أصدر مجلس الاحتلال المحلي التابع للاحتلال التركي، في إقليم عفرين الكُردي التابع للإدارة الذاتية سابقاً، تعميماً مؤرخاً بالحادي عشر من فبراير الجاري، اعترف فيه بقيام المنظمات التي تعمل تحت خانة الإغاثة، بالتمييز في عمليات التوزيع على الأهالي!
ويأتي ذلك ليؤكد تقارير سابقة تطرقت من خلالها “عفرين بوست” إلى التمييز العنصري الذي تمارسها المنظمات العاملة تحت مسمى الإنسانية والإغاثة، من خلال ممارستها التمييز العنصري بحق السكان الأصليين الكُرد في عفرين، عبر اقتصار مساعداتها على المستوطنين!
عنصرية في التوزيع..
وقال مجلس الاحتلال في تعميمه: “ظهر في الآونة الأخيرة قيام اغلب المنظمات والمؤسسات باستهداف فئات معينة من المقيمين في مدينة عفرين بسلات إغاثية دون فئات أخرى، وهذا ما يشكل شرخاً اجتماعياً وعبئاً ثقيلاً”. مردفاً: “يطلب من كافة المنظمات (…) الالتزام بالتوزيع لجميع الفقراء والمحتاجين من جميع الفئات في المدينة دون تمييز”!
وسبق أن أكدت مصادر ميدانية من قلب عفرين، أن الجمعيات التي تعمل تحت يافطة الإغاثة والمساعدات الإنسانية، توزع المعونات بطريقة عنصرية، عبر التمييز بين السكان الأصليين الكُرد، والمستوطنين الذين يتشكلون في غالبهم من عوائل مسلحي المليشيات الإسلامية التي طردت من أرياف دمشق وحمص وحماه وغيرها.
وتعمل تلك المنظمات على توزيع مساعداتها على المستوطنين، بحجة أنهم أولى بها من أهالي عفرين، فيما يعاني أهالي عفرين من سياسات التفقير الممنهجة، التي عمد الاحتلال التركي إلى تطبيقها بحق السكان الأصليين الكُرد، منذ إطباقه الاحتلال العسكري، بعد أن حرم الكُرد من الاعمال التي كانوا يزاولنها سواء ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية، او ضمن المنشآت الصناعية التي جرى افتتاحها في عهدها، خاصة شركات انتاج الألبسة الجاهزة وغيرها.
وعمل الاحتلال على تفقير الكُرد عبر ترك الباب مُشرعاً أمام مسلحي المليشيات الإسلامية، ليقوموا بعمليات السرقة والخطف والابتزاز، مستفيدين بشكل أساس من معلومات مخابراتية كانوا قد حصلوا عليها من منظمات عملت في عفرين خلال عهد “الإدارة الذاتية”، تحت مسميات الإغاثة وتتخذ من عينتاب مقراً لها، حيث ساهمت تلك المنظمات بشكل كبير في تزويد مخابرات الاحتلال بأسماء ميسوري الحال في عفرين، إضافة لمعلومات تفصيلية عن أملاك غالبية الأهالي الكُرد.
عنصرية في التوظيف..
وفي سياق العنصرية التي تمارسها تلك المنظمات، فإن التمييز يتعدى التوزيع إلى التوظيف، حيث أكد مصدر خاص لـ “عفرين بوست” سابقاً، أن الجمعيات والمنظمات العاملة حالياً في إقليم عفرين الكُردي، بكنف ورعاية المليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي، تمتنع عن توظيف المواطنين الكُرد من أهالي عفرين بين طواقمها.
وقال المصدر أن تلك المنظمات تُعين كحد أقصى مُوظفاً واحداً أو مُوظفين ضمن مُلاكها من الكُرد، مضيفاً: “أحد اقربائي تقدم للعديد من تلك المنظمات سعياً للعمل فيها، ورغم ما يمتلكه من خبرات سابقة، إلا أنه جرى رفض توظيفه”، مشدداً أن المنظمات تُعين فقط المستوطنين القادمين برفقة المليشيات الإسلامية المُحتلة لـ عفرين.
وأضاف المصدر أن “غالبية العاملين من المستوطنين ضمن تلك المنظمات، يعملون وقف شهادات مُزورة، يتم استصدارها من مدينة اعزاز، وهو أمر ينطبق على مجالي التوظيف ضمن المنظمات الإغاثية والتعليمية”.
وأردف: “عرض أحد المستوطنين على شبان كُرد أن يجلب لهم شهادات مُزورة وفق مبالغ مالية من مدينة اعزاز، كي يتمكنوا من تقديمها إلى المنظمات الإغاثية او التعليمية، فيستطيعوا العمل ضمنها”.
عنصرية في القيادة..
ويقود التركمان مجموعة كبيرة من المنظمات في عفرين، الذين جلبهم الاحتلال التركي من ارياف حمص واللاذقية، ويسعى لتوطينهم ف المنطقة الحدودية بين عفرين وتركيا، خاصة ناحية بلبلة، بهدف ترسيخ التغيير الديموغرافي في إقليم عفرين الكٌردي.
ومن تلك المنظمات والجمعيات: “جمعية يساوي” و”الفرات التضامنية”، وهي جمعيات يدرها المستوطنون التركمان، ويغلب الطابع التركي الخالص عليها، ويبدو واضحاً عمل الاحتلال على تعزيز دور تلك المنظمات من خلال افتتاح مراكز برعايتها، لتزرع الثقافة الفاشية الطورانية في عقول الأطفال، وهو ما أظهرته صور من مراكز تديرها تلك المنظمات، تعلم الأطفال رفع شعار الذئاب الرماية الخاصة بالحركة القومية التركية المتطرفة كـ مركز سليمان الحلبي في قرية كوتانا\كوتانلي.
قطر والإخوان المسلمون..
وتتلقى معظم المنظمات العاملة في ظل الاحتلال التركي الدعم المالي من دول تدعم الاخوان المسلمين (التنظيم المصنف ارهابياً في العديد من الدول العربية والغربية)، حيث حصل مراسل “عفرين بوست” في ناحية جنديرس في السابع من فبراير، على معلومات أكيدة حول الجهود القطرية لتشجيع الاستيطان والاستقرار في عفرين، عبر تقديم مغريات ومساعدات مالية للراغبين بالاستقرار في الإقليم الكُردي المُحتل.
وعملت قطر منذ بداية الحرب الأهلية السورية على تمويل ودعم جماعات الاخوان المسلمين، التي ترعاها تركيا، سوآء العسكرية او السياسية، حيث تقود الجماعة المُصنفة كـ “تنظيم إرهابي” في العديد من الدول العربية، دفة المُعارضة السورية عبر ما يسمى “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”.
وتقوم ما تسمى “منظومة قطر لإعادة الأمل للأرامل”، بالعمل على برنامج لتشجيع الزواج من الأرامل، عبر التوجه للمخيمات ونشر مناشير، واعداد قوائم للراغبين بالتقدم للزواج من الارامل.
ووفقاً لعرض المنظومة القطرية، فإن الأخيرة سوف تتكفل بكامل مصاريف الزواج، وعلى المُتقدم فقط تأمين منزل أو ما يسمى “بيت شرعي”، ليحصل بموجبها المتقدم للزواج بأرملة على مبلغ 3000 دولار أمريكي (وهو ما بات متوفراً للمستوطنين المرافقين للمليشيات الإسلامية عقب استيلائهم على بيوت الكرد وارزاقهم).
كما من المحتمل وفقاً للمعلومات التي حصل عليها مراسل “عفرين بوست”، أن يتم تخصيص مرتبات شهرية للمتزوج بأرملة، وقدرها حوالي الـ 200 دولار امريكي، حيث من المفترض بموجب العرض القطري، أن تعمل مجالس الاحتلال المحلية على تعبئة قوائم زودتهم بها المنظومة القطرية، بغية تسجيل أسماء الراغبين بالزواج من الارامل.
وأكد مراسل “عفرين بوست” أن المنظومة القطرية تعمل على تشجيع الاستيطان في عفرين، حيث توزع الإغاثة والمحروقات على المستوطنين، لدفعهم للبقاء في الإقليم الكردي.
وخلال الغزو التركي على عفرين يناير العام 2018، كانت قطر الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت صراحة وقوفها إلى جانب الغزو التركي، حيث يشترك الاحتلال التركي وقطر في دعمهم وتمويلهم لجماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبر المرجع الروحي لغالبية مسلحي المليشيات الإسلامية المعروفة بمسميات (الجيش الحر، الجيش الوطني وجبهة النصرة)..
مهجرو عفرين لا يلقون أذن..
وفي حين يعمل الاحتلال التركي، وميليشياته والدول الداعمة للإخوان المسلمين وعلى رأسها قطر، لتمويل وتشجيع المستوطنين على الاستقرار في عفرين، يعاني مهجرو عفرين في الشهباء ومخيماتها من صمم المنظمات الدولية عن مساندتهم.
ففي الواحد والعشرين من سبتمبر العام 2018، أصدر المرصد السوري لحقوق الانسان تقريرا، أكد فيه تعامي المنظمات الدولية والإغاثية والإنسانية عن تقديم المساعدة لمهجري عفرين في الشهباء وشيراوا، مشدداً أن ما قدم من مساعدات لم يرقَ لحجم المأساة ولم تغني المساعدات المقدمة ولم تسمن من جوع.
وطالب المرصد في تقريره المجتمع الدولي للعمل الحثيث والجاد من أجل إعادة سكان منطقة عفرين إلى موطنهم وتأمين الضمانة لحياتهم وعدم المساس بهم، إذ لا مكان يسع تشردهم ولا منظمات تقدم لهم المساعدة.
وقال المرصد: “نطالب الجهات الإنسانية والإغاثية بتقديم المساعدات التي تمكن المهجَّرين من عفرين من الاستفادة منها، وتقديم العلاج الطبي لمئات آلاف المشردين في منطقة جغرافية ضيقة، كما نطالب الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي بالضغط على تركيا لفتح الحواجز أمام الراغبين بالعودة إلى عفرين، وضبط فصائلها التي لم تترك ممتلكات لا صغيرة ولا كبيرة إلا ونهبتها، وتمارس يومياً الانتهاكات بحق سكانها”.