ديسمبر 23. 2024

إقالة أم استقالة… تبديل متزعم ميليشيا “الجبهة الشامية”

عفرين بوست ــ خاص

أعلن مجلس الشورى العام في ميليشيا “الجبهة الشاميّة” (الفيلق الثالث) الثلاثاء الماضي 2 أغسطس، عن استقالة متزعم الفيلق المدعو “مهند الخليف/ أبو أحمد نور”، وتعيين المدعو “حسام ياسين/ أبو ياسين” بدلاً عنه. ولكن الاستقالة لم تكن مفاجئة، بل كانت جملة من الأحداث مقدمة لها.

كل ما يتم تداوله عن استقالة بمحض الإرادة، يخالف الواقع، فكلّ متزعمي الميليشيات متمسكون بمناصبهم للحد الأقصى، وفرضيّة أن الإقالة بسبب حجم الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيا، أيضاً غير صحيحة، لأنّ الانتهاكات تحصل بعلم السلطات لتركية وبتوجيهاتها.

الأمر الأكثر ترجيحاً أنّ أنقرة بدأت خطة متدرجة لاستهداف الميليشيات الإخوانيّة من العرب السنة، وأهمها “الجبهة الشاميّة”، والمدعو “أبو أحمد نور” أدرك أّنه بصدد الإقالة، فسجل موقفاً عبر تغريدة في 28/7/2022 كانت رداً على تصريح وزير الخارجية التركيّة في 27/7/2022، بعدما كشف الوزير التركيّ عن إمكانية التعاون مع حكومة دمشق ودعمها، وأشار المدعو “أبو أحمد نور” في تغريدته إلى أن حرب النظام السوري لا يكون بدعم أو بالتنسيق أو حتى بالهاون مع مشغلها وصانعها، وقال “حاربوا نظام الأسد تنتهوا من مشكلة الانفصالية والإرهابية والظلامية”. وتعكس هذه التغريدة الاختلافَ الكامل بالرؤية وخيبة الأمل.

أحداث سابقة

أولى المسائل التي تلفت الانتباه تتعلق بأسلوب ميليشيا “الجبهة الشامية” بإدارة ملفاتها وعلاقتها مع الميليشيات وكذلك علاقتها مع أنقرة الداعم والحاضن لكل ميليشيات “الجيش الوطني” وهي ثاني أكبر مكوناته، وهي خلافاً للميليشيات التركمانية لم ترسل عناصرها للقتال كمرتزقة للقتال في ليبيا وأذربيجان.

أما مقدمات الاستقالة، فكانت عبر الأحداث التي بدأت في مدينة الباب في 18/6/2022 والاشتباكات العنيفة التي خاضتها ميليشيا “الشامية” مع ميليشيا “أحرار الشام القطاع الشرقي/ الفرقة 32” والتي كانت قد انضمّت إلى ميليشيا “الشاميّة” وانشقّت عنها.

وإذ ليس واضحاً الأسباب التي حرضت ميليشيا “أحرار الشام” للانشقاق ليكون ذلك طعماً تُستدرج عبره “الشامية” للصراع المسلح وتتلقى عقوبة من السلطات التركيّة. ولكن من المؤكد أن سلطات الاحتلال التركيّة أفسحت المجال أمام مسلحي “هيئة تحرير الشام” لدخول عفرين والسيطرة على العديد من القرى في ناحية جنديرس وشيراوا، دون أي مواجهات من قبل “فيلق الشام” وكل الميليشيات ذات الأغلبية التركمانيّة، لينحصر الصراع بين التيار السلفي القادم من إدلب والإخواني ممثلاً بميليشيا “الشامية”.

تقدم “هيئة تحرير الشام” السريع في عفرين عزز الاعتقادَ أن الميليشيات التابعة لأنقرة في عفرين وبخاصة التركمانية تلقت تعليمات واضحة بالحياد وعدم التدخل. وبذلك كانت “تحرير الشام” عصا التأديب في وجه “الشامية”.

وعلى خلفية تغير موقف السلطات التركية، أصدر والي صوران ومارع، وهو نائب والي كيليس قراراً بمنع دخول متزعمين من الميليشيات من الدخول إلى تركيا عبر معبر السلامة لأسباب أمنيّة، وضمت لائحة الممنوعين 150 اسماً من “الجبهة الشامية” لوحدها. كما تم تداول خبر أنّ السلطات الأمنيّة التركيّة بصدد إصدار قرار يقضي بحجز ومصادرة جميع أملاك وأموال متزعمي “الشامية” داخل الأراضي التركيّة والمقربين منهم.

ورداً على القرار التركي أصدر المكتب الامنيّ التابع لميليشيا “الشاميّة” قراراً بالرد بالمثل في معبر السلامة في الجانب السوري بمنع دخول التجار وموظفي المنظمات والهلال الأحمر والعاملين في مؤسسة “آفاد” الأتراك إلى الداخل السوري، وأغلقت المعبر.

علماً أنّ المدعو “أبو أحمد نور” لديه استثمارات كبيرة في تركيا وفي دولٍ أخرى. وفي بداية عام 2021 أعلنت شركة آغا أوغلو للإنشاءات عن فشلها بإتمام مشروع بناء ثلاثة أبراج سكنيّة في منطقة باشكاك شهير، وأعلنت عن مزاد مفتوح للمستثمرين لشراء المشروع واُفتتح مزادٌ بقيمة ماليّة تبدأ من 7 مليون دولار أمريكيّ وفاز به المدعو “عبد الله عثمان” من قياديي “الشامية”.

بعد الاشتباكاتِ أُعيدت الأوضاع إلى سابق عهدها، ليكون ذلك دليلاً إضافياً أنّ الأحداث في أصلها مفتعلة، ولم تسفر عن متغير ميدانيّ، ولكنها شكلت تهديداً مباشراً لميليشيا “الشاميّة”.

قبل الاشتباكات لعبت “الشامية” بعش الدبابير عبر التحريض ضد المدعو “محمد جاسم/ أبو عمشة” متزعم ميليشيا “سليمان شاه” المقرب من الاستخبارات التركيّة، وهذه مسألة لا يمكن إغفالها أبداً، فدعمت ميليشيا “الجبهة الشامية” بقوة عمل لجنة التحقيق وسعت لإنهاء وجود “المدعو “أبو عمشة”، واستغلت الحجم الكبير للانتهاكات المرتكبة من قبله مع أشقائه والمقربين منه، وتشكلت لجنة تحقيق من الشيوخ من قِبل “غرفة القيادة المشتركة/ عزم”، وانتهت إلى إدانته، وأصدرت في 21/2/2022، قراراً بنفي “أبو عمشة” واثنين من أشقائه، وأصدرت غرفة “عزم” في 1/3/2022 قراراً بتعيين المدعو العميد “عبد المنعم نعسان” قائداً عسكرياً في شيه/الشيخ حديد.

لكن الاستخبارات التركيّة مارست ضغطاً كبيراً لطي ملف “أبو عمشة” مع كل الانتهاكات المرتكبة وهددت بقطع رواتب مسلحي “الشاميّة”، والتضييق على مصادر دخلها، بما في ذلك سيطرتها على المعبر الحدوديّ، وبذلك أُغلق الملف. ليعود “أبو عمشة” في 14/3/2022 إلى ناحية شيه/ الشيخ حديد، وسط إجراءات أمنيّة مشددة، وظهر في اجتماعات وعدة مواقف، وكانت زيارة رجل الاستخبارات التركي “ضياء يوسف أرباجيك” رسالة واضحة بدعم المدعو “أبو عمشة” وأنه لا سبيل لإزاحته ومساءلته.

“الخليف” السلف و”ياسين” الخلف

خروج أو “إخراج” “أبو أحمد نور” من المشهد كان مطروحاً مع بداية يناير الماضي، ودارت نقاشات في مجلس شورى الفيلق حول التمديد للخليف عقب انتهاء مدة زعامته، أو إجراء انتخابات جديدة لاختيار متزعم جديد، وطُرحت بعض الأسماء البديلة لخلافته، ولا تعرف أسباب التمديد له. وبذلك استغرق الاستبدال أكثر من 7 أشهر.

المدعو “مهند الخليف” الملقب “أبو أحمد نور”، من مواليد حلب، محسوبٌ على التيار الإسلاميّ الصوفيّ ومقرب من الإخوان المسلمين، ويلقب بـ “الشيخ”، ومن المتداول أنه درس الشريعة، وظهر في مواقف يعتلي المنبر في المسجد ويلقي خطبة الجمعة. ويرتبط بعلاقات جيدة بأعضاء المجلس الإسلاميّ، ومقرب من الشيخ “أسامة الرفاعي” أحد أقطاب الإخوان المسلمين والذي سُمّي “مفتياً عاماً، في 20/11/2021، وشارك “الرفاعي” في الحملة ضد “أبو عمشة”.

وقال الخليف في تغريدة مباركاً لياسين بمنصبه: “أسأل الله التوفيق لأخي الحبيب أبو ياسين في مهمته بقيادة الفيلق الثالث وأسأل الله أن نكون جنوداً أوفياء لثورتنا العظيمة وأن نكون على قدر الأمانة التي حمّلنا إياها شعبنا وأهلنا”.

يتكون “الفيلق الثالث” حالياً من ميليشيات (الجبهة الشامية ولواء السلام والفرقة 51 وفيلق المجد). وتأسست “الجبهة الشامية” في 25/12/2014، وتزعمها حينها المدعو “عبد العزيز سلامة”.

حسام ياسين من منطقة جبل سمعان الغربية بريف حلب الغربي مواليد 1975، وتزعم ميليشيا “لواء الأنصار” وتورط مع عدد من القياديين حينها في قضية خطف ناشطتين إيطاليتين بريف حلب الغربي في أبريل 2014، وتسليمهما إلى “جبهة النصرة”، لقاء مبلغ 5 ملايين دولار. وتحولت ميليشيا “لواء الأنصار” إلى “جيش المجاهدين”.

وانضم “ياسين” إلى الجبهة الشامية لدى اندماج “ثوار الشام” و”الجبهة الشاميّة” في 27/1/2016، وتزعمها المدعو “محمد علي حركوش/ أبو عمرو” وتم تعيينه نائباً لمتزعم “الجبهة” في 15/2/2016. وفي 19/4/2016، أصدرت الجبهة بيانين يقضيان بقبول استقالة حركوش من منصبه كقائد عام وتعيين “ياسين” متزعماً للجبهة.

في 26/7/2020 عيّن “ياسين” مسؤولاً عاماً عن ميليشيات “الفيلق الثالث” في منطقة تل أبيض وريفها شمال الرقة، بعدما شهدت المنطقة اشتباكات بين الميليشيات بعد احتلال المدينة.

“ياسين” كغيره من متزعمي الميليشيات متهمٌ من قبل أوساط المسلحين نفسها بأعمال التهريب والفساد، وكان محسوباً على المدعو “عبد العزيز سلامة” وقاما بالسيطرة الكاملة على موارد الشمال بعد إقصاء أصحاب الكفاءات وأبناء الريف الغربي وعين أقاربه وجماعته في مناصب مختلفة بمساعدة المدعو “أبو علي سجو”.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons