تحصل هناك في صمت تام. “لاحظت وجود قوة عسكرية بالقرب من البحيرة وضعت حواجز تمنع الاقتراب منها، ولم أعرف لماذا، ولكني أدركت أسباب تلك الحواجز بعدما رأيت صور إزالة الأشجار على الفيسبوك” قالي لي. وأكد متحدثي على أن الذين يقطعون الأشجار يتوزعون بين عناصر الفصائل العسكرية وبين النازحين الذين جاءوا من مناطق سورية مختلفة، ولا يتم أي شيء كما يقول دون علم تلك المجموعات المسلحة.

وصف لي أحد الهاربين من المنطقة وصل إلى مدينة حلب قبل أيام عما يجري بيئياً بالكارثة جراء ممارسات لم يشهدها هذا الجيب الغني بالتنوع الأحيائي في تاريخه الحديث. وأشار (م. ب) الى ان الفصائل المسلحة توزع الأراضي والقرى فيما بينها ويشرف كل فصيل على عشر قرى تقريباً. تتنوع ممارسات هذه الفصائل بين التحطيب الجائر من أجل إدامة عمل المفاحم أو بيع الحطب في الأسواق من أجل التدفئة والرعي الجائر والاستيلاء على بساتين الزيتون. ويؤكد على خطورة الأمر بالنسبة لأشجار الصنوبر، تحديداً أشجار السنديان الرومي المعمرة والمهددة بالانقراض، ذلك ان أعدادها قليلة جداً ويعود عمرها الى أكثر من ثلاثمئة سنة وتحتاج الى ثلاثمئة سنة أخرى كي تنبت. ولكن المشكلة تكمن في ان هذه الشجرة سوف لن تنبت مرة أخرى بعد قطعها حسب قوله.

وبحسب شهادته التي قدمها لي عبر الهاتف، تم القضاء على نصف الغابات الحرجية البالغ مساحتها 40 ألف هكتار في عفرين، أما أشجار الزيتون فتعرضت هي الأخرى الى أضرار كبيرة حيث تمت إزالة وقطع أكثر من 600000 ألف منها خلال أربع سنوات. ويضاف الى عميات القطع والتحطيب، الرعي الجائر بين بساتين الزيتون، ويشير مصدري الى وجود أكثر من 10000 آلاف رأس من الغنم والماشية في المنطقة، الأمر الذي لم تشهده المنطقة من قبل.

وفي السياق ذاته، أشار موقع عفرين بوست الى تقسيم حقل زيتون كائن في حي المحمودية عند مدخل مدينة عفرين إلى محاضر عقارية، وبيع كل محضر بمبلغ تتراوح بين 4 – 6 آلاف دولار أمريكي. ويعود الحقل الزراعي بحسب الموقع الى عائلة عربية تعرف بـ “برخانه” من أهالي قرية بابليت- ناحية جنديرس. وبلغ عدد أشجار الزيتون في الحقل 400 شجرة قبل الاستيلاء عليها وتحطيبها ومن ثم فرز المكان إلى محاضر عقارية. وبذلك حلت أربعة منازل كبيرة وحديثة محل أشجار زيتون معمرة وحديثة الولادة أيضاً.

المصدر: خالد سليمان – موقع أخبار الآن

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons