عفرين بوست ــ متابعة
نشرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الأربعاء 8/6/2022، تقريراً بعنوان “التجمعات السكنية” في عفرين: مخططات هندسة ديمغرافية أم مشاريع لإيواء نازحين؟”، وتناول التقرير المشاريعَ السكنيّة التي تقوم بها سلطات الاحتلال التركي والميليشيات التابعة له على “جبل الأحلام” وهو جزء من كتلة جبلية تعرف باسم “جبل ليلون”.
أجرى الباحث الميدانيّ لدى “سوريون” أولاً، زيارة ميدانيّة إلى المنطقة خلال شهر تموز/يوليو 2021، وأجرى معاينة للمكان الذي خصص لبناء التجمّع السكنيّ عليه، وحصل على مجموعة من الصور والفيديوهات الحصريّة، حين كان المشروع في بداياته الأولى.
واستكمل باحثون آخرون من “سوريون” العمل على التقرير، وأجروا مقابلات مع 24 مصدراً، جميعهم على اطلاع مباشر بتفاصيل بناء الكتل السكنية في منطقة “جبل الأحلام”، بينهم عمّال إغاثة محليون، وشهود عيان، وعاملون في المشروع، اشترطوا عدم نشر معلوماتهم الشخصيّة لأسباب أمنيّة وخوفاً من الانتقام. كما تمّ الحديث إلى مستفيدين ومسلحين.
وقال التقرير إنّ والي ولاية هاتاي التركية “رحمي دوغان – Rahmi Doğan هو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء ذلك “التجمع”، بإعطاء الضوء الأخضر لعدد من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية والمجلس المحلي لمدينة عفرين، للبدء ببناء “التجمّع” على سفح الجبل وتخديمه، بعدما عرضت مجموعة من الميليشيات وعلى رأسهم “الجبهة الشامية” فكرة المشروع على السلطات التركية.
تجاوز دور بعض المنظمات تقديم “الخدمات العامّة” لعائلات المقاتلين، إلى بناء قرى بأكملها، وذلك لإضفاء صبغة مدنية على المشروع المخصص أساساً لإسكان المقاتلين وعوائلهم؛ منها “قرية “كويت الرحمة” التي بُنيت بدعم من “جمعية الرحمة العالمية” ومتبرعين من الكويت، بحسب “جمعية شام الخير الإنسانية” التي نفّذت مشروع المستوطنة.
وكشفت صحيفة “الوطن” الكويتية، في تقرير لها بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2021، أنّ هذه القرية المنشأة (كويت الرحمة) واحدة من مجموعة من “القرى النموذجية” التي سوف يتمّ بناؤها على الحدود التركية السورية.
قام المجلس المحلي لمدينة عفرين، والذي شكّلته الحكومة التركية بعد احتلالها عسكريّاً كامل المنطقة عام 2018، وبموافقة من “دوغان” على منح وثيقة تمّ تداول اسمها على أنّها “ورقة تخصيص”؛ وقد علمت “سوريون” بأنّها تعتبر بمثابة “إثبات ملكية للبناء” دون الأرض.
بدأ التخطيط لعملية إنشاء التجمع (قرية كويت الرحمة والمساكن المحيطة به) على مساحات واسعة في “جبل الأحلام” في أوائل عام 2021، وما يزال مستمراً حتى تاريخ الانتهاء من إعداد التقرير بنهاية نيسان/أبريل 2022، ومن المخطط أن تمتد لتشمل الجبل كاملاً.
كشفت المعلومات التي حصلت عليها “سوريون” لغرض هذا التقرير أيضاً، بأن تسعة ميليشيات تتبع للجيش الوطني السوري التابع للائتلاف السوري المعارض، متورطة بشكل أساسي في هذا المشروع وعلى رأسها “الجبهة الشامية” بقيادة “مهند الخلف” المعروف باسم “أحمد نور”. ولعب رجال الدين/شرعيو الميليشيات دوراً كبيراً بترغيب المسلحين بالاكتتاب وفي عمليات تقسيم المنطقة ولاحقاً توزيع الأراضي.
وأشار “المركز السوري للعدالة والمساءلة” العام الماضي فيما يتعلق بالمستوطنات في أماكن أخرى من عفرين، مثل مستوطنة “كويت الرحمة”، فإنه يتعين على المانحين من القطاع الخاص ومنظمات الإغاثة، فضلاً عن حكومات دولهم، ضمان توزيع المساعدات بشكل منصف وبطريقة لا تنتهك حقوق الملكيّة وعودة السكان المدنيين النازحين. ويبقى الأمر الأكثر أهميةً هو أنّ الحكومة التركية، بصفتها القوة المحتلة وتمارس سيطرة فعالة في عفرين وأجزاء أخرى من شمال غرب سوريا، هي المسؤولة مباشرةً عن الانتهاكات والقضايا التي تنطوي عليها المستوطنات حتى الآن.
المشروع السكنيّ استهدف المسلحين
ذكر التقرير أنّ المدعو مهند الخلف (أبو أحمد نور)، متزعم ميليشيا “الجبهة الشاميّة” هو الذي بادر إلى تبنّي مشروع الاستيطان في “جبل الأحلام”، والهدف إسكان مستوطنين من مناطق سوريّة أخرى وبشكل أساسيّ مسلحي الميليشيات وبخاصة المنحدرين من محافظات دمشق وريفها ودرعا وحمص وحماه والمنطقة الشرقيّة، ولاقى المشروع استحسان متزعمي الميليشيات.
سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تواصلت مع شخص حضر الاجتماعات التي نظمها المدعو “خلف”، وتحفظت على اسمه لأسبابٍ أمنية، وقال في شهادته: “في تشرين الثاني 2020 دعا “أبو أحمد نور” متزعم “الشاميّة” للاجتماع الذي عُقد في مدينة عفرين وأخبرهم أنّ أرضاً شاسعة تقع تحت نفوذ “الجبهة الشاميّة” وتتسع لبناء منازل كافة مسلحي الميليشيات الموجودة في عفرين وحتى المدنيين”.
وتابع الشاهد: “قال المدعو “الخلف”: المشروع يواجه عقبات ويجب التعاون معاً لتحقيقه، ومن أهمها الحصول على رخصة بناء من “مجلس عفرين المحلي” وهذه الرخصة لا يمكن الحصول عليها بدون موافقة الوالي التركي وهو شرط مسبق يجب على المجلس المحليّ مراعاته”.
وعن العقبات قال: “كان يجب إضفاء الصبغة المدنيّة على المشروع لإقناع المنظمات المحليّة والدوليّة بالمساهمة بالبناء دون تعرضها للمشاكل والضغوطات، أيضاً ظهرت عقبات أخرى، لها علاقة بالجانب التنظيميّ والإداريّ وتقسيم المساحات والحصص على المشاركين في تلك الاجتماعات من ممثلي الميليشيات وشرعييها”.
بعد الانتهاء من الاجتماعات تم تكليف المدعو “محمد الخطيب” الشرعي في ميليشيا “الجبهة الشاميّة” بإدارة الملف التنظيميّ للمشروع، و”الخطيب” عضوٌ في لجنة رد الحقوق والمجلس الإسلاميّ السوريّ ومدير التوجيه المعنوي في “الفيلق الثالث”.
طلب المدعو “الخطيب” من النازحين الاستفادة من المشروع بتقسيم أنفسهم إلى مجموعات بحسب المنطقة التي ينحدرون منها وتحديد ممثل عن كل مجموعة ثم أنشأ لجنة عامة للتنسيق بين ممثلي هذه المجموعات وممثل الميليشيا حول المشروع.
مصدر ثانٍ حضر الاجتماعات التي نظمها المدعو “الخطيب” قال: اجتمع الشيخ محمد الخطيب مع العديد من الناس وكنتُ موجوداً في تلك اللقاءات، وخلال هذه الاجتماعات طلب منا تسجيل أسماء الراغبين بالاستفادة من هاذ المشروع سواءٌ كانوا مدنيين أو مقاتلين ضمن ميليشيات وتقسيمهم إلى مجموعاتٍ، كلٌّ حسب مدينته واختيار ممثل عن كل مجموعة أو كتلة، وبذلك تم إنشاء الكتل، تراوحت كل كتلة 20ــ200 عائلة وتطبيق ذلك على كلِّ المحافظات الأخرى.
مصدر ثالث حضر اجتماع المدعو “مهند الخلف” ذكر إن المشروع يهدف إلى بناء منازل دائمة لمسلحي الميليشيات وعائلاتهم وإخراجهم من البيوت التي استولوا عليها في منطقة عفرين في خطوةٍ يراها شرعيو الميليشيات إيجابيّة، لأنَّ بناء منازل دائمة على أراضٍ تعود ملكيتها للحكومة السوريّة هو الحل الأمثل لمشكلة السكن والاستيلاء على ممتلكات أهالي عفرين الأصليين. إلا أنَّ المنظمة لم توثّق أي عمليات إخلاء كاملة وجماعيّة لأي من المنازل التي استولى عليها مسلحو الميليشيات، بل خلافاً لذلك رُصدت حالات تأجير المنازل المستولى عليها لأصحابها بعد انتقالهم إلى التجمعِ السكنيّ في منطقة “جبل الأحلام”، ولم تتم إعادة تلك المنازل المستولى عليها لأصحابها الأصليين.
وقالت المنظمة إنّها علمت بأنه حتى آذار 2022، انتقل 600 مسلح على الأقل مع عائلاتهم إلى مجمع سكنيّ في منطقة “جبل الأحلام” وينتمون بشكلٍ أساسيّ إلى ميليشيات “الحمزات” و”الجبهة الشاميّة”.
المشروع يستهدف كامل الجبل
نقلت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عن مسؤول في المجموعات/ الكتل المستفيدة أنّ الهدف أن يشمل المشروع كامل “جبل الأحلام”، وليس بناء عدة قرى وحسب، وتم بناء ثلاث كتل على مساحة 12 هكتار، إضافة لمساحةِ أخرى تم تجهيزها لصالح منظمات تركيّة ودوليّة ولكن التوسع الكبير رهن إقبال الفئة المستهدفة (مسلحين ومستوطنين) وتم تخصيص مساحة واسعة لصالح ميليشيات أخرى.
وأشار المصدر إلى أنه لا يعرف تحديداً حجم المساحة المخصصة ككل، أو لكلّ ميليشيا إلى حدة، ووحده المدعو “الشيخ محمد الخطيب” يعرف هذه المعلومة كونه من تلقى بشكلٍ شخصي طلبات الميليشيات وتعامل معها وهناك الكثير مكن الطلبات تأتي من أفراد نازحين أو من ميليشيات، تم منح الكثير من الأراضي وسحبها لاحقاً لصالح طرفٍ آخر حتى الآن لم يتم تثبيت المساحات الممنوحة بشكل نهائيّ، وهناك منظمات إغاثيّة وخيريّة تساهم بالمشروع.
لماذا تم اختيار هذا الموقع؟
يتميز “جبل الأحلام بأهمية استراتيجية كبيرة إذ يطل مباشرةً على خطوط التماس بين المناطق التي تحتلها تركيا وقوات الحكومة السوريّة (بخاصة نبل والزهراء) ومناطق وحدات حماية الشعب في تل رفعت ودير جمال.
في الوقت الراهن وحتى آذار 2022 تم الانتهاء من تقسيم وتخطيط ثلاث كتل لإنشاء المساكن بإيواء المسلحين وعوائلهم، اثنتان متجاورتان وثالثة تبعد نحو 2 كم وتقع هذه الكتل في منطقة حرش الخالدية، الذي يشكّل جزءاً من جبل الأحلام، المطل على مدينة عفرين شرقاً، وبحسب المعلومات سيتم التوسع في بناء المساكن “العسكريّة” لتشمل كامل الجبل حتى تغدو مدينة موازية لعفرين وتفصل ما بين مناطق السيطرة المختلفة.
المخطط التنظيميّ للمشروعِ السكنيّ:
حصلت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة على وثيقة حصريّة تظهر المخطط الهندسيّ لمشروعٍ يتم التخطيط لبنائه، وبالفعل تم بناء جزءٍ من القرية/ التجمع السكنيّ المقرر بناؤه على مساحة 12 هكتار، وبحسب المخطط فالمساحة الإجماليّة للمشروع بلغت 122533 م2، وتقع كلها في المنطقة الحراجية التي تشكل جزءاً من الغطاء النباتي في منطقة عفرين،
في أواخر عام 2020، قامت شركة الفرات للتجارة والمقاولات بوضع المخطط الهندسيّ وإجراء الدراسة الميدانية للمشروع بناءً على توجيهات من مجلس عفرين المحلي الذي طلب بناءً على تعليمات الوالي (والي هاتاي رحمي دوغان)، وتم تقسيم المشروع لثلاث كتل سكنيّة ويضم مدرستين ومسجدين ونقطة طبيّة ومخفر وست حدائق وعدة آبار مياه وخزان مياه رئيسيّ.
قام مجلس عفرين المحلي بحسب الوثيقة ذاتها بتوجيه شركة الكهرباء لتخديم المنطقة كما قام بتمديدِ شبكتي المياه والصرف الصحي التي يفترض أن تخدمَ الأراضي الزراعية المجاورة إضافة لتعبيد الطرقات الداخلية والطرقات المؤدية لها كونها منطقة وعرة.
وبحسب المخطط الهندسي خُصصت مساحة 400 م2 لكلِّ وحدة سكنية وتتألف من 3 غرف مع المرافق وخزان مياه خاص، وبحسب الشهادات التي حصلت عليها المنظمة فإن ّالمشروع سيضمُّ 500 وحدة سكنيّة/ منزل، وبالفعل تم بناء وإسكان 100 منزل، وقد بدأ المشروع خلال 2020.
الفئات المستفيدة:
الأشخاص المستفيدون من مشروع “جبل الأحلام” انقسموا إلى قسمين الأول يشكل أكثر من 70% وهم مسلحو الميليشيات والثانية أقل من 30% وهم مقاتلون سابقون مع عائلاتهم تركوا الميليشيات بعد خروجهم/ نزوحهم من مناطق سيطرتهم في مناطق سوريّة مختلفة ونازحين مختلفين.
ونقلت المنظمة شهادة حول آلية توزيع الأراضي: بعد التسجيل على الأراضي، قام الشرعيون ومتزعمو الميليشيات بعملية انتقاء واختيار العائلاتِ التي حصلت بالنهاية على مساحة 400م2، لكل عائلة وتم اختيار معظم الأشخاص من مسلحي الميليشيات مع جزءٍ من المدنيين في محاولةٍ لإضفاء التوصيف المدنيّ وإخفاء “الفصائلية”، حتى لا يكون هناك حرجٌ على المنظمات الدولية والمحلية الخيريّ’ في تقديم الدعم والتأييد.
نازح عرّف عن نفسه باسم “أبو نبيل” ينحدر من ريف دمشق، وقد حصل على قطعة أرضٍ مساحتها 400 م2: بعدما سجل لدى أحد الشرعيين في ميليشيا “أحرار الشام”. قال: “إنَّ المستفيدين هم مسلحون حاليون وسابقون إضافة إلى عددٍ من العاملين السابقين في المجالس المحلية والمنظمات الإغاثيّة، أي لا قدرة لمدني عادي على الحصول على منزل في المشروعِ.
وقال “أبو نبيل”: من خلال مجموعة محادثة في تطبيق واتس آب خاصة بأبناء منطقتي، قام شرعيٌّ في “أحرار الشام”، بإرسال مقاطع صوتيّة وشرح فيها بشكل مفصلٍ عن المشروع، وأخبرنا أنه تم تحديد يوم من أجل معاينة الأراضي بحال أردنا الذهاب وأنهم سيتكفلون بموضوع المواصلات كون الأرض بعيدة وذهبنا إلى الموقع وكان الطريق وعراً جداً وكانت أعمال تمهيدُ الطريق قد بدأت بالفعل.
بعد المعاينة اتفقنا على التسجيل قام الشرعي بتسجيل أسمائنا وخيّرنا بين أن يقوم بإجراء قرعةٍ لتخصيص الأرض أو نتفق مجموعات وجيران، وهذا ما حصل، وقام بتخصيص 400م2، شرط أن يقوم المستفيد فوراً ببناء سورٍ حول المساحة الخاصة به وذلك خلال مهلة 4 أيام وإلا سيتم سحب الأرض منه، وقمت مع جيراني بشراء مواد البناء وتسوير الأراضي المخصصة لنا.
دور الوالي والمجلس المحلي في المشروع:
اجتمع المدعو “مهند الخلف” متزعم ميليشيا “الجبهة الشاميّة” مع الوالي التركيّ في أوائل 2020، وعرض عليه مشروع بناء المنازل في جبل الأحلام.
لاحقاً حين عقدت اجتماعات جديدة بين ميليشيات الاحتلال وسلطات الاحتلال وإنشاء لجنة رد المظالم وطرحت مشكلة الاستيلاء على منازل أهالي عفرين عاود المدعو الخلف” طرح فكرة مشروع “جبل الأحلام” لتكون حلاً للمشكلة وحصل على موافقة السلطات التركيّة والمباشرة بالتنفيذ.
أكّد المصدر أنّ جميع الأوامر التي أصدرها الوالي بخصوص “جبل الأحلام” شفهيّة، ويبدو أنّها كانت بعلم سلطات أعلى في الحكومة التركيّة.