عفرين بوست ــ خاص
تتكرر حوادث التنمر والاعتداء على أهالي عفرين الكرد وممتلكاتهم يوميّاً وبأشكال مختلفة، من قبل مسلحي الميليشيات والمستوطنين الذين يستقوون بهم، في ظلّ فوضى السلاح وتنازع الميليشيات على المنهوبات ومناطق النفوذ، على مرأى السلطات التركيّة المحتلة.
أصدرت في 6/6/2022، لجنة مؤلفة من مجموعة (مشايخ وشرعيين) قراراً بفرضِ غرامة ماليّة مقدارها 4 ألاف دولار أمريكيّ على المواطن الكردي “مصطفى طوبال” من أهالي قرية جلمة التابعة لناحية جنديرس، بذريعة التعويض عن إصابة امرأة من العشيرة بجروح بيدها.
وفي التفاصيل، أنّ خلافاً وقع في 2/6/2022، بين المواطن الكرديّ “مصطفى طوبال”، ومجموعة من الرعاة المستوطنين الذين تقصدوا رعي أغنامهم في حقلٍ مزروع بالبقوليات (بالحمص والعدس) تعود ملكيته للمواطن مصطفى، الذي تصدّى للمستوطنين ومنعهم من الرعي الجائر في حقله الذي يسترزق منه. وانهال المستوطنون بالضرب المبرح ووجّهوا له الإهانات.
وتجدد عراك آخر في القرية بين “طوبال وشقيقيه” وأولئك المستقدمين، وتدخل عدد كبير من المستوطنين ضد المواطن مصطفى، الذي تعرض لرضوض في جسده، نتيجة الضرب، وحتى النسوة شاركن في الحادثة، ما أدى لإصابة إحداهن بجرح في يدها، أثناء محاولة المواطن مصطفى الدفاع عن نفسه. وبالنتيجة أصيب بعضهم بجروح.
على خلفية المشاجرة تدخل مسلحو ميليشيا “فيلق الشام” ومتزعمها في القرية المدعو “عروة سويد”، والتوصل إلى “مصالحة بين الطرفين”، وتم تعيين لجنة تضم مجموعة (مشايخ وشرعيين) من مستوطنين من عشيرة الموالي المنحدرين من ريف إدلب والقاطنين حالياً، في قرية جلمة بناحية جنديرس وميليشيا فيلق الشام، المسيطرة للقرية، لفض الخلاف بين الطرفين، وقررت اللجنة حل النزاع بين عائلة “مصطفى طوبال” وعشيرة الموالي، وتعهد الطرفان بعدم التعرض لبعضهما، إضافة لتغريم المواطن “مصطفى” بغرامة مالية مقدارها 4 آلاف دولار أمريكي، تعويضاً لعائلة المرأة التي تعرضت لجروح. على أن يُدفع المبلغُ خلال مدة أقصاها عشرة أيام.
لم يتضمن قرار اللجنة تعويض الضرر الذي لحق بحقل “طوبال”، رغم إصابته أيضاً برضوض في جسده، نتيجة الضرب الذي تعرض له من قبل المستوطنين.
عندما يكون الضحية مستوطناً
المستوطنون إجمالاً هم الحاضنة الاجتماعيّة للمسلحين، وعندما يتعرض مستوطن لأدنى حادث أو يكون هو المعتدي يستنفر المسلحون وفق معيار مناطقي أو عشائريّ بصرف النظر عن منطق العدالة. وبإمكانهم فرض إرادتهم على الميليشيات نفسها.
في 5/6/2022، وقعت اشتباكات بين مجموعة من ميليشيا “فرقة الحمزة” ومسلّحَين من عشيرة الموالي مقيمين في قرية تلف قرب مفرق قرية عندريه على الطريق العام عفرين – جنديرس، على خلفيّة قيام عنصرين من عشيرة الموالي تحت تهديد السلاح بمطالبة المواطن “شكري كنعان” من أهالي قرية عندرية مبلغ 3500 دولار أمريكي، بذريعة أن قريبه المقيم بألمانيا والذي تعود ملكية الأرض له موالٍ للإدارة الذاتية، وتقدّم المواطن “شكري” بشكوى ضدهما لدى أمنيّة مليشيا “الحمزة”، والتي أرسلت دورية لاعتقال المسلحين، إلا أنّهما رفضا تسليم نفسيهما، لتندلع على إثرها اشتباكات بين الطرفين، أدت لاحتراق أرض زراعيّة تعود ملكيتها للمواطن “مصطفى زالو” من أهالي قرية كفردلي تحتاني، كما أصيب مسلّح بجروح بليغة، واستنفر مسلّحو “الموالي” ونصبوا الحواجز وقطعوا الطرقات.
وبتاريخ 23/4/2022 قُتل عنصر في ميليشيا “الشرطة العسكريّة” المدعو “مصطفى محمد البرش” جراء تبادل لإطلاق النارِ بين ميليشيا “الفرقة التاسعة” وميليشيا “المعتصم” قرب دوار القبّان وسط مدينة عفرين المحتلة. واستنفر على إثرها مسلحو الغوطة والمنحدرون من ريف دمشق، واجتمعوا في خيمة العزاء وأمهلوا ميليشيات (اللواء 51، ولواء السلام). التي تسببت بقتله مدة 24 ساعة فقط لإخلاء مقراته، رغم أنّ ميليشيا “الفرقة 51” قامت بتوقيف اثنين من عناصرها وتسليمهما للمقر الأمنيّ التابع لميليشيا “الجبهة الشامية”، وعلى خلفية الحادث أصدرت كلٌّ من غرفة “عزم” وما تسمى وزارة الدفاع تعليمات بمنع التجول بالسلاح.
واستنفرت قبيلة النعيم في 24/5/2022 بسبب مقتل المدعو “عبد الرزاق طراد العبيد النعيميّ” (أبو العوف) من ريف حماه تحت التعذيب في سجن أمنيّة “فيلق الشام”. واضطرت الميليشيا لتسليم عناصرها المتسببين بالقتل وحلت أمنية إيسكا وقامت بإخلاء السجن. وبذلك تم تحميل كامل الميليشيا المسؤوليّة. وجاءت عملية الإخلاء بعد إعلان شرعي “فيلق الشام” المدعو “عمر حذيفة”، في 28/2/2022، حلَّ أمنية إيسكا في ناحية جنديرس، وتسليم عناصرها لميليشيات “الشرطة العسكريّة”.
عندما يكون الضحية كردياً
في عفرين المحتلة غياب مطلقٌ للقواعد القانونيّة من أيّ نوع، بل أضحت في ظل الاحتلال التركي جزيرة مستباحة معزولة عن كل القواعد القانونية، وحتى القيم الأخلاقية في الأعراف العشائريّة المتعارف عليها في إنصاف المظلوم، وليكون الكرديّ مداناً حتى عندما يُعتدى عليه وعلى ممتلكاته، فيما مجرد الشكوى تستوجب العقاب والملاحقة من قبل مسلحي الميليشيات.
يوم الإثنين 6/6/2022، اعتدى مستوطنان في مخيم راجو على الشاب “عثمان علي حمكي” (22 سنة) من أهالي قرية عتمانا، ويعمل في بيع المحروقات في بلدة راجو، بالضرب والطعن بالسكين، بعدما امتنع عن بيعهم لأنّ عملتهم الورقيّة كانت مهترئة وغير قابلةٍ للتداول.
يوم الجمعة 27/5/2022، اعتدى عناصر حاجز مسلّح لميليشيا “الفرقة 21” وسط مدينة جنديرس- الشارع /16/ على المواطن الكردي “صبحي ككمان” وزوجته وثلاثة من أولاده واثنتين من زوجات الأبناء بالضرب والإهانات، بعدما طلب ابنه الشاب “محمد” من الحاجز فتح الطريق أمام دراجته النارية ليدخل إلى منزله المجاور؛ وهدد المسلحون بطرد العائلة التي لم تجرؤ على الشكوى لدى أيّة جهة.
