منذ احتلال عفرين، تعامل المسلحون الذين يتبعون الاحتلال التركي ويعملون تحت إشراف مخابراته بمسميات عديدة منها (الجيش الحر، الجيش الوطني وجبهة النصرة)، مع إقليم عفرين الكُردي من منطق الاستباحة والغنيمة!
وعملت المليشيات الإسلامية على فرض الاتاوات على أهالي عفرين من خلال حواجزها التي انتشرت على مداخل نواحي عفرين ومركزها، مستغلة السطوة التي تتمتع بها، وغياب القوانين، في ظل فوضى الاحتلال والاحكام العرفية التي لا تزال سائدة من إطباق الاحتلال العسكري على الإقليم الكردي.
وشهد من أهلها..
وفي هذا السياق، اعترفت إحدى الوسائل الإعلامية الموالية للمليشيات الإسلامية في تقرير لها يوم الحادي عشر من فبراير، تحت عنوان (كاميرات للحد من ظاهرة الإتاوات على حواجز “الجيش الوطني”)، كاشفة بعضاً من المستور عن تجاوزات المسلحين التابعين للاحتلال التركي.
وجاء في تقرير الوسيلة التي تسمى “اقتصاد” ما يلي: “وتُفرض الأتاوات بحسب نوع السيارة والحمولة. وتبدأ من (٢٠٠ ل.س) لتصل إلى (٢٠٠٠ ل.س)، حيث أن تسعيرة سيارة نقل الركاب والسيارات الخاصة (٢٠٠ ل.س) أما سيارات نوع “هونداي بورتر” (٣٠٠ ل.س) ونوع “هونداي انتر” (٥٠٠ ل.س)، وسيارات الشحن والقاطرة المقطورة (١٠٠٠ -٢٠٠٠ ل س)”.
ونقلت الوسيلة الموالية للمليشيات الإسلامية شهادات بعض أهالي ويدعى أحدهم “أبو أحمد”، وهو سائق سيارة نقل بضائع بين إدلب واعزاز اللتان شنت منهما المليشيات الإسلامية عدوانها على عفرين بالقول: “بعد مرورنا من بلدة الغزاوية بريف عفرين نجهز قطع نقدية من فئة (٢٠٠ ل.س) وعند وصولنا إلى أول حاجز تابع للجيش الوطني، يسأل العنصر ما نوع الحمولة، ويطلب إكرامية للحاجز على حسب نوع الحمولة”. “عند كل حاجز يقوم العناصر بطلب إكرامية، وعند رفض الدفع يطلب العنصر الوقوف قرب الحاجز لساعات، أو يطلب إفراغ الحمولة، وعندها نضطر لدفع المبلغ الذي يطلبه”. “عدد الحواجز في منطقة عفرين، ممن يطلبون إكرامية (اتاوة) حوالي ٨ حواجز. ولا تتجاوز المسافة ٢٠ كيلومتر. وإجمالي المبلغ الذي يدفع حوالي (٤٠٠٠ ل.س) تقريباً، لسيارات نوع انتر. ويزيد المبلغ بحسب نوع السيارة”.
أما المدعو “أحمد الإدلبي”، وهو تاجر فحم حجري ينقل الفحم من مدينة الباب شمال حلب إلى مدينة إدلب، فقال: “إن الضرائب والأتاوات هي سبب ارتفاع سعر الفحم الحجري في مدينة إدلب. نشتري كيس الفحم تقريباً بسعر 1000 ليرة سورية، وندفع مبلغ (١٠٠٠ ل.س) ضريبة على الفحم، عبر الحواجز”. “عدد الحواجز التي تأخذ منا إكرامية يصل إلى ١٢ حاجز. وتتراوح الأتاوات بين (٣٠٠ إلى ٥٠٠ ل.س). ويصل إجمالي المبلغ (1000 ل.س) على الكيس الواحد، بين ضرائب واتاوات للحاجز. ويصل سعر كيس الفحم إلى يد المستهلك في مدينة إدلب بـ (٢٠٠٠ل. س)”. “تعرضت للإهانة من قبل أحد الحواجز بسبب الامتناع عن دفع الأتاوات”.
تقارير سابقة..
ويأتي ذلك تأكيداً لتقارير سابقة أصدرتها “عفرين بوست”، ففي نوفمبر العام 2018، أفادت مصادر محلية أن الحواجز الأمنية التابعة لميليشيات “غصن الزيتون” تفرض اتاوات على نقل عبوات زيت الزيتون من النواحي إلى مدينة عفرين حيث بلغت الاتاوات المفروضة 5 آلاف ليرة سورية أي ثلث سعر العبوة الواحدة تقريبا (16) ألف ليرة سورية.
وأكدت تلك المصادر أن الحاجز الأمني التابع لمليشيا” السلطان سليمان شاه” التي يقودها المدعو “محمد الجاسم او عمشة”، والذي يتواجد مسلحوه على المدخل الجنوبي لبلدة شيه\شيخ الحديد، يُلزم المواطنين بدفع مبلغ 1500 ليرة سورية على كل عبوة زيت الزيتون لقاء السماح بنقل المنتوج إلى مدينة جنديرس ومنها إلى عفرين المركز، فيما تفرض الحواجز الأخرى وعددها (7) مبلغ خمسمائة ليرة سورية ليصل مجموع الاتاوات إلى خمسة آلاف ليرة سورية عدا أجور النقل. كما أفاد مصدر آخر أن فصيل “السلطان سليمان شاه\العمشات” يفرض اتاوات على حراثة حقول الزيتون وتقليم الأشجار في قرى ناحية شيه\الشيخ حديد التي يحتلها!
وفي أكتوبر \ تشرين الأول العام 2018، أكدت “منظمة حقوق الإنسان في عفرين” في تقرير لها، أن الحاجزين الأمنيين التابعين لمليشيا السلطان مراد والمتواجدين في مدخل بلدة ميدانكي والمفرق المؤدي للسد يقومان بفرض أتاوات على الجرارات التي تنقل ثمار الزيتون للمعاصر على غرار الحاجز التابع لمليشيا ‹صقور الشمال› المتواجد بمفرق قرية كمروك.
حجة محاربة عفرين..
وجاءت محاربة الإسلاميين للقوات الكردية خدمة للأجندات التركية، وبابً للارتزاق، بعد أن افرغت كل الشعارات التي يتغنون بها من اسقاط النظام والحرية والعدالة من محتواها، لصالح ما تسميها بمحاربة المليشيات الانفصالية في إشارة إلى الٌقوات الكردية.
وفي حين أن تهمة الكرد هي الانفصالية، تجاهلت المليشيات الإسلامية أنها جاءت على ظهر دبابة تركية كعدو يغزو أرض خصمه، وأن مسلحيها يضعون العلم التركي على اكتافهم، ويقسمون على العلم التركي في تخريج مسلحيهم!
ويتناسى هؤلاء المسلحون وواجهتهم السياسية (الائتلاف) التي يقودها الإخوان المسلمون والتركمان، أن مبادئ الثورة المُدعاة للحرية، تتضمن نيل مختلف المكونات حقها في إدارة نفسها بنفسها، وهي من ابسط ما يتوجب على مُدعي الثورة تشجيعه لشركائهم المفترضين بالوطن، سعياً لبلاد تجمع بين مكوناتها بالعدل، لا الحرب والقوة المسلحة.
ويستقوي المسلحون التابعون للمليشيات الإسلامية على المواطنين الكُرد بالسلاح والعدة التركية، مدركين أنهم قوة غاصبة للإقليم الكُردي، بعد غزوٌ استمر شهرين، ساهم فيه المسلحون العاملون لدى تركيا ضمن مليشيات (الجيش الحر، الجيش الوطني) في قتل ما يقارب الـ 4 آلاف مُقاتل كردي، من أبناء الإقليم، في حين مارس هؤلاء حقهم المشروع في الدفاع عن النفس، بغية حماية أهلهم، وصون حقوقهم، ومنع استباحتها كما حصل بعد إطباق الاحتلال العسكري عليها.
نموذج الإدارة الذاتية..
وتقمص الغزاة من مسلحي المليشيات الإسلامية الرواية التركية بكون الكُرد انفصاليين، ليبرروا غزوهم للإقليم الكردي، فيما لم تدعو القوات الكُردية أو واجتهم السياسية الممثلة بالإدارة الذاتية يوماً للانفصال عن سوريا، حيث كان المسمى الرسمي للحكم الذاتي الكُردي في عفرين هو (مقاطعة عفرين-سوريا). إلى جانب دعوة “الإدارة الذاتية” على الدوام لبناء سوريا جديدة لا مركزية.
ويستذكر هنا مطالبة المسلحين قبل طردهم من حلب الشرقية عبر الراعي الدولي للحل في سوريا “ديسمتورا”، لتطبيق “الإدارة الذاتية” في حلب الشرقية، في الوقت الذي كان يحارب فيه المسلحون الإسلاميون بدعم تركي، القوات الكردية لأنها تطبق النموذج ذاته في مناطقها!
ففي نوفمبر \ تشرين الثاني العام 2016، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم رفض دمشق «جملة وتفصيلاً» لخطة ستيفان دي ميستورا بإقامة «إدارة ذاتية» تشرف عليها الميليشيات المسلحة في الأحياء الشرقية لمدينة حلب.
وما كان لافتاً أكثر، أن المليشيات التي ساهمت في تدمير الوطن السوري وتمزيق جسده وتدمير اقتصاده وسرقة معامله من حلب ونقلها الى تركيا، وتقسيمه للمجتمع السوري على أساس عرقي وطائفي، والتي وصفت على الدوام بأنها مليشيات إرهابية، نتيجة ما مارسته من عمليات الخطف والقتل والتعذيب في مناطق تمكنت من احتلالها خلال سنوات الحرب الاهلية السورية المندلعة في العام 2011، قد باتت تتحدث من ذات منطق النظام من خلال إطلاق حكم الإرهاب على المختلفين سياسياً وايدولوجياً معهم، من خلال إطلاق مسمى المليشيات الإرهابية على القوات الكردية! في مشهد يوصف بأنه المضحك المبكي!