في إطار حملات الترهيب والمضايقات بحق من تبقى من السكان الكُرد في إقليم عفرين الكُردي التابع للإدارة الذاتية سابقا، تستهدف قوات الاحتلال التركي والميليشيات الإسلامية التابعة له، تهجير الكرد وقطع سبل عيشهم، وحرمانهم من ارزاقهم وسرقة ممتلكاتهم!
وكان لافتاً منذ بدء الغزو التركي استهدافه للبنى التحتية في عفرين، عبر استهداف مجموعة كبيرة من المرافق التابعة لمؤسسة المياه في عفرين، وحتى قصف مناطق في جسم سد ميدانكي كثيراً من المرات.
اختطاف الموظفين الكُرد..
ومؤخراً، بدء الاحتلال التركي بالتركيز بشكل أكبر على موظفي هذا المؤسسة، حيث يجري بشكل متواصل، اختطاف موظفين كرد ضمن المؤسسة، والتي كان آخرها يوم أمس الاثنين\الثامن عشر من فبراير، عندما اعتقلت قوات الاحتلال خمسة موظفين من شركة مياه عفرين واقتادتهم إلى مركز أمني في مركز بلدة راجو.
وأوضح مراسل “عفرين بوست” أن حملة الاختطاف طالت كل من (أحمد أوسو وشيار خليل وأسمهان جاسم ودارين قاسم وعلياء ملا رشيد) الذين يعملون في محطات المياه وأقسام الورشات والجباية، دون وجود أية تهمة، ليليها اختطاف متجدد للسيدة “ليلى قبلان” التي جرى اختطافها سابقاً والافراج عنها.
130 موظف..
مصدر خاص كشف لـ “عفرين بوست” السبب الحقيقي الذي يدفع بالاحتلال التركي لشن حملات الاعتقال بشكل متواصل بحق موظفي هذه المؤسسة التي تتبع اساساً للنظام السوري، واستمرت في أداء مهامها خلال عهد الإدارة الذاتية، كونها تودي مهمة إنسانية تتعلق بحياة المواطنين وتيسير شؤونهم، بغض النظر عن السلطة الحاكمة.
وقال المصدر: “تعتبر مؤسسة المياه في عفرين، المؤسسة شبه الوحيدة التي كان جميع موظفيها من الكُرد في عهد النظام السوري، وهذا الامر سبب للاحتلال التركي مشكلة في التعاطي معهم”.
وأضاف المصدر: “يعمل ضمن مؤسسة المياه حوالي 130 موظف، لدى بعضهم عشرون عام من الخدمة ضمنها، وجميع هؤلاء كُرد، وهو أمر ربما كان نادراً في عهد النظام السوري، الذي كان يسعى على الدوام لتعيين موظفين غرباء عن المنطقة فيها”.
وأردف المصدر: “المضايقات الحالية هدفها الأساس دفع الموظفين الكُرد لترك أعمالهم، فكلما ترك موظف كُردي وظيفته وهجر بسبب المضايقات من عفرين، كان أحد المستوطنين حاضراً ليشغل مكانه!”.
“أخونة الوظائف”..
وتشير المعلومات التي حصلت عليها “عفرين بوست” إلى مساعي الاحتلال التركي لـ “تتريك” و”تعريب” الوظائف في عفرين، عبر طرد الموظفين الكُرد بترهيبهم واختطافهم المتواصل، سعياً للوصول إلى هيئات ومؤسسات خالية من الكُرد، أو يكونوا اقلية بين الموظفين من المستوطنين (المتشكلين في غالبيتهم من أنصار “جماعة الإخوان المسلمين السورية” وهي المنبع الفكري لمسلحي “الجيش الحر” و”الجيش الوطني”).
وفي هذا السياق، أكد ناشطون في الواحد والعشرين من ديسمبر العام 2018، أن والي عفرين من الاحتلال التركي، قد أقال مدير مؤسسة المياه في عفرين المهندس “صلاح علي”، وعين مكانه المدعو “عبد القادر حافظ”، المقرب من ميليشيا “لواء التوحيد”، وهو مستوطن من مارع بريف حلب الشمالي.
وأضاف المصدر أن المدير الجديد بدء عمله بفصل مهندس كُردي من إدارة سد ميدانكي، إلا أنه تراجع عن قراره بسبب عدم وجود خبرات من المستوطنين تملأ مكانه، كما أنه يقوم بفصل الموظفين الكُرد وتعين مستوطنين ينحدرون من مدن كـ اعزاز ومارع عوضاً عنهم.
ويأتي توظيف المستوطنين بدل الكُرد ضمن الوظائف في إقليم عفرين، في إطار خطة مرسومة، تهدف لمحاصرة السكان الكُرد معيشياً ومحاربتهم في مصدر رزقهم، ليضطروا لترك المنطقة، وبالتالي المضي في سياسة التغيير الديموغرافي لصالح المستوطنين الذين قدموا برفقة جيش الاحتلال التركي والميليشيات الإسلامية.
سبل شرعنة الاستيطان..
ويعمل الاحتلال التركي على تغيير معالم اقليم عفرين الكُردي التابع للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وذلك من خلال محاولة تتريك المنطقة الكردية ومحاولة طمس هويتها القومية، بما فيها نشر أعلامه ولغته فوق الدوائر الرسمية.
وفي التاسع من يناير الماضي، أكد مجلس الاحتلال التركي في عفرين بدئه إصدار بطاقات شخصية لقاطني المدينة، ووفقاً لمجلس الاحتلال فإن “دائرة النفوس والأحوال الشخصية التابعة له، بدأت إصدار بطاقات شخصية لكافة فئات المجتمع في المدينة والقرى والبلدات المحيطة فيها، تشمل السكان الأصليين والمستوطنين.
ومن شأن هذا الإجراء المساواة بين السكان الأصليين من الكُرد والمستوطنين الذين يتشكلون في غالبهم من عوائل مسلحي المليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي، ما يعني منحهم حقوق كاملة كالتالي يتمتع بها السكان الاصليون من الكُرد، ومحاولة إزالة الفوارق بين الحالتين.
في حين أشار مراقبون إلى أن توزيع بطاقات التعريف تلك هدفها الأساس منح المستوطنين الحق في التصويت ضمن أي انتخابات محلية (صورية) قد تجري لاحقاً برعاية الاحتلال، ما سيمكن المستوطنين بموجبه من التصويت لمرشحين من المستوطنين، وبالتالي تسلمهم إدارة الدفة في عفرين بحجة الانتخابات ،وسن التشريعات التي تمهد لهم الاستيلاء على ممتلكات السكان الأصليين الكرد من عقارات واراضي.
ويهدف القرار التركي إلى تمييع الانتماء الأصيل الى عفرين، من خلال منح المستوطنين بطاقات تثبت انهم من عفرين، وبالتالي عدم المقدرة على التمييز لاحقاً بين السكان الأصليين من المنطقة الكُردية، أو المستوطنين الذين استجلبهم الاحتلال لإحداث التغيير الديموغرافي.
عفرين تكرار لـ كركوك..
وتذكر ممارسات الاحتلال التركي بأخرى نفذها المقبور صدام حسين بحق الكرد في كركوك، وهو ما خلص له في الخامس عشر من نوفمبر العام 2018، “مايكل روبن” من معهد إنتربرايز الأمريكي للأبحاث السياسية العامة، الذي قال إن “أردوغان يريد ان يكرر تجربة صدام في كركوك، وكما حاول صدام “تعريب كركوك”، يحاول أردوغان “تتريك عفرين”، ووصف روبن في مقال نشره المعهد، ما ترتكبه قوات أردوغان في عفرين بـ “حرب إبادة” و “تطهير عرقي”. وقال: “تركيا قتلت 10000 من السوريين الأكراد، وشردت 180000 منهم، وهذا يذكرنا بما فعله صدام حسين بكركوك”، وتابع: أردوغان يحلم بإعادة السلطنة العثمانية وقد تكون عفرين الخطوة الأولى.
وفي سياق عمليات “تتريك عفرين”، قامت المليشيات الإسلامية بصبغ واجهات المحال التجارية بألوان العلم الذي تعتمده المجموعات المسلحة التابعة لتركيا وعلم الاحتلال التركي، إضافة إلى تغيير معالم المدينة، عبر تغيير أسماء معالمها وقراها، ونشر اللغة التركية، على اللافتات، ونشر العلم التركي فوق الدوائر الرسمية، فيما يتهم ناشطون كرُد، المنظمات الدولية والدول ذات التأثير في الأزمة السورية، بمشاركتها الاحتلال التركي في سياسة التغيير الديمغرافي، وذلك بسبب صمتها تجاه ممارسات الاحتلال.
عواقب..
ويؤكد مراقبون كُرد بأن استراتيجية الاحتلال التركي في تغيير ديمغرافية عفرين بدأت من خلال عمليات التهجير القسري آذار العام 2018، والتدمير المُمنهج للمناطق الكردية مما يجعل الحياة فيها مستحيلة، كما يجعل إعادة بنائها صعبة جدا في ظل الظروف الراهنة، وبالتالي عدم تفكير السكان الأصليين بالعودة اليها حتى لو انتهت الحرب الطاحنة وتوقفت عجلتها القاتلة في سوريا.
ويرى هؤلاء أن الاحتلال التركي يعمل على تفكيك المجتمعات المحلية لتدمير قدرتها على الصمود والبقاء، ويمنع الاهالي من العودة إلى مناطقها، ويسعى إلى إطالة أمد الحرب في سوريا وتعقيد الحل السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يدفع المُهَّجرين قسرياً إلى الاستقرار في أماكن تواجدهم، وأن تُصبح آمال عودتهم ضئيلة جداً أو مستحيلة.