وفي اليوم نفسه وفي الحارة التحتانية في جنديرس اعتدت مجموعة من المستوطنين ينحدرون من بلدة عنجارة- بريف حلب الغربي على صبيٍ يافع ابن “فريد حُصين” بالضرب، بعدما طالب أولادهم بإخراج أغنامهم من حقل زيتون لوالده جنوبي المدينة.
بتاريخ 25/5/2022، وفيما كان عنصر من أمنية شركة الكهرباء بمدينة عفرين يعبث بسلاحه، انطلقت رصاصة وأصابت المواطن الكرديّ “حكمت منان محمد” (32 سنة) من أهالي قرية كوندي مزن، وهو عامل في الورشة، بإصابة خطيرة، أُسعف على إثرها إلى مشفى في مدينة أنطاكيا التركية، وأعيد إلى مشفى ابن سينا في عفرين دون إجراء أيّة عملية جراحيّة هناك؛ ولم يتقدم المواطن وعائلته بأي شكوى مع فرار مطلق النار، فيما لم تُتخذ أيّ إجراءات قانونيّة أو ملاحقة له من قبل السلطات الأمنية.
في 14/5/2022، اعتدى مستوطنون ينحدرون من قرية معصران بريف معرة النعمان، على مواطنين إيزيديين في قرية باصوفان بناحية شيراوا، هما الشقيقان: “فتحي عزت بركات” (21 عاماً)، و”بركات عزت بركات” (23 عاماً)، بسبب منعهما مستوطنين من رعي أغنامهم في أرضهم.
وكان الشقيقان قد حضرا إلى أرضهم المزروعة بالعدس لإزالة الأعشاب والحشائش الضارة عندما فوجئا بوجود المستوطنين في الأرض وبينهم نساء فطلبا منهم الخروج، لكنهم رفضوا وتهجموا على الشقيقين وضربوهما. وشاركت النساء بالاعتداء والضرب بواسطة “مجرفة”، وأطلقن شتائم بحق الشقيقين. وقال أحد المستوطنين مهدداً: “حتى السنة القادمة لن يبقى لكم أراضٍ، وهذه الأرض سنأخذها ولن يبقى عندكم شيء”.
يوم السبت 24/4/2022، تم إعلام عائلة المسن الكرديّ “بيرم معمو/ أبو عبدو” (80 سنة)، بوفاته متأثراً بإصابته الخطرة برقبته برصاصة طائشة في داره جراء الاشتباكات التي اندلعت مساء الخميس 7/4/2022، بين مسلحي “الحمزات” و”فيلق الشام”، ونُقل على إثرها إلى المشفى. ولأنَّ الضحية كرديّ لم يستأثر الحادث باهتمام أو محاسبة الفاعلين.
كما ذكرت شبكة “عفرين بوست” أنّ ثلاثة مسلحين من ميليشيا “فيلق الشام” تعرضوا يوم الجمعة 22/4/2022 للمواطن الكرديّ “خليل رشيد خليل كلي” من أهالي ميدانا – ناحية راجو، وضربوه بشدة بقضبان حديديّة، بسبب منعه المدعو “أبو خليل الإدلبي” من أن يسرح الأغنام في حقله المزروع بأشجار الزيتون والكروم. وأشار المسلحون بأسلحتهم مهددين بقتلِ كلِّ من يتدخل لمساعدته. وفيما كان المسلحون يعتدون على المواطن “خليل رشيد” صرخ أحدهم: “لو تجيني الأوامر لأذبح كلّ الأكراد في عفرين”. وهذا التصريح العنصريّ لم يأتِ من فراغٍ، بل تنسجم مع سياسة الاحتلال التركي بإفراغ المنطقة من أهلها الكرد.
كلّ الحوادث التي يكون فيها الضحية كردياً تمر بدون حساب، وتصنف سلوكاً فرديّاً، رغم أنّ الانتهاكات بالآلاف على مدى أكثر من 4 سنوات منذ احتلال عفرين. وفيما يُحاسب المواطن الكرديّ الممنوع من اقتناء أي نوع من السلاح، بذرائع وهمية، حتى لو كان في موقع الدفاع عن النفس، فالمستوطنون لا يمنعون من اقتناء السلاح ولا يُحاسبون على كلّ الانتهاكات التي يمارسونها